ترجمة حفصة جودة
مع غروب الشمس فوق مدينة مجدال هعيمق خارج محافظة الناصرة، تسير سيارة نيسان بيضاء باتجاه مركز اجتماعي، ويخرج من السيارة رجل أنيق ذو شعر رمادي، فيسرع إليه عشرات الناس لالتقاط الصور معه ورؤيته عن قرب، في داخل المركز كان عمدة المدينة إيلي باردا يوجه الشكر لوزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون على مساعدته للمدينة التي يبلغ عدد سكانها 28 ألف نسمة، حيث قال: “في شرف رئيس الوزراء …” وتوقف لحظة ثم قال: “يبدو أنني سأقع في المشاكل، في شرف الوزير”.
كانت الكلمة مجرد زلة لسان، لكن صداها يتردد في “إسرائيل” هذه الأيام، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه 3 قضايا فساد، وحكومته انهارت تقريبًا منذ أول مارس بسبب الصراع بشأن الميزانية، ومع تزعزع مستقبله؛ بدأت الطبقة السياسية في البلاد في البحث عن خليفة له، يعد كحلون من بين عدة أسامي على رأس تلك القائمة، ويقول كحلون من مكتبه في تل أبيب: “أنا لا أحلم فأنا واقعي، مهمة رئيس الوزراء صعبة وتحمل الكثير من المسؤولية، لكنني أستطيع القيام بأي عمل”، يبلغ كحلون من العمر 57 عامًا وهو ابن لأحد المهاجرين الفقراء من ليبيا.
الجزء الأصعب في قيادة “إسرائيل” هو التعامل مع الفلسطينيين، ونشأة كحلون في بيت يتحدث العربية والعبرية يمنحه ميزة، في اجتماع العام الماضي مع رئيس الوزاء الفلسطيني رامي حمدالله قال أحد مساعدي حمد الله باللغة العربية: “يجب أن تكون حذرًا من وزير المالية الإسرائيلي”، فالتفت كحلون وابتسم وقال باللغة العربية: “لقد تعلمت من والديّ أن المساعد ينبغي أن يكون أكثر احترامًا”.
استقال كحلون من حزب الليكود بزعامة نتياهو عام 2012 ليؤسس حزبه الخاص، وبدأ في البحث عن أماكن مصل مجدال هعيمق لتوسيع قاعدته، وكالعديد من المدن الصغيرة في “إسرائيل” تتكون المدينة من مباني سكنية متواضعة تم بناؤها في الخمسينيات على عجالة لتستقبل المهاجرين اليهود بعد إعلان إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
في شهر نوفمبر، خصصت وزارة المالية مليار شيكل (291 مليون دولار) لبناء المباني خلال 5 سنوات، وهو أحد البرامج التي يدعهما كحلون منذ أن تولى الوزارة عام 2015، وفي هذا المسار يقول عمدة مجدال لكحلون: “أنت مثال لمن يصعد السلم دون أن ينسى أصله”.
في الأسابيع الأخيرة، هدد كحلون بالانسحاب من التحالف مما وضع الحكومة على حافة الانهيار، فقد كان يرغب في انتهاء التوصيت على ميزانية قدرها 400 مليار شيكل، لكن الأحزاب المتشددة في التحالف رفضت الموافقة على الخطة
برزت أهمية كحلون كوزير للاتصالات منذ 8 سنوات، حيث وضع قواعد للهواتف المحمولة ساعدت على خفض فواتير المستهلكين بنسبة 90% منذ عام 2009، وكوزير للمالية، فقد أشرف على النمو الاقتصادي من زيادة النمو وانخفاض معدل البطالة وزيادة الدخل خاصة بين الفقراء، ويقول الاقتصادي يارون زيليكا إن كحلون يعمل باتزان ومصداقية شديدة.
لكن محاولاته للحد من أسعار السكن لم تنجح مثل سياسته مع الهواتف، فرغم خفض أسعار الأراضي للمستثمرين الذي وعدوا ببيعها بأسعار منخفضة مما ساهم في استقرار الأسعار، فإن الأسعار ما زالت مرتفعة منذ أن تولى كحلون المنصب، يقول عمر مواف أستاذ الاقتصاد بحامعة وارويك بإنجلترا: “لقد كان شعاره الانتخابي “سوف أخفض أسعار السكن” لكنه فشل تمامًا في ذلك”.
