ترجمة وتحرير: نون بوست
في سنة 2018، هل لك أن تتخيل أن هناك رسالة انتشرت على نطاق واسع في المنازل وفي شوارع المدن الإنجليزية، على غرار ليستر وشيفيلد وبرادفورد، بالإضافة إلى مدينة كارديف. وشملت لائحة المتلقين عناوين مكاتب لأربعة أعضاء برلمان مسلمين، حيث تم إرسال طرود تحوي هذه الرسالة. في المقابل، قالت الشرطة إن محتواها لا يتجاوز كونه “ذو مستوى ضرر منخفض”.
والجدير بالذكر أن المناطق المستهدفة تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين. وقد حدد مرسلها مجهول الهوية جميع الأهداف والأشخاص الذين ينبغي مهاجمتهم، فضلا عن توضيح الطريقة المثلى للقيام بذلك. وإن لم يكن ذلك كافيا، فقد منح نقاطا للجهود المبذولة، حيث أن الإساءة اللفظية لشخص مسلم تكسب صاحبها 10 نقاط، فيما ينال من ينزع حجاب امرأة مسلمة 25 نقطة، شريطة إثارة الذعر في نفوسهن. وفي مستوى مغاير، يقدم نظام منح النقاط هذا مجموع 2500 نقطة لمن يقوم بتفجير مكة المكرمة. لكن صديقا لي على فيسبوك، الذي يعرف بالكوميديا السوداء، وصف هذا القدر من النقاط بأنه شحيح بعض الشيء، نظرا للإجراءات اللوجستية اللازمة لتنفيذ هذا الأمر مقارنة بالأفعال السابقة.
الآثار واسعة النطاق لجرائم الكراهية
فلنضع جميع محاولات تخفيف حدة التوتر جانبا، تعتبر هذه التجربة مثيرة للرعب في نفس أي شخص مستهدف وبالنسبة لأي مواطن مسلم في المملكة المتحدة. ويمكن القول إن جرائم الكراهية تتجاوز قائمة الضحايا الأولية، بل إن جرائم الكراهية بمثابة رسائل تنم عن الكره وتضطلع بتوجيه خطاب كراهية للمجتمع بأكمله. سبق لي أن أشرت إلى هذه النقطة على نحو متكرر ضمن كتاباتي والأمر سيان بالنسبة لسيد رضا أمالي. بالإضافة إلى هذه المساعي، أشارت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى تأثير أعمال الكراهية الفردية في دليلها المتعلق بهذا الأمر، مؤكدة أنه “كثيرا ما تجعل جرائم الكراهية والأحداث التي ترتكب بدافع الكراهية ضحاياها يعيشون في حالة خوف من الهجمات المستقبلية والعنف المتزايد. وينبع هذا الخوف نتيجة رفض هوية الضحايا الذين يكونون عرضة لجرائم الكراهية. علاوة على ذلك، توجه جرائم الكراهية رسالة مفادها أن الضحايا لا يحظون بالقبول داخل المجتمع”.
أضاف الدليل الصادر عن أكبر منظمة دولية للتعاون الأمني الإقليمي في العالم أن “الاستجابة غير الفعالة أو المهينة لضحايا جرائم الكراهية من شأنها أن تتسبب في المزيد من الأذى النفسي لأشخاص مصابين بصدمات نفسية سلفا. ويمكن لهذا الاضطهاد الثانوي أن يظهر خاصة عندما ينكر ممثلون عن المجتمع ككل، على غرار أجهزة الشرطة وأخصائيي الخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى الأطباء والقضاة، حجم خطورة جرائم الكراهية المبلغ عنها، أو يحتقرون مدى الضرر الناجم عنها”.
