توتنهام واليوفي والفرص المهدورة للثورة

df0e

كنت أشاهد مباراة الفريق الإنجليزي توتنهام مع ضيفه الإيطالي اليوفنتوس في إياب دوري أبطال أوروبا في مرحلة دور الستة عشر مساء الأربعاء السابع من مارس، الفريق الإنجليزي كان قد تعادل في تورينو بإيطاليا مع نظيره الإيطالي بهدفين لكل فريق، وأصبحت حظوظه أفضل في الفوز والعبور لأول مرة في تاريخه إلى دور الثمانية، ولكنه للأسف انهزم في لندن بنتيجة هدفين لهدف وخرج خاسرًا من البطولة، بعدما خرج من الشوط الأول متقدمًا بنتيجة واحد لصفر. 

السبيرز توتنهام يلعب في الدوري الإنجليزي أعظم وأفضل دوري أوروبي من وجهة نظري، فريق فقير ماديًا، فهو لا يصرف الملايين كالخمسة الكبار في الدوري الإنجليزي (مانشستر يونايتد ومانشستر ستي وليفربول وتشلسي والأرسنال) ويفشل في الحفاظ على نجومه لضيق ذات يده الكروية.

فريق يشبهنا نحن الشباب، فريق لديه تشكيلة رائعة تجيد اللعب بطريقة حرفية جميلة، فريق يستمتع كل من يشاهد مبارياته، فريق أغلب لاعبيه ونجومه من الشباب الصغار، فريق وسط الكبار الأغنياء الذين كانوا دومًا محط الأنظار، يسيطرون على الشاشات والكاميرات، ويقنعونك دومًا أنهم الأفضل والأعظم والأعرق، وهم أهل الخبرة والفهم والدراية، ليس هذا في الكرة فقط بل في كل ثنايا الحياة.

قبل المباراة انفتحت علينا بالوعة الخبرة وسنواتها، خبرة المواعيد الكبرى والتاريخ والجغرافيا وشخصية البطل وشخصية التاريخ، كل هذا طبعًا كان المقصود به فريق السيدة العجوز “يوفنتوس”، يُتبع هذا دومًا بجملة بسيطة الكلمات لكنها مثقلة بالمعاني، فتوتنهام فريق طموح بلا خبرة، فريق لا يمتلك شخصية البطل ولا يمتلك التاريخ والعراقة وعرق السنين.

ومع الفوز للسيدة العجوز فرح مؤيدي هذا الطرح، طرح الشيخوخة العمرية، خبرة السنين التي يمتلكها أهل السنين الكثيرة، كبار السن الذين دومًا ما ينالون منّا وتهزمنا سنونهم، حتى لو حققنا عليهم انتصارًا في البداية، كثيرًا ما يرجعون ويحرموننا من طموحاتنا الجميلة، كما فعل اليوفي مع السبيرز توتنهام.

لماذا دومًا تهزم الخبرة طموح الشباب؟ لماذا دومًا تتفوق السنين على الحلم؟

حزنت على خسارة توتنهام، وتمنيت لو أنه فاز خصوصًا أنه كان الأفضل لعبًا واستحواذًا والأكثر هدرًا للفرص، شعرت وكأن هزيمة توتنهام هي تجسيد لأحلام جيلنا من الشباب، جيل الشباب الطموح الذي يشق طريقه بصبر وثبات وجهد، جيلنا الذي لاحت له فرصة يناير العظيمة واغتنمها في الشوط الأول كما فعل توتنهام، لكنه بالمثل أهدر فرصًا كثيرةً، بينما استغل الآخرين الفرص الضئيلة التي لاحت لهم محرزين الفوز على الثورات وجيلها، فانقلب جيلنا بين مطارد ومعتقل ومهاجر ومكتئب ولا مبالٍ.

لماذا دومًا تهزم الخبرة طموح الشباب؟ لماذا دومًا تتفوق السنين على الحلم؟ نقلتني المباراة بطريقة غريبة لحلم ثورة يناير المهدور والمغدور، حلم فاز فيه الشباب بالبداية، رغم معارضة كثير من الكبار وأهل الخبرة وعجائز العمر من كل التيارات والاتجاهات، حتى من غير السياسيين، حلم يناير تخطى عقول الكبار تجاوزهم وتجاوز تفكيرهم، طموح كان يرفرف في سماء الوطن، بذره الشباب وسقوه بجهدهم وتعبهم بل وبدمائهم، فما إن ظهرت بادرته فوق تربة الوطن إلا واقتلعته إيادٍ كثيرة إما بقصد أو غير قصد.

