بعد أقل من شهر على احتفاء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، باتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين بلاده وتركيا، خلال استقباله نظيره التركي مولود جاويش، في العاصمة عمان، الشهر الماضي، قررت الحكومة الأردنية، أول أمس الإثنين، وقف العمل بالاتفاقية.
القرار الصادر عن وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يعرب القضاة، تم تعزيزه ببيان حكومي آخر، أرجع اتخاذه في هذا التوقيت إلى طبيعة التحديات التي تواجه القطاع الصناعي الأردني جراء إغلاق المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة، وانحسار الأسواق التصديرية التقليدية أمام الصادرات الوطنية.
تساؤلات عدة فرضها هذا القرار المفاجئ لكثير من المراقبين، لا سيما أنه جاء قبل يوم واحد فقط من زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى الأردن، أمس الثلاثاء، مما دفع البعض إلى الربط بينها وبين هذه الخطوة التي تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي مزيدًا من التوتر.
حماية المنتج الأردني
الحكومة الأردنية ساقت في بيانها التبريري أن قرار تجميد اتفاقية إقامة منطقة حرة مع تركيا يأتي من أجل دعم القطاع الصناعي والزراعي والإنتاجي الأردني وزيادة قدرته التنافسية في السوق المحلي والأسواق الخارجية، وذلك بعد ما تكبده هذا القطاع من خسائر كبيرة منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ قبل سبع سنوات.
كما يهدف القرار – وفق ما ذكره بيان الحكومة – إلى “تجنب المزيد من الآثار السلبية التي لحقت بالقطاع الصناعي في ضوء المنافسة غير المتكافئة التي يتعرض لها من البضائع التركية التي تحظى بدعم من الحكومة، مما أفقد المنتج الأردني القدرة على المنافسة في السوق المحلية”، لا سيما بعد الإقبال الشديد على البضائع التركية من الأردنيين مقارنة بالبضائع الوطنية الأخرى.
تحذيرات متباينة أطلقها مسؤولون أردنيون منذ توقيع الاتفاقية عام 2009 منها ما صدر عن رئيس غرفة صناعة عمان زياد الحمصي الذي حذر من التداعيات السلبية لدخول قوائم جديدة للسلع المعفاة بين الأردن وتركيا منذ بدء العام الحاليّ 2018، تنفيذًا لاتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين.
إن كانت الحكومة الأردنية جادة في مراجعة اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأجنبية حماية لمنتجاتها الوطنية، فالأولى أن تقوم بمراجعة سريعة للاتفاقيات الموقعة مع أوروبا التي ألحقت الضرر الأكبر بالاقتصاد الوطني
الحمصي في تصريحات له أشار إلى أن الاتفاقية تصب في صالح الجانب التركي، نتيجة الفارق الكبير بين القدرات التنافسية، مما يرهق الصناعات الوطنية، لافتًا إلى الجهود التي بذلها القطاع الصناعي مع الحكومة لإعادة النظر بها وفق العديد من الدراسات البحثية المعتمدة.
وفي مارس/آذار العام الماضي حذرت دراسة صادرة عن غرفة صناعة عمان، من تزايد استيراد عدد من السلع الحساسة ذات الرسوم الجمركية المرتفعة من تركيا إلى الأردن، كونها تأتي على حساب حصة الصناعات الأردنية في السوق المحلية وإلحاق أضرار وآثار سلبية مباشرة بها.
ووفق أرقام رسمية، بلغت قيمة الاستثمارات التركية التي تدفقت إلى الأردن خلال السنوات الماضية 2.2 مليار دولار، تركزت في قطاعات الخدمات وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الغذائية والبنية التحتية، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2016 نحو 742 مليون دولار، منها 664 صادرات تركية إلى الأردن، و78 مليون دولار صادرات أردنية إلى تركيا.
2.2 مليار دولار حجم الاستثمارات التركية في الأردن
الإمارات والسعودية.. كلمة السر
ما الجديد الذي طرأ خلال أقل من شهر، ليكتشف المسؤولون الأردنيون أن الاتفاقية ليست في صالح المملكة، وتضر بالمنتج الوطني، رغم احتفاء الوزيرين الأردني والتركي بها خلال زيارة الأخيرة لعمان؟ سؤال طرحه خبراء في محاولة لتفسير قرار الحكومة الأردنية تجميد الاتفاقية.
فريق من المحللين ربط بين توقيت زيارة وزير الخارجية الإماراتي للأردن، أمس، وإلغاء الاتفاقية، أول الأمس، ذاهبين إلى أن الموضوع سياسي من الدرجة الأولى وإن كان هذا لا يعفي وجود بعض التبريرات الاقتصادية التي ساقتها الحكومة في بيانها التي كانت مطلبًا لكثير من المعارضين للاتفاقية طيلة السنوات الماضية.