رغم شهرته في حزب الليكود فإن كحلون شعر بأن الحرس القديم سيعرقل سياساته الخاصة بالرعاية الاجتماعية، لذا انفصل عنهم وأسس حزبه الخاص “كولانو” الذي يملك اليوم 10 مقاعد في البرلمان، يقول كحلون: “كنت من أشهر زعماء الحزب وكان بإمكاني البقاء مرتاحًا هناك، كان أمامي خياران: أن أبقى وأبيع مبادئي أو أن اغتنم الفرصة وأحافظ عليهم، وقد اخترت الأخيرة”.
وفي العام الماضي، كان كحلون الوحيد الذي تحدى نتنياهو في نقاش عن إنشاء محطة إذاعية جديدة، وهي الخطة التي عارضها معظم حلفاء رئيس الوزراء لأنها ستكون مليئة بالأصوات المعارضة.
تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن حزب الوسط بقيادة لبيد قد يحقق مكاسب قوية إذا أُجريت الانتخابات الآن، لكن حزب الليكود سيظل الأكبر في البرلمان أما حزب “كولانو” فقد يخسر عدة مقاعد
في الأسابيع الأخيرة، هدد كحلون بالانسحاب من التحالف مما وضع الحكومة على حافة الانهيار، فقد كان يرغب في انتهاء التوصيت على ميزانية قدرها 400 مليار شيكل، لكن الأحزاب المتشددة في التحالف رفضت الموافقة على الخطة دون إصدار قانون منفصل لإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، كان رحيل كحلون سيؤدي إلى انتخابات مبكرة لأن نتنياهو يحتاج إلى دعم حزب “كولانو” في البرلمان للحفاظ على الأغلبية، لكن في 13 من مارس الحاليّ وافقت الأحزاب على التصويت على الميزانية بعد الوصول إلى اتفاق بتأجيل القرار النهائي المتعلق بمشروع الإعفاء.
تقول استطلاعات الرأي إنه في حالة استقال نتنياهو؛ فليس هناك تفضيل علني واضح لخليفته، فهناك منافسون آخرون مثل وزير المالية السابق يائير لبيد، وزعيم الاتحاد الصهيوني أفي غباي، ووزير التعليم نفتالي بينت، ووزير الدفاع أفيغادور ليبرمان.
وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن حزب الوسط بقيادة لبيد قد يحقق مكاسب قوية إذا أُجريت الانتخابات الآن، لكن حزب الليكود سيظل الأكبر في البرلمان أما حزب “كولانو” فقد يخسر عدة مقاعد.
يعد كحلون أحد الأبناء السبع لأبوين هاجرا من ليبيا عام 1949، ودائمًا ما يستحضر بداياته المتواضعة عندما يواجه أفراد النخبة الإسرائيلية، في عمر الـ14 بدأ كحلون في صيد السمك لدعم أسرته وفي النهاية ترك المدرسة وعمل في البناء وورشة للمعادن في إحدى الكيبوتس، قضى بعد ذلك 5 سنوات في الجيش قبل أن يتمكن من افتتاح متجر ناجح لقطع غيار السيارات.
“”يجب على الفلسطينيين ألا يضعوا آمالاً كبيرة على كحلون، فآراؤه لا تختلف كثيرًا عن الفكر الإسرائيلي المحافظ”
وفي الثلاثينيات من عمره عاد إلى الدراسة وحصل على شهادة في العلوم السياسة والقانون في “إسرائيل” ثم حضر برنامج للإدارة التنفيذية في كلية الأعمال بهارفرد، ويقول جاره في مدينه جفعات أولجا ميري ليفي: “أثار الفقر لا تزال بادية على كحلون، ولديه رغبة صادقة في أن يحصل كل شخص على فرصته”.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين، فقد أصدر كحلون عدة تصريحات عامة قليلة، لكن البعض في الضفة الغربية يقولون إنه لا ينبغي الوثوق به، ويقول سامي بحور مستشار مؤسسة “الشبكة” الفلسطينية: “يجب على الفلسطينيين ألا يضعوا آمالاً كبيرة على كحلون، فآراؤه لا تختلف كثيرًا عن الفكر الإسرائيلي المحافظ وهو يرغب في أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه”.
من جانبه، أكد كحلون ضرورة التواصل والتعاون وإيجاد الحلول لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، في ظل انقطاع الروابط مع الفلسطينيين ورفضهم لإقامة أي مشاريع اقتصادية مشتركة، ويقول كحلون: “قدرنا أن نعيش معًا، لذا يجب أن نترك النافذة مفتوحة قليلاً وعندما يحين الوقت لمزيد من المحادثات السياسة سوف يكون طريق التواصل ممهدًا بالفعل”.
المصدر: بلومبرج