قبل شهر تقريبًا وعندما كانت العلاقات التركية الأمريكية قد وصلت إلى حالة من الحضيض بسبب الثقة المفقودة بين الطرفين كان ريكس تليرسون وزير الخارجية الأمريكي ” السابق” على رأس عمله وكان يعلن من أنقرة أن تركيا والولايات المتحدة “لن تتحركا بعد الآن كل بمفرده” في سوريا، وتريدان “المضي قدماً في العمل معاً” لتجاوز الأزمة الحالية كما أعلن عن آليات جديدة لكيفية العمل المشترك وتحدث بشكل واضح أن أنقرة وواشنطن وضعتا آليات مشتركة لحل مصير مدينة منبج التي يوجد فيها وجود عسكري أمريكي مؤكدا أن منبج لها أولوية في المباحثات الجارية بين البلدين خاصة أن تركيا التي دخلت قواتها إلى عفرين مع قوات الجيش السوري الحر معارضة للرغبة الأمريكية المعلنة على الأقل أعلنت هي الأخرى عزمها على مواصلة السير نحو منبج لطرد مليشيات وحدات الحماية التابعة لحزب العمال الكردستاني منها.
بل وصلت التصريحات التركية إلى مستوى غير مسبوق فقد قال نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة التركي بكير بوزداغ “إذا ارتدى الجنود الأمريكيون زي الإرهابيين، فحينها لن نتردد ولن نفرق بينهم”.
بعد لقاء تيلرسون وجاويش أوغلو صدر بيان مشترك عن الخارجيتين في منتصف فبراير وقد أشار “البيان المشترك حول الشراكة الإستراتيجية التركية الأمريكية”، إلى أن الجانبين تربطهما علاقة تحالف في حلف شمال الأطلسي الناتو منذ 65 عامًا، وأنهما شريكان إسترتيجيان”
وبدا في هذه اللحظة أن “الحليفين” نظريا تركيا والولايات المتحدة يسيران في مسارات متعارضة على مستوى خطير ولهذا كانت زيارة تيلرسون بمثابة زيارة واجبة من واشنطن إما بهدف تهدئة حقيقية لأنقرة من خلال خطوات ملموسة فلم تعد تنطلي عليها الخطوات الشكلية أو الوعود الشفهية أو بهدف مزيد من الالهاء لتركيا حتى تتعثر أو تتقيد خطواتها على الأرض وتضطر للقبول بالأمر الواقع وهذا ما بدا أكثر ترجيحا.
وبعد لقاء تيلرسون وجاويش أوغلو صدر بيان مشترك عن الخارجيتين في منتصف فبراير وقد أشار “البيان المشترك حول الشراكة الإستراتيجية التركية الأمريكية”، إلى أن الجانبين تربطهما علاقة تحالف في حلف شمال الأطلسي الناتو منذ 65 عامًا، وأنهما شريكان إسترتيجيان” وكان الأهم هو أن البيان أشار إلى إقرار تشكيل آلية مشتركة لغاية منتصف مارس / آذار كحد أقصى لحل المشاكل بين البلدين.
ومن الجدير بالذكر أن تيلرسون التقى مع أردوغان وجاويش أوغلو في اجتماع لم يحضره سواهما حتى المترجمين لم يحضروا اللقاء وذلك وفقا لبعض الوسائل الإعلامية التركية وكذلك الحال لم يكن هناك محضر لللقاء الذي استمر أكثر من 3 ساعات وقد أشار هذا إلى أهمية وخطورة الملفات التي نوقشت.
ومن الآليات التي تم الاتفاق عليها انشاء 3 فرق عمل ثنائية حيث سيعمل فريق العمل الأول حول تنظيم “فتح الله غولن” والقضايا القنصلية بين الجانبين فيما سيعمل الفريق الثاني على الملف السوري وقضايا التعاون لهزيمة تنظيم “داعش” والمجموعات الإرهابية الأخرى، وستكون مهمة هذا الفريق أيضا بحث كيفية التزام واشنطن بتعهداتها التي قطعتها لتركيا حول منبج، وتوفير الأمن للمناطق المحررة من “داعش”، ومسألة الحل السياسي بسوريا، أما فريق العمل الثالث، فسيهتم في مسألة الحرب المشتركة ضد حزب العمال الكردستاني. وقد دعا متحدث باسم الخارجية التركية في 21 فبراير إلى ضرورة تفعيل هذه الفرق في أسرع وقت.
