الثورة السورية انطلقت شرارتها من درعا في شهر مارس/آذار 2011، وما زالت جذوتها مشتعلة بعد مرور 7 سنوات، عاش خلالها الشعب السوري أحلك الظروف وأقسى الأوضاع التي يمكن أن يتعرض لها شعب من شعوب العالم، وهو يحلم بالتحرر من بطش نظام الأسد وأجهزته القمعية التي أهلكت الحرث والنسل وعاثت في الأرض فسادًا.
الواقع السياسي واتفاق خفض التصعيد
وفي نظرة سريعة لأبرز محطات الثورة السورية في عامها السابع، نجد أنه على المستوى السياسي فإن اجتماعات أستانة أدت إلى فرض اتفاق خفض التصعيد بداية شهر مايو/آيار 2017، الذي نص على وقف إطلاق نار شامل بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة، وشمل الاتفاق أغلب مناطق التماس امتدادًا من شمال سوريا إلى جنوبها، وعاش الشعب السوري لمدة أشهر نوعًا من الاستقرار الجزئي، وتوقف القصف الذي لم يخل من خروقات متكررة للنظام وحليفه الروسي.
ولم يدم اتفاق خفض التصعيد إلا أشهر حتى تطورات الأحداث وازدادت تحركات النظام العسكرية مستغلًا هدوء الجبهات في محاولة منه لتوسيع مناطق نفوذه، ضاربًا عرض الحائط تفاهمات أستانة، ومعتبرًا الاتفاق بحكم اللاغي
أما بالنسبة للشخصيات السياسية المحسوبة على الثورة من ائتلاف وحكومة مؤقتة وما على شاكلتها من ممثلي المعارضة والفصائل المقاتلة في الداخل السوري، فقد فشلوا فشلًا ذريعًا في أن يكون لهم دور حقيقي وفعال في توجيه دفة الصراع، أو أن يكون لهم كلمة حقيقية في حسم الصراع لصالح الثوار، فقد أضحوا عبئًا على الثورة وأهلها وغدوا بيادق على رقعة شطرنج، تحركها القوى الخارجية بالاتجاه الذي تريد ولو كان على حساب الشعب السوري المكلوم، وما اجتماعاتهم في أستانة وسوتشي وغيرها من المؤتمرات، إلا دليل صادح على أنهم غدوا شهود زور على مقررات تفرض عليهم من الجهات الراعية لهذه المؤتمرات، كالجانب الروسي والإيراني والتركي وما عليهم إلا التنفيذ.
هذا ولم يدم اتفاق خفض التصعيد إلا أشهر حتى تطورات الأحداث وازدادت تحركات النظام العسكرية مستغلًا هدوء الجبهات في محاولة منه لتوسيع مناطق نفوذه، ضاربًا عرض الحائط تفاهمات أستانة، ومعتبرًا الاتفاق بحكم اللاغي، وهذا ما أكده وزير خارجية النظام وليد المعلم في كلمة له أمام البرلمان نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث صرح أن بقاء هذه المناطق، مناطق خفض التصعيد، في وضعها الراهن، غير مقبول، في المرحلة المقبلة، قائلًا”: “الهدف هو تطهير جميع الأراضي السورية من الإرهابيين” على حد تعبيره.
التطورات العسكرية والميدانية وتقدم واسع للنظام
ويمكن القول بأن الوضع العسكري لم يكن بالعموم لصالح المعارضة، حيث تقدمت قوات النظام بشكل سريع من ريف حماه الشرقي باتجاه ريف حلب الجنوبي وسقطت نحو 400 بلدة خلال شهرين تقريبًا وتمكن النظام من السيطرة على معظم ريف حلب الجنوبي وسقطت بلدات مهمة مثل تل الضمان وأبو ظهور ومطارها الإستراتيجي.
انحصرت رقعة سيطرة المعارضة إلى 13% فقط، في حين كانت نسبة سيطرة الأكراد 26%، وحافظ تنظيم الدولة الذي شهد تقهقرًا كبيرًا خلال عام 2017 على 3% فقط
وتسببت عمليات النظام العسكرية التي ساندها الروس من الجو، بحركة نزوح كبيرة لعلها الأكبر منذ انطلاق الثورة السورية، وهرب أكثر من مئتي ألف مدني من مناطق ريف حماه الشرقي وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الجنوبي باتجاه المناطق الأكثر أمنًا في الشمال السوري وهو ما تسبب بأزمة إنسانية كبيرة في ظل أجواء الشتاء الباردة خاصة أن مناطق الشمال لم تعد تستطيع استيعاب مزيد من اللاجئين، فهي تعج بالنازحين من المناطق السورية كافة ومخيم أطمة وحده فقط يضم نحو ربع مليون شخص.
أما الجنوب السوري فقد شهد أزمة إنسانية جديدة مع بداية شهر فبراير/شباط 2018، بتنفيذ النظام وحليفه الروسي عملية عسكرية واسعة استهدفت 400 ألف مدني محاصر في الغوطة الشرقي بريف دمشق، وهو ما أدى لمقتل أكثر من 1000 شخص وجرح 4000 آلاف آخرين في محاولة من النظام وميليشياته لتهجير أهل الغوطة في سيناريو شبيه بسيناريو حلب.
وقد استطاع النظام من خلال اتفاق خفض التصعيد والتزام المعارضة به فقط من طرف واحد، أن يعيد السيطرة على أكثر من 57% من الأراضي السورية بينما انحصرت رقعة سيطرة المعارضة إلى 13% فقط، في حين كانت نسبة سيطرة الأكراد 26%، وحافظ تنظيم الدولة الذي شهد تقهقرًا كبيرًا خلال عام 2017 على 3% فقط.
