من كان يظن أن تخرج ثورة ضد ظالم مستبد انتهك حرمة بلاده وأفسد فيها نظامه السياسي والمؤسساتي الذي بني على أكتاف السوريين الذين ضحوا بأموالهم التي نهبتها عائلة الأسد، هذا الأمر بقمة الغرابة، تخرج ثورة من بين تدقيق أمني مكثف على تحركات الشعب السوري، حتى إنه ما كان يخلوا حي أو قرية إلا وفيها من المفسدين ما تعدهم أصابعك.
زرع النظام السوري ثقله الفاسد في أذرع أمنية قريبة من الشعب ومن يومياته حتى إنك لا تسلم من كلمة تفوهت بها دون قصد تمس العائلة الحاكمة، كانت تعد خدمة وطنية للوطن كما كان يسميها مناصروه، لم يكتف بذلك بل زرع الحقد في نفوس الشعب السوري، ولم تكن تطلعات المجتمع إلا إلى قوت يومه بسبب البطالة وقلة العمل وكذلك الأجر البسيط الذي كان يتقاضاه من وجد لديه العمل.
الثورة السورية طال أمدها بفعل فاعل لم يكن بالحسبان وصلت لمراحل سقوط الأسد لكن من لديه مصالح منع ذلك عن السوريين الذين طالبوا بحرية وديمقراطية، فالمصالح والأطماع السياسية من الدول الأوروبية لم تكن تهدأ على مدى قرون مضت، عاش السوريون على أمل نصر وحتى للحظة صغيرة، لكن الأيادي الخفية كانت تظهر تنظيمات تطيل الأزمة السورية وانتصار ثورة السوريين، وها هنا تحط رحالها مع دخول عامها السابع وتقلص مناطق المعارضة بين العام والآخر يكثر.
في الذكرى السابعة للثورة السورية تفتقد الثورة للكثير من الأيقونات الذين حملوا على عاتقهم قيادة الثوار في المظاهرات السلمية المناهضة للنظام، وحتى ما بعدها وتحولها إلى عسكرية، برز أسماء الكثير منهم في مناطقهم وحتى على شاشات التلفزة، ومنهم الذين خلد في قلوب السوريين حتى الأبد لأنهم ضحوا وبذلوا الغالي والنفيس فداءً للأرض السورية وحماية شعبهم وأهلهم الذين كانوا يرون النور والأمل من بين أعينهم.
اخترت في هذا المقال عددًا من السوريين الذين ضحوا وقادوا ونذروا أنفسهم رهانًا للنصر والتحرر ونشر الحرية بين أطياف المجتمع السوري في شتى مجالات الحراك الثوري، كان لهم دور بارز منهم من كان يصدح في صوته والآخر يوثق بكاميرته والثالث كان يقاتل الأعداء بسلاحه، كل منهم كان له دور بارز، فتعددت الوسائل والهدف واحد دون تراجع عن إسقاط حاكم قتل السوريين على مدى أعوام مضت ليست بقليلة من تاريخ الأب إلى الابن.
عبد القادر الصالح
أو “حجي مارع” كما عرف بين عناصره وحتى بمدينته، من أبرز الثوريين الذين قاموا بقيادة المظاهرات السلمية وتنسيقها، بحلب المدينة وريفها، وحظي بشعبية واسعة جدًا في أوساط المعارضين للنظام السوري، كما قاد كتيبة في بلدته مارع وطرد قوات النظام منها ومن الريف الذي يحيط بها، وذلك قبل تشكيل “لواء الوحيد” في حلب وريفها، وكان من أحد مؤسسي اللواء، وخاض هذا اللواء معارك كثيرة مع قوات النظام خاصة في حلب، وفي الوقت نفسه كان قائدًا عسكريًا للفصيل وحتى استشهاده بغارة جوية استهدفت اجتماعًا ضم قياديين آخرين في مدرسة “الشهيد يوسف الجادر”، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013.
ولد في مدينة مارع الواقعة بريف حلب الشمالي عام 1979، وكان يعمل بتجارة الحبوب قبل اندلاع الثورة السورية التي شارك فيها بداية بالحراك السلمي، كما كان له دورٌ بارز في المعارك التي اندلعت في شهر يوليو/تموز 2012، وسيطرت المعارضة السورية خلالها على أحياء مدينة حلب الشرقية وريفها قبل ذلك.
