لا تزال الكثير من الأسئلة المتشابكة تُحيط بعملية اغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، بعد دقائق قليلة من دخوله قطاع غزة، لافتتاح أحد المشاريع الاقتصادية، ليزيد المشهد الفلسطيني تعقيدًا خاصة في ظل تعطل مسار المصالحة وفشل مصر في تحقيق تقدم جوهري حتى اللحظة.
“سيناريو ضعيف وإخراج فاشل”، كان هذا من أبرز التعليقات التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي، للتعقيب على حادثة اغتيال الحمدالله ومرافقه مدير جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، لتفتح تلك الحادثة صفحة جديدة من السجال و”الردح الإعلامي” بين حركتي فتح وحماس وتعمق الخلاف القائم.
وكان موكب الحمدالله، قد تعرض لانفجار عبوة ناسفة في أثناء زيارته لقطاع غزة، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات، وقال مصدر أمني إن “الانفجار وقع بعد خروج الموكب من معبر (إيرز)، صباح الثلاثاء، ووصوله قرب مقبرة الشهداء شرقي جباليا، مشيرًا إلى أن الانفجار نجم عن عبوة جانبية زرعت على طرف الشارع”.
محاولة اغتيال الحمدالله، لاقت ردود فعل غاضبة واستنكارًا فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا كبيرًا وشديدًا، نظرًا لتوقيت عملية الاغتيال ومكانها والشخصية المستهدفة، وحاولت حركة “حماس” المسؤولة فعليًا عن أمن القطاع، تدارك الموقف بالإدانة أولًا ومن ثم بإعلان اعتقال مشتبهين بحادثة الاغتيال.
لمن الرسالة؟
لكن هذا الموقف يبدو أنه لم يُعجب حركة “فتح” ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية كثيرًا، فمنذ الدقائق الأولى من الانفجار توجهت ماكينة الإعلام الفتحاوي الرسمي نحو غزة وحركة حماس على وجه الخصوص، متهمةً الحركة بالوقوف خلف العملية مع إطلاق مطالبات “كبيرة” بتسليم غزة وأمنها للحكومة بشكل فوري.
التصريحات “المتسارعة” بحسب المراقبين، فتحت باب “التشكيك” بحقيقة ودافع”عملية اغتيال الحمدالله”، من حيث التوقيت والمكان والتجهيز المسبق لدى حركة فتح للهجوم على حركة حماس
وسائل إعلام السلطة التي سارعت باتهام حركة حماس لم تكن الجهة الوحيدة التي كشفت عمن يقف وراء التفجير بعد دقائق قليلة من وقوعه، فقد وجه حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أصابع الاتهام نحو حركة حماس، قائلًا إن “حماس هي المسؤولة عن عملية الاغتيال، وسنتخذ إجراءات صارمة جدًا تجاه وضع الانقلاب والمليشيات والعصابات الذي تحاول حركة حماس فرضه في غزة”، على حد قوله.
وتواصلت الاتهامات ليخرج الناطق باسم حركة فتح أسامة القواسمي، قالئلاً: “نحمل حركة حماس المسؤولية الكاملة في الاعتداء على موكب رئيس الوزراء”. وعلى ذات المنوال سار عدنان الضميري الناطق باسم أجهزة أمن السلطة بالضفة المحتلة الذي قال: “حماس جهة مشتبه بها في هذا الاعتداء”.
هذه التصريحات “المتسارعة” بحسب المراقبين، فتحت باب “التشكيك” بحقيقة ودافع”عملية اغتيال الحمد الله”، من حيث التوقيت والمكان والتجهيز المسبق لدى حركة فتح للهجوم على حركة حماس، ووضعت كذلك الفلسطينيين في حيرة، فيما بدأ المحللون والمراقبون بمحاولة قراءة الموقف وطرح السيناريوهات المترتبة عليه.
ولعل أبرز ما جاء من ردود الفعل ما خلص له الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي، حين رصد عدة ملاحظات على زيارة رئيس حكومة الوفاق في غزة، الذي شهد موكبه خلالها تفجيرًا، وقال إن “إعلان الزيارة كان مفاجئًا، ولم يكن هناك سابقة منذ الانقسام بأن يأتي رئيس الوزراء لافتتاح المشاريع في غزة، وقد كنا نرى وزير الأشغال دائمًا ينوب عنه في ذلك”.
وأضاف: “الغريب أن الزيارة كانت تهدف لافتتاح محطة تحلية، ولم يعلن منذ بدايتها وجود لقاءات مع حركة حماس في غزة، إلا أن هذا الأمر تم تداركه بعد ساعات من إعلان أن الزيارة تتضمن لقاء بقيادة حركة حماس والوفد الأمني المصري”.
