هل تشعل أزمة الغاز شرارة الاحتجاجات في موريتانيا؟

arton6386

في الوقت الذي تحاول فيه السلطات الموريتانية الحاكمة جاهدة السيطرة على الشارع والحيلولة دون تصاعد الاحتجاجات ضدّها في قطاعات مختلفة، انفجرت في البلاد أزمة جديدة تمسّ المواطن مباشرة وتتعلّق بغاز “البوتان” المنزلي، ما أثار مخاوف الحكومة من إمكانية فقدانها السيطرة على الوضع العام في البلاد.

“الغاز” المنزلي: عملة صعبة

يتواصل النقص الحاد في غاز “البوتان” المنزلي، في الأسواق الموريتانية، الأمر الذي انعكس سلبا على المواطن الموريتاني خاصة وأنه يستعمل هذه المادة يوميا، وهو ما حاد به إلى الالتجاء إلى استعمال الحطب وأساليب الطهي التقليدية.

حمّلت المعارضة الموريتانية حكومة بلادها مسؤولية الأزمة

هذا النقص أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار عبوات الغاز في عديد المدن الموريتانية، ووصل سعر أسطوانة الغاز الكبيرة، في بعض المحلات إلى 10000 أوقية (28 دولارا)، بعد أن كان سعرها 3200 أوقية (8 دولارات)، أما بالنسبة للقنينة من الحجم المتوسط فقد وصل سعرها إلى 6400 أوقية (18دولارات)، بعد أن كان سعرها 1700 أوقية (4 دولار)، فيما ارتفع سعر القنينة الصغيرة من 800 أوقية (دولاران) إلى 1200 أوقية (3 دولارات).

وفي هذا الشأن يقول محمد سالم، مواطن من موريتانيا لنون بوست، “بالنسبة لي لقد تضررت كثيرا كمستهلك من أزمة الغاز الطبيعي، حيث تضاعف سعره مرات، ورغم ذلك تجوب الأرض طوﻻ وعرضا وﻻ تكاد تجد قنينة مهما كان حجمها، وكلي استغراب من أن الدولة لم تحرك ساكنا ولم يكن لها توقعات او احتياطات لهذه الأزمة، خصوصا في هذه الفترة المعروفة ببردها القارس.”

الحكومة تبرأ نفسها والمعارضة تتهم

أرجعت الحكومة، سبب هذا نقص في الغاز المنزلي في الأسواق، الذي بدأ في الـ23 فبراير الماضي، إلى ارتفاع أمواج المحيط الأطلسي قبالة الشواطئ الموريتانية، مما تسبب في توقف حركة الموانئ الموريتانية، وعدم تمكن باخرة توريد الغاز من الرسو والتفريغ في ميناء نواكشوط.

ولمجابهة النقص التجأت الشركة الموريتانية للغاز إلى استوراد صهاريج من السنغال لسد النقص، وكان من المفروض أن ترسو السفينة المحملة بالغاز بميناء نواكشوط يوم 26 فبراير/شباط 2018، لكن ارتفاع الأمواج حال دون ذلك، حسب المسؤولين الموريتانيين.

سوء الأحوال الجوية حال دون وصول السفينة

في مقابل ذلك، حمّلت المعارضة الموريتانية حكومة بلادها مسؤولية الأزمة، وفي هذا الشأن حمّل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض (تواصل)، في بيان له أول أمس الأربعاء، “الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا الارتفاع وتبعاته لعجزها عن تأمين مخزون احتياطي من هذه المادة الأساسية يمكن الاعتماد عليه في الظروف الاستثنائية، وهو ما يجسد مظهرا من مظاهر فشلها البادية للعيان”

وأرجع الحزب ارتفاع أسعار غاز البوتان وتضاعف سعره في بعض المناطق أكثر من مرة إلى “محدودية الكمية المتوفرة في السوق وعجز الحكومة عن تأمين مخزون احتياطي يؤمن الحصول على هذه المادة الأساسية في الظروف الاستثنائية”.

ووصف الحزب نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بـ “النظام الفاسد”، قائلا إن سياسته “لم تنتج إلا انتشار الفقر وارتفاع الاسعار وغياب الأمن وتفشي البطالة وترهل خدمات الصحة والتعليم”، مؤكّدا أن أزمة الغاز زادت من صعوبة حياة المواطنين الذين يعانون من الفقر وارتفاع الأسعار وتبعات آثار الجفاف وتفشي البطالة.

أزمة شاملة

الأزمة التي تعانيها الأسواق الموريتانية لا تنحصر في الغاز المنزلي فقط، بل هناك أزمة في جميع الأسعار، حيث شهدت أسعار مختلف المواد الاستهلاكية ارتفاعا ملحوظا في الفترة الأخيرة، ما انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية للمواطن الموريتاني.

شهدت شوارع موريتانيا في الفترة الأخيرة، مظاهرات ووقفات احتجاجية متفرقة للتنديد بأوضاع البلاد

ترجع منظمات محلية موريتانية هذا الارتفاع في الأسعار إلى عوامل عديدة من ضمنها تخبط الحكومة وعجزها في معالجة الأزمات، وارتباك سياساتها الاقتصادية التي تتجلى معالمها في هيمنة الليبرالية المطلقة التي جعلت بعض النافذين يتحكمون في الأسعار.

ويخشى خبراء أن تتفاقم أزمة ارتفاع الأسعار، خاصة وأن هذه السنة تتسم بالجفاف نتيجة النقص الحاد في الأمطار، وعدم اتخاذ الحكومة التدابير اللازمة حتى الآن للتخفيف من وطأته، وأن تنعكس سلبا على المواطنين الذين يعانون أصلا من تدني الأجور وضعف القوة الشرائية.

خوف من اشتعال الوضع

لئن يخشى المواطن تأثير هذه الأزمات المتتالية على مقدرته الشرائية، فإن حكومة الوزير الأول يحيى ولد حد مين، تخشى أن تؤدّي هذه الأزمات إلى اشتعال الشارع الموريتاني وخروج الأوضاع عن السيطرة خاصة في ظل ارتفاع حالة الغليان الشعبي في البلاد.

تراجع المقدرة الشرائية في موريتانيا

وشهدت شوارع موريتانيا في الفترة الأخيرة، مظاهرات ووقفات احتجاجية متفرقة للتنديد بأوضاع البلاد التي تصفها بعض الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، بـ “السيئة”، وتتهم المعارضة حكومة بلادهم والرئيس بالابتعاد عن مشاغل العامة والاهتمام بمصالحهم الشخصية.

وتواجه الحكومة المطالب الشعبية التي يعبر عنها في الوقفات والتظاهرات السلمية، بالقمع الأمني باستعمال القنابل المسيلة للدموع والعصي والهراوات، واعتقال النشطاء المشاركين في هذه التحركات بهدف احتوائها والتقليل من فعاليتها.