وخلال هذه الفترة بدأت اللهجة المستاءة من الموقف الأمريكي تظهر من جديد بعد مرور أكثر من أسبوع على اللقاء مع تيلرسون على لسنة المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي قال “المنطقة تُستهدف مجددا من قبل قوى تتصارع لتحقيق مصالحها (..) إذ نرى الإمبرياليين الذين اشتموا رائحة النفط يحاولون إعادة رسم حدود منطقتنا بالدماء والدموع، لكن تركيا تشكل العائق الأكبر أمام مخططاتهم كما كانت كذلك قبل 100 عام”. “لن نغض الطرف عن الذين يتسترون على الإرهابيين أيا كانوا وعملياتنا ضد القوافل التي تحمل مساعدات للإرهابيين أكدت ذلك”.
فيما دعت الخارجية الأمريكية تركيا إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن حول الهدنة في تركيا (حيث دعت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت، تركيا إلى قراءة القرار الدولي جيداً، معتبرة أنه يشمل عفرين والعمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية هناك.) وهو الأمر الذي اعتبرت تركيا أن عمليتها في عفرين لا تندرج في سياقه بل دعت واشنطن لإنقاذ الأبرياء بالغوطة بدل الإدلاء بتصريحات داعمة للإرهابيين.
في الخامس من مارس الجاري قال وزير الخارجية التركي أن أول أعمال اللجان المشتركة ستكون في 8 و9 مارس وأنه سيتوجه في 19 مارس إلى واشنطن للقاء تيلرسون وبحث موضوع منبج معه. وقال وزير الخارجية التركي “نريد وضع جدول زمني ملموس للخطوات التي ستتخذ ومتى، فزمن المماطلة ولّى، لا وقت لدينا لنضيعه في المماطلة، هناك أزمة ثقة، ولا يمكن تأسيس هذه الثقة دون اتخاذ خطوات ملموسة”.
بدأ مسؤولون عسكريون أمريكان يلمحون إلى عدم مناسبة صفقة اس 400 التي ابرمتها تركيا مع روسيا مع منظومات الناتو ملمحين إلى ضرورة تراجع تركيا عنها أو تعرضها للعقوبات
ووفقا لمسار الأحداث كشفت بعض المصادر الإعلامية عن تسريبات توضح ضغوظ على ترامب لإقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون. وبعد هذا أعلنت الخارجية الامريكية بالفعل في 9 مارس إن لجنة فنية واحدة من بين 3 لجان تم تشكيلها بين الولايات المتحدة وتركيا مؤخراً للنظر في المسائل الخلافية بين الطرفين، بدأت مشاوراتها في واشنطن كما أكدت أن الاجتماع الأول سيتناول موضوع عملية عفرين وقد اعتبرت الخارجية أن هذه اللقاءات هي “لقاءات أولية”، وأن الوفد الأمريكي المؤلف من 20 شخصاً سيرأسه جوناثان كوهين، مستشار وزارة الخارجية الأمريكية المسؤول عن شؤون أوروبا وآسيا، وأن الوفد التركي حول اللجنة الخاصة بسوريا يرأسه نائب مستشار وزارة الخارجية التركية سادات أونال.
وفي هذه الفترة بدأ مسؤولون عسكريون أمريكان يلمحون إلى عدم مناسبة صفقة اس 400 التي ابرمتها تركيا مع روسيا مع منظومات الناتو ملمحين إلى ضرورة تراجع تركيا عنها أو تعرضها للعقوبات.
