لم يتفاجأ المتابعون للشأن الأمريكي بقرار عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لوزير خارجيته ريكس تيلرسون، الذي جاء عبر تويتر كالعادة، لكن بينما كان يتوقع بعض المتابعين ترشيح ترامب شخصية ذات خبرة دبلوماسية قادرة على تلافي الخلل الذي أحدثه تيلرسون ذو الخلفية التجارية البعيدة عن التوجه الدبلوماسي، كسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هالي، وقع الاختيار على رئيس الاستخبارات مايك بومبيو.
يتسم بومبيو بمواقف مثيرة تدفعنا للتساؤل عن مواقفه السياسية التي قد تنعكس في المرحلة المقبلة على مسار السياسة الخارجية الأمريكية، وعسى تتبع سيرته الذاتية ومواقفه السياسية ينجدنا في توقع بعض السمات العامة للسياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة بومبيو.
السيرة الذاتية
ـ ولد مايك بومبيو في ولاية كاليفورنيا في 30 من ديسمبر/كانون الثاني 1963.
ـ تخرج في فرع الهندسة الميكانيكية من أكاديمية “وست بوينت” العسكرية عام 1986، ليلتحق بعدها بكلية الحقوق في جامعة “هارفرد”.
ـ عمل بعد ذلك لمدة طويلة بالجيش الأمريكي برتبة ضابط، كما أنه عمل في المجال القانوني لثلاث سنوات.
ـ انتقل بعدها لعالم الاستثمار وأنشأ شركة “ثاير إيروسبيس” المتخصصة بتصنيع أجزاء الطائرات التجارية والعسكرية.
ـ عمل كرئيس لشركة خدمات وتوزيع معدات خاصة بحقول النفط “سينتري”، حتى اُنتخب عام 2010 كعضو في مجلس النواب بولاية كنساس، وكان أحد أعضاء لجنة المعلومات الاستخبارية.
المواقف السياسية
ـ تركيا: اُشتهر بومبيو بمهاجمته للحكومة التركية واصفًا إياها بالنظام الديكتاتوري، وقد تجلى هجومه إبان محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث اقتبس تغريدة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، المستنكرة لمحاولة الانقلاب، مشيرًا إلى أن “إيران وتركيا تقعان تحت حكم نظام إسلامي سلطوي وشمولي”.
– موقفه من الإرهاب: أطلق بومبيو خلال جلسة لمجلس النواب الأمريكي تصريحات يجاهر فيها بعدائه للمسلمين، عقب شهرين من هجمات بوسطن التي وقعت في أبريل/نيسان 2013، ويؤخذ عليه اعتباره زعماء المسلمين في الولايات المتحدة متورطين مع الجماعات المتطرفة.
عُرف بومبيو على أنه من أكثر السياسيين الذين اتهموا عسكريين أمريكيين برسم صورة أكثر تفاؤلًا لجهود الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، حيث قال في بيان له “منذ منتصف عام 2014 حتى منتصف عام 2015، تلاعب مسؤولو قيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بالمعلومات الاستخباراتية من أجل تخفيف الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق، مشيرًا إلى أن ذلك كان يمكن أن يعرض جنودًا أمريكيين للخطر.
ـ ثورات الربيع العربي: كان أحد أعضاء لجنة التحقيق بالكونغرس التي يهيمن عليها الجمهوريون، بشأن الهجوم على البعثة الأمريكية في بنغازي 2012 الذي قُتل فيه 4 أمريكيين بينهم السفير كريس ستيفز، واتهمت تلك اللجنة هيلاري كلينتون – وزيرة الخارجية وقتها -، بأنها قللت من أهمية التهديد في ليبيا، وانطلاقًا من ذلك دعا إلى إيقاف دعم ثورات الربيع العربي، بذريعة إظهار حالة فراغ السلطة وعدم الاستقرار.
وعن سوريا، يتخذ بومبيو موقفًا متشددًا من الصراع السوري، حيث كان من مؤيدي الرئيس أوباما في ضرب النظام بسبب رفضه تسليم أسلحته الكيميائية، وبعد تسليم النظام الأسلحة الكيميائية، استمر في دعوته لإسقاط نظام الأسد كونه يشكل أحد أذرع إيران وروسيا في منطقة الشرق الأوسط.
ـ روسيا: خلال استجوابه في الكونغرس، دعم ادعاء تدخل روسيا في نتائج الانتخابات الرئاسية، موضحًا أن السلوكيات الروسية تضر بالمستوى الديمقراطي لأمريكا، وقد هاجم روسيا نتيجة دعمها لنظام الأسد، مؤكّدًا أن روسيا تنشر الفوضى وأسس الديكتاتورية حول العالم، الأمر الذي يضر بالمصالح الأمريكية، حسب وصفه.
على الرغم من نضوب المصادر التي توضح موقف بومبيو من الخليج، فرفضه للاتفاق مع إيران، وإشادته بتعاون المملكة العربية السعودية مع “إسرائيل” للتصدي للإرهاب في الشرق الأوسط، يوضحان أنه يرى في الخليج منطقة حيوية لمواجهة النفوذ الإيراني
ـ إيران: اقترح بومبيو عام 2014 مع عدد من الصحفيين أن تقصف الولايات المتحدة المنشآت النووية في إيران، وهو اقتراح وصفه خبراء المخابرات الأمريكيون بأنه سيؤجل فقط من تطوير رأس حربي نووي إيراني لكنه لن يوقفه، كما أنه عارض بشدة الاتفاق الذي أبرم عام 2015 الذي رفع بموجبه العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل الحد من برنامجها النووي.
