ترجمة وتحرير: نون بوست
لخصت الناشطة في الحركة النسوية، إيزابيل ألونسو، في تغريدة على موقع تويتر حقيقة الحجاب الذي ترتديه بعض المسلمات وفقا للنظرة المقيتة السائدة تجاهه في فرنسا، قائلة إن “الحجاب يعد رمزا، بل حصان طروادة، وخطرا أيضا، فكيف يمكن أن نكافح نشر ثقافة الحجاب؟ ولكن أن نقاتل ضد الحجاب لا يعني أن نقاتل ضد المسلمين. فهل هذا الأمر معقد جدا لكي نفهمه؟”.
يعد الحجاب أحد أسباب شد الانتباه وإثارة النقاشات السياسية في فرنسا منذ ثلاثين سنة. وقد عمدت إيزابيل ألونسو في تغريدتها إلى الرد على أناييس بورديه، مؤسسة جمعية ” باي تا شنيك” ضد التحرش في الشوارع، التي نوهت إلى أن “نحن نعمل على مكافحة الخنوع والخضوع الذي تعاني منه النساء المسلمات من خلال الحد من حقوقهن وحرياتهن، يا لها من معركة رائعة”. وقد عززت بورديه تغريدتها، التي عددت فيها القيود التدريجية المفروضة على نشاطات بعض النساء، من خلال الإشارة إلى الجدل الأخير الذي يدور حول ارتداء المسلمات للحجاب الديني بصفة علنية.
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ العلمانية لا يمنع ارتداء أو لبس رموز دينية، بما في ذلك ضمن المرافق العمومية. بل على العكس، تحمي العلمانية حرية المعتقد، في حين أنه يجب أن تكون الدولة وممثليها فقط محايدين في هذا الشأن.
المقارنة السخيفة بالسعودية
على اعتباري ناشطة في الحركة النسوية، كان من أولوياتي دائما أن أجسد رغبة النساء في قلب الكفاح الذي نقوده. كانت عبارة “جسدي ملكي” الشعار الذي رفعته ناشطات الحركة النسوية منذ السبعينات، ويبدو أن هذا الشعار يكتسي أهمية أكبر اليوم من أي وقت مضى. من جهتي، أتبنى موقفا يشدد على “حرية الاختيار”، حيث أنشط من أجل أن تكون لكل امرأة حرية التصرف في جسدها. بعبارة أخرى، أنا أدعم النساء اللاتي يكافحن اليوم في إيران وفي العالم ضد ارتداء الحجاب بصفة إجبارية في الوقت الذي ترغب فيه الكثيرات في فرنسا وخارجها في ارتدائه.
من المثير للدهشة رؤية العدد الكبير من الرجال الذين يدعون بأنهم موالون للحركة النسوية عندما يتعلق الأمر بالرموز الدينية المرتبطة بالإسلام
أشعر بصدمة عميقة إزاء قيام الكثيرين بربط النساء الفرنسيات اللاتي يرتدين الحجاب بشكل كبير وباستمرار بوضع النساء في بعض الدول الأخرى، على غرار إيران أو المملكة العربية السعودية. ويبدو الأمر كما لو أن طريقة تفكير العديد من الرجال والنساء الراسخة، تأبى أن ترى حقيقة أن هؤلاء النسوة يعتبرن فرنسيات للنخاع دون أن تكون لهن علاقات بالنساء اللاتي يعتنقن الدين ذاته ويعشن في بلدان أخرى. وكما لو أن أفعال المسلمات والمسلمين في فرنسا لا يمكن تحليلها إلا من منظور الممارسات من قبل بقية المسلمين في الخارج. ولسائل أن يسأل كيف يمكن للمرء التعامل مع مسألة الحجاب دون انحياز وبشكل موضوعي بغض النظر عن المكان الذي ترتديه فيه النساء حول العالم؟ هل يمكننا مقارنة وضع مواطنة فرنسية حرة بمواطنة مقيمة في بلد تضطهد قوانينه حرية النساء بشكل علني؟
لا يمكن أن نقارن بين مسألة ارتداء الحجاب في دولة ثيوقراطية سلطوية، التي تكون فيها النخبة والأغلبية الساحقة من المسلمين والمسلمات، بدولة ديمقراطية وعلمانية، حيث يمثل فيها المسلمون أقل من عشرة بالمائة من السكان ويشكلون أفقر فئاته. ففي الوضعية الأولى، يكون الحجاب أداة للقمع تعتمدها السلطة، بهدف السيطرة وتقييد هوية النساء، أما في الوضعية الثانية فيتم إبراز المواطنات المحجبات للعلن ضمن سياق تعكس فيه هويتهن الدينية أنهن مجرد أقلية أو محل تشويه. وبالتالي، لا يمكننا أن نحكم على الممارسات الإسلامية في فرنسا بالاعتماد على مقياس يرتبط ما يجري على بعد آلاف الكيلومترات، إلا إذا قررنا أن نعتقد جميع المسلمين في العالم متماثلون، أو أن نعمل على تجريد الفرنسيات والفرنسيين من المسلمين من حقهم في الوجود في بلدهم.