زهران علوش
ولد زهران عبد الله علوش عام 1971 في مدينة دوما بالغوطة الشرقية بريف العاصمة السورية دمشق لأسرة علمية، فوالده عبد الله علوش يعد من أبرز شيوخ الدعوة السلفية في البلاد، سجن علوش في 2009، في سجن صيد نايا العسكري بسبب استحواذه على سلاح بسيارته، بقي زهران علوش في السجن حتى اندلعت الثورة السورية ضد النظام السوري في مارس/آذار 2011، حيث أقدم النظام على “خطوات إصلاحية”، تضمنت صدور “عفو رئاسي” في يونيو/حزيران 2011 أفرج بموجبه عن مئات المسجونين كان من بينهم علوش، وأسس علوش مع مجموعة من أبناء دمشق وغوطتها في يونيو/حزيران 2012 كتيبة مسلحة عُرفت بـ”سرية الإسلام” لقتال قوات النظام السوري بعد أن واجه الاحتجاجات السلمية بالقوة العسكرية.
في سبتمبر/أيلول 2013 أعلن علوش تشكيل “جيش الإسلام” الذي ضم أكثر من 45 فصيلًا مسلحًا من فصائل الجيش الحر، وكان من أبرز الفصائل العسكرية في دمشق، اغتيل زهران علوش يوم الجمعة 25 من ديسمبر/كانون الأول 2015 بغارة جوية استهدفته وبعض قياديي “جيش الإسلام” في بلدة أوتايا بمنطقة المرج في الغوطة الشرقية.
مشعل تمو
هو أحد الثوريين السوريين ولد في 1957، واستشهد عام 2011، خرج من المعتقل في الـ5 من مايو/أيار 2011، ليجد جموع السوريين تجوب شوارع البلاد معلنة الثورة على نظام الأسد، لم يتأخر مشعل في إعلان موقفه المؤيد للثورة، والانخراط فعليًا في فعالياتها في محافظة الحسكة، وهو ما أعطاها زخمًا أكبر في الشارع السوري الكردي الذي حاولت قوى مقربة من النظام تحييده عن الثورة.
قال مشعل بقوة معلنًا أن السوريين كلهم في خندق واحد، وكان يعتبر الأكراد جزءًا من النسيج السوري ويرفض أي دعوة انفصالية، كما كان يحمل إجازة في الهندسة الزراعية، وكان عضوًا في حزب “الاتحاد الشعبي الكردي”، كما أسس تيار “المستقبل” الكردي عام 2005، إثر نشاطه في حركة إحياء المجتمع المدني في سورية.
اعتقله النظام السوري عام 2009، وحكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات، وأسس الجمعية الوطنية السورية قبيل اغتياله، كما كان عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني للثورة السورية، ثم قتل على يد مجهولين، ولم تُعرف الجهة التي اغتالته، إلا أن المعارضة اتهمت النظام وجهات حزبية كردية مرتبطة به بالوقوف وراء العملية التي تمت في مدينة القامشلي شرق البلاد.
يحيى حافظ
الملقب بـ”أبو مريم”، ولد يتيم الأب، فأبوه كان من الشهداء المعتقلين في مجزرة 1980 في أحداث حماة، وعاش وحيدًا في بيته مع أمه التي نذرت حياتها لخدمة ابنها، ومنذ نعومة أظفاره لم يترك فرعًا من الفروع الأمنية إلا وذهب إليه بدعوى التحقيق عن أبيه رغم أن جميع الأفرع يعلمون أنه كان معتقلاً لديهم في سجون تدمر قبل إعدامه.
كان يحيى حافظ حاملًا شهادة في الأدب الإنجليزي، درس في مدارس مارع، وكان أول المتظاهرين ضد قوات النظام ثم تابع وشكل كتيبة تابعة للواء التوحيد، وعملت في حلب القديمة إلى أن دقَّ ناقوس الخطر على أبواب مدينته مارع بعد تقدم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” باتجاه الريف الشمالي لحلب، وبعد شهرين تقريبًا من عودته من حلب استشهد في تفجير انتحاري استهدف مقرًا له في الـ7 من نيسان 2015.
غياث مطر
عرف بنشاطاته السلمية في مدينة داريا، في أثناء التظاهرات التي عمت سورية عام 2011؛ إذ كان يُقدّم الورد والماء لعناصر الأمن، سعيًا منه لثنيهم عن قمع التظاهرات بالرصاص، ولإيصال رسالة بأن هذه الاحتجاجات سلمية وحضارية لها مطالب مشروعة، في شهر سبتمبر/أيلول سنة 2011، تمكنت قوات الأمن من اعتقاله بعد ملاحقته لأسابيع، وبعد أيام وصلت جثته لأهله، وتوفي في أثناء التعذيب في أقبية الاستخبارات، وكان عمره حينها 26 عامًا، شيّعه الآلافٌ من سكان داريا.
همام النجار
الملقب بـ”أبو يزن الحلبي” هو واحد من أبرز النشطاء الإعلاميين في حلب وريفها، شارك في تأسيس عدة مكاتب إعلامية لعدد من الفصائل العسكرية الثورية، إضافة إلى كونه مراسلًا لعدد من الوكالات والمؤسسات الإعلامية، وذلك بعد أن كان يوثق المظاهرات السلمية من خلال كاميرته، في مدينة مارع وحتى في مدينة حلب.
