ترجمة وتحرير: نون بوست
“أولا وقبل كل شيء، يجب أن لا نجعل من هذه القضية بمثابة قصة سياسية مشوقة لا حدود لها”، لكن لم تمنع هذه الكلمات التي نطق بها المتحدث باسم الحكومة اليونانية، من جعل القضية بين تركيا واليونان فعلا “قصة مشوقة”. وفي هذا التصريح إشارة إلى حادثة إيقاف جنديين من جيش البر اليوناني من قبل الجيش التركي، في الثاني من آذار/ مارس. ولسائل أن يسأل، هل ينبغي ربط ذلك برفض أثينا الموافقة على طلب أنقرة تسليم ثمانية ضباط أتراك لجأوا لليونان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو سنة 2016؟
في الحقيقة، لن يرى الجنديان المسجونان الحرية إلا بشرط واحد، ألا وهو وصول كل من أنقرة وأثينا إلى اتفاق لتبادل السجناء. ولا يتخطى العداء بين البلدين مرحلة تصاعد التوتر، في الوقت الذي لازال فيه مناخ العلاقات اليونانية التركية في تدهور مستمر. كما أن المناورات في بحر إيجة آخذة في الازدياد؛ فقبل أسبوعين، ضرب زورق دورية تركي سفينة يونانية بالقرب من جزيرة غير مأهولة متنازع عليها.
من جهته، لم يتوان رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، عن توجيه تحذيرات إلى أنقرة. وردا على ذلك، عبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن تمسكه “بحقوق الطائفة القبرصية التركية التي لا يمكن المساس بها” في جزيرة قبرص، تلك الجزيرة المقسمة على مبدأ استغلال الغاز في مياهها الإقليمية.
خلال المنتدى الاقتصادي الأخير، الذي عقد في مدينة دلفي، اعترف سياسي تركي رفيع المستوى لصحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية بأن “اليونانيين يتحدثون عن انتهاك المجال البحري أو المجال الجوي، إلا أن كل شيء يعتمد في الأصل على حسن قراءة المعاهدات الدولية. ونحن لا نقرأها بالطريقة ذاتها”. ومن بين هذه المعاهدات نذكر معاهدة لوزان الموقعة سنة 1923، التي تعرّف الحدود الحالية في أوروبا والشرق الأوسط، والتي يريد أردوغان “تنقيحها”.
خلال سنة واحدة، زادت انتهاكات المياه الإقليمية بنسبة 450 بالمائة، فيما ارتفعت الانتهاكات في المجال الجوي بنسبة 48 بالمائة
لقد وجدت اليونان نفسها في قلب صراع شرق متوسطي أسسه الحرب السورية، وتنامي الأصولية، بالإضافة إلى “أزمة” اللاجئين. وأمام هذه التحديات، قبل وزير الدفاع اليوناني، بانوس کامينوس، لأول مرة إجراء حوار مع الصحافة الفرنسية. وينتمي کامينوس إلى حزب قومي يميني صغير “اليونانيون المستقلون”، الذي أضحى حليفًا لا غنى عنه لائتلاف اليسار الراديكالي في اللعبة الجيوسياسية.
بعد إيقاف جنديين يونانيين على الحدود التركية، هل أنت قلق من أن تبقيهم تركيا قيد الاحتجاز؟
عادة ما تحل هذه المشاكل التي تحدث على الحدود، من خلال التفاوض بين رؤساء أركان الجيشين. لكن اليوم، نرى لجوء للتصعيد بعد قرار المدعي التركي عدم تسليم الجنديين إلى القنصلية اليونانية إلى حين محاكمتهما. ولا تتعلق هذه القضية باليونان فحسب، وإنما بالاتحاد الأوروبي أيضا. فقد كان الجنديان يقومان بدوريات في منطقة معروفة بعمليات التهريب، علاوة على أنها نقطة دخول غير شرعية للمهاجرين.
بعد ذلك، اتبع الجنديان مسارًا واضحًا يقودهما إلى المهربين، إلا أنهما دخلا الأراضي التركية لمسافة بضعة أمتار. وتعتبر تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي وحليفة لليونان، لذلك يجب أن يحل مثل هذا النوع من المشاكل بطرق سلمية.