ما نرفضه هو أن يتم إكراه النساء على ارتداء الحجاب وليس اللباس في حد ذاته
من المهم أن نفهم أن النساء الإيرانيات لا يقمن بحراك “ضد الحجاب”، كما ذكرت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، بل في الواقع هن يرفضن طبيعته الإلزامية. وفي خضم هذه المعركة الشرعية من دون شك، تتلقى النساء اللاتي لا يرغبن في ارتداء الحجاب الدعم أيضاً من قبل النساء اللاتي يردن الحفاظ عليه. يتمثل الجانب الوحيد المرفوض في تقييد حرية النساء واجبارهن على ارتداء الحجاب، وليس في الحجاب في حد ذاته.
من المثير للدهشة رؤية العدد الكبير من الرجال الذين يدعون بأنهم موالون للحركة النسوية عندما يتعلق الأمر بالرموز الدينية المرتبطة بالإسلام. ففي سنة 2009، على سبيل المثال، وخلال النقاشات التي نشبت حول حظر ارتداء النقاب، وبمجرد التطرق إلى مسألة النماذج “الأجنبية” في المجتمع، يتحول بعض من ممثلينا السياسيين بشكل عجائبي إلى مثال يقتدى به فيما يتعلق بمناهضة التمييز على أساس الجنس. وقد جعلت هذه الصيغة السحرية، التي تتخذ من حقوق المرأة مبررا لها، بشكل مفاجئ من تحرر النساء “المضطهدات” بسبب ارتدائهن النقاب، قضية أساسية.
يصبح صمت هؤلاء الأفراد مريبا عندما يتعلق الأمر بقرابة 700 مليون امرأة تتعرض للعنف الزوجي في العالم أو عندما نتحدث عن 20 مليون عملية إجهاض في ظروف خطير
في الواقع، كان بعض هؤلاء المدافعين الجدد عن القضية النسوية على غرار، جاك مايرد، ليونيل لوكا، أو تييري مارياني، من بين آخرين في الماضي القريب معارضين للتقدم الذي أحرزته الحركة النسوية، حيث رفضوا الإصلاحات الحكومية فيما يتعلق بحق المرأة في الإجهاض وتحديد النسل، الأمر الذي لا يفاجئني أبدا. ولا يجب ننسى أن هذا الشكل من الدعم الموجه للحركة النسوية، الذي يتسم بطبيعته المتغيرة، قد وقع تبنيه من قبل مسؤولين منتخبين كانوا يشاركون في مجلس وطني مؤلف من 82 بالمائة من الرجال.
برنارد دي لا فيلاردي، حالة نمطية وبائسة
لقد قمت، مؤخراً، بتبادل أطراف الحديث بشكل معمق مع الصحفي برنارد دي لا فيلاردي، الذي كان في مرحلة ما أكثر ناطق رسمي انتهازي باسم النساء اللاتي يعتبرن ضحايا التمييز على أساس الجنس من قبل المجتمع المسلم. كما عارض دي لا فيلاردي انتشار الحجاب في الفضاء الإعلامي، معللا موقفه المتشدد ضد هذا اللباس بأنه يعبر عن مدى وعيه الكبير بالقضايا النسوية. والجدير بالذكر أنه وفي سنة 2013، أشاد برنارد دي لا فيلاردي، شخصيا بدومينيك ستراوس، معربا عن مدى رغبته في عودته إلى الساحة السياسة من جديد على الرغم من تعدد الاتهامات في حق ستراوس بشأن اضطلاعه في اعتداءات جنسية خلال مسيرته. وفي هذا الشأن، صرح دي لا فيلاردي، قائلا: “أعتقد أننا كنا غير عادلين للغاية معه”. كما اعتبر الصحفي الفرنسي أن حادثة اغتصاب نفيساتو ديالو المزعومة في نيويورك مجرد “لحظة ضعف”.
