بالتزامن مع تواصل عملية “غصن الزيتون” العسكرية التي يرمي من خلالها الجيش التركي تحرير منطقة عفرين السورية من “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تضعها أنقرة على “لائحة الإرهاب”، ارتفعت الهجمات على المساجد والمؤسسات التركية في ألمانيا، مما يؤكّد حسب عديد من المراقبين، سعي منظمة “بي كا كا” الكردية إلى نقل المعركة لهذه الدولة الأوروبية التي تعيش فيها أهم وأكبر جالية تركية في الخارج.
ثلاث هجمات جديدة
خلال الـ48 ساعة الأخيرة، شهدت ألمانيا ثلاث هجمات استهدفت مسجدين ومبنى لجمعية الصداقة الألمانية ـ التركية، حيث قام مجهولون بإلقاء مواد حارقة في وقت واحد تقريبًا ليل السبت في مسجد بالعاصمة برلين ومبنى تابع لجمعية الصداقة الألمانية ـ التركية في مدينة مشيده بولاية شمال الراين – فيستفاليا غربي ألمانيا.
في إتسهويه بولاية شليسفيغ هولشتاين بشمال ألمانيا حطم مجهولون شبابيك أحد المساجد
فيما قالت الشرطة إن مسجدًا وناديًا ثقافيًا تركيًا في برلين يشتبه في تعرضهما لإحراق عن عمد أمس الأحد، وذكرت شرطة برلين: “وفقًا للمعلومات الحاليّة، نفترض أنها جناية بدوافع سياسية”، موضحة أن شهود عيان ذكروا أنهم سمعوا أصواتًا في المسجد، وشاهدوا ثلاثة شباب يهربون، وأضافت الشرطة أن لوحًا من زجاج نافذة المسجد تحطم، واحترقت القاعة الرئيسية بالمسجد.
بحسب بيانات الشرطة، تم إلقاء ثلاث زجاجات مولوتوف على واجهة جمعية الصداقة الألمانية – التركية في مشيده، ولم تذكر الشرطة أي بيانات عن دوافع محتملة وراء هذا الهجوم، وألقت الشرطة القبض على ثلاثة مشتبه بهم تتراوح أعمارهم بين 26 و30 سنة، لكن لم يتم كشف هويتهم.
Großeinsatz der Feuerwehr: Brand in Berliner Moschee https://t.co/ECvZUiaBPB pic.twitter.com/KyygIzosMe
— Berliner Morgenpost (@morgenpost) March 11, 2018
وفي إتسهويه بولاية شليسفيغ هولشتاين بشمال ألمانيا حطم مجهولون شبابيك أحد المساجد وأضرموا النيران في محل تركي لبيع الخضراوات، حسبما أوردت تقارير إعلامية محلية، كما كان مجهولون قد ألقوا مواد حارقة في مسجد بمدينة لاوفن بالقرب من هايلبرون في ولاية بادن -فورتمبرغ جنوبي ألمانيا الجمعة، بحسب بيان مشترك لمكتب مدعي عام شتوتغارت وشرطة هايلبرون.
إدانة كبرى
لاقت هذه الهجمات إدانة تركية وألمانية، حيث أدان عمدة برلين ميشائيل موللر، الهجوم بشدة واصفًا إياه بالعمل غير المقبول، وقال السياسي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي: “لن نسمح بنقل صراعات إلى برلين لا تمت بصلة للتعايش السلمي في هذه المدينة”.
إلى جانب ذلك، طالب الاتحاد الإسلامي – التركي للشؤون الدينية في ألمانيا “ديتيب”، الدولة والسلطات الأمنية في ألمانيا بتوفير الحماية للمساجد، مؤكدًا أن الهجمات على المسلمين والمؤسسات الإسلامية لم تعد أمرًا يخص البلديات فقط، بل يجب أن يحظى باهتمام المؤسسات الاتحادية، وكشف اتحاد (ديتيب) أن الهجوم الأخير على المسجد في برلين هو الـ18 من نوعه خلال فترة لا تتجاوز الشهرين.
Bürgermeister Müller prangert Moschee-Brandstiftung an https://t.co/BNSyIdEPaQ pic.twitter.com/1G6n0epoXV
— Berliner Morgenpost (@morgenpost) March 11, 2018
تعتبر “ديتيب” أكبر جمعية إسلامية مسجلة رسميًا في ألمانيا، وتكمن أهميتها، بالإضافة إلى كونها المنظمة الإسلامية الأكثر انتشارًا والأكبر في ألمانيا، أنها حاضرة ومنظمة بشكل جيد في مختلف الولايات الألمانية، وتدير أكثر من 900 مسجد، ويخضع “اتحاد ديتيب” للسلطة الدينية التركية ويعد شريكًا لكثير من الولايات فيما يتعلق بتنسيق حصص الدروس الإسلامية في المدارس الألمانية.
