بقعة غامقة سوداء من مياه الصرف الصحي تغرق شواطئ بحر غزة من رفح جنوبًا حتى مدينة عسقلان المحتلة شمالًا، جميع الأطراف تحدثت عن كارثة، وحذروا منها، لكن لم يتحرك أحد لإيقاف الكارثة.
اتحاد بلديات القطاع أصدر بيانًا أعلن فيه “إغلاق شواطئ بحر قطاع غزة بالكامل ليتم ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر، لعدم قدرة البلديات على توفير الوقود واستمرار سياسة العقاب الجماعي المفروضة على السكان، نعلن حالة الطوارئ في مدن وبلدات قطاع غزة”.
لم يكتف الاحتلال بمنع الصيادين من تجاوز 6 أميال وإطلاق النار عليهم، بل نتيجة منعه لإدخال الوقود اللازم لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي توقفت المحطات عن العمل، فأغلق الشاطئ أمام المصطافين، والجدير ذكره أن البحر الذي يحد غزة من الغرب هو المنفس الوحيد المتبقي أمام ساكني القطاع وباقي الحدود مغلقة بالكامل.
البحر خاوٍ على عروشه
“المساحة المحددة للصيد على امتداد ستة أميال رملية، خالية من الأسماك تقريبًا، لأن السمك يوجد مع وجود الصخر بعد 11 ميلًا داخل المياه الإقليمية الفلسطينية، ومن يتجاوز ستة أميال تطلق عليه البحرية الإسرائيلية النيران” هكذا قال لـ”نون بوست” إسماعيل أبو علي 67 عامًا والملقب بـ”الرّيس”.
إذًا البحر خاوٍ على عروشه، أسماكه ملوثة في حدود البقع السوداء كالبوري والقرّاص، ومياهه ملوثه لا تصلح للسباحة، ولكن الفلسطينيين ليسوا المتضررين الوحيدين، فمن زاوية مقابلة ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن وزارة الصحة داخل الاحتلال الإسرائيلي أصدرت تعليمات للمزارعين بمستوطنات غلاف غزة، بوقف استخدام مياه الآبار لأغراض الري الزراعي، وجاء القرار بسبب مجاري قطاع غزة التي لوثت المياه الجوفية للمستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع أهمها سديروت وشاعر هنيقف.
وقالت يديعوت أحرنوت: “مجاري غزة بمثابة عقاب كبير لنا”.
المستوطنون قلقون جدًا من تلوث البحر وطالبوا حكومة الاحتلال الإسرائيلي لمد محطات المعالجة في غزة للوقود في أسرع وقت، فقد انتقل التلوث إلى شواطئ عسقلان المحتلة، لكن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تتعنت فيما تعتبره فك للحصار.
أين يذهب أهل غزة في صيف 2018؟
لك أن تتخيل المشهد إضافة للأضرار الكارثية والبيئية لتلوث البحر، وقرار ضخ مياه الصرف الصحي دونما معالجتها للبحر، ممنوع نزول المصطافين خوفًا على صحتهم وممنوع سفرهم للخارج، كذلك ستحرقهم حرارة الصيف دون بدائل.
يقول المنقذ البحري على شواطئ رفح عادل أبو زطّة لـ”نون بوست”: “هذا الصيف سيكون الأصعب على أهل غزة، حيث الحرارة العالية والكهرباء المقطوعة، والمنفس الوحيد لهم هو بحر غزة ملوث وممنوع السباحة فيه، إضافة للرائحة الكريهة التي غطت مناطق كثيرة، كذلك لا يمكن تشغيل المسابح الخاصة التي تحتاج الكهرباء أولًا”.
وفي يوليو الماضي 2017 توفي الطفل محمد السايس خمس أعوام من حي الزيتون بعد إصابته بجرثومة في الدماغ ورُجّح أنه بسبب السباحة في بحر غزة، لذلك كانت البلديات أمام خيارين أولهما ترك الناس للسباحة والتعرض لخطر الموت أو منع السباحة.
وتبدو الناس قلقة هذا العام كثيرًا، فقد ضاق عليهم الغرب بعدما أغلقت كل المنافذ، ولعلها المرة الأولى منذ أعوام التي لم تغرق فيها أحياء كاملة في قطاع غزة بعد تمديد خط للأنابيب يصل منطقة الشيخ رضوان المنخفضة بشمال بحر غزة، لكن المشكلة الأكبر أن البحر أصبح الضحية، فحرمت المواطنين من الاستمتاع به.
لا خيار آخر سوى تشغيل محطات المعالجة
تحتاج بلديات قطاع غزة ما مقداره 40 ألف لتر على الأقل من الوقود شهريًا لتشغيل مضخات المعالجة وآبار المياه في حال انقطاع التيار الكهربائي، لكن عدم القدرة على تشغيل محطات المعالجة سيؤدي إلى ضخ أكثر من مئة ألف لتر مكعب من مجاري الصرف الصحي إلى بحر قطاع غزة من خلال 23 مصرفًا، بعضها يصب بشكل ثابت وبعضها يصب في أوقات الطوارئ.
مدير عام المياه والصرف الصحي في بلدية غزة ماهر سالم أكد أن القرار لم يتم اتخاذه إلا بعد دراسة كبيرة لما له من مخاطر وأضرار على سكان غزة، ونتيجة قلة الإمكانات المادية لدى بلديات قطاع غزة وقلة الجباية وحجم الدعم اللازم لتشغيل مرافق البلدية من آبار ومحطات صرف صحي.
وقال سالم لـ”نون بوست”: “لا يوجد منفذ آخر للمواطنين سوى البحر وسيتم إغلاقه، نحن أمام كارثة ويجب التدخل الفوري لإدخال السولار لتشغيل محطات المعالجة، وليس أمامنا حل إلا ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة للبحر”.
وأضاف سالم: “لا نتمنى أن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه الآن، ونبحث عن حل ولو مرحلي للتغلب على تلوث البحر نفسه والثروة السمكية، وأيضًا حرمان الناس من اعتياد البحر خاصة أنه المنفذ الوحيد للناس في قطاع غزة للصيف”.
صيف حارق وبحر ملوث ومعابر مغلقة وبطالة مرتفعة وكهرباء مقطوعة ومياه جوفية ملوثة، غزة ليست بانتظار الكارثة فهي واقعة فيها بسبب الحصار.