ترجمة وتحرير: نون بوست
في حقل على أطراف كييف كان مؤسسو شركة “فيريي” الأوكرانية للطائرات المسيرة يعملون مؤخرًا على تطوير سلاح من المستقبل.
ولإثبات ذلك، قفز أليكسي بابينكو، البالغ من العمر 25 سنة، والرئيس التنفيذي للشركة على دراجته النارية وسار في طريق ترابي، خلفه تبعته طائرة مسيرة بينما كان زميله يتتبع التحركات من جهاز كمبيوتر بحجم حقيبة صغيرة.
اختبار لنظام فيريي للطائرة المسيرة من طراز فيريج الذي يستخدم التتبع الذاتي للتثبيت على الهدف، في حقل خارج كييف.
حتى وقت قريب كان الإنسان يقود الطائرة الرباعية المسيرة، ولكن ليس بعد الآن، وبدلًا من ذلك، فقد طارت الطائرة المسيرة بنفسها بعد أن قامت بتحديد هدفها – السيد بابينكو – موجهة بواسطة برنامج يستخدم كاميرا الجهاز لتتبع الهدف.
لم يكن محرك الدراجة النارية الذي كان يصدر صوت هدير محرك الدراجة النارية نداً للطائرة بدون طيار الصامتة وهي تطارد السيد بابينكو. “ادفع، ادفع أكثر. اضغط على الدواسة يا رجل”، هكذا نادى زملاؤه عبر جهاز اتصال لاسلكي بينما كانت الطائرة بدون طيار تنقض نحوه؛ “لقد انتهى أمرك، انتهى أمرك!”
لو كانت الطائرة المسيرة مجهزة بالمتفجرات ولم يفصل زملاؤه نظام التتبع التلقائي لكان السيد بابينكو في عداد الأموات.
تعد شركة فيريي واحدة من العديد من الشركات الأوكرانية التي تعمل على تحقيق قفزة كبيرة في تسليح التكنولوجيا الاستهلاكية مدفوعة بالحرب مع روسيا، وقد أدى الضغط بسبب الرغبة في التفوق على العدو، إلى جانب التدفقات الضخمة من الاستثمارات والتبرعات والعقود الحكومية، إلى تحويل أوكرانيا إلى وادي السيليكون للطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة.
ما تقوم به الشركات هو تطوير تكنولوجيا تجعل من التحكم البشري في الاستهداف وإطلاق النار أمرًا هامشيًا بشكل متزايد؛ حيث إن توفر الأجهزة الجاهزة وسهولة تصميم البرمجيات والخوارزميات التلقائية القوية والرقائق الدقيقة المتخصصة في الذكاء الصناعي، قد دفعت بسباق الابتكار القاتل إلى منطقة غير مستكشفة مما يفتح حقبة جديدة محتملة من الروبوتات القاتلة.
لقد أصبحت الإصدارات الأكثر تقدماً من التكنولوجيا التي تسمح للطائرات المسيرة وغيرها من الآلات بالتصرف بشكل مستقل ممكنة بفضل التعلم العميق، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم كميات كبيرة من البيانات لتحديد الأنماط واتخاذ القرارات، وقد ساعد التعلّم العميق في توليد نماذج لغوية كبيرة شهيرة، مثل جي بي تي-4 من “أوبن إيه آي”، ولكنه يساعد أيضًا في جعل النماذج تفسر وتستجيب في الوقت الفعلي للقطات الفيديو والكاميرا، وهذا يعني أن البرمجيات التي كانت تساعد الطائرة المسيرة في متابعة متزلج على الجليد أسفل الجبل يمكن أن تتحول الآن أداة مميتة. ففي أكثر من اثنتي عشرة مقابلة مع رواد أعمال ومهندسين ووحدات عسكرية أوكرانية؛ ظهرت صورة لمستقبل قريب يمكن فيه لأسراب من الطائرات مسيرة ذاتية التوجيه أن تنسق الهجمات ويمكن للمدافع الرشاشة المزودة برؤية حاسوبية أن تسقط الجنود تلقائياً، ويجري أيضًا تطوير إبداعات أكثر غرابة، مثل مروحية مسيرة تحوم حاملة مدافع رشاشة.
