السودان
تكشفت الحرب التي اندلعت في السودان منتصف أبريل/ نيسان 2023 عن مآسٍ مروعة بحقّ النساء بشكل خاص، فقد دفعن وما زلن؛ الثمن الأكبر والأفدح في هذا الصراع، إذ يُستخدم الاغتصاب كسلاح حرب وترهيب وإخضاع للأفراد والعائلات والمجتمعات.
العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف، ليس جديدًا في السودان، وللحروب الطويلة التي شهدها البلد دومًا ضحايا أبرياء من المدنيين، وأبرزهم الأطفال والنساء وكبار السن، لكن ما جرى خلال الصراع الحالي بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع كان كارثيًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
كشفت منسقة “برنامج السودان” في المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي “صيحة”، نعمات أبوبكر، عن ارتفاع حالات الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها فتيات سودانيات خلال الحرب الحالية.
وقالت أبوبكر إن “مبادرة “صيحة” تمكنت من رصد وتوثيق أكثر من 176 حالة اغتصاب، بينها عمليات اغتصاب جماعي، تعرضت لها نساء سودانيات”، مشيرةً إلى أن “بعض الضحايا حاولن الانتحار بسبب المضاعفات النفسية الناتجة عن الاغتصاب والحمل الذي تعرضن له”.
ولفتت إلى 14 حالة حمل قسري، نتجت عن عمليات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي خلال الحرب في عدد من الولايات السودانية.
ومن جانبها، تحدثت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، سليمى إسحاق، عن اختطاف فتيات من ولاية الجزيرة وسط السودان، وأشارت إلى أن هذا الحادث يأتي ضمن سلسلة من عمليات اختطاف الفتيات التي حدثت في الخرطوم ودارفور، لافتةً إلى أنه بينما ينكر الناس اختطاف الفتيات، فإن وثائق الأمم المتحدة أثبتت هذه الحقائق وأكّدت صحتها.
وسيلة تهديد
قالت المسؤولة الحكومية إن وحدتها أحصت 191 حالة تتعلق بالعنف الجنسي ضد النساء خلال عام وشهرَين من الحرب، مؤكدة عدم الاستجابة للمطالبات بوقف هذه الانتهاكات خاصة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وتوقعت سليمى، في مقابلة مع “سودان تربيون“، ظهور المزيد من الحقائق المروعة مع انتهاء الحرب أو وقف إطلاق النار، وأضافت أن هناك حقائق مخفية أسوأ وحقائق قبيحة يراها الناس ويسمعون عنها، على حد تعبيرها.
وأضافت: “المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تشهد ارتفاعًا كبيرًا في نسبة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وأصبح هذا الأمر وسيلة للتهديد”.
وأشارت سليمى إلى أن نسبة العنف الجنسي تتراجع مع تقلص سيطرة قوات الدعم السريع على المناطق المحددة، متهمة القوات بارتكاب أكثر من 90% من تلك الجرائم.
وأكدت المسؤولة الحكومية أن نسبة الاستجابة للمساعدات الضرورية والنفسية لا تعكس الواقع، ما يدلّل على ضعف الخدمات الصحية المقدمة، مضيفةً بقولها: “حتى لو كانت الخدمات الصحية والنفسية موجودة، قد يصعب الوصول إليها أو الإبلاغ عنها، لأن الكثير من الناس يخافون رغم الوعي المتزايد بأهمية هذه الخدمات المنقذة للحياة”.
قبل 100 عام فضلن الانتحار على الاغتصاب
في مقالة بعنوان “عندما يكون المخرج الوحيد هو الموت”، استذكرت الكاتبة السودانية ريم عباس -زميلة غير مقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط- مرور أكثر من 100 عام على ربط نساء المتمة أنفسهن واختيارهن الغرق في نهر النيل هربًا من إذلال الاغتصاب، مشيرةً إلى أن التاريخ يعيد نفسه الآن.