تعد هذه الطريقة غريبة للدفاع عن النساء المضطهدات … فخلال عشاء تم تنظيمه على اعتباره جزءا من برنامج تلفزيوني، قام برنارد دي لا فيلاردي، المؤيد الشهير للحركة النسوية، بفرض قيود على التصريحات الخطرة بينما كان يتباهى “بجولته حول العالم بحثا عن العاهرات” قبل أن يضفي بعضا من حس الفكاهة خلال تحدثه مع إحدى المضيفات التي عمدت إلى إبداء رأيها، صارخا في وجهها “منذ متى يتدخل الخدم؟ هذا لا يحتمل!”.
أعتقد أن الحجاب يعتبر أحد مظاهر الأنوثة التي لا يجب عزلها عن بقية الرموز التي تميز الرجل عن المرأة.
تظهر، بعض هذه الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بغيرها، رغبة بعض الشخصيات، التي لا تأبى أن تتبنى موقفا في الحوار ضد التمييز على أساس الجنس في فرنسا، في استعمال قضية المرأة من أجل التغطية على تدني مستوى الرعاية الأبوية. مما يدفعنا للتساؤل، كيف يدعي هؤلاء الأشخاص أنهم يمثلون الدرع المنقذ للنساء من ضحايا “الإسلام”، من دون ذكر عبارة التمييز على أساس الجنس التي تمثل القضية الأساسية اليومية بالنسبة للنخب الفرنسية؟
في الأثناء، يصبح صمت هؤلاء الأفراد مريبا عندما يتعلق الأمر بقرابة 700 مليون امرأة تتعرض للعنف الزوجي في العالم أو عندما نتحدث عن 20 مليون عملية إجهاض في ظروف خطيرة، ناهيك عن قرابة 47 مليون وفاة كل سنة (أي ما يعادل وفاة امرأة كل 9 دقائق) أو عمليات الاغتصاب الجماعي التي تستخدم سلاحا في بلدان مثل الكونغو. في الواقع، لا يثير انتباه النخبة الفرنسية سوى القضايا التمييز على أساس الجنس التي تتهم الإسلام مباشرة.
الحجاب والتنورة سمات للأنوثة
أعتقد أن الحجاب يعتبر أحد مظاهر الأنوثة التي لا يجب عزلها عن بقية الرموز التي تميز الرجل عن المرأة. وأستعمل مصطلح “مميز” دون أن أعني بذلك إضفاء قيمة إيجابية أو سلبية على هذا اللباس، حيث لا يتعدى الأمر مستوى التقييم. ومثل بقية الثياب التي تعد مقبولة ثقافيا، يعتبر الحجاب وسيلة للتمييز بين الرجل والمرأة. في الأثناء، لا يوجد من يرى في التنورة وسيلة للهيمنة على الرغم من أنها خاصية تتسم بها النساء فقط. وفي هذا الإطار، ذكرت الأخصائية في علم الاجتماع كولات غيومان، أن “التنورة تجعل النساء متاحات جنسيا بشكل متواصل” كما لا تعيق “حريتهم في القيادة”. من جهة أخرى، يعتبر الكعب العالي، وغير المنصوح به من قبل العديد من الأخصائيين في الصحة، بمثابة إساءة للجسم. وقد أكدت بدورها الممثلة سارة جيسيكا باركر نجمة سلسلة “الجنس والمدينة”، والتي عرفت بعشقها للأحذية الفاخرة، أن ‘الكعوب العالية دمرت ساقاي”.
