ترجمة وتحرير: نون بوست
قام ولي العهد السعودي الشاب بالتوغل في الشؤون الخاصة لبعض أكبر الشركات في بلاده، من خلال إلغاء بث عدد من المسلسلات التي تحظى بشعبية كبيرة، كما عمد إلى تعطيل بناء أطول مبنى في العالم. وقد عمل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان على تجسيد نفوذه فيما يتعلق بالمصالح التجارية السعودية، بعد اعتقال العشرات من كبار رجال الأعمال ومسؤولين في الحكومة، في السنة الماضية، بالإضافة الى أفراد من العائلة الحاكمة، وذلك حسب مستشارين سعوديين بارزين. وفي الأثناء، أجبر الأمير البالغ من العمر 32 سنة، الذي كان قد أحكم سيطرته على دواليب السياسة العسكرية والخارجية بالفعل، بعض رجال الأعمال على دفع مبالغ نقدية والتخلي عن شركاتهم مقابل إطلاق سراحهم.
في هذا الشأن، سيطرت الحكومة خلسة على مجموعة بن لادن السعودية، وهي أكبر شركة بناء في البلد، بالإضافة إلى أنها وضعت يدها على أكبر تلفزيون خاص في الشرق الأوسط، مجموعة إم بي سي، وذلك وفقا لمصادر مطلعة على عملية الاستحواذ. أما الآن، فقد فرضت الحكومة السعودية حق الفيتو على القرارات الاستثمارية التي قد يتخذها أكثر الشخصيات المنفتحة في قطاع الأعمال في المملكة، الأمير الوليد بن طلال، حسب ما أدلى به مستشارون بارزون يعملون على قضيته.
عادة، لا تتمتع الحكومة السعودية بهذا القدر من السيطرة على مجموعة أم بي سي التي يقع مقرها في دبي، حيث تنشط وسائل الإعلام والترفيه بشكل حر
في الأثناء، لا يزال الأمير الوليد بن طلال وفريقه يديرون شركة المملكة القابضة التابعة له، ولكن بشكل صوري فقط. وسرعان ما أظهرت الحكومة قوة سيطرتها على شركة بن طلال، وذلك في شباط / فبراير، عندما أمرت عدداً من مديري الإدارة العليا ضمن الشركة بالانسحاب من أحد أكبر مشاريع بن طلال، برج جدة، الذي من المقرر أن يكون أطول برج في العالم بارتفاع ثلاثة آلاف قدم. في المقابل، عمدت الحكومة إلى توجيه هؤلاء المسؤولين للإشراف على أعمال بناء منطقة نيوم، التي تمثل مدينة على قدر عال من التطور تندرج ضمن إحدى رؤى الأمير محمد بن سلمان، وذلك حسب ما ذكرته مصادر على دراية بهذا القرار الذي يتماشى مع رغبات الأمير، وفقا لما تتوقعه.
يأتي توقف قناة إم بي سي المفاجئ عن بث الدراما التركية ذات الشعبية الواسعة الأسبوع الماضي، على اعتباره مثالا آخر يجسد مدى توسع نفوذ الأمير. وأبلغت الحكومة السعودية مجموعة إم بي سي بوقف البث، وذلك بأمر من ولي العهد، وفقا لما أكدته جهات على علم بصدور هذا الأمر، مع العلم أن هذا القرار من شأنه أن يمس بملايين المشاهدين في الشرق الأوسط.
عادة، لا تتمتع الحكومة السعودية بهذا القدر من السيطرة على مجموعة أم بي سي التي يقع مقرها في دبي، حيث تنشط وسائل الإعلام والترفيه بشكل حر. ولكن مؤسس المجموعة، وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، ومدراء تنفيذيين سعوديين لشركات أخرى، كانوا من بين رجال الأعمال الذين وقع احتجازهم لأسابيع بتهم فساد في آواخر السنة الماضية، وفقاً لمسؤولين في الحكومة. وأفاد مستشارون سعوديون بارزون على اطلاع بالقرار أن آل إبراهيم، الذي لا يزال متمسكا ببراءته وعلى رأس مجلس إدارة المجموعة، وافق على التخلي على إدارة شبكته الإعلامية لصالح الحكومة السعودية مقابل حريته.