أظهرت نتائج استطلاع أجرته لجنة حقوق الإنسان الإسلامية سنة 2015 أن 18 بالمائة من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع كانوا عرضة لهجوم كراهية عنيف
في حين أن هذا التأثير ناجم عن جريمة كراهية واحدة. فما بالك بحملة تتم على هذا المستوى مع قدر كبير من الرغبة في تحقيق تأثير مدمر إلى أبعد حد. وتجدر الإشارة إلى أنه خلافا لأشكال كثيرة من رسائل الكراهية المعادية للمسلمين، يبدو أن الأشخاص الذين كتبوا الرسالة المذكورة مثقفون بعض الشيء للقيام بتدقيق لغوي لهذه الرسالة؟ وفي هذه الحالة، ما هو مضمون الرسالة التي وجهت للمسلمين؟
من المفيد أولا أن نطلع على التغريدات المختلفة ومنشورات المواقع الاجتماعية التي ينشرها الأشخاص الذين تلقوا هذه الرسائل أو المقربين منهم. وقد كانت هناك العديد من الاستفسارات المتكررة حول ما إذا كان هذا الخطاب مجرد خدعة، في حين لا يزال مغزى هذه الرسائل غير واضح للعيان. فهل يعني ذلك أن توجيه رسالة تهديد دون الالتزام بالقيام بالأمور المذكورة في هذه الرسالة يلغي التهديد؟ أم أن ذلك يعني أن الرسالة دنيئة للغاية، لدرجة أنه يوجد أكثر من مجرد القليل من الجحود وإنكار الحقائق في طيات هذه الرسالة؟ ربما من الأسهل الاعتقاد بأن أحد المسلمين اقترف هذه الفعلة لإثارة أمر لا أعلم حقيقة ماهيته.
إساءة معاملة المسلمين في تزايد
يذكرني هذا الأمر بالعديد من الحالات التي يتم في خضمها اتهام الضحايا بتلفيق تعرضهم لحملات مضايقة عنصرية ضدهم. وتعتبر حالة السيدة ياسمين، التي رفعت دعوى قضائية للجنة حقوق الإنسان الإسلامية في أواخر تسعينات القرن الماضي، خير مثال على ذلك. لكن الواقع مختلف، حيث يعاقب المسلمون بصفة يومية في إطار تفاعلاتهم اليومية في حين ما اعتادوا على التعرض للتشويه المتزايد في ظل السياسة التي تنتهجها الدولة، فضلا عن القانون والخطاب السياسي ووسائل الإعلام.
تعد هذه الرسالة بمثابة خطاب لأغلبية من الأفراد، الذين يتسمون بالتجانس، قادرة على تصوير هذا الخطاب على أنه إذن لتطبيق القانون بأيديهم. وتضع هذه الفئة العنف في طليعة أولوياتها وتحرض عليه بشكل جماعي
في شأن ذي صلة، أظهرت نتائج استطلاع أجرته لجنة حقوق الإنسان الإسلامية سنة 2015 أن 18 بالمائة من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع كانوا عرضة لهجوم كراهية عنيف. ولا يبدو هذا الرقم مثيرا للدهشة، إلا إذا علمت أن هذه النسبة تساوي 2.7 مليون شخص. وفي حال قمنا باستقراء هذه النتيجة، نجد أنه حوالي نصف مليون شخص تقريبا تعرض لهجوم عنيف خلال الفترة التي شملها المسح.
علاوة على ذلك، نجد أن المسلمين تعرضوا لأنواع أخرى من التجارب القاسية، حيث عانى 66 بالمائة من المسلمين من الإساءة اللفظية، مقارنة بنحو 40 بالمائة تم تسجيلها سنة 2010. أضف إلى ذلك التهجم عليهم من خلال الاستعارات المعادية للإسلام التي تتبناها وسائل الإعلام، على غرار البرامج التلفزيونية والصحف الإخبارية، فضلا عن الأفلام والروايات السياسية، ليكون بموجب ذلك كل يوم بمثابة “يوم لمعاقبة شخص مسلم”.
مسلمون يؤدون الصلاة على رصيف للمشاة في منطقة فينسبوري بارك شمال لندن بعد أن قامت سيارة بدهس المارة عند مغادرة المصلين لمسجد في 19 من حزيران/ يونيو سنة 2017.
تعتبر كلمة “معاقبة” المصطلح المناسب لوصف هذه الأفعال، حيث يتم رسم صورة للمسلمين على أنهم يخرقون القانون ويهددون سلامة المجتمع والأفراد في المملكة المتحدة، من خلال تجريمهم وإثارة هستيريا لا نهاية لها حول الإرهاب. وفي كل مناسبة، وكما أظهرت لنا الرسالة الأخيرة، نحن لا نعتبر بشرا بطبيعتنا، وإلا لما تم وضع مصطلح المرأة بين علامتي تنصيص؟ ودائما ما يعتبر المسلمون مذنبين بارتكاب جرائم ضد عامة السكان. وفي حين تهدف هذه الرسالة إلى إيذائهم وترويعهم بصفة شخصية، نجد أن هناك رسالة فيما تحت السطور أوسع نطاقا أيضا.