وقبل يومين تقريبا أكد وزير الخارجية التركي أنه سيتم تحديد تفاصيل خارطة الطريق بشأن منبج خلال الاجتماع المرتقب بين الوفدين الأمريكي والتركي في التاسع عشر من مارس/ آذار الجاري. أن خارطة الطريق ستتضمن جدولاً زمنياً لانسحاب عناصر ي ب ج الإرهابي من منبج إلى شرقي نهر الفرات، وتفاصيل عن طريقة الانسحاب وأضاف أنه سيتم الاتفاق على طريقة لإدارة المدينة بعد انسحاب ي ب ك منها مشيراً إلى أن المبدأ الأساسي الذي سيتم اعتماده هو تشكيل إدارة للمدينة من السكان المحليين، وأن القوات التركية والأمريكية ستتولى مهام تحقيق الأمن في المدينة.
ولكن قيام الرئيس الامريكي بإقالة وزير الخارجية تيلرسون أدت إلى اعلان وزير الخارجية التركي عن احتمال عدم امكانية عقد اللقاء ومن المعروف أن وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو سوف يبدأ عمله في 1 نيسان القادم وليس من المعروف متى سيمكن ترتيب لقاءه مع نظيره التركي وهل سيتم متابعة عمل اللجان.
تمنى وزير الخارجية التركي أن يستمر الحوار الذي أنشأه مع تيلرسون سابقا مع بومبيو – وإن دخل هذا الأمر في مرحلة تسويف فلن تقبل تركيا بذلك وقد قال رئيس الوزراء التركي “لا يهمنا ماذا يفكر وزير الخارجية الجديد حول تركيا فموقف تركيا واضح والعلاقات لا تعتمد على الأشخاص”
لقد أشار الكثير من الخبراء في الشأن الأمريكي أن اعتبارات استقالة تيلرسون قد تكون متعلقة أكثر بالموقف من الاتفاق النووي من ايران أو بسبب ازمة قطر أو بسبب استبعاد الخارجية من القرار فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واعطاء دور أكبر لكوشنير ولكن ما الذي يمنع من أن كل هذه الأمور مجتمعة بما فيها اتفاق تيلرسون مع تركيا حول منبج كانت عناصر مهمة في قرار إقالة تيلرسون.
وعلى كل حال ينظرون في تركيا إلى بومبيو نظرة غموض حيث أن الاخير ليس غريبا على تركيا فبعد أول اتصال بين ترامب وأردوغان أرسل ترامب بومبيو إلى تركيا للحديث في التفاصيل في شباط 2017 ومن يومها ما زالت الأمور في طور التعقيد وحتى لو قام بالاستمرار فيما تم الاتفاق عليه مع تيلرسون فما زالت المواقف الامريكية والثقة فيها في مسار متدهور فلو خرجت وحدات الحماية إلى شرق الفرات فسوف يستمر التهديد لأمن الحدود وسوف يتم تكريس الوجود الأمريكي وستكون تركيا في مواجهة مع كل القوى الموجودة في سوريا ما يمكن قوله أن كل الخيارات لها تعقيداتها وتواجد كل هؤلاء الفاعلين الذين تتعارض أجنداتهم يزيد من فرص الاحتقان والتي قد يتم تنفيسها مؤقتا لكنها لابد أن تؤدي لمواجهة لأنها خلافات استراتيجية.
لقد كان هناك تعويل تركي كبير فيما بدا على اجتماع 19 مارس الذي تم الغاؤه وكان هناك أمل ببرنامج زمني لمنبج وانسحاب حزب العمال منها وسنرى إن تم تدارك هذا الأمر خلال أسبوعين على الأقل – وقد تمنى وزير الخارجية التركي أن يستمر الحوار الذي أنشأه مع تيلرسون سابقا مع بومبيو – وإن دخل هذا الأمر في مرحلة تسويف فلن تقبل تركيا بذلك وقد قال رئيس الوزراء التركي “لا يهمنا ماذا يفكر وزير الخارجية الجديد حول تركيا فموقف تركيا واضح والعلاقات لا تعتمد على الأشخاص”وهذا التسويف إن حصل فسوف يضع العلاقات على بوابة أزمة قد يكون أول انعكاساتها الدخول في مسار قطع العلاقات والذي سيشهد سيناريوهات عقوبات أمريكية وربما خروج كامل للقوات الامريكية من قاعدة انجرليك.