أكدت الزيارة الرسمية لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، إلى العاصمة المغربية الرباط، وما أفرزته من اتفاقيات ثنائية، التقارب الكبير بين دولة قطر والمملكة المغربية، والرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات بين الطرفين، فما خلفيات هذا التقارب بينهما؟
مزيد من الانفتاح على المغرب
زيارة عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، إلى الرباط، توجت بتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، تشمل مجالات حيوية منها التعليم والرياضة والإعلام والزراعة والإسكان والتعاون الصناعي والتجاري والاتصالات وتبادل المعلومات في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما جرى الاتفاق على فتح خط ملاحي بين المواني المغربية وميناء حمد الدولي.
وجرى التوقيع على هذه الاتفاقيات الـ11 في ختام الدورة السابعة للجنة العليا المغربية – القطرية المشتركة التي أُنشئت في يونيو/حزيران 1996، بمقر وزارة الخارجية والتعاون الدولي، بحضور وفد قطري ترأسه عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بدولة قطر، ووفد مغربي برئاسة سعد الدين العثماني رئيس الحكومة.
طالب العثماني من رجال الأعمال المغاربة والقطريين، مضاعفة الجهود قصد بلورة شراكة إستراتيجية حقيقية
خلال اجتماع اللجنة العليا المغربية القطرية، دعا رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، المستثمرين ورجال الأعمال القطريين إلى المزيد من الانفتاح على المغرب “الذي يرحب بهم ويضع رهن إشارتهم كل التسهيلات وفرص الاستثمار والتحفيزات التي توفرها منظومة القوانين الجاري بها العمل، في ظل الرعاية والعناية اللازمتين، بما يعود بالنفع على الجانبين والبلدين”، حسب قوله.
كما طالب العثماني من رجال الأعمال المغاربة والقطريين، “مضاعفة الجهود قصد بلورة شراكة إستراتيجية حقيقية تمكن من تنشيط التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين من خلال الاستغلال الأمثل لما تتيحه الإمكانات الاقتصادية المهمة المتوفرة بالبلدين”.
واستطرد العثماني أن “التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري المغربي القطري” يشكل القاطرة التي تقود التعاون الثنائي بفضل ما تزخر به البلدان من طاقات كبيرة وإرادة لبلوغ المرامي المنشودة، في ظل اقتصاد عالمي يعرف انفتاحًا شاملاً وتكتلاً متزايدًا”، مشددًا على ضرورة “الانكباب معًا لاستنباط أنجع الأساليب والوسائل العملية الكفيلة بإعطاء مسارات التعاون دفعة جديدة والتقدم بخطى حثيثة لعلاقات إستراتيجية تستجيب للتطلعات”.
دفع قطري
إبرام هذه الاتفاقيات بين المغرب وقطر، يأتي بعد أشهر قليلة على زيارة أجراها الملك محمد السادس إلى قطر، في تأكيد مغربي على موقف “الحياد الإيجابي” الذي اتخذه إبان اندلاع الأزمة الخليجية، فحاجة المغرب للشراكة الخليجية تجعله معني بضرورة إنهاء الخلاف بين دول المنطقة، خاصة أنه يعول على الشراكة مع هذه الدول لدخوله لإفريقيا، وذلك عبر تحقيق شراكة مزدهرة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي.
يرتبط المغرب بعلاقات جيدة مع قطر، فباستثناء إغلاق المغرب لمكتب قناة الجزيرة بالرباط عام 2010 قبل أن يسمح بفتحه لاحقًا، فيما اعتُبر سحابة صيف عابرة، حافظ المغرب على علاقة قوية مع قطر، إذ حصلت زيارات متبادلة بين الجانبين على مدار السنوات الأخيرة.
تشمل الاتفاقيات الموقعة مجالات عديدة
ويؤكد خبراء، أن قطر في حاجة إلى دولة لم تتخندق إلى هذا الطرف أو ذاك، قادرة على لعب دور الوساطة لأجل حل الأزمة الخليجية ورأب الصدع بين أطرافها، بعد أن أعلنت 7 دول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وهي: السعودية ومصر والإمارات والبحرين واليمن وموريتانيا وجزر القمر، واتهمتها بدعم الإرهاب، في أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات.
وكانت المملكة المغربية قد أعلنت في الـ11 من يونيو/حزيران الماضي رغبتها في القيام بوساطة بعد قرار دول الحصار الـ4 (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بقطع العلاقات مع قطر في الـ5 من الشهر نفسه، حيث دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة الخليجية إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة.
وبعد عرض الوساطة حينها، قام وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بزيارات إلى بعض البلدان الخليجية لجس نبض قياداتها بشأن الوساطة المغربية، كذلك أقامت الرباط جسرًا جويًا لإرسال المساعدات الغذائية إلى الدوحة لمواجهة تداعيات الحصار، تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يستوجبه – خاصة خلال شهر رمضان الكريم – من تكافل وتآزر وتضامن بين الشعوب الإسلامية، حسب وزارة الخارجية المغربية.
بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 إلى أبريل 2016
يعتبر العاهل المغربي محمد السادس، مؤهلاً أكثر من غيره للعب دور إيجابي في تجسير الهوة بين قطر وباقي الدول المختلف معها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بالنظر للروابط الشخصية والسياسية التي تجمع المغرب مع جميع دول المنطقة.
الاقتصاد يتكلم
حاجة قطر للمغرب، يقابلها أيضًا حاجة المملكة لها، فالمغرب، حسب عدد من المراقبين، يعي جيدًا أنه لا مجال بعد الآن للاعتماد حصرًا على شركائه الاقتصاديين التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما أن المغرب ليس مستعدًا بعد اليوم للتقيد بالشروط المجحفة التي يفرضها هؤلاء الحلفاء كلما أرادوا أن يمنحوا قرضًا للبلاد أو يجلبوا استثمارًا.
ويحتاج المغرب في هذه الفترة إلى قطر التي تمتلك رؤوس أموال استثمارية كبيرة ويمكنها ضخ المليارات من الدولارات في المنظومة الاقتصادية المغربية، وليس من مصلحته أن يعول على شريك أو شركاء معينين في الخليج، بل عليه أن يقيم علاقات جيدة مع الجميع.
حصيلة تجارية ضعيفة بين المغرب وقطر
ووفقًا لأرقام وزارة المالية والاقتصاد المغربية بلغت قيمة الهبات والمنح المالية من دول الخليج إلى المغرب نحو 4 مليارات دولار خلال 2014، فيما بلغ حجم التبادلات التجارية بين الطرفين 3 مليارات دولار عام 2014، وهو ما يمثل 4.9% من إجمالي التبادل التجاري للمغرب، مقابل 3.6% في عام 2000، وذلك حسب التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع قانون مالية 2016.
وتهيمن قطر على الأسواق العربية في الفترة الأخيرة، وبلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 إلى أبريل 2016، لتصبح بذلك رابع أكبر مُصدر للاستثمارات البينية في المنطقة العربية.
رغم ضعف التبادل الاقتصادي بين الطرفين الذي لم يتجاوز 80 مليون دولار السنة الماضية، يأمل المغرب، أن تتطور العلاقات مع قطر بشكل إيجابي خلال الفترة القادمة، وأن ينعكس ذلك على الجانب الاقتصادي، فالمغرب بحاجة إلى دعم كبير لدفع اقتصاده المتعثر.