العلاقات بين أنقرة وعمان شهدت تقاربًا في الفترة الأخيرة غير مسبوق، خاصة بعد تطابق وجهتي نظر البلدين في كثير من المواقف، كللت بوقوف تركيا إلى جانب المملكة في التصدّي لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، هذا بخلاف التعاون الاقتصادي الذي بلغ ذروته خلال السنوات الخمسة الأخيرة، في الوقت الذي توترت فيه العلاقات مع كل من أبو ظبي والرياض، خاصة بعد عدم تجديد المنحة الخليجية للمملكة والمقدرة بنحو 5 مليارات دولار.
الحكومة الأردنية ساقت في بيانها التبريري أن قرار تجميد اتفاقية إقامة منطقة حرة مع تركيا يأتي من أجل دعم القطاع الصناعي والزراعي والإنتاجي الأردني وزيادة قدرته التنافسية
التقارب التركي الأردني يبدو أنه أثار حفيظة بعض العواصم العربية المجاورة التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة النظر في علاقاتها مع عمان بهدف إخراج تركيا من المنطقة وتضييق الخناق عليها، خاصة بعد تصريحات ولي العهد السعودي في القاهرة التي تحدث فيها عن مشاريع سياحية في العقبة، فسرها محللون بأنها تأتي في إطار التنافس مع الدولة التركية على البحر الأحمر.
الرد الإماراتي على قرار إلغاء منطقة التجارة الحرة مع تركيا جاء سريعًا، حيث تعهد زير الخارجية الإماراتي بدعم الأردن ومساعدته في المرحلة المقبلة، معتبرًا أن التحديات التي تواجهها المملكة تواجه الإمارات أيضًا، مضيفًا خلال مؤتمر صحفي عقده ونظيره الأردني، أمس الثلاثاء، “الأردن بلد مهم وإستراتيجي وسيتم تقديم كل ما يلزم لمساعدته ليوفر حياة كريمة لأبنائه ومقيميه”.
ابن زايد يتعهد بتقديم مساعدات للمملكة خلال لقائه ونظيره الأردني
العلاقات التركية الأردنية.. إلى أين؟
أصوات عدة داخل الأردن حذرت من التداعيات الناجمة عن قرار إلغاء منطقة التجارة الحرة مع تركيا، سواء على المستوى الاقتصادي خاصة بعد التغيرات الواضحة التي أحدثتها هذه الاتفاقية طيلة السنوات السبعة الماضية في الخريطة الاقتصادية الأردنية واعتماد قطاع كبير من الاستثمارات الداخلية على البضائع التركية التي ستتأثر سلبًا بلا شك بعد تنفيذ هذا القرار، أو على المستوى السياسي وتأثر العلاقات بين البلدين بمثل هذه الخطوة.
فريق ذهب إلى أن من مصلحة عمان التمسك بعلاقاتها مع تركيا التي دعمتها في كثير من المواقف الأخيرة في الوقت الذي تخلى فيه الخليج عن أبناء المملكة، اقتصاديًا كان أو سياسيًا، وأنها حريصة تمامًا على بقاء العلاقات معها عند الحد المطمئن للطرفين دون الدخول في أنفاق جديدة من التوتر.
فريق من المحللين ربط بين توقيت زيارة وزير الخارجية الإماراتي للأردن، أمس، وإلغاء الاتفاقية، أول أمس، ذاهبين إلى أن الموضوع سياسي من الدرجة الأولى
هذا الفريق استبعد أن يكون قرار الحكومة الأردنية إلغاء اتفاقية الشراكة لبناء منطقة تجارة حرة مع تركيا بعد ثمان سنوات من توقيعها، يعني الصدام مع أنقرة، قدر ما هو انحياز للمصلحة الوطنية التي ترى في هذه الاتفاقية انعكاسات سلبية على المنتج المحلي الأردني.
بينما ذهب آخرون إلى أن العلاقات بين البلدين أقوى من أن تتأثر سلبًا بمثل هذا القرار، مطالبين الحكومة الأردنية بإعادة النظر في خطوتها الأخيرة، وأن تكون المصلحة الوطنية – لا غيرها – بوصلة التوجهات، وذلك عبر إجراء دراسة علمية محايدة صادرة من بيت خبرة متخصص، لتبين فعلاً إن كان هناك ضرر من الاتفاقية على المنتج المحلي أم لا، وألّا تعتمد على بيانات من جهات معينة لها أهداف أخرى.
أنصار هذا الرأي يرون أنه إن كانت الحكومة الأردنية جادة في مراجعة اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأجنبية حماية لمنتجاتها الوطنية، فالأولى أن تقوم بمراجعة سريعة للاتفاقيات الموقعة مع أوروبا التي ألحقت الضرر الأكبر بالاقتصاد الوطني الذي عانى من ارتفاع في معدلات التضخم جراء بقاء الصادرات الأردنية على حالها لما يقرب من عشرين عامًا مدة سريان تلك الاتفاقيات.