دعا فريق من خبراء صندوق النقد الدولي، في ختام زيارتهم للجزائر، السلطات الجزائرية إلى تنفيذ كتلة حرجة من الإصلاحات الهيكلية على أن توزع أعباء الإصلاح بطريقة عادلة، وذلك للمساعدة على تنويع الاقتصاد، وخروج البلاد من أزمتها التي تعاني منها منذ صائفة سنة 2014 نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
مخاطر كبيرة
خبراء الصندوق، أكدوا أمس الإثنين، في بيان لهم أن المزيج الجديد من السياسات قصيرة الأجل التي اتبعتها السلطات الجزائرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتحقيق نمو أكثر استدامة واحتواءً لكل شرائح المجتمع، ينطوي على مخاطر قد تعوق التوصل إلى هذه الأهداف.
ورأى فريق الخبراء الذي يقوده جان – فرانسوا دوفان رئيس قسم في “إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى” في الصندوق، أنه من المحتمل أن تؤدي السياسات الجديدة إلى تفاقم الاختلالات وزيادة الضغوط التضخمية والتعجيل بفقدان احتياطات القطع، ونتيجة لذلك، قد لا تصبح البيئة الاقتصادية مساعدة للإصلاحات وتنمية القطاع الخاص، حسب قولهم.
تعتمد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنتها
وانتقد الفريق في ختام زيارته التي امتدت من 27 من فبراير إلى يوم أمس في إطار مشاورات المادة الرابعة المعنية بالاطلاع على التطورات المالية والاقتصادية للدول الأعضاء، لجوء السلطات الجزائرية إلى التمويل النقدي من البنك المركزي، ورأى أن ضبط أوضاع المالية العامة لتعديل مستوى الإنفاق بما يتلاءم مع انخفاض مستوى الإيرادات، يتطلب الاستعانة بمجموعة متنوعة من خيارات التمويل، منها إصدار سندات دين محلية بأسعار السوق، وعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص، وبيع بعض الأصول.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي عدلت السلطات الجزائرية قانون النقد والقرض الذي يحكم المنظومة المصرفية للبلاد، من أجل اعتماد التمويل غير التقليدي الذي يسمح للخزينة العامة بالاقتراض مباشرة من البنك المركزي، وطباعة المزيد من الأوراق النقدية للعملة المحلية، وصرح الوزير الجزائري عبد الرحمن راوية حينها بأن التمويل غير التقليدي جاء من أجل تفادي خيار الاستدانة الخارجية، والتجربة الأليمة للبلاد سنوات التسعينيات، وسترافقه إجراءات صارمة للتحكم في نسب التضخم.
وتعتمد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنتها، كما أن المحروقات تمثل نسبة 96% من صادراتها، وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، و60 مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة.
قروض خارجية
فضلاً عن هذه المقترحات، أكّد خبراء صندوق النقد الدولي أن الخيار المثالي لخروج الجزائر من أزمتها الاقتصادية الحادة، هو الحصول على قروض خارجية لتمويل مشروعات استثمارية يتم اختيارها بدقة، الأمر الذي تسعى السلطات في هذا البلد العربي إلى تجنبه خوفًا من ارتهان قرارها السيادي إلى الصناديق المالية الدولية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعطى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تعليمات صارمة للحكومة “بتفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية”، مؤكدًا ضرورة الحفاظ على السيادة الاقتصادية للبلاد، وكانت الجزائر قد لجات في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى طلب قرض بمبلغ 900 مليون يورو من البنك الإفريقي للتنمية التي هي أحد المساهمين فيه، وذلك من أجل تمويل برنامج دعم التنافسية الصناعية والطاقية.
تستبعد الجزائر اللجوء إلى القروض الخارجية
سبق أن أوقف بوتفليقة سنة 2005 الاستدانة من الخارج، وقرر الدفع المسبق للديون الخارجية بعد الزيادة المالية التي شهدتها البلاد جراء ارتفاع أسعار النفط، وتراجعت بذلك ديون الجزائر إلى 3.85 مليارات دولار أمريكي في نهاية العام 2016 أي ما يعادل 2.45% من الناتج الداخلي الخام، بعدما كانت في حدود 30 مليار دولار في 1999.
ودخلت الجزائر، مؤخرًا، في منعطف خطير من أزمتها الاقتصادية، حيث تقترب احتياطاتها من العملة الصعبة في بنكها المركزي من المنطقة الحمراء، وبلغت الاحتياطات النقدية للجزائر، نحو 97 مليار دولار بنهاية السنة الماضية، مقابل 179.9 دولار عند نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، ومن المتوقع أن يتواصل تآكل احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي لتصل إلى 85.2 مليار دولار في نهاية العام الحاليّ، ثم 79.7 مليار دولار بنهاية 2019، على أن تبلغ 76.2 مليار دولار خلال عام 2020.