في غضون ذلك، زار وزير داخلية ولاية برلين الألمانية أندرياس غايسال، أمس الأحد، مسجد “قوجه سنان” التابع لرئاسة الشؤون الدينية التركية الذي أضرم فيه مجهولون النار، وقال غايسال للصحفيين، خلال الزيارة، إنه جاء إلى المسجد للتعبير عن تضامنه، مؤكدًا أن الشرطة تحقق في الأمر بجميع جوانبه.
ليست الأولى
هذه الحوادث المتفرّقة لم تكن الأولى في ألمانيا، فمنذ الـ20 من شهر يناير/كانون الأول 2018، أي منذ بداية الهجوم التركي على منطقة عفرين السورية، تمت مهاجمة عدة مساجد في ألمانيا تابعة للاتِّحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية وللجمعية الإسلامية التركية مِلّي غوروش.
تزامن هذا الاستهداف الممنهج لدور العبادة التي تشرف عليها تركيا في ألمانيا، مع تصاعد الاعتداءات ضد الأتراك المساندين لعملية “غصن الزيتون” من الأكراد
سبق أن قام أشخاصٌ مجهولون بكسر زجاج نوافذ أحد المساجد في مدينة لايبتسيغ، وفي مدينة ميندن أصيب بيت عبادة بأضرار، وفي مدينة كاسل وقع حادثٌ آخر، وفي فرانكفورت تم تلطيخ مدخل مسجد السلطان أيوب بشعار “الانتقام لعفرين”، كما كتب مجهولون نفس الشعار على جدران مركز الجالية التركية في مدينة شتاده الواقعة في ولاية ساكسونيا السفلى.
وفي بداية فبراير/شباط الماضي، وقع هجومٌ على مسجد لجمعية ملي غوروش الإسلامية التركية في أثناء صلاة الفجر في مدينة آخن التي تقع في أقصى غرب ولاية شمال الراين – وستفاليا في غرب ألمانيا التي تبعد 60 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من مدينة كولونيا.
مسؤولية “بي كا كا”
في أثناء وجوده بمسجد “قوجه سنان” الذي أضرم فيه مجهولون النار، وجّه القنصل العام التركي في برلين، مصطفى جيليك، أصابع الاتهام إلى تنظيم حزب العمال الكردستاني المعروف اختصارًا في تركيا باسم “بي كا كا”، وأشار مصطى جيليك إلى أن مؤيدي منظمة “بي كا كا” التي تصنفها أنقرة كإرهابية، كتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي أنهم سيشنون هجمات في أنحاء ألمانيا، بداية من الأسبوع الحاليّ.
وتزامن هذا الاستهداف الممنهج لدور العبادة التي تشرف عليها تركيا في ألمانيا، مع تصاعد الاعتداءات ضد الأتراك المساندين لعملية “غصن الزيتون” من الأكراد في ألمانيا، حيث تم الاعتداء على أتراك في مطار دوسلدورف غربي ألمانيا، وفي محطة قطارات المدينة المركزية.
ومطلع الأسبوع الماضي، قدمت تركيا طلبًا ثانيًا إلى ألمانيا لتسلم الزعيم الكردي السوري صالح مسلم لكونه أحد المشتبه بهم في الوقوف وراء هجوم وقع في 2016 بالقرب من محطة قطارات وسط العاصمة أنقرة، مما أسفر عن مقتل 36 شخصًا وجرح 349.
تواصل تقدم الأتراك في عفرين
ودعت تركيا إلى احتجازه موقتًا إلى حين تسليمه من ألمانيا، بعدما أفرجت عنه محكمة تشيكية الأسبوع الماضي، وكانت محكمة تشيكية قد أمرت بالإفراج عن صالح مسلم، وهي خطوة وصفتها تركيا بأنها “ذات دوافع سياسية، وتخالف القانون الدولي، ودعم واضح للإرهاب”، وقالت أنقرة إنها “ستلاحق مسلم أينما ذهب”.
أمام هذه التطورات المتلاحقة، تخشى السلطات الألمانية أن يتحوّل الصراع التركي والعناصر الكردية الموضوعة في قائمة الإرهاب إلى أراضيها وأن يتسبّب ذلك في تهديد السلم الاجتماعي في هذا البلد الأوروبي.