أوضحت ريم أن العام 1897 هو أعظم عام خيانة وعار للمجتمعات في شمال السودان، كان ذلك بعد 12 عامًا من حكم الخليفة عبد الله التعايشي، وكان معظم ما يعرف بالسودان الحالي يعاني تحت حكم المهدية الثانية، الفترة التي تلت المهدية الأولى تحت حكم محمد أحمد المهدي، الذي توفي بعد وقت قصير من استيلاء جيشه على أم درمان من الاحتلال البريطاني.
بحسب الكاتبة، كان حكم التعايشي وحشيًا وانقلبت المجتمعات ضده، حيث عُرفت تلك الفترة بالنزوح الجماعي والجوع والقتل والاضطهاد، مشيرةً إلى أنه تمّت مداهمة القرى، وقُتلت مجتمعات بأكملها أو نزحت لعدم إظهار الولاء الكافي للتعايشي. والأخير أرسل محمود ود أحمد، وهو جنرال بالجيش، لغزو المتمة، البلدة التي تقع على ضفاف نهر النيل في ولاية نهر النيل الحالية، بسبب خلاف اندلع بين التعايشي وأحد مساعديه العسكريين من أبناء المتمة.
ووفقًا للكاتبة ريم عباس، تمّ تخليد مجزرة المتمة في القصائد والحكايات الشعبية، إذ كتب المؤرخ الشهير عصمت زلفو في كتابه “كرري” أن جيش محمود ود أحمد كان تعداده بين 10 آلاف و12 ألف جندي، وأن عبد الله ود سعد لم يكن لديه أكثر من 2500 مقاتل.
وقالت ريم: “نساء المتمة عرفن أن جيش المهدية سيقوم بملاحقتهن بعد المعركة غير المتكافئة”، لافتةً إلى أن الحكايات الشعبية تقول إنهن ربطن بعضهن بالحبال واستخدمن الحجارة لجعل أجسادهن أثقل من المعتاد، ثم غرقن معًا في نهر النيل مع أطفالهن، وضفائرهن الطويلة تشابكت معهن أكثر من الحبال.
أما النساء اللواتي بقين في المدينة فتمّ نقلهن على متن قوارب خشبية واقتدن إلى أم درمان، حيث تعرضن للاستعباد الجنسي من قبل جنود المهدية، كما ذكرت ريم عباس.
وتضيف: “مع انتشار قصص الاغتصاب الحالية في وسائل الإعلام على يد قوات الدعم السريع، يبدو أننا عدنا إلى عام 1897. لدينا القليل من المعلومات لأن العار والوصمة تجعل من الصعب على الفتيات والنساء وعائلاتهن الإبلاغ”، موضحةً أن العديد من الضحايا تتراوح أعمارهن بين 12 و18 عامًا، وأشارت إلى أن عمليات الاغتصاب حدثت داخل المنازل، ويتم اختطاف بعض الفتيات والنساء من منازلهن.
“كانت تقدم الغداء لمغتصبي بناتها”.
وذرفت عيناي الصحفي السوداني ناجي الكرشي دموعًا حاول حبسها وهو يروي كيف تعتصب بنات بلده القاصرات وأصغرهن 13 سنة وتتناوب عليهن ميليشيات الدعم السريع التي تهرب الذهب إلى الإمارات وتبعث الأخيرة بالسلاح والمال وتقدم كل الدعم لجرائم الإبادة… pic.twitter.com/RY8xwHYMNe
— Nezam Mahdawi نظام المهداوي (@NezamMahdawi) June 10, 2024
اعتدوا عليها يوم مغادرتها الخرطوم
في تقرير لـ”الجزيرة نت”، تروي الكاتبة داليا عبد المنعم قصة المهندسة حسنى (اسم مستعار) التي بقيت في حيها بالخرطوم بحري في الأيام الأولى من الحرب، حتى أصبح الأمر خطيرًا للغاية، وفي اليوم الذي حاولت فيه المغادرة انتقل مقاتلو قوات الدعم السريع إلى الحي.