إن هذه الأسلحة أكثر فجاجة من تلك التي ظهرت في أفلام الخيال العلمي، مثل فيلم “المدمر” والقاتل المعدني السائل T-1000، ولكنها خطوة نحو هذا المستقبل، وفي حين أن هذه الأسلحة ليست متطورة مثل الأنظمة العسكرية الباهظة الثمن التي تصنعها الولايات المتحدة والصين وروسيا، فإن ما يجعل هذه التطورات مهمة هو انخفاض تكلفتها – آلاف الدولارات فقط أو أقل – وتوافرها.
وباستثناء الذخائر، فإن العديد من هذه الأسلحة يتم بناؤها باستخدام أكواد برمجية موجودة على الإنترنت ومكونات مثل أجهزة كمبيوتر للهواة، مثل راسبيري باي، والتي يمكن شراؤها من متجر بيست باي ومتجر للأجهزة. وقال بعض المسؤولين الأمريكيين إنهم قلقون من إمكانية استخدام هذه القدرات قريباً لتنفيذ هجمات إرهابية.
بالنسبة لأوكرانيا؛ يمكن أن توفر هذه التقنيات ميزة ضد روسيا، التي تعمل أيضًا على تطوير أدوات قاتلة ذاتية التشغيل – أو ببساطة تساعدها على مواكبة ذلك، وترفع هذه الأنظمة من مخاطر النقاش الدولي حول التداعيات الأخلاقية والقانونية للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة، وتريد جماعات حقوق الإنسان ومسؤولو الأمم المتحدة الحد من استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل خوفاً من أن تؤدي إلى سباق تسلح عالمي جديد قد يخرج عن السيطرة.
وفي أوكرانيا، تعتبر مثل هذه المخاوف ثانوية مقارنة بصد الغزاة.
وقال ميخائيلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، الذي قاد جهود البلاد لاستخدام الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا لتوسيع القدرات القتالية المتقدمة: “نحن بحاجة إلى أقصى قدر من الأتمتة، هذه التقنيات أساسية لانتصارنا”.
لقد تم بالفعل استخدام طائرات مسيرة ذاتية القيادة مثل طائرات فيري في القتال لضرب أهداف روسية، وفقًا لمسؤولين أوكرانيين وفيديو تم التحقق منه بواسطة صحيفة نيويورك تايمز، وقال السيد فيدوروف إن الحكومة تعمل على تمويل شركات الطائرات المسيرة لمساعدتها على زيادة الإنتاج بسرعة.
وتلوح في الأفق أسئلة كبيرة حول مستوى الأتمتة المقبول، ففي الوقت الحالي، تتطلب الطائرات المسيرة طيارًا لتحديد الهدف، مما يبقي “الإنسان في الحلقة” – وهي عبارة غالبًا ما يستدعيها صانعو السياسات وعلماء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، كما أعرب الجنود الأوكرانيون عن مخاوفهم بشأن احتمال إصابة الطائرات المسيرة ذاتية التشغيل المعطلة لقواتهم، ولكن قد لا توجد قيود على مثل هذه الأسلحة في المستقبل.
وقال ستيوارت راسل، عالم الذكاء الاصطناعي والأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي حذر من مخاطر تسليح الذكاء الاصطناعي: “لقد أوضحت أوكرانيا المنطق وراء مزايا الأسلحة ذاتية التشغيل”، وأضاف: “ستكون هناك أسلحة دمار شامل رخيصة وقابلة للتطوير ومتاحة بسهولة في أسواق السلاح في جميع أنحاء العالم”.