تنظيم الدولة ونهاية الحكاية
تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي كان يسيطر على أكثر من نصف مساحة سوريا منتصف عام 2015، لم يعد يسيطر اليوم إلا على بعض المناطق الصحراوية أو القرى النائية في ريفي دير الزور وحمص وبعض الجيوب في محافظة القنيطرة مع وجود بعض مقاتليه في مخيم يرموك ضمن العاصمة دمشق.
أصبح تنظيم الدولة الأسطوري بحكم المنتهي في سوريا بينما برزت الميليشيات الكردية كقوة ثانية وهي الأكثر سيطرة بعد النظام ولكنها بنظر المعارضة قوى معادية متحالفة مع الأسد يشاطرها في هذه النظرة الجانب التركي الذي يعتبر الأحزاب الكردية قوى إرهابية تهدد الأمن القومي التركي
وتعرض التنظيم لتقهقر كبير في مناطق نفوذه بعد العملية العسكرية الواسعة للوحدات الكردية بمساندة الولايات المتحدة التي أدت إلى انتزاع مدن الرقة ودير الزور والبوكمال من قبضته، يضاف إلى ذلك عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا أواخر عام 2016 بالتعاون مع فصائل الجيش السوري الحر وأدت لدحر التنظيم من مدن جرابلس – الباب وإعادة السيطرة على مساحات كبيرة من ريف حلب الشمالي.
وبهذا أصبح تنظيم الدولة الأسطوري بحكم المنتهي في سوريا بينما برزت الميليشيات الكردية كقوة ثانية وهي الأكثر سيطرة بعد النظام ولكنها بنظر المعارضة قوى معادية متحالفة مع الأسد يشاطرها في هذه النظرة الجانب التركي الذي يعتبر الأحزاب الكردية قوى إرهابية تهدد الأمن القومي التركي لذلك يجب العمل على استئصالها وإنهاء حلمها في تأسيس دولة كردية شمال سوريا.
غصن الزيتون وضربة موجعة للمشروع الكردي
رغم الانتقادات الواسعة لعملية غصن الزيتون وكونها تمت بناء على صفقة سياسية بين الجانبين التركي والروسي أدت إلى السماح للنظام بالتقدم في مناطق شرقي السكة الحديدية، إلا أن العملية استطاعت ضرب المشروع الكردي الانفصالي وبددت حلم الأكراد في وصل منطقة عفرين بمناطق شرقي نهر الفرات تمهيدًا لتأسيس كيان كردي على امتداد الحدود السورية التركية شمال سوريا.
ما زال هناك من الثوار من عقد العزم للمضي قدمًا لتحقيق مطالب الثورة بإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه ومؤسساته الأمنية القمعية
نعم تكبدت الميليشيات الكردية ضربة قاسية وموجعة في عفرين وتساقطت المناطق بسرعة وأصبحت عفرين شبه محاصرة وبحكم الساقطة عسكريًا وأضحى الطريق مفتوحًا لوصل مناطق ريف حلب الشمالي بمناطق ريف حلب الغربي وإدلب الشمالي وهو ما سيكون له أثر إيجابي على الوضع الإنساني وإعادة الاستقرار إلى المنطقة مع وجود خطة للحكومة التركية لإعادة تأهيل المنطقة وإعادة عدد كبير من اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي سيطرت عليها الميليشيات الكردية قبل عامين.
الوضع الاقتصادي واستمرار تدهور العملة السورية
لا شك أن 7 سنين من الحرب القاسية أدت إلى تدهور الواقع الاقتصادي وانتشار البطالة وشلل في القطاعات الاستثمارية وبطبيعة الحال تدهور كبير في قيمة العملة السورية المحلية وغلاء فاحش في الأسعار، كل ذلك كان له أثر سلبي كبير على الناحية المعيشية للشعب السوري الذي لم يعد بإمكانه مغادرة سوريا للبحث عن حياة أفضل، فالحدود مغلقة من المعابر كافة وهو ما اضطر المدنيين للتكيف مع واقعهم المفروض عليهم، وشق طريقهم في البحث عن لقمة العيش في الداخل السوري مع وجود بعض الجهات التي تقدم الإغاثات الغذائية أو العينية التي قد تسد شيئًا من رمق المحتاجين.
ما أفق الحل في سوريا؟
بعد مقتل أكثر من نصف مليون مدني وتشريد الملايين خلال السبع سنوات الماضية، لا شك أن الشعب السوري فقد الأمل بكل من تصدر المشهد ليقدم حلًا لمعاناته، فهو فقد الأمل بقادة الفصائل المرتبطين بالداعمين الذي أصبح يتحكم بهم بعيدًا عن تطلعات الشعب، وكذلك فإن السوريين لم يعودوا يعولون كثيرًا على المجتمع الدولي الذي أدركوا أنه لم يكن يومًا معهم بل كان دائمًا في صف نظام الأسد القاتل، وكذلك فقد الناس الأمل في حكام الدول العربية الذين ادعوا يومًا أنهم أصدقاء للشعب السوري ولم يرَ السوريون من صداقتهم المزعومة إلا مزيدًا من التخاذل والتجاهل لقضيتهم العادلة.
في المقابل ما زال هناك أمل بغد مشرق قريب وهذه التضحيات الجسام التي قدمها الشعب لن تذهب سدى، فما زال هناك من الثوار من عقد العزم للمضي قدمًا لتحقيق مطالب الثورة بإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه ومؤسساته الأمنية القمعية، إلا أن هذا القرار الجريء الذي اتخذه البعض قد يعني سنوات أخرى من الصراع والحرب، ولكنه في النهاية صراع من أجل البقاء ولمنع تكرار أحداث الثمانينيات الانتقامية في حال استسلم الشعب وقرر العودة لحضن الوطن.