تقول حسنى: “كنت متزوجة منذ بضعة أشهر فقط عندما اندلعت الحرب”، وكان معظم أفراد عائلتها قد فرّوا بالفعل من الخرطوم، لكن زوج حسنى كان في أم درمان، لذلك بقيت في انتظاره.
وأوضحت أن شبابًا كانوا يرتدون زي المدنيين وصلوا إلى الحي، لكنها خمّنت أنهم تابعون للدعم السريع من الطريقة التي يتحدثون ويتصرفون بها.
وتضيف حسنى: “قبضوا على بعض الفتيات من جنوب السودان، كن يعشن في مبنى آخر لكن قائد القوات أبقاني منفصلة عنهن. ظل يناديني بالأخت: “أنت أختي، أنت فتاة عربية، أنت بأمان”. لكن بعد ذلك انقلب تمامًا وبدأ يصيح في وجهي: “كاذبة”، ويقول إنني لست من المنطقة، وحذّر الجنود الآخرين من الاقتراب مني، قائلًا إنني واحدة منهم”.
أخذ الجنود حسنى والنساء الأخريات إلى مبنى آخر، حيث كانت تعيش أخت حسنى، وجرى توجيه نساء جنوب السودان إلى شقة واحدة، وأمرَ قائد فريق الدعم السريع حسنى بإبلاغه بمكان سكن شقيقتها.
ثم قال: “لدي طلب واحد. إذا قلت نعم، عظيم، وإذا لم تقولي، فهذه ليست مشكلة أيضًا”، ثم وجّه بندقيته إلى حسنى، “أريد أن أنام معك”، وتوسلت حسنى إليه أن يتركها تذهب، “ألم تقل إنني أختك؟ هل تفعل ذلك لأختك؟”.
ثم جاء جندي إلى الشقة وقال إن فتيات جنوب السودان يصرخن جميعًا ولا يعرفن ماذا يفعلن، وقال الزعيم: “اخرسهن واخرج. لا أحد يأتي إلى هنا”.
عرفت حسنى بعد ذلك أنها على الأقل لن تتعرض للاغتصاب الجماعي، وأنه فقط كان ينوي اغتصابها. “بدأت أتضرّع إلى الله. كانت مسبحتي معي وظلّلت أدعو وأتضرّع”.
وبمجرد مغادرة جنود قوات الدعم السريع، هربت حسنى إلى منزل صديقة كانت تعيش في مكان قريب، وقالت: “لم أستطع التوقف عن البكاء. أخبرتها بما حدث وسرعان ما أخذتني إلى الحمّام، ولفّت ملابسي المتسخة في كيس بلاستيكي، وأعطتني مسكنًا، وساعدتني صديقة أخرى في الحصول على برتوكول أدوات للتعامل مع الاغتصاب”، وفي الصباح التالي ساعدتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في الحصول على حبوب منع الحمل.
تقول حسنى: “ظللت أعيد كل شيء في رأسي. لا أستطيع البقاء وحدي. أنا دائمًا بحاجة إلى شخص معي فقط لأشعر أنني بخير، لأشعر أنني بأمان. زوجي كان متماسكًا كالصخرة. قلت له كل شيء… استغرق الأمر منه أسبوعًا حتى تمكن من الوصول إليّ عبر الهاتف بسبب صعوبات الاتصال. يعزيني، ويقول لي: “أنت لم ترتكبي خطأ، ليس ذنبك، سوف تخرجين أقوى، سنخرج أقوى””.
في البداية كانت الضحايا من الأجنبيات
تلفتُ داليا إلى أن أولى أخبار الاغتصاب كانت تتحدث عن استهداف الأجنبيات. كان الناس يقولون لبعضهم إن أجنبيةً تعرضت للاغتصاب في شقتها في حي راق. بعد ذلك انتشرت قصص عن دخول مقاتلي قوات الدعم السريع إلى منزل، وعن استهدافهم الإثيوبيات من دون السودانيات.