وادي السيليكون للطائرات المسيرة
في ورشة عمل متداعية في مبنى سكني في شرق أوكرانيا، ساعد ديف، وهو جندي يبلغ من العمر 28 سنة في اللواء 92 هجوم، في دفع الابتكارات التي حولت الطائرات المسيرة الرخيصة إلى أسلحة، في البداية، قام بربط القنابل بطائرات السباق المسيرة، ثم أضاف بطاريات أكبر لمساعدتها على التحليق لمسافة أبعد، وأدخل مؤخراً الرؤية الليلية حتى تتمكن الآلات من الصيد في الظلام.
وفي شهر أيار/مايو؛ كان من أوائل من استخدموا الطائرات المسيرة ذاتية القيادة، بما في ذلك تلك التي من شركة فيريي، وقال ديف إنه على الرغم من أن بعضها يحتاج إلى تحسينات، إلا أنه يعتقد أنها ستكون القفزة التكنولوجية الكبيرة التالية التي ستصل إلى الخطوط الأمامية.
وقال إن الطائرات المسيرة ذاتية القيادة “مطلوبة بشكل كبير بالفعل”، وقد كانت الآلات مفيدة بشكل خاص ضد التشويش الذي يمكن أن يقطع روابط الاتصالات بين الطائرة المسيرة والمتحكم فيها، فمع تحليق الطائرة المسيرة بنفسها، يمكن للمتحكم فيها ببساطة تحديد الهدف وترك الجهاز يقوم بالباقي.
وقد ظهرت مصانع ومختبرات مؤقتة في جميع أنحاء أوكرانيا لبناء آلات يتم التحكم فيها عن بعد من جميع الأحجام، من الطائرات بعيدة المدى والقوارب الهجومية إلى طائرات الكاميكازي المسيرة الرخيصة – والتي يطلق عليها اختصارًا “F.P.V.s”، أي من منظور الشخص الأول، لأنها موجهة من قبل شخص يرتدي نظارات تشبه نظارات الواقع الافتراضي تعطي رؤية من الطائرة المسيرة، والعديد من هذه الطائرات تعد مقدمة لآلات ستعمل في نهاية المطاف من تلقاء نفسها.
بدأت الجهود المبذولة لأتمتة رحلات الطائرات المسيرة في السنة الماضية، ولكنها تباطأت بسبب انتكاسات في بناء برمجيات التحكم في الطيران، وفقًا للسيد فيدوروف، الذي قال إن تلك المشاكل قد تم حلها، وقال إن الخطوة التالية هي توسيع نطاق التكنولوجيا بمزيد من الإنفاق الحكومي، مضيفًا أن هناك حوالي 10 شركات تصنع بالفعل طائرات مسيرة ذاتية القيادة.
وقال السيد فيدوروف: “لدينا بالفعل أنظمة يمكن إنتاجها على نطاق واسع، وهي الآن قيد الاختبار على نطاق واسع على الخطوط الأمامية، مما يعني أنها تستخدم بالفعل بشكل فعال”.
وتستخدم بعض الشركات، مثل شركة “فيريي”، خوارزميات الرؤية الحاسوبية الأساسية، التي تحلل الصور وتفسرها وتساعد الحاسوب على اتخاذ القرارات، وتستخدم شركات أخرى أكثر تطوراً التعلم العميق لبناء برمجيات يمكنها تحديد الأهداف ومهاجمتها، وقالت العديد من الشركات إنها سحبت البيانات ومقاطع الفيديو من أجهزة محاكاة الطيران والرحلات الجوية للطائرات المسيرة في الخطوط الأمامية.
وقامت إحدى الشركات الأوكرانية المصنعة للطائرات بدون طيار، وهي شركة “ساكر”، ببناء نظام استهداف ذاتي مع عمليات ذكاء اصطناعي مصممة أصلاً لفرز وتصنيف الفاكهة. خلال فصل الشتاء، بدأت الشركة في إرسال تقنيتها إلى الخطوط الأمامية، واختبار أنظمة مختلفة مع طياري الطائرات المسيرة، وارتفع الطلب عليها.