كيف تفسر ازدياد المناوشات مع تركيا؟
تمارس تركيا ضغوطا حقيقية على اليونان. فخلال سنة واحدة، زادت انتهاكات المياه الإقليمية بنسبة 450 بالمائة، فيما ارتفعت الانتهاكات في المجال الجوي بنسبة 48 بالمائة. ويكمن تفسير ذلك بالأوضاع في سوريا والصراع مع الأكراد، حيث يواجه الأتراك العديد من المشاكل في عفرين ويحاولون نقل التوترات إلى اليونان.
تعتبر قبرص دولة أوروبية تتحكم في سياستها الطاقية. وباعتبارنا حلفاء أوروبيين لقبرص، نلاحظ أن تركيا تريد أن تتعامل مع قبرص وتنشط في بحر إيجة مثلما تفعل في كل من سوريا والعراق
استأنف الجيش التركي المناورات العسكرية بالقرب من الحدود على نهر إفروس
نعم، وعلى غرار كل سنة! لكنهم قاموا بالمناورات لتأكيد وجود تركيا في الشمال وفي بحر إيجة، لأن 40 بالمائة من القوات التركية التي اعتادت الانتشار على ضفاف نهر إفروس، تم تحويل وجهتها إلى سوريا. ولكن ازداد قلقنا من التصريحات اللاذعة التي يدلي بها السياسيون الأتراك بشكل متكرر، وأولهم الرئيس أردوغان. ويعمد السياسيون الأتراك للتصعيد مع اليونان لخدمة أغراضهم السياسية الداخلية. ونحن، نحاول من جهتنا، تهدئة هذه التوترات. كما أننا نفضل تركيا الأوروبية على تركيا الإسلامية، ولهذا السبب، نحن نؤيد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
لقد قلت “أغراض سياسية داخلية”، ألا يوجد خطر آخر سوى تصاعد التوتر؟
على العكس، نحن نقترب من تصادم مميت. فعندما يُنتهك المجال الجوي، نرسل طائراتنا من أجل إخراج الطائرات التركية من مجالنا. وهذا يجعلنا تحت رحمة أي تهديد يمكن أن يطال خفر السواحل والبحرية في كل وقت…وقد ينتهك المياه أو المجال الجوي اليوناني وبالتالي الأوروبي. كما تسعى أنقرة للضغط على الاتحاد الأوروبي، لذلك نعمل دائما على إعلام الحلفاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي بكل المستجدات. فنحن مجبرون على الدفاع عن ترابنا، ليس فقط من أجل اليونان ولكن من أجل أوروبا أيضا.
هل أنصت إليكم زملاؤكم في بروكسل؟
نعم، لقد أكد المجلس الأوروبي الأخير أنه سيجري حوارا مع تركيا من أجل خفض التوتر. ومن ناحية أخرى، يمكن لسفن حلف شمال الأطلسي أن تلاحظ الانتهاكات التركية. وها قد فهم جميع هؤلاء الحلفاء أن تركيا تستغل المهاجرين كسلاح في حوارها مع الاتحاد الأوروبي.
حن نسعى إلى إشراك الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر قبرص أحد أعضائه، والحصول على دعم دول الشرق الأوسط، مثل “إسرائيل” ومصر والأردن والإمارات ولبنان، التي تجمعنا معهم اتفاقات ثنائية وثلاثية
نقطة جديدة لمزيد التوتر، وهي عمليات التنقيب عن الغاز بمحاذاة قبرص التي تعطلها تركيا. ما هي طموحات تركيا؟
تعتبر قبرص دولة أوروبية تتحكم في سياستها الطاقية. وباعتبارنا حلفاء أوروبيين لقبرص، نلاحظ أن تركيا تريد أن تتعامل مع قبرص وتنشط في بحر إيجة مثلما تفعل في كل من سوريا والعراق. لكن قبرص واليونان ليستا دولا من الشرق الأوسط. ونحن نحترم القوانين الدولية ونطلب من تركيا أن تتصرف بالمثل سواء كانت قوانين بحرية أو خاصة بالطاقة.