“مغادرة الوفد لقطاع غزة بهذه السرعة دليل على أنه قد تم تحقيق المراد من هذه الزيارة، في ظل معطيات عن وجود ضغط مصري لإيجاد حل لقضية الموظفين في غزة بشكل مبدئي”
وأكد أن ثمة تساؤلًا من البداية، “لماذا يأتي ماجد فرج رئيس المخابرات مع الحمد الله لافتتاح محطة تحلية مياه في غزة؟”، متابعًا: “كيف لتليفزيون فلسطين ووكالة وفا، وهم يعدُّون في ذيل قائمة وسائل الإعلام من حيث التغطية الإخبارية والسبق والسرعة في نقل الأخبار، أن ينقلوا الخبر بهذه السرعة الفائقة؟ وهذا قد أجد له مبررًا بأن أحدًا ممن هم في الوفد اتصل بهم، ولعله الحمدالله أو مدير مكتبه، لكن الغريب أن التغطية ركزت على تضخيم الحدث، وتحميل حماس المسؤولية، بذات الأسلوب وكأنه معد لها مسبقًا”.
واختتم تحليله بالقول: “أمر آخر؛ مغادرة الوفد لقطاع غزة بهذه السرعة دليل على أنه قد تم تحقيق المراد من هذه الزيارة، في ظل معطيات عن وجود ضغط مصري لإيجاد حل لقضية الموظفين في غزة بشكل مبدئي”.
السيناريو القادم
كما شكك خالد أبو هلال، الأمين العام لحركة الأحرار، في محاولة الاغتيال، وربط بين التفجير واتهامات حركة فتح السريعة لحركة حماس، وقال في تصريح صحفي له: “الاتهامات الجاهزة والملفقة تظهر وكأن هناك علاقة بين من فجّر والذي جهّز الاتهامات ضد حماس.
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف التفجير الذي طال موكب الحمد الله لم يكن لاستهدافه شخصيًا بقدر المساس واستهداف المصالحة الفلسطينية.
وقال الصواف: “هناك أيدي لا تريد وحدة الشعب الفلسطيني أو الوصول إلى المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام”، مشيرًا إلى أن سرعة إصدار البيانات تضع العديد من علامات الاستفهام عن الجهة التي نفذت واقعة التفجير، خصوصًا عبر توجيه الاتهامات وتبادلها”.
وتابع : “الأصل أن يجري إدانة الواقعة ككل لكن توجيه أصابع الاتهام بهذه السرعة لا يجب أن يكون قبل أن تنتهي التحقيقات، والمفترض أن يلتزم الجميع الصمت”.
وعن إمكانية فرض الرئيس عباس المزيد من العقوبات على القطاع، علق الصواف قائلًا: “عباس كان بصدد فرض عقوبات وإجراءات جديدة على غزة وبالتالي واقعة التفجير جاءت لتعزز الذرائع من أجل فرضها دون أن يتعرض لأي انتقادات أو هجوم في أعقاب اتخاذه أي قرار”.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي أنه لا غرابة أن تتأثر المصالحة بواقعة التفجير التي لحقت بموكب الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، منوهًا أن من فجر ووضع العبوة في هذا التوقيت يستهدف المصالحة وهو ما يتطلب تدخلاً فوريًا وسريعًا من الراعي للمصالحة لمحاولة ترميم المشهد مع الانتظار إلى حين ظهور نتائج التحقيق في الحادثة.
مشهد اغتيال الحمد الله يعود بالأذهان إلى قبل أربعة أشهر تقريبًا، حين نجا اللواء توفيق أبو نعيم مسؤول قوى الأمن في قطاع غزة، من محاولة اغتيال مماثلة
من الناحية الأمنية، أكد محمود العجرمي الخبير الأمني، أن ردود فعل فتح والسلطة التي اتهمت حركة حماس كانت منظمة وممنهجة في سرعتها، وخبرته الأمنية تدلل أن الإعداد المسبق كان ساذجًا لاتخاذ قرارات لاحقة تتهرب من المصالحة وتعاقب غزة.
ويضيف: لم يسجل التاريخ في سجل حركة حماس مهمة تفجير مثل التي اتهموها فيها داخل وخارج الوطن، بينما هناك عمليات ومحاولات اغتيال كثيرة لقادة فتح تركت علامات استفهام أهمها اغتيال عرفات الذي لم تشكل له حركة فتح لجنة تحقيق حتى اليوم.
وتابع: “ضابط الإيقاع الذي أعد السيناريو أراد الاستفادة من التوقيت؛ فزيارة الحمد الله وماجد فرج لم تكن ضمن برنامج عمل جوهري ومشوار افتتاح محطة التحلية كان عقدة القصة التي فتحت بوابة التصريحات والاتهامات”.
الجدير ذكره أن مشهد اغتيال الحمدالله يعود بالأذهان إلى قبل أربعة أشهر تقريبًا، حين نجا اللواء توفيق أبو نعيم مسؤول قوى الأمن في قطاع غزة، من محاولة اغتيال مماثلة، ليفتح باب التساؤل مجددًا عن الهدف من الحادثين والعامل المشترك بينهما، في ظل أوضاع غزة المتدهورة وفشل المصالحة و”صفقة القرن” التي تلوح في الأفق.