وبحلول شهر أيار/مايو، كانت “ساكر” تنتج بكميات كبيرة أجهزة كمبيوتر أحادية اللوحة الدائرية محملة ببرمجياتها التي يمكن تركيبها بسهولة على الطائرات المسيرة التي تعمل بمنظور الشخص الأول حتى تتمكن الآلات من الالتحام التلقائي بالهدف، كما قال الرئيس التنفيذي للشركة، الذي طلب أن يشار إليه باسمه الأول فقط، فيكتور، خوفاً من الانتقام من روسيا.
وقال: “تصطدم الطائرة المسيرة بهدفها وينتهي الأمر، إنها تقاوم الرياح. وتقاوم التشويش، عليك فقط أن تكون دقيقاً في اختيار الهدف الذي ستصطدم به”.
تصنع ساكر الآن ألفًا من لوحات الدوائر الكهربية شهرياً وتخطط للتوسع إلى 9000 لوحة شهرياً بحلول نهاية الصيف، وقد ضربت العديد من الوحدات العسكرية الأوكرانية بالفعل أهدافًا روسية على الخطوط الأمامية باستخدام تكنولوجيا ساكر، وفقًا لما ذكرته الشركة ومقاطع الفيديو التي أكدتها صحيفة التايمز.
في مقطع فيديو لتقنية “ساكر”، الذي تم مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر طائرة مسيرة تحلق فوق حقل مليء بالندوب بسبب القصف، ويظهر فجأة مربع في منتصف عدسة الكاميرا الخاصة بالطيار يكبر فجأة على دبابة، مما يشير إلى وجود قفل الهدف، وتهاجم الطائرة المسيرة من تلقاء نفسها، وتنفجر في جانب المدرعة.
فيديو لطائرة مسيرة ذاتية القيادة من طراز ساكر وهي تلتصق بدبابة في شرق أوكرانيا ثم تدمرها.
وقال فيكتور: “لقد ذهبت شركة ساكر أبعد من ذلك في الأسابيع الأخيرة؛ حيث نجحت في استخدام طائرة استطلاع مسيرة تكتشف الأهداف بواسطة الذكاء الاصطناعي، ثم ترسل طائرات انتحارية ذاتية التحكم لتضرب الأهداف. وفي إحدى الحالات، ضرب النظام هدفًا على بعد 25 ميلاً.
وقال روستيسلاف، وهو أحد مؤسسي شركة ساكر الذي طلب أيضًا أن يُشار إليه باسمه الأول فقط: “بمجرد أن نصل إلى النقطة التي لا يوجد فيها عدد كافٍ من الناس؛ فإن الحل الوحيد هو استبدالهم بالروبوتات”.
حرب مصغرة
في ظهيرة أحد الأيام الحارة الشهر الماضي في المنطقة الشرقية من أوكرانيا المعروفة باسم دونباس، قام يوري كلونتساك، وهو جندي احتياطي يبلغ من العمر 23 سنة، بتدريب أربعة جنود على استخدام أحدث سلاح متقدم: برج مدفع ذاتي الاستهداف يعمل بواسطة جهاز تحكم “بلايستيشن” وجهاز لوحي.
وشرح كلونتساك، متحدثًا وسط أصوات القصف القريب، كيفية عمل السلاح، الذي أطلق عليه اسم “وولي” نسبة إلى روبوت بيكسار “وول-إي”، قائلًا إنه يستطيع إلتقاط الهدف تلقائيًا على بعد 1000 متر ويقفز بين المواقع المبرمجة مسبقًا ليغطي مساحة واسعة بسرعة. كما تعمل الشركة التي تصنع السلاح، وهي شركة ديفدرويد، على تطوير التصويب التلقائي لتعقب الأهداف المتحركة وإصابتها.