رسالة مقتطعة من كتاب الخطط الفاشي
تعد هذه الرسالة بمثابة خطاب لأغلبية من الأفراد، الذين يتسمون بالتجانس، قادرة على تصوير هذا الخطاب على أنه إذن لتطبيق القانون بأيديهم. وتضع هذه الفئة العنف في طليعة أولوياتها وتحرض عليه بشكل جماعي، بطريقة مشابهة لمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في سياق متصل، أجرت شرطة ميتروبوليتان استفتاء شعبيا بشأن موضوع الارتفاع الكارثي وغير المسبوق لظاهرة العنف ضد الأقليات. وقد تحدثت إلى صديقة بوسنية عاشت في خضم وجود مطرد للروايات المعادية للمسلمين التي تتخذ من التجريد من الإنسانية ركيزة لها، والتي أدت إلى إبادة جماعية في بلدها الأصلي. وقد صفت لحظة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في اليوم الموالي على أنه شبيه بمذبحة ليلة البلور المشتركة بين النمسا وألمانيا سنة 1938، التي شهدت مقتل اليهود وتدمير ممتلكاتهم، علما وأنه يصعب إثبات وجهة النظر المذكورة.
في وقت من الأوقات، كانت هناك رسالة تزعم بأن هناك مؤامرة على طريقة حصان طروادة في مدارس المملكة المتحدة. لكن هذه المزاعم تم دحضها وبيان خداعها، في حين أن ذلك لم يمنع وجود الكثير من السياسات والعقوبات والقوانين نتيجة لهذه الاتهامات
لكن قائمة العقوبات الإسلامية الصادرة في هذا الأسبوع تجعل هذه النقطة أكثر واقعية، ومن المؤسف أنها قد لاقت إقبالا جماهيريا كبيرا. في هذا السياق، شكل الصعق الكهربائي أسلوب التعذيب الذي اعتمده الفرنسيون ضد المسلمين في الجزائر، والأمر سيان بالنسبة للولايات المتحدة في سجن أبو غريب وعديد المواقع الأخرى، بتعلة محاربة الإرهاب. وتعتبر هذه الممارسات غيضا من فيض في صلب تاريخ لا نهاية له من الجلد والسلخ وجميع أشكال التعذيب الأخرى. ويقودنا ذلك للاعتقاد بأننا لن نقطع مع ممارسات القرن السادس عشر الطويل.
على نحو تقشعر له الأبدان، تظهر هذه الرسالة أن الكراهية المعادية للمسلمين مؤسسية وتعمل على اعتبارها شكل من أشكال الهيمنة، وهو ما سبق للكثير منا مناقشته لزمن طويل. ومن الواضح أن التحذيرات التي تطرقت إليها الرسالة انتقلت من طور مجرد تصرفات يمكن القيام بها في الشارع إلى مرحلة باتت فيها هذه الممارسات الخيار الوحيد. وإذا استثنينا إبادة مكة المكرمة نوويا، ما هو الأمر الذي ذكر في هذه اللائحة ولم يتم القيام به حتى الآن؟ وعلى الرغم من كل ذلك، لم تنبس الحكومة ببنت شفة حول هذا الأمر.
نحن على دراية بقوة الكلمات وتأثيرها على مستوى التوجهات المعنوية السياسية لهذا البلد. ففي وقت من الأوقات، كانت هناك رسالة تزعم بأن هناك مؤامرة على طريقة حصان طروادة في مدارس المملكة المتحدة. لكن هذه المزاعم تم دحضها وبيان خداعها، في حين أن ذلك لم يمنع وجود الكثير من السياسات والعقوبات والقوانين نتيجة لهذه الاتهامات. ولعل الرسالة المقصودة في هذا الشأن أنك لست في أمان في منزلك بسبب صندوق الرسائل. لكن السؤال الذي يبقى قائما: ما إذا كانت السلطات المعنية ستفعل أي شيء على مستوى صندوق رسائل البرلمان؟
المصدر: ميدل إيست آي