أتأسف عندما يتم فتح حوار عن الحجاب ولا تكون آراء النساء، اللاتي ترتدين هذا الرمز في قلب الحوار، وأستنكر أيضا عندما يتم الدفاع عنهن من قبل رجال يدافعون عن الحركة النسوية، دون أن يقع الرجوع لهن والأخذ بعين الاعتبار موقفهن
اختارت العديد من النساء حول العالم ارتداء الثدي الاصطناعي من أجل أغراض جمالية (ولا أخوض في حالات الجراحة التجميلية التي تكشف عن حوافز أخرى). ونذكر كذلك فضيحة صناعة الثدي الاصطناعي دون احترام الضوابط الصحية التي أدت إلى موت العديد من النساء، والتي تبرز إلى أي مدى قد تقود الهواجس التجميلية لممارسات خطيرة. وفي السياق ذاته، لا يمثل الحجاب استثناء، حيث يمكن أن نناقش طبيعته التي تكرس التمييز على أساس الجنس، ولكن في كل الأحوال لا يمكن عزله عن فكرة أكثر شمولية حول الممارسات المعيارية الجسدية وقواعد اللباس التي تميز المرأة عن الرجل في مجتمعاتنا.
أنا مسلمة وقد اخترت بكل وعي عدم ارتداء الحجاب
أعتبر دون شك أفضل نموذج من بين ناشطات الغد في الحركة النسوية من أجل إثبات أهمية الاختيار، حيث يوجد داخل عائلتي العديد من النساء المحجبات وغير المحجبات. ويعد هذا التعايش بوجوهه المختلفة بالتحديد الأمر الذي أدافع عنه. كما أتأسف عندما يتم فتح حوار عن الحجاب ولا تكون آراء النساء، اللاتي ترتدين هذا الرمز في قلب الحوار، وأستنكر أيضا عندما يتم الدفاع عنهن من قبل رجال يدافعون عن الحركة النسوية، دون أن يقع الرجوع لهن والأخذ بعين الاعتبار موقفهن.
علاوة على ذلك، لا يتم طرح أي سؤال على النساء الفرنسيات المحجبات بشأن اختيارهن (لأنهن على الأغلب يرتدين الحجاب بإرادتهن). ومع ذلك، يرغب الجميع في معرفة السبب وراء ارتدائهن للحجاب في حين يبدو الجميع على دراية بكيفية وجوب عرضهن لأجسادهن وكأنهن مجردات من الاختيار والقدرة على التوضيح والتفسير بشأن سبب اختيارهن. وبالتالي، نفي الإرادة عن هاته النساء، والمشاركة في قمعهن.
أتحدى أي شخص أن يشكك بالنشاط النسوي للباكستانية، ملالا يوسفزي، التي تناضل من أجل حق التعليم للفتيات أو اليمنية توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام ومؤسسة “صحفيات بلا قيود”
يجب النضال من أجل أن لا تكون أي امرأة مجبرة على ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، وهي الفلسفة التي يجب أن تتحرك تحتها كل الحركة النسوية. عموما، لا تتمثل الرجعية في ارتداء الحجاب، بل في فرض ضوابط في اللباس على النساء ومنعهن من اختيار طريقة لباسهن اللاتي يردنها. لم أفكر يوما في ارتداء الحجاب ولكنني أرفض العيش في عالم تتشابه فيه النساء وأعتقد أن الأصوات تتزايد نحو التحرر كما أن لدي اعتقاد أنه يمكن أن نكون في الحركة النسوية في ظل ارتدائنا لحجاب تقليدي أوديني.
تحدّت المحامية الإيرانية، شيرين عبادي المدافعة عن حقوق المرأة، المتشددين في بلادها بعد حصولها على جائزة نوبل للسلام دون ارتداء حجاب على الرغم من التهديدات التي طالتها من السلطة. مع ذلك تنتقد شيرين عبادي الآراء المعادية للحجاب في فرنسا، حيث عارضت منع الحجاب في المدارس الفرنسية سنة 2004. وقد اعتبرت أن ذلك تقيد لحرية الفتيات المسلمات. وأعربت عبادي عن استيائها سنة 2016، بعد الجدل الذي أثير حول البركيني “الذي تم الإشارة فيه مرة أخرى للمرأة”.
أتحدى أي شخص أن يشكك بالنشاط النسوي للباكستانية، ملالا يوسفزي، التي تناضل من أجل حق التعليم للفتيات أو اليمنية توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام ومؤسسة “صحفيات بلا قيود”، مع العلم أن كلا الفتاتين ترتديان الحجاب. ففي الواقع، لا يعتبر الحجاب عائقا أمام التزامهن بالدفاع عن المساواة بين الرجال والنساء على الرغم من ما قد يمثله من خطر على حياتهن.
المصدر: سلايت