استشهد صباح يوم 16 من أبريل/نيسان 2015، وذلك بعد إصابته في الـ7 من أبريل/نيسان نفسه بتفجير انتحاري نفذه أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مدينة مارع بريف حلب الشمالي.
إبراهيم القاشوش
الأغنية السورية ارتبطت بأحداث وقصص مأساوية، إنها واحدة من المرات النادرة في التاريخ التي تصبح الأغنية فيه طريقًا إلى المشنقة، بل ما هو أفظع، حين يجري استئصال حنجرة المغني بسبب أغنية، فهذا ما حدث مع مغني تظاهرات مدينة حماه الذي سمعنا منه تلك الأغنية “يلا ارحل يا بشار”، ويعد “بلبل الثورة السورية” الذي كان يعرف بأدائه أغاني ضد النظام السوري خلال المظاهرات السلمية، اعتقل على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للنظام خلال توجهه إلى عمله وذبحته بعدها بطريقة همجية، حيث اقتلعت حنجرته وتم تمزيق جسده بالرصاص، ورميت جثته بعد ذلك في نهر العاصي.
علي فرزات
هو فنان كاريكاتير سياسي سوري، له ما يزيد عن 15000 رسم كاريكاتيري نشرت في الصحفة السورية، العربية والدولية. وكان رئيس اتحاد رسامو الكاريكاتير العرب. فرزات اتم اختطافه من عصابة من الشبيحة التي قامت بضربه ضربًا مبرحًا، خصوصًا على أصابعه ويديه، في محاولة لترهيبه وكسر يديه اللتين تجرأتا على رسم لوحات كاريكاتيرية ناقدة للنظام السوري وأعماله البعثية خلال الثورة.
وكان الفنان المعارض المولود في حماة عام 1951 قد أصدر جريدة “الدومري” الساخرة في سورية بعد غياب للإعلام الخاص منذ نحو أربعين عاما، بعد أن حصل على ترخيص لها عام 2001، ثم أغلقتها السلطات في السنوات الأولى لحكم بشار الأسد بعد سحب ترخيصها.
وعرف علي فرزات كأحد أهم رسامي الكاريكاتير في العالم، ونشرت رسوماته الجريئة في العديد من الصحف العربية، وهو يصنف بين أهم مائة رسام كاريكاتير في العالم. ونال العديد من الجوائز العالمية، بينها جائزة ساخاروف لحرية الفكر التي يسندها البرلمان الأوروبي، وجائزة حرية الصحافة لعام 2011 التي تمنحها منظمة “مراسلون بلا حدود” وصحيفة لوموند الفرنسية.
سمر كوكش
من أبرز الشخصيات الفنية التي أفرج عنها النظام العام الماضي في 28 من فبراير/شباط 2017، وهي من مواليد دمشق 26 من أغسطس/آب عام 1972، تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا عام 1995، شاركت في العديد من الأعمال في المسرح والإذاعة والتليفزيون كما عملت في الدبلجة، اعتزلت المجال الفني وارتدت الحجاب وقل ظهورها الفني، وهي ابنه المخرج علاء الدين كوكش والفنانة الراحلة ملك سكر، وقد دام اعتقالها ثلاث سنوات منذ 2014 بتهمة “الإرهاب”، في حين كانت محكمة الإرهاب في دمشق قد أصدرت حكمًا بالسجن خمس سنوات عليها بعد أن تم إيداعها في “الفرع 215” التابع للأمن العسكري.
حمزة الخطيب
الطفل حمزة الخطيب، 13 عامًا، بعد مرور أكثر من شهرين على بدء التحركات الشعبية في سوريا، برز اسمه بعد اعتقاله ومجموعة من الأفراد في مسيرة معارضة للنظام قرب درعا وعاد بعدها الطفل إلى والديه جثة متوردة في أفظع مشهد شهدته الثورة السورية إبان انطلاقتها، ويبرر دور الأطفال وبراءتهم الممتزجة بتعذيب السجان وقسوة قلبه بما يحمله من حقد على طفل خرج مع ذويه كبقية الناس مطالبًا بحرية وإصلاحات في أنظمة الدولة البعثية.
لم يختلف الهدف ولكن الدور مختلف، فلكلٍ منهم له دوره الخاص الذي قدمه وفق استطاعته وعبر طريقته الخاصة، افتقدت الثورة السورية لهم، عبر سنوات مضت، وما زال السوريون يذكرونهم في أحاديثهم كأبطال سطروا الرجولة السورية وملاحمها بشتى سبلها، وهناك الكثير منهم لم يظهروا للعلن، لا يسعنا ذكرهم هنا، ولكنهم سطروا البطولة بدمائهم التي روت التراب السوري فهم خالدون مخلدون في قلوب السوريين نظرًا لما قدموه للثورة السورية.