مع ذلك، تتجاوز المشكلة اليونان وقبرص لتشمل جميع الشركات التي تربطها عقود مع قبرص للاستغلال الغاز الطبيعي. والأمر سيان بالنسبة للدول التي تمثلها هذه الشركات وهي فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا و”إسرائيل”، التي لديها الحق في الدفاع عن مصالحها.
كيف ستتصرفون؟
نحن نسعى إلى إشراك الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر قبرص أحد أعضائه، والحصول على دعم دول الشرق الأوسط، مثل “إسرائيل” ومصر والأردن والإمارات ولبنان، التي تجمعنا معهم اتفاقات ثنائية وثلاثية. لكن، يضع الأتراك ضغطا إضافيا على اليونان تتزامن مع استعدادنا لإمضاء اتفاقيات اقتصادية مع كل من ألبانيا وإيطاليا ومصر وقبرص. وفي هذا الصدد، عبرت العديد من الشركات الأمريكية والأوروبية عن اهتمامها بالمشاركة في استغلال الغاز والنفط جنوب وغرب البلاد. في حين يبعث الأتراك رسالة…
هناك قمة مرتقبة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مدينة فارنا بتاريخ 26 آذار/ مارس. فهل يمكن لتركيا أن تصبح دولة كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي؟
نحن نؤيد ذلك. ونفتح أيضا الباب أمامهم من أجل تعزيز احترام القانون، ومن أجل أن يختاروا سياسة أوروبية وسياسة للمهاجرين تحترم حقوق الإنسان، بالإضافة إلى منظومة قضائية تتبع أسلوب الحوار مع الصحافيين بدلا من سجنهم. وبما أننا جيران، سيكون التعامل مع تركيا التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي أكثر سهولة بالنسبة لليونان، مهد الديمقراطية في أوروبا.
هناك مخاوف من صعود الحزب اليميني المتطرف، الفجر الذهبي، كقوة ثانية وما يمثله ذلك من خطر على اليونان والمستقبل الأوروبي.
اليونان تسعى أيضا للتفاوض من أجل إبرام اتفاقية مع “جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة”، أريم، لماذا؟
ستربح أريم الكثير من هذا الاتفاق مع اليونان. وبإمكانها أيضا الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. فاستعمال اسم مقدونيا ليس مسألة أنانية من طرف اليونان ولكنها حقيقة تاريخية وحضارية بالنسبة لكل من اليونان وأوروبا على حد السواء.
ففي مشروع الدستور الأوروبي، الذي أعد من قبل الرئيس الفرنسي السابق، فاليري جيسكار ديستان سنة 2004، وضح البند الأول أن الحضارة الأوروبية تستند بالأساس على الحضارة اليونانية، حيث يعيدنا هذا إلى تاريخ الإسكندر الأكبر ملك مقدونيا الذي يتكلم اليونانية وليس الإسكندر الأكبر الذي ينظر إليه على أنه ملك من قومية السلاف. ولم يتم استعمال اسم مقدونيا إلا تحت حكم تيتو. لذلك، لا بد من التوقف عن اعتماد بعض الرموز.
لكن، هل هناك إمكانية للاتفاق اليوم؟
لقد أحرزنا تقدما في هذا الشأن، لكن سيكون من الصعب إطلاق أغلبية برلمانية لتغيير الدستور وإقناع الرأي العام في أريم بذلك. أما بالنسبة لليونان، ففي الأغلب لن يقبل الشعب اليوناني مقترح اسم يشمل مصطلح “مقدونيا”؛ إذ يتجاوز هذا الشعور القوى المحافظة مثل الكنيسة الأرثوذكسية أو الجيش، لتتشاركه العديد من الشخصيات اليسارية مثل المؤلف، ميكيس ثيودوراكيس.
أما إذا سمحت لأقصى اليمين بمساندة هؤلاء المتظاهرين القوميين، الذين تجمهروا في أثينا في الرابع من شباط/ فبراير، فسأرتكب جريمة سياسية. وهناك مخاوف من صعود الحزب اليميني المتطرف، الفجر الذهبي، كقوة ثانية وما يمثله ذلك من خطر على اليونان والمستقبل الأوروبي.
المصدر: ليبيراسيون