أعادت حادثة الاعتداء على السفارة الجزائرية في العاصمة المالية باماكو من بعض المهاجرين غير النظاميين، الحديث عن الخطر المحدق بالمصالح الجزائرية في الدول الإفريقية، خاصة مع ارتفاع الحملة الأمنية ضد هؤلاء المهاجرين الأفارقة المنتشرين في مناطق مختلفة من البلاد وعمليات الترحيل الواسعة ضدهم.
الاعتداء على سفارة
مساء أول أمس الثلاثاء، تعرض مبنى السفارة الجزائرية في العاصمة المالية باماكو إلى الاعتداء والتخريب، بعدما أقدم عشرات من الشبان الماليين المرحلين من الجزائر وليبيا على رشقه بالحجارة والزجاجات الحارقة، قبل إضرام النار في العجلات المطاطية أمام مدخله الرئيسي، وذلك احتجاجًا على سياسة تعامل الجزائر مع المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، واستمرار عمليات ترحيلهم.
https://www.youtube.com/watch?v=3J3Xq9DvY1k&feature=youtu.be
ووفق وسائل الإعلام المالية، رفع المحتجون شعارات مناهضة للحكومة الجزائرية على خلفية ترحيل مئات المهاجرين غير النظاميين بينهم ماليون خلال الأسابيع الماضية، متهمينها بإهانة الرعايا الأفارقة، قبل أن تتدخل الشرطة لفك الاحتجاج وإيقاف أعمال التخريب وحماية الدبلوماسيين الجزائريين، حيث تم اعتقال العشرات من المحتجين بتهمة تخريب مقر بعثة دبلوماسية أجنبية.
شرعنة الاعتداء على المصالح الجزائرية
حادثة الاعتداء على السفارة في باماكو، من شأنها، حسب عديد من الخبراء، أن تشرّع الاعتداء على المصالح الجزائرية، الدبلوماسية والاقتصادية، في القارة الإفريقية بدعوى الاحتجاجات على عمليات الترحيل والطرد التي تطال المهاجرين غير النظاميين.
يتدفق آلاف المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر بواسطة شبكات منظمة، بغرض الانطلاق منها نحو دول القارة الأوروبية
على إثر هذه الحادثة، طالبت الجزائر سفراءها في مالي والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو بتوجيه خطابات إلى مسؤولي أجهزة الأمن في هذه البلدان لتشديد حماية المقار الدبلوماسية فيها، تجنبًا لعمل مماثل كالذي حصل في باماكو.
وتتهم السلطات الجزائرية، وسائل إعلام إفريقية بتقديم معلومات خاطئة عن معاملة الجزائر للمهاجرين غير النظاميين من مالي، وتقول هذه الوسائل إن المهاجرين الماليين والأفارقة في الجزائر يواجهون معاملة سيئة من سلطات البلاد.
عبء على الجزائر فوق أراضيها وخارجها
أصبح المهاجرون الأفارقة، حسب عديد من المسؤولين الجزائريين، عبئًا على الجزائر فوق أراضيها وخارجها، ذلك أنهم خارجيًا أضحوا يهدّدون مصالحها، أما داخليًا فيتهمهم مسؤولون جزائريون بـ”امتهان الدعارة والتسول والنصب والاحتيال والسرقة والشعوذة والعديد من المهن غير القانونية الأخرى”.
وتستغل العديد من شبكات المافيا في الجزائر وضع اللاجئين الأفارقة وحاجتهم إلى المال من أجل توفير ثمن الهجرة إلى أوروبا، وتستقطبهم في شبكات الدعارة والتسوّل والاتجار بالأعضاء، وفي أشغال شاقة في بيوت الجزائريين، حسب تقارير حقوقية عديدة.
أوضاع سيئة يعرفها المهاجرون غير النظاميين في الجزائر
يتدفّق آلاف المهاجرين الأفارقة على الجزائر بواسطة شبكات منظمة، بغرض الانطلاق منها نحو دول القارة الأوروبية، ويجد هؤلاء في التسول والدعارة فضاءات للعمل من أجل جمع المال اللازم لتأمين قوتهم اليومي وما تطلبه شبكات الهجرة السرية لتأمين سفرهم عبر البحر إلى أوروبا.