وفي ضوء هذه المؤشرات المفزعة تكون الجزائر قد فقدت نحو 80 مليار دولار من احتياطاتها النقدية منذ أن بدأت أزمة تراجع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية في منتصف عام 2014، مما يعني أن الجزائر فقدت نصف ما كان بحوزتها من عملات صعبة خلال ثلاثة أعوام من الأزمة.
خفض تدريجي لسعر الصرف
من أدوات تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والمالي التي دعا إليها “صندوق النقد الدولي”، السلطات الجزائرية، أيضًا، تنفيذ خفض تدريجي في سعر الصرف، معتبرًا أن “إجراء خفض تدريجي في سعر الصرف، وبذل جهود للقضاء على سوق الصرف الموازية (السوق السوداء) هي من سبل الإصلاح.
تدعيم الضبط المالي، يكون حسب فريق الصندوق، أيضًا، من خلال وجود كتلة حرجة من الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك زيادة الإيرادات غير الهيدروكربونية عبر توسيع القاعدة الضريبية (الحد من الإعفاءات وتعزيز جباية الضرائب)، وخفض نسبة النفقات الجارية من الناتج المحلي الإجمالي تدريجيًا، والحد من الاستثمار وزيادة كفاءته.
يتعين على السلطات الجزائرية حسب فريق الخبراء، الحد من الروتين الإداري
“النقد الدولي” طالب في بيانه “المركزي الجزائري” بالبقاء مستعدًا لتشديد السياسة النقدية، إذا لم تنحسر الضغوط التضخمية البالغة 5.6% في نهاية 2017، ويعني ذلك، أن خيار تنفيذ تحرير تدريجي للدينار الجزائري (تعويم جزئي)، يعدّ أحد الخيارات لدى السلطات في البلاد، بعد قيام كل من اليمن ومصر والمغرب، بتعويم عملاتهم خلال العامين الأخيرين.
إلى جانب ذلك يتعين على السلطات الجزائرية حسب فريق الخبراء، الحد من الروتين الإداري وتحسين فرص الحصول على التمويل، وتعزيز الحوكمة، الشفافية والمنافسة، وفتح الاقتصاد بدرجة أكبر أمام الاستثمار الأجنبي، ورفع كفاءة أسواق العمل وتحسين التوافق بين الوظائف المتاحة ومهارات العمالة، وتشجيع زيادة مشاركة الإناث في سوق العمل.
خشية من تكرار نتائج الماضي
يخشى جزائريون أن يتسبب تدخل صندوق النقد الدولي في بلادهم في نتائج سلبية عليهم، ذلك أن تدخلات هذا الصندوق في الدول المجاورة ارتبطت بكل ما هو سلبي وفقًا لما يخدم مصلحته ومستقبله فقط، وترتبط الجزائر بعلاقات تمتد لأكثر من نصف قرن مع صندوق النقد الدولي بنيت معظمها على “الاستثمار في الأزمات”، فلم يقدم الصندوق للبلاد سوى “مسكنات آنية” ضاعفت من آلام الجزائريين، حسب خبراء اقتصاد لـ”العربي الجديد”.
مخاوف كبيرة لدى الجزائريين من تدخلات “النقد الدولي”
في الوقت الذي تتأهب فيه الحكومة لجولة مفاوضات جديدة في مارس/آذار الحاليّ مع صندوق النقد يتذكر الجزائريون المآسي والأزمات الناتجة عن اتفاقات الصندوق خلال السنوات الأخيرة، إذ قبلت الحكومة إجراءات قاسية منها انخفاض قيمة الدينار لأكثر من 35% من قيمته خلال عامين كما تآكلت قدرة المواطنين الشرائية، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 600 ألف جزائري لوظائفهم، حسب تقارير رسمية.
وكانت الجزائر اتفقت مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان 1995، على تنفيذ “برنامج التصحيح الهيكلي” الذي امتد حتى 1998، استفادت فيه من قرض تمويلي موسع يعادل 127.8% من حصة الجزائر، على أن تتخذ إجراءات استعجالية في مقدمتها رفع تدريجي للدعم وصولاً إلى التحرير الكامل لكل السلع والخدمات وتحرير أسعار الفائدة ومنح استقلالية أكبر للبنوك التجارية في تقييم القروض بالإضافة إلى فتح الرأس مال الاجتماعي للمؤسسات العمومية للمستثمرين الأجانب والمحليين، مما أدى إلى إفلاس المئات من المؤسسات العمومية وبيعها بـ”الدينار الرمزي” للقطاع.