كرر بومبيو انتقادات ترامب للاتفاق النووي، ونشر على موقع التويتر الخاص به تغريده قال فيها: “أتطلع لإلغاء هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.”
ـ الخليج: على الرغم من نضوب المصادر التي توضح موقف بومبيو من الخليج، فرفضه للاتفاق مع إيران، وإشادته بتعاون المملكة العربية السعودية مع “إسرائيل” للتصدي للإرهاب في الشرق الأوسط، يوضحان أنه يرى في الخليج منطقة حيوية لمواجهة النفوذ الإيراني، والارتكاز عليها لتحقيق المصالح الأمريكية ـ الإسرائيلية الأمنية في الشرق الأوسط.
ـ “إسرائيل”: يؤيد بومبيو، كحال أعضاء الإدارة الأمريكية الآخرين، المصلحة الإسرائيلية بشدة، وقد دعا إلى تقارب سعودي ـ إسرائيلي أكبر في المنطقة، لحماية المصالح المشتركة على حد وصفه، بل وأشاد بالتغيّر الذي طرأ على السياسة الخارجية تجاه “إسرائيل” الذي نتج عنها تقارب بين الطرفين.
استنتاجات
ـ الشخصية الهوبزية: ترتكز سمات الشخصية الهوبزية على نفي جميع المبادئ والحقوق والحريات والرفاهية الشخصية من أجل حماية الأمن القومي ومصالح الدولة أينما كانت، ونستخلص تحلي مايك بومبيو بهذه السمات من خلال تصريحاته المناهضة لثورات الربيع العربي التي طالبت بالمساوة والكرامة، من أجل حماية المصالح الأمريكية.
في الحقيقة عادة ما تتصف الإدارات الامريكية المتتالية بهذه الصفات، ليصبح بذلك مايك شخصية أمريكية تقليدية، ولكن بشكل صريح.
ـ ضيق النظرة العامة للأحداث والاندفاع الشخصي: نستقي ذلك من هجومه المبطن بقيم دينية وقومية شخصية ضد المسلمين عامة دون التمتع بحنكة تمكنه من تصنيف المسلمين الى إرهابيين ومعتدلين.
ـ الإيمان بالواقعية العقلانية بعيدًا عن التلميع الإعلامي: خاصة فيما يتعلق بمسائل الأمن والنشاطات الإرهابية، حيث يتضح ذلك في هجومه على الإدارة الأمريكية القديمة التي روجت لنجاحاتها غير الحقيقية على حد وصفه.
اتجهت العلاقات الدولية، بعد ثمانينيات القرن الماضي، صوب الاقتناع بالنظريات البنائية التي ركّزت على قاعدة تأثير السلوكيات الشخصية للفرد على توجهه في اتخاذ القرارات السياسية، وانطلاقًا من ذلك يُتوقع أن تؤثر الشخصية الأمنية المتشدد لبومبيو على الساحة الدولية، وبالأخص الشرق الأوسط، على نحوٍ أكثر سلبية
ـ الإستراتيجية الوقائية الاستباقية: استنادًا إلى تصريحاته بخصوص ملفات متعددة، نجد أن نظرته غير شاملة لجميع الملفات، حيث يؤيد اللجوء لإستراتيجية الضربات الوقائية التي تعني استهداف العدو في أرضه وقبل انتشار خطره، دون الاعتبار للأحداث التاريخية التي أظهرت للسطح نتائج سلبية للمصالح الأمريكية.
ـ السمة التكنوقراطية “الخبرة” الموافقة لرؤية ترامب: إن النائب الجمهوري مايك بومبيو، هو ثالث عضو منتخب في إدارة ترامب، حيث يعتبره ترامب من خيرة المحاربين المحافظين القدامى المواليين له، ويرى فيه قياديًا لفريق الأمن القومي “سي أي إيه”.
ويعترف عدد كبير من الديمقراطيين لبومبيو بمعرفته الواسعة في قضايا الاستخبارات وخصوصًا في مجال الأمن المعلوماتي، ولعل عمله في لجنة المعلومات الاستخبارية لمدة طويلة كان له دور كبير في معرفته بهذه المعلومات، وفيما يرفع هذا من قدراته على الإلمام أكثر بالقضايا الفاعلة على الساحة الدولية، يفتح المجال أمام ايلاء الولايات المتحدة مساحة أوسع للأساليب الاستخباراتية في عملها، لا سيما فيما يتعلق بالسياسات المُتبعة ضد روسيا في أوكرانيا وسوريا، عبر دعم القوى المعارضة لها، ورفع مستوى دعم التحرك الإسرائيلي ـ السعودي المشترك، عبر توسيع نطاق الدعاية السياسية السوداء ضد إيران.
في الختام، اتجهت العلاقات الدولية، بعد ثمانينيات القرن الماضي، صوب الاقتناع بالنظريات البنائية التي ركّزت على قاعدة تأثير السلوكيات الشخصية للفرد على توجهه في اتخاذ القرارات السياسية، وانطلاقًا من ذلك يُتوقع أن تؤثر الشخصية الأمنية المتشدد لبومبيو على الساحة الدولية، وبالأخص الشرق الأوسط، على نحوٍ أكثر سلبية من الوضع الذي ظهر للسطح منذ تولي إدارة ترامب لمقاليد الحكم.