يحتفظ آل إبراهيم بحصة تبلغ 40 بالمائة من قنوات إم بي سي، لكنه عاجز عن الانتقال من المملكة العربية السعودية إلى مقر الشركة في دبي بموجب قيود سراحه المشروط
في الحقيقة، إيقاف بث المسلسلات التركية لم يمكن قراراً تجاريا منطقيا بالنسبة لمجموعة إم بي سي، وذلك حسب جهات مطلعة على المسألة. فقد حققت الدراما التركية نجاحا واسعا لأكثر من عقد من الزمن بفضل شخصياتها المؤثرة، في حين وقعت دبلجتها إلى العربية وبثها في أوقات الذروة. ووفقا لوجهة نظر مستشارين سعوديين بارزين، أمر الأمير محمد بن سلمان بإيقاف هذه البرامج بهدف توجيه رسالة سياسية إلى تركيا، التي ظلت حليفا صريحا لقطر حتى بعد إقدام المملكة العربية السعودية على تنسيق مقاطعة اقتصادية عربية ضدها بتعلة دعم الإمارة العربية الصغيرة المزعوم للإرهاب. وفي السياق ذاته، تسبب إيقاف بث هذه البرامج التركية على قنوات مجموعة إم بي سي في ضجة كبيرة في الأوساط التركية، حيث اتهم المسؤولون الحكوميون السعوديين بالتدخل في ثقافة البوب.
في شأن ذي صلة، يحتفظ آل إبراهيم بحصة تبلغ 40 بالمائة من قنوات إم بي سي، لكنه عاجز عن الانتقال من المملكة العربية السعودية إلى مقر الشركة في دبي بموجب قيود سراحه المشروط، الأمر الذي دفع بعض الأشخاص المُلمين بهذه المسألة للقول بأنه أصبح عاجزا تماما. وقد وصف أحد المسؤولين التنفيذيين في مجموعة “إم بي سي” وليد بن إبراهيم بعد إطلاق سراحه، بأنه “رجل محطم”، لا يكاد يشارك في إدارة شركته، فضلا عن أنه يشعر بأن حياته قد دمرت.
لطالما جمعت الحكام السعوديين علاقة تكافلية بالشركات الكبرى في المملكة، لكنهم نادرا ما كانوا يتدخلون في الشؤون الخاصة والطبيعية لهذه الشركات. ومنذ انبثاق الحملة على الفساد، منح الملك سلمان نجله تفويضا واسع النطاق لفرض تغييرات في عالم الأعمال، وفقا لما جاء في تصريحات كبار المستشارين السعوديين. وقد رفض مسؤولون في الحكومة السعودية الرد على مطالب متعددة للإدلاء بتعليق حول هذه النقطة.
“الحكومة تحد من تدفق المعلومات بشكل صارم، وذلك حتى تظهر العملية على أنها مشروعة وقانونية، لكن أيضا للحفاظ على قيمة هذه الشركات”
في تصريحات سابقة، وصف مسؤولون سعوديون هذه الحملة بأنها تحرك ضد الكسب غير المشروع للشركات بهدف خلق بيئة تجارية عادلة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات حظيت بشعبية عارمة داخل المملكة العربية السعودية، حيث ينظر الكثيرون للأمير محمد بن سلمان على أنه يقود المملكة في اتجاه جديد أكثر حيوية، بينما يرى البعض الآخر أن رواد الأعمال على اعتبارهم مجرد حراس فاسدين قديمي الطراز.
حيال هذا الشأن، صرحت كارين يونغ، الخبيرة الاقتصادية والسياسية في معهد دول الخليج العربية المستقل في واشنطن، أن الأمير قام بتعزيز نفوذه في عالم الأعمال السعودي على نحو هادئ لتجنب نفور المستثمرين والشركات الغربية التي تلقي بالا لحكم القانون. واستطردت يونغ، أن “الحكومة تحد من تدفق المعلومات بشكل صارم، وذلك حتى تظهر العملية على أنها مشروعة وقانونية، لكن أيضا للحفاظ على قيمة هذه الشركات”.
زار الأمير محمد بن سلمان المملكة المتحدة يومي الأربعاء والخميس الفارطين، حيث التقى بالملكة إليزابيث الثانية ورئيسة الوزراء تيريزا ماي لتسليط الضوء على الإصلاحات وفرص الاستثمار في المملكة العربية السعودية، ولتعزيز العلاقات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يخطط ولي العهد السعودي لزيارة واسعة النطاق للولايات المتحدة الأمريكية بداية من التاسع عشر من شهر آذار/ مارس الجاري. والجدير بالذكر أنه قد سمح للأمير الوليد بن طلال أن يبقى على رأس مجموعة شركاته، وأن يحيط شركائه علما بأن حجم حصصه في الشركة لم يتغير منذ الإفراج عنه خلال الشهر الماضي، حسب ما أفاد به مستشارون بارزون يعملون على قضيته.
المصدر: وول ستريت جورنال