وسرعان ما تخلى الناس عن هذا التمييز الغريب وبدأوا يتناقلون روايات اغتصاب السودانيات، واتفق العديد من النشطاء على أن عدد الحالات المبلّغ عنها هو على الأرجح “قمة جبل جليدي كبير جدًّا”.
وكشفت لـ”نون بوست” شاهدة العيان سماح (اسم مستعار) أنها وأسرتها عاشوا رعبًا لا يمكن تصوره في حي الصحافة بالخرطوم، في إحدى ليالي مطلع شهر مايو/ أيار 2023.
قالت إن عناصر الدعم السريع اقتحموا الحي وقاموا بكسر الشقق السكنية والاعتداء على الفتيات في حوالي التاسعة إلى العاشرة مساءً، موضحة أنهم كانوا يسمعون صراخ الضحايا بكل وضوح.
وأضافت أنها وأفراد أسرتها لم يتمكنوا تلك الليلة من النوم حتى أشرق الصبح خوفًا من احتمالية اقتحام منزلهم في أي وقت من قبل الدعم السريع، حيث قرر والداها مغادرة العاصمة إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ومنها إلى خارج البلاد، ولفتت إلى أن الكوابيس والأرق استمرا معها لأسابيع، لكونها لم تستطع نسيان أصوات الضحايا وهنّ يصرخن بيأس في تلك الليلة المروعة على أمل إنقاذهن.
وفي مقابلة إعلامية، قال محمد الأمين، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، إنه منذ بدء الحرب في دارفور بداية الألفية سنة 2003-2004، كانت هناك ممارسات اغتصاب وعنف مبنيّ على النوع في هذه المناطق القَبَلية المتداخلة.
وأوضح الأمين أن “نفس الممارسات ظهرت في هذه الحرب حتى في المدن الكبيرة مثل الخرطوم، وحتى في مناطق أخرى في الجزيرة وأيضًا دارفور… هذه الممارسات ملاحظة وموجودة، وهي كما أكدت في البداية تعتبر سلاحًا في هذه الحرب للضغط على الأُسر والمجتمعات، وهذا نوع من امتهان كرامة الخصوم في هذه الحرب”.
18 امرأة تعرضن للاعتداء الجماعي في فندق بدارفور لمدة 3 أيام
زاد بقوله: “لكل ناجية قصة مروعة، حتى إن هناك قصصًا عن ناجيات تعرضن لاغتصاب جماعي في مناطق في دارفور في الفترة الأولى من الصراع. حُبست 18 امرأة في فندق وتم اغتصابهن لمدة 3 أيام. تعرضن لعنف نفسي وجسدي وإهانة للكرامة الإنسانية. هذه القصة تكررت في كثير من الحالات الفردية والجماعية. طبعًا كثير من الناجيات نزحن إلى مناطق آمنة الآن وبدأن يتكلمن عنها”.
أجرى “نون بوست” حول الموضوع مقابلة مع ريم عباس، فقالت إنها ربطت في مقالتها التي تمّت الإشارة إليها سابقًا بين حوادث الاغتصاب في الحرب الحالية وبين ما جرى في المتمة قبل 127 عامًا لأنه تم استخدام المنهج نفسه، لأن الكثير من جنود قائد الدعم السريع حميدتي يتبنون السردية ذاتها ويرون في شخص حميدتي تعايشي آخر.
وفي حديثها، أشارت ريم إلى حادثة الفتاة التي استفسرت من أحد رجال الدين عن مشروعية الانتحار خوفًا من تعرضها للاغتصاب عن يد الدعم السريع، موضحة أن هناك العديد من الضحايا انتحرن بالفعل بعد الاعتداء عليهن، وأن هناك آباء قتلوا بناتهم الناجيات، بل هناك آباء انتحروا بعد أن تم اغتصاب كريماتهم أمام أعينهم، كما في حادثة الأب الذي شنق نفسه إثر اغتصاب بناته الأربعة أمامه وعجزه عن الدفاع عنهن.
