ترجمة حفصة جودة
كتب مارك شامبيون وطارق الطبلاوي
كانت صباح فؤاد حاملًا في طفلها الرابع عندما ضربتها إحدى الجارات في شوراع القاهرة في نزاع على نقود تدين بها صباح لجارتها، أجهضت صباح نتيجة لذلك، ورغم الألم اعترفت صباح – 32 عامًا – أنها شعرت بالارتياح، تعمل صباح كخادمة بدوام جزئي ولا تتذكر متى كانت آخر مرة تمكنت فيها من شراء اللحم أو الدجاج لأطفالها، تقول صباح: “لقد كنت سعيدة بذلك، فليسامحني الله”.
يعد ارتفاع معدل المواليد آخر النتائح المفاجئة للربيع العربي في مصر، فبعد الانقلاب على مبارك تحولت الفرحة بعد فترة قصيرة إلى فوضى، وفي أقل من 7 سنوات ازداد عدد السكان 11 مليون نسمة (عدد سكان اليونان) ليرتفع معدل الخصوبة إلى 3.5 طفل لكل امرأة، بدلاً من أن يواصل تناقصه التدريجي ليصل إلى هدف الحكومة 2.1 طفل لكل امرأة.
الاتجاهات الديموغرافية الحاليّة لا تبشر بأي خير بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي سيفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقرر عقدها 26 من مارس الحاليّ، فهناك استياء واسع بين الشباب نتيجة نقص فرص العمل الذي كان أحد الأسباب الرئيسية للثورة ضد مبارك، لكن المشكلة ما زالت مستمرة؛ فأكثر من ربع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 وحتى 29 عامًا عاطلين عن العمل وفقًا لجهاز التعبئة والإحصاء المصري، وثلث هؤلاء العاطلين يملكون شهادات جامعية.
أطفال حديثو الولادة في أحد مستشفيات القاهرة
تضمن طفرة المواليد تلك ارتفاع عدد الباحثين عن عمل لمدة جيل قادم على الأقل، في عام 2016 وصل عدد المصريين الأقل من 4 سنوات إلى 10.3 ملايين نسمة ليرتفع من 8.8 مليون نسمة في 2008، يقول طارق توفيق – عالم الأوبئة ونائب وزير الصحة والسكان -: “الوضع مخيف قليلاً، فالفشل في الحد من عدد المواليد سوف يؤدي إلى نقص الطعام والمياه في ظل تدهور الإنتاج الزراعي، هذا الوضع قد يدمر كل شيء”.
يقول توفيق إن المشكلة بدأت قبل الثورة؛ عندما بدأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (ذراع الحكومة الأمريكية لتمويل مبادرات التنمية في الخارج) في التراجع عن تمويلها السخي لبرامج تنظيم الأسرة في مصر عام 2005، كان معدل الخصوبة قد انخفض ليصل إلى 3 أطفال لكل امرأة في عام 2008، لكن بعد الثورة انهارت الخدمات وبعد 9 أشهر فقط من رحيل مبارك ارتفع معدل الخصوبة مرة أخرى.
ساهمت الحركة الإسلامية المنتشرة التي تشجع على الزواج المبكر وإنشاء أسر كبيرة على تفاقم تلك المشكلة، وتقول منى خليفة – أستاذ الديموغرافيا في جامعة القاهرة – إن السبب الأكبر لعدم استخدام وسائل الحمل هن النساء – خاصة في الأماكن الريفية – اللاتي يفضلن الحمل بكل بساطة.
في عام 2000 توقعت الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان مصر إلى 96 مليون نسمة في عام 2026 لكن مصر تجاوزت هذا الرقم العام الماضي أي قبل التوقعات بعقد كامل، وتتوقع الحكومة الآن أن يصل عدد السكان إلى 127 مليون نسمة عام 2030 ما لم تنخفض نسبة الخصوبة، وتقول خليفة معلقة على ذلك: “إنها قنبلة الشرق الأوسط”.
كانت معدلات المواليد قد قفزت فجأة في تونس أيضًا في فترة الثورة عام 2011، لكن معدلات الخصوبة تراجعت مرة أخرى إلى نسبتها عام 2000.
توضح الرسوم البيانية كيف سيتغير توزيع الأعمار في مصر ما لم يتراجع معدل المواليد، تتعرض البلاد لأن تصبح دولة غنية بالشباب لكنها تعاني من تراجع الديموقراطية وانتشار الحكم الاستبدادي والعنف السياسي، وفقًا للبحث الذي أجراه ريتشارد سينكوتا الذي يدير برنامج الديموغرافيا السياسية في مركز وودرو ويسلون الدولي للباحثين في واشنطن.
بدأ الاقتصاد المصري في التعافي أخيرًا بعد الانهيار الذي أعقب الثورة، لكن الميزانية ما زالت تحت ضغط شديد، فبين عامي 2010 و2015 ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى الثلث لتصل إلى 28%، وكانت الحكومة قد عقدت صفقة مع صندوق النقد الدولي عام 2016 لتحصل على قرض قيمته 12 مليار دولار في مقابل القيام ببعض التغييرات السياسية وخفض قيمة العملة وخفض رواتب القطاع العام وتوقف بعض الإعانات، لكن نتائج هذه الصفقة وتأثيرها على النمو وتوفير الوظائف ليست واضحة بعد.
في عيادة تنظيم الأسرة بالإسكندرية التي ترأسها هيام المليجي، نجد أن معظم السيدات من الفقراء، كانت هيام تحاول إقناعهم بالفوائد الصحية لاستخدام وسائل منع الحمل للمباعدة بين فترات الحمل، وتشير المنشورات المعلقة على الحائط عن فصول محو الأمية إلى العلاقة بين تعليم الفتيات وانخفاض معدل الخصوبة، لكن الأمر أكثر صعوبة في الريف، وذلك لندرة مراكز تنظيم الأسرة هناك.
تضع حكومة السيسي الآن التحكم في عدد السكان كأولوية قومية بجانب محاربة الإرهاب، وتننقل فرق تنظيم الأسرة الآن بين القرى لتوعية النساء ومساعدتهم في استخدام وسائل منع الحمل، كما تقوم السلطات المحلية بإدارة برامج تدريبية لأئمة القرى والواعظات من النساء لشرح مخاطر ارتفاع نسبة المواليد.
الجامع الأزهر في القاهرة
يقول توفيق: “ترسل الحكومة عملاء سريين إلى المساجد لمتابعة نتائج التدريب ومدى تغييرها للواقع، كما أرسلت الحكومة بعض الأشخاص لسؤال الأئمة إذا ما كان تنظيم النسل حلال أم حرام”، ويبدو أن هذه الجهود قد بدأت تؤتي ثمارها؛ فقد انخفض عدد المواليد الجدد إلى 2.55 مليون نسمة العام الماضي بعد أن كان 2.6 مليون عام 2016.
ومع ذلك تُظهر مشكلة صباح حجم التحدي الذي يواجه البلاد، حيث ازداد عدد طلاب المدارس الابتدائية بنسبة 40% بين عامي 2011 و2016، تذهب ابنة صباح الكبرى “مي” إلى المدرسة الابتدائية في فصل به 140 طالبًا حيث يجلس كل 4 طلاب على مكتب يتسع لطالبين فقط، أما طفلتها الثالثة “همسة” فقد أنجبتها قبل عام في فترة السيسي الرئاسية الأولى عندما اعتقدت أن الحياة ستزدهر لكن وضعها المالي بدأ في التراجع للغاية.
أصبحت صباح تعمل بداوم جزئي بعد أن دخل زوجها – سائق حافلة – المستشفى إثر حادثة، الأمر الذي أوقعهم في الكثير من الديون وباعت صباح معظم ممتلكات بيتهم المكون من غرفة نوم واحدة وبدأت ببيع الثلاجة، ولم يبق في البيت سوى تلفاز صغير وغسالة صغيرة وموقد يعمل بغاز البيوتان الذي لا تتحمله، عندما حملت صباح للمرة الرابعة كانت يائسة للغاية، وتقول: “في حملي بهمسة كنت سعيدة للغاية، أما هذه المرة كنت أشعر بخوف شديد”.
المصدر: بلومبرج