ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما أُودع جهاد مناصرة، أحد الشبان من رماة الحجارة، أحد السجون الإسرائيلية في سنة 2008، كان الفلسطينيون في ذلك الحين يعتقدون أن الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، سيكون إلى حد ما متعاطفا معهم، وأن محمود عباس سيحظى بقدر من الاحترام المحلي والدولي. أما الآن وبعد الإفراج عنه من سجن هداريم، فقد مناصري، الزعيم الطلابي في الضفة المضطربة، الأمل الذي كان يراوده قبل عقد من الزمن، في ظل ما يعتقد أنه عدوان أمريكي إسرائيلي تعزز من خلال الفشل الداخلي للسلطات الفلسطينية.
أورد جهاد مناصرة بينما كان يجلس في مقهى بمدينة رام الله، عاصمة السلطة الفلسطينية برئاسة عباس بحكم الأمر الواقع، أن “القيادة الفلسطينية قد ساومت على كل شيء، ولن يستطيع الشعب الانتظار إلى الأبد، نحن لا نريد لقادتنا أن يعودوا في كل مرة خاليي الوفاض”. وتحيل تصريحات مناصري إلى التحديات التي تواجه الرئيس محمود عباس البالغ من العمر 82 سنة، الذي يعرف بكثرة تدخينه، بينما يتأرجح الفلسطينيون تحت وقع التغيير المفاجئ في السياسة الأمريكية تحت قيادة دونالد ترامب. وقد أعرب الرئيس الأمريكي بشكل علني عن دعمه الكامل لـ”إسرائيل”، في الوقت الذي يعمل صهره جاريد كوشنر، على الوصول إلى معاهدة سلام، التي تعد موضع جدل كبير، والتي يعتقد الكثيرون أنها ستصب في مصلحة “إسرائيل” لا غير.
يواجه الفلسطينيون أكبر تهديد لمشروعهم الوطني، فقد عباس ومنظومته السياسية شعبيتهم، في حين باتت “الحكومة عاجزة، بل وسلطة من دون سلطة”
في حين يواجه الفلسطينيون أكبر تهديد لمشروعهم الوطني، فقد عباس ومنظومته السياسية شعبيتهم، في حين باتت “الحكومة عاجزة، بل وسلطة من دون سلطة”، وفقا للمسؤول البارز محمد اشتية. ففي الأشهر القليلة الماضية، عمد ترامب إلى تعيين سفير مساند للاستيطان في “إسرائيل”، كما أعلن نقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس وخفض المساعدات المقدمة للاجئين الفلسطينيين. في المقابل، كان محمود عباس يراقب الوضع دون أن يحرك ساكنا. في الوقت ذاته، كانت الأولوية القصوى بالنسبة للحلفاء التقليديين أي المملكة العربية السعودية ومصر التصدي لإيران عوضا عن دعم القضية الفلسطينية، مما عمق من حالة العزلة بالنسبة للزعيم الفلسطيني الطاعن في السن.
في الأثناء، بات الدعم الذي كان عباس، الذي رفض كل المطالب المنادية بتنظيم انتخابات كان من المفترض أن تعقد منذ فترة طويلة وذلك منذ انتهاء ولايته الأولى سنة 2009، يحظى به في أدنى مستوياته. وقد أظهر استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن 70 بالمائة من الفلسطينيين يرغبون في استقالة عباس. وفي حال وقع إجراء انتخابات، الأمر غير المرجح، سيخسر عباس منصبه لصالح منافس آخر من حماس، الجماعة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة. في هذا الشأن، أورد خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن “عباس ليس بقائد مؤثر، حيث ينظر إليه على أنه رجل أقوال لا أفعال، في حين تفتقر معظم تهديداته للمصداقية. أما من وجهة نظر الشعب، لا يرقى عباس إلى مستوى التحدي، إلا أنه لا يملك بديلا”.
أدى رفض عباس مسألة إجراء انتخابات وتعاونه مع “إسرائيل” لدعم الحكومة الفلسطينية، إلى عزل الضفة الغربية وخلق حالة من الغضب في صفوف الشباب المؤثر الذي يشكل أغلب سكان المنطقة. وينطبق الأمر على مجموعة من المراهقين الفلسطينيين الذين احتشدوا قرب نقطة تفتيش مؤخراً لاستهداف جنود إسرائيليين ورميهم بالحجارة. في الأثناء، أفاد أحد هؤلاء المراهقين، البالغ من العمر 17 سنة، قائلا: “دعك من أبو مازن. أنا لا أعرف إلا كلمة واحدة ألا وهي الحرية، هل يعرف عباس هذه الكلمة، أم أنه قد نسيها؟”.