انتشر المهاجرون الأفارقة غير النظاميين، خلال السنوات الأخيرة في كل مكان بالجزائر، وطالت مدة إقامتهم بعد أن فشلوا في العبور إلى أوروبا، فلا يكاد شارع يخلو منهم.
انتقادات واسعة
هذا القلق الجزائري، تزامن مع صدور تقارير حقوقية محلية ودولية، انتقدت ممارسات السلطات ضد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، وفي آخر تقرير لها انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، رفض السلطات الجزائرية دراسة طلبات لجوء سياسي تقدم بها مهاجرون أفارقة، مقابل استمرارها في ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، رغم التهديدات التي تواجههم في أثناء العودة.
وقالت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “على الجزائر أن تعامل جميع المهاجرين باحترام، ومنحهم فرصة للطعن على ترحيلهم وعدم تعريضهم لخطر المعاناة من المعاملة اللاإنسانية”، وذكرت ويتسن، الأربعاء، أن الحكومة الجزائرية تقاعست عن فحص المهاجرين على نحو كاف، بمن فيهم أولئك الذين قد يكون لديهم دعاوى لجوء، لتحديد وضعهم، وإعطائهم الفرصة للطعن على ترحيلهم، وجمع مدخراتهم وممتلكاتهم.
منذ العام 2014 رحّلت الجزائر أكثر من 20 ألف مهاجر أغلبهم من دولتي النيجر ومالي
وتحظر اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين، التي تعد الجزائر طرفًا فيها، الإعادة القسرية للاجئين والأجانب الذين قد يواجهون خطر التعرض للاضطهاد والتعذيب أو للمعاملة اللاإنسانية والمهينة، كما تحظر الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وتعد الجزائر كذلك طرفًا فيها، الطرد الجماعي للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
وأدانت المنظمة الحقوقية، ترحيل السلطات الجزائرية أكثر من 100 مهاجر من جنسيات إفريقية مختلفة إلى منطقة لا تخضع للقانون في مالي؛ مما أوقعهم تحت سيطرة الجماعات المسلحة بمنطقة “غاو” الحدودية بين مالي والجزائر في طريقهم إلى بلدانهم الأصلية.
وقبل ذلك، اتهمت منظمة العفو الدولية، الجزائر، بسوء معاملة المهاجرين واللاجئين على أراضيها، بسبب السياسة التي تنتهجها السلطات والقائمة على الترحيل القسري والإبعاد الجماعي للمهاجرين الأفارقة إلى دولهم الأصلية بناءً على لون البشرة، ووصفتها بأنها دولة معادية للاجئين والمهاجرين.
وقالت المنظمة الدولية إن الجزائر “بلد لا يرحب بالمهاجر”، وأفادت بأنه في الفترة بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول الماضيين “اعتقلت السلطات تعسفًا، وطردت قسرًا ما يزيد على 6500 من المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء إلى النيجر ومالي المجاورتين على أساس التنميط العنصري”.
في السنوات الأخيرة أقدمت الجزائر على ترحيل آلاف المهاجرين
وكانت العديد من المنظمات، من بينها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية، قد عبرت عن استنكارها لحملة توقيفات واسعة نفذتها السلطات المحلية لولاية الجزائر العاصمة، يوم الأحد الماضي، واستهدفت مهاجرين غير نظاميين ينحدرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وأوضحت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان لها، أن الأمر يتعلق بـ300 مهاجر من بينهم 10 أطفال وأمهاتهم تم إيقافهم، منذ يوم الأحد، من رجال أمن بلباس مدني، قبل نقلهم إلى مركز الشباب “أحمد طاطا” في زرالدة.
ومنذ العام 2014 رحّلت الجزائر أكثر من 20 ألف مهاجر أغلبهم من دولتي النيجر ومالي، ويثير ملف تعامل الجزائر مع المهاجرين على أراضيها جدلاً واسعًا في البلاد وانقسامًا في المواقف، بين من يدعو إلى طردهم بدعوى أنهم يشكلون خطرًا على المجتمع الجزائري، ومن يطالب السلطات بضرورة التكفل بهم وتمكينهم من التمتع بحقوقهم الأساسية التي يكفلها القانون الدولي.