وقال كلونتساك: “عندما رأيت البندقية لأول مرة، أثارت إعجابي. لقد فهمت أن هذه هي الطريقة الوحيدة، إن لم يكن للفوز بهذه الحرب، فعلى الأقل للحفاظ على مواقعنا.”
ويُعد هذا السلاح واحدًا من عدة أسلحة ظهرت على الخطوط الأمامية باستخدام برمجيات مدربة بواسطة الذكاء الاصطناعي لتعقب وإطلاق النار على الأهداف تلقائيًا. ولا تختلف كثيرًا عن تحديد الأجسام المميز في كاميرات المراقبة؛ حيث تحيط البرمجيات على شاشة البشر والأهداف المحتملة الأخرى بمربع رقمي. وكل ما تبقى ليفعله مطلق النار هو الضغط على الزناد عن بعد باستخدام وحدة تحكم ألعاب الفيديو.
وفي الوقت الحالي، يقول صانعو السلاح إنهم لا يسمحون للمدفع الرشاش بإطلاق النار دون أن يضغط إنسان على زر، لكنهم أيضًا قالوا إن صنع سلاح يمكنه القيام بذلك سيكون أمرًا سهلًا.
ويتم تطوير العديد من الابتكارات الأوكرانية لمواجهة الأسلحة المتقدمة لروسيا. فالجنود الأوكرانيون الذين يشغلون المدافع الرشاشة يمثلون هدفًا رئيسيًا لهجمات الطائرات المسيرة الروسية. ومع الأسلحة الروبوتية، لا يموت أي إنسان عندما تُضرب المدافع الرشاشة. ويمكن للخوارزميات الجديدة، التي لا تزال قيد التطوير، أن تساعد في النهاية البنادق على إطلاق النار على الطائرات الروسية المسيرة من السماء.
وقد حظيت هذه التقنيات، والقدرة على .بنائها واختبارها بسرعة على الخطوط الأمامية، بالاهتمام والاستثمار من الخارج. ففي السنة الماضية، قام إيريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل، ومستثمرون آخرون بتأسيس شركة باسم دي 3 للاستثمار في التقنيات الناشئة في ساحة المعركة في أوكرانيا. كما تتعاون شركات دفاعية أخرى، مثل هلسينغ، مع شركات أوكرانية.
وقالت إيفلين بوخاتسكي، شريكة إدارة في شركة دي 3، إن الشركات الأوكرانية تتحرك بسرعة أكبر من نظيراتها الخارجية، مضيفةً أن الشركة تطلب من الشركات التي تستثمر فيها خارج أوكرانيا زيارة البلاد لتسريع تطويرها.
وقالت إيفلين: “هناك مجموعة مختلفة تمامًا من الحوافز هنا”.
وغالبًا ما تجمع احتياجات ساحة المعركة بين المهندسين والجنود. وذكر ألكسندر يابشينكا، قائد في كتيبة دافنشي وولفز المعروفة بابتكاراتها في مجال الأسلحة، كيف أن الحاجة إلى الدفاع عن “طريق الحياة” — وهو طريق يُستخدم لإمداد الجنود الذين يقاتلون الروس على خط الجبهة الشرقي في باخموت — قد حفزت على الاختراع. وبعد أن تخيل حلاً، نشر طلبًا مفتوحًا على فيسبوك للحصول على مدفع رشاش محوسب يتحكم فيه عن بُعد.
وفي غضون عدة أشهر، حصل يابشينكا على نموذج أولي عملي من شركة تدعى روبونييرز، وكان السلاح مفيدًا لوحدته تقريبًا على الفور.
وقال: “كان بإمكاننا الجلوس في الخندق وشرب القهوة وتدخين السجائر وإطلاق النار على الروس”.
ساعدت مساهمة يابشينكا فيما بعد شركة روبونييرز على تطوير نوع جديد من الأسلحة. وقامت الشركة بتركيب برج المدفع الرشاش فوق طائرة مسيرