ضمن تحليل لها نشرته في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أمس الإثنين، عن مسارات الأزمة بين السعودية وقطر، المستعرة منذ الخامس من يونيو/حزيران الماضي، طرحت المستشرقة الإسرائيلية والكاتبة الصحفية المعنية بالشؤون العربية في الصحيفة سمدار بيري، عدة تساؤلات تزامنًا مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لواشنطن والمقررة حسبما أعلنت الرياض في الـ19 من مارس/آذار الحاليّ.
هل يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بزيارة علنية للرياض؟ وما مدى إمكانية استغلاله لمثل هذه الزيارة في معركته الانتخابية القادمة؟ كان هذان السؤالان الأبرز بين حزمة الأسئلة التي طرحتها الكاتبة في تحليلها الذي تطرق إلى تقييم علاقة تل أبيب بكل دولة من الدول أطراف الأزمة الخليجية.
بيري المقربة من دوائر صنع القرار في تل أبيب – صاحبة التقرير الشهير الذي كشف النقاب عن دوافع قطع العلاقات مع الدوحة من دول الحصار، وأرجعتها إلى “معلومة استخباراتية” نقلها طرف مجهول لزعماء الدول الأربعة وليس بسبب “التحريض” في قناة “الجزيرة” ضد جيران قطر، ولا تدخلها بشؤون تلك الدول كما قيل -، لا تستعبد زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني للسعودية في القريب العاجل، في ضوء القواسم المشتركة بين الرياض وتل أبيب التي تعززت بشكل غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة.
نتنياهو يضغط
تهم الفساد – رشاوى وتزوير – التي تلاحق نتنياهو منذ عدة سنوات وتسببت في خروج المئات من الإسرائليين مساء كل سبت في تظاهرات حاشدة تجوب مختلف الميادين، باتت تهدد مستقبل رئيس الوزراء بصورة دفعته للبحث عن مخرج بأي ثمن، ومن ثم كان التنقيب عن انتصار سياسي حلم يراود خيالات البقاء لديه، وليس هناك أفضل من زيارة السعودية كورقة يستند إليها رئيس الحكومة الصهيونية في الحفاظ على مكانته وكرسيه.
الكاتبة الإسرائيلية في تحليلها لم تستبعد طلب رئيس وزراء دولة الاحتلال من الرئيس الأمريكي الضغط على ابن سلمان خلال زيارته لواشنطن من أجل الموافقة على زيارة نتنياهو للرياض، بشكل علني ورسمي، حتى وإن لم يترتب على ذلك توقيع أي اتفاقيات أو معاهدات سلام بين البلدين.
التحليل ألمح إلى رغبة ولي العهد السعودي في الإبقاء على نتنياهو في منصبه كرئيس للوزراء، وأن يسدل الستار على التحقيقات التي تجرى معه، مشيرًا إلى عدم إشغال مثل هذه التحقيقات أهمية تذكر في عقل ابن سلمان نظرا لضآلة قيمة الأموال المتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية باختلاسها.
المستشرقة الإسرائيلية استعرضت كذلك بعض ملامح ما وصفته بـ”قصّة الغرام السعودية – الإسرائيلية” التي بدأت بعد أنْ تبنّت المملكة موقف الدولة العبرية بأن إيران هي العدو، وأيضًا على وقع الـ”تمدّد الشيعي” في منطقة الشرق الأوسط الذي يُخيف الرياض كثيرًا.
هذه الخطة إن تحققت فإنها ستفتح آفاقًا جديدًا أمام “إسرائيل” للتوسع بغير حدود، دون الحاجة إلى اتفاقيات سلام رسمية توقع مع السعودية
تقارب غير مسبوق
من الواضح أن هناك شيئًا ما “يطبخ” وراء الكواليس بين الطرفين، يمهد نحو تفعيل الشراكة والتعاون بصورة ربما تكون صادمة للبعض غير أنها باتت ضرورية في ظل المستجدات الراهنة وتشعب القواسم المشتركة بين البلدين في ضوء توحيد الرؤية حيال التصدي لعدو واحد بات يمثل خطرًا على المنطقة بأسرها، هكذا أشارت بيري في تحليلها.
مظاهر عدة ساقتها بيري للبرهنة على تجاوز العلاقات السعودية الإسرائيلية السقف المحدد سلفًا، منها تعهد نتنياهو بمرور الطائرات الهندية المُتوجهة من وإلى تل أبيب من فوق الأجواء السعودية، وفعلاً حدث الأمر، والرياض التزمت الصمت، خلافًا للمرة السابقة، عندما سارعت إلى نفي الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام العبرية، وأكدت أنها لن تسمح للطائرات الهندية بالعبور في أجوائها خلال رحلاتها من وإلى “إسرائيل”.
التنسيق السعودي الإسرائيلي دخلت فيه مصر كطرف أساسي وهو ما تكشفه التقارير الواردة قبيل زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة الأسبوع الماضي التي استغرقت ثلاثة أيام، حيث توجه وفد إسرائيلي رفيع المستوى بزيارة سرية التقى خلالها وبعض المسؤولين المصريين غير أنه لم يتم الإفصاح عن نتائج هذه الزيارة بناءً على مصادر سياسية في تل أبيب حسبما أشارت الصحيفة العبرية.
المستشرقة الإسرائيلية كشفت أن تنقية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للمشاكل القضائية التي حالت دون نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في أعقاب حكم محكمة الدستورية العليا بأن مثل هذه القضايا هي من أعمال السيادة ومن ثم إسقاط كل الأحكام الصادرة سابقًا بشأن مصرية الجزيرتين، هي إشارة واضحة لاستمرار المفاوضات بين السعودية ودولة الاحتلال، خاصة بعد تنويه نتنياهو بحصوله على تعهدات من السعوديين فيما يتعلّق بحرية التنقل والإبحار في البحر الأحمر.
العلاقات بين السعودية ودولة الاحتلال تشهد توافقًا غير مسبوق
تقارب أم تطبيع مفتوح؟
التجربة التاريخية أثبتت أن اتفاقيتي السلام الموقعة مع كل من مصر والأردن لم تؤديا إلى تطبيع العلاقات بين شعبي الدولتين والكيان الصهيوني، ومن ثم لم يتحقق لتل أبيب ما كانت تأمله من توقيع مثل هذه الاتفاقيات، لذا كان البحث عن إستراتيجيات جديدة تعمق العلاقات بين الإسرائليين والشعوب العربية حتى وإن لم يكن في إطار سياسي رسمي.
نجاح السيسي في الخروج باتفاقية ترسيم الحدود بين السعودية ومصر إلى بر الأمان وغلق الباب أمام أي محاولات للطعن عليها – في الوقت الحاليّ على الأقل – يجعل من المملكة طرفًا أساسيًا في دائرة التطبيع مع دولة الاحتلال، خاصة بعد تنازل الجانب المصري عن إدارته وسيطرته على جزيرتي تيران وصنافير.
الصحف العبرية تؤكد دومًا أن دولة الكيان المحتل موجودة بشكل كبير في مركز الرؤية الاقتصادية لخطة ولي العهد السعودي (2030) خاصة بعدما تم الكشف عن الملامح الأولى لمشروع “نيوم” السعودي الذي بموجبه سيتم ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية والمصرية التي احتلتها “إسرائيل” إلى هذا المشروع خاصة مدينة إيلات “أم الرشراش قديمًا” بجانب أجزاء من سيناء والأردن، في إطار التسريع بترجمة ما أطلق عليه “صفقة القرن”.
المقربون من دوائر صنع القرار في تل أبيب يذهبون إلى أن هذه الخطة إن تحققت فإنها ستفتح آفاقًا جديدًا أمام “إسرائيل” للتوسع بغير حدود، دون الحاجة إلى اتفاقيات سلام رسمية توقع مع السعودية خاصة أن هناك تحفظًا شعبيًا داخليًا على إبرام مثل هذا الاتفاق الذي قد يضيق الخناق على آفق العلاقات السعودية الإسرائيلية التي تحيا هذه الأيام ما لم تحياه العلاقات مع الدول الموقع معها معاهدات السلام.
الكاتبة الإسرائيلية في تحليلها لم تستبعد طلب رئيس وزراء دولة الاحتلال من الرئيس الأمريكي الضغط على ابن سلمان خلال زيارته لواشنطن من أجل الموافقة على زيارة نتنياهو للرياض، بشكل علني ورسمي
ومن ثم تلتفت جميع الأنظار إلى زيارة ابن سلمان لواشنطن التي تأتي وسط أجواء ملتهبة معبأة بالكثير من الغبار السياسي والاقتصادي والأمني، خاصة مع ما استبقها من تسريبات كشفتها صحيفة “نيويورك تايمز” بشأن ممارسات تعذيب وتنكيل مورست ضد أمراء ورجال أعمال معتقلي “الريتز كارلتون” بالرياض، فضلاً عن التقارير الدولية التي تدين المملكة وممارساتها في اليمن، بخلاف القلق السعودي من عرقلة الولايات المتحدة لمشروع بناء عدد من المفاعلات النووية داخل السعودية استنادًا إلى المادة “123” من قانون الطاقة الذرية الأمريكي.
الملفات الحساسة التي تحملها تلك الأجواء الساخنة ربما تمثل ضغطًا على ولي العهد السعودي – الطامع في خلافة والده بأي ثمن – تدفعه إلى قبول ما قد يملى عليه من الإدارة الأمريكية التي ربما قد يكون على رأسها الموافقة على زيارة نتنياهو للرياض في أقرب وقت.
وحتى إن لم يتمكن ترامب من إقناع ابن سلمان بهذه المسألة حاليًّا، نظرًا لما يمكن أن تثيره من إشكاليات سعودية داخلية، كلا البلدين في غنى عنها، فإنه من المؤكد أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية للمملكة باتت مسألة وقت لا أكثر، في ظل العلاقات الحميمية التي تربط بين الدولتين وتسير بخطى لا يمكن توقع درجة سرعتها، فإن لم يكن نتنياهو سيكون خليفته.