محمود عباس (في الخلف) وجاريد كوشنر (جالس في الوسط) في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شباط / فبراير
حذر مسؤولون من كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، من تصاعد وتيرة العنف في حال تواصلت حالة الغضب. ففي الواقع، لن يتمكن عباس، الذي استكمل تعليمه في موسكو ودمشق ولطالما استنكر استعمال العنف، ولا الحكومة الإسرائيلية من كبح جماح موجة العنف إذا ما اشتعلت. من جهتهم، يعي حلفاء الرئيس عباس جيدا حجم المعضلة. وقد صرح محمد اشتية، قائلا: “لا يمكنني إنكار حقيقة مدى شعور الشباب بالإحباط. وتمثل مشكلة البطالة والسياسات الإسرائيلية، فضلا عن تعثر عملية السلام، الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذا الشعور. فقد وعِد الشعب بالكثير، ولكن لم يقع تحقيق إلا القليل”.
في سياق متصل، أفاد الوزير الفلسطيني السابق ناصر القدوة، أنه “ببساطة، لقد فشلنا… في تحقيق السلام والاستقلال الاقتصادي لفائدة الفلسطينيين”. وأضاف القدوة، أن “الجيل الجديد لا يرى فيه البطل المنتظر”، في إشارة إلى الرئيس عباس، الذي كان طرفا رئيسيا في اتفاقية أوسلو في سنة 1993، التي تأسست على إثرها الحكومة الفلسطينية. في ظل انتشار الشائعات بشأن تدهور صحته في أرجاء رام الله هذا الأسبوع، ذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية أن الرئيس عباس وافق على تعيين نائبه لفترة طويلة، محمود العالول رئيسا مؤقتا.
وفقا للمنافس والناقد مصطفى البرغوثي، بحوزة المفاوض المحنك، الرئيس عباس ورقة رابحة، تضمن له التغلب على المشككين فيه والبقاء في منصبه لمدة أطول، حيث يمكنه الانسحاب بكل بساطة من أي اتفاق لا يعجبه
شدد العديد من المؤيدين على أن محمود عباس، الذي وحسب قوله انتظر طوال حياته حتى تتم الموافقة على اتفاقية سلام مشرّفة، فعل كل ما بوسعه لإيقاف خطة الرئيس الأمريكي ترامب. فقد سعى جاهداً حتى يحول دون إماطة اللثام عن أحد الاتفاقيات، كما رفض أي نوع من التدخل وقام بصد مبعوثين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت ذات، ناشد عباس الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمحاولة إنشاء نموذج مختلف لمحادثات السلام. ولكن، لم تستجب أي جهة إلى هذه المطالب إلى حد الآن. كما دعا عباس في خطاب نادر له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، قائلا: “إن لم يكن من الممكن تحقيق العدالة لشعبنا في هذا المكان، فأين لنا أن نذهب؟”. وأضاف عباس: “أرجوكم، ساعدونا”.
على الأغلب، قد يكمن الخلاص بالنسبة للرئيس عباس في الخلل على مستوى السياسات الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى تجريدكوشنر بعض التصاريح الأمنية التي كان يتمتع بها. من جانب آخر، من المتوقع إجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتانياهو على الاستقالة في ظل التحقيقات المتشابكة حول تورطه في قضايا فساد، التي يصر نتانياهو على نفيها. وعلى الرغم من استخفافها به ظاهرياً، إلا أن “إسرائيل” تفضل عباس على وجود فراغ في السلطة.
وفقا للمنافس والناقد مصطفى البرغوثي، بحوزة المفاوض المحنك، الرئيس عباس ورقة رابحة، تضمن له التغلب على المشككين فيه والبقاء في منصبه لمدة أطول، حيث يمكنه الانسحاب بكل بساطة من أي اتفاق لا يعجبه. وفي هذا الصدد، أفاد البرغوثي، قائلا: “ماذا يمكن أن يفعل الأمريكيون؟ في الحقيقة، ومن دون توقيع الحكومة الفلسطينية، لا يمكن لأي جهة المضي قدما في أي مخطط. ولا يمكن لأي زعيم عربي أو زعيم عالمي أن يحل محل توقيع الحكومة الفلسطينية”.
المصدر: فايننشال تايمز