🚨RSF militia rape survivors tells her story. This woman and her 3 sisters were raped in their home, the militiamen forced their father to watch.
Their father was so distraught he hung himself in the same room that his daughters were raped.
There is literally no difference… pic.twitter.com/Ervvxz03WN— Mohanad (@MohanadElbalal) June 21, 2024
جنود الدعم السريع يرون النساء غنيمة حرب
قالت عباس لـ”نون بوست” إن الحرب الحالية في السودان تخاض في أجساد النساء لقمع المجتمعات وإذلال الأسر والعائلات، وإجبارها على التهجير وتشريدها من منازلها وممتلكاتها، وأضافت: “لو سألت أي شخص من سكان الخرطوم أو الجزيرة لماذا نزحت أو هاجرت إلى الخارج، سيقول لك بسبب الخوف على بناتي”.
وأضافت أن أحد أسباب تفشي الاغتصاب كسلاح حرب يعود إلى عدم وجود محاسبة ومساءلة على مدى تاريخ الدولة السودانية، وتحديدًا المؤسسة العسكرية، لافتةً إلى أن بعض القادة العسكريين لا يرون في هذه الفظائع ما يعيب، باعتبار أن الجنود يخوضون حربًا وهم بعيدون عن أهاليهم، وبالتالي يحق لهم الاعتداء على النساء.
وقالت إنها -ومن خلال اطّلاعها على الوسائط التي يبثّها الأفراد التابعون للدعم السريع عبر وسائل التواصل- لاحظت أن العديد منهم يرى النساء والفتيات غنيمة حرب، كالسيارات والأموال والذهب تمامًا، كما أشارت إلى أن بعض عناصر الميليشيا يقومون بالزواج قسريًا من الضحايا عن طريق ترهيب وتهديد أسرهن، وذلك للتحايل على الاغتصاب العلني.
واختتمت الباحثة حديثها بالتشديد على أن انعدام المحاسبة وتستُّر المجتمعات على جرائم الاغتصاب، أدّى إلى تفشي هذا النوع من الجرائم، وأوضحت أنه حتى في حالة السلم كان أُسر الضحايا والقضاة يقومون بالضغط على المعتدى عليها لإجبارها على الزواج من المعتدي للتغطية على الجريمة.
مشيرة إلى أنه “بعد هذه الحرب يجب أن نضع حدًّا لهذه الممارسات الشنيعة بعدم التسامح معها على الإطلاق، كما ينبغي الحديث بصوت أعلى عن العنف الجنسي والضغط لأجل محاسبة المتورّطين في الجرائم الموجهة ضد النساء”.
وبكل تأكيد تسبّبت حرب 15 أبريل/ نيسان وما صاحبها من انتهاكات مروعة، كالقتل خارج نطاق القانون والنهب واحتلال المنازل وإذلال الناس، في تهجير أكثر من 12 مليون مواطن سوداني داخليًا وخارجيًا، إلا أن الجانب الأكثر ترويعًا وفظاعةً -وهو المسكوت عنه لحدّ كبير إعلاميًا- جرائم الاغتصاب واستعباد النساء، بل حتى بيعهن كرقيق، كان السبب الأول وراء فرار الملايين من المناطق التي غزتها ميليشيا الدعم السريع، والتي تتمدد في ظل عجز الجيش عن التصدي لها، حيث وصلت مؤخرًا إلى ولاية سنار (جنوب شرق).
فبمجرد اقتراب الدعم السريع من منطقة ما، يدبّ الهلع والرعب في نفوس المواطنين العزل، بسبب انتهاكاتها المروعة التي تصل إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحتى التطهير العرقي، ففي ولاية غرب دارفور تورّطت قوات حميدتي في قتل واغتصاب الآلاف من إثنية المساليت بسبب انتمائهم العرقي، وفقًا لهيومان رايتس ووتش التي وثقت للمجازر المروعة في تقريرها الشامل من 186 صفحة، بعنوان “المساليت لن يعودوا إلى ديارهم: التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة”.