تعارك الكبار وتبعهم كثيرٌ منا، جرونا لمعارك لم تكن معاركنا يومًا ما، كانت الأهداف بسيطة النطق عظيمة المعنى، عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية، عيش: حياة كريمة يكفي فيها الشاب نفسه ويعين أهله، لا يحتاج فيها لذل الريال والدينار، ولا يعاني فيها شظف العيش وكدر الحياة، حرية: أعيش حرًا في أرض وطني، لا يقيدني حاكم ولا مسؤول، لا أهاب من سجن ولا معتقل، فالله خلق البشر وجعل لهم الحرية في عبادته أو عبادة غيره، ولكن ابتلانا الله بأهل سلطة ما أريكم إلا ما أرى، عدالة اجتماعية: فالكل سواسية في الحقوق والواجبات، لا فضل لأحد على الآخر إلا بتعبه وجهده واجتهاده، لا بفضل نسبه وأهله وواسطته، كرامة إنسانية: فما طعم الحياة وهي مغموسة بالذل والهوان؟ الموت وقتها أريح للإنسان السويّ من حياة كهذه، ساقنا أهل الخبرة العمرية لدروب الإسلامية والعلمانية، وحارات الشرعية والدستورية، ومزالق الدستور الانتخابات أيهما أسبق، ثم تسرب الحلم من بين أيدينا، وعدنا نعاني غربة الوطن داخله وخارجه.

نحن الشباب من نستقبل الحياة ولم نأخذ منها شيئًا بعد، أنتم يا عجائز الأعمار والقلوب والعقول أخذتم الكثير وما هان لكم أن تتركوا لنا بصيص الحرية يضيء دروب العمر، أنتم من سكتم على خراب الوطن كل هذه السنين، وعندما لاحت الفرصة أضعتموها وأضعتمونا معكم، عندما أعلنا العصيان كان الأمر أكبر من عقولكم التي أتعبتها السنين، لم يستوعب بعضكم أن يكون في المقدمة أولادكم وأحفادكم، لم يهن عليكم أن تتركوا الساحة لهم، وترجعوا تقضوا أواخر حياتكم في سكينة وراحة بال، ظننا أننا هزمنا شيخوخة الأيام والحكم والحياة، ظننا أن حماسة قلوبنا ستملأ الوطن بالدفء والحرية وراحة البال، ولكن انقلبت الأيام وفقدنا كل شيء، ضاع الحلم وقتل معه الطموح والرغبة في الحياة.

توتنهام أعاد ذكريات الأيام، ولكننا كتوتنهام يومًا ما سنكسب ما تقولون إنها خبرة السنين ومعترك الأيام وسنهزمكم يا عجائز السنين، ولكننا وقتها قد نكون من يمثل قطاع العجائز، وسيكون هناك شباب آخرون يتطلعون للتحليق بعيدًا عن عقولنا الهرمة، وقد نكون نحن عائقهم وقتها، يبدو أنه هذه سنة الحياة وتراتب الأيام والسنين، سنة من سنن الله في كونه، الخبرة والسنين دائمًا ما تكون من العوامل المرجحة عند الصراع، بين الشباب والشيبان رغم تشابه الحروف لكن تباعد العقول والطموح بينهما كبير، حتى قطيع الحيوانات يقوي عود الصغير، ويجب عليه أن يقاتل حتى يجد له موطن قدم في الحياة، وما إن يتمكن من ذلك إلا ويخرج له صغير آخر يطالب بحقه في الحياة كذلك.

يومًا ما سيفوز توتنهام بالدورات الكبرى لو حافظ على نجومه رغم أن هذا صعب، فمن الصعب الصمود أمام ملايين الكبار التي لا تنضب وترغب في الشراء

يومًا ما ستتاح لنا فرصة لنعيد الحلم مرة أخرى، وتعلو مطالبنا من جديد، لا أعلم وقتها سنكون شبابًا أم خط الشيب رؤوسنا، ومن المفترض أن نكون كسبنا ما يسمونه خبرة الأيام، فالهزيمة مرة واحدة تساوي خبرات السنين، وإن كنا شيبانًا فعلينا أن نفسح مجالًا للشباب، نسمع لهم نناقشهم نترك لهم الكثير من مقاعدنا، لا نجرهم لمعاركنا العمرية السحيقة، نتركهم لمعاركهم معارك العيش الكريم وبحثهم الدؤوب عن الحياة، إن لم يكن في مقدرونا مساعدتهم فلا نكن عقبة في طريقهم.

يومًا ما سيفوز توتنهام بالدورات الكبرى لو حافظ على نجومه رغم أن هذا صعب، فمن الصعب الصمود أمام ملايين الكبار التي لا تنضب وترغب في الشراء، ويومًا ما سننتصر لو حافظنا على بساطة أهدافنا وبحثنا عن الحياة الكريمة لجميعنا، سنظل مختلفين، فهذا من سنن الكون ولكن سنظل نطالب لنا ولغيرنا بالحرية والكرامة والاحترام والحفاظ على حياته وخصوصياته، سنظل نطالب بأن يكون الوطن لكل ساكنيه، فالوطن أولى وأبقى من الأيدلوجيا والحزب والحكومة والحكم، رغم الخوف من الانحراف عن هذه الأهداف سنحاول أن نظل أوفياءً لها، سيظل توتنهام يقدم كرة جميلة تمتع المشاهدين، وسنظل ندافع عن ثورة يناير ونؤمن بأهدافها وعظمة طموحاتها، وسنظل نؤمن أن ثورة يناير كانت أجمل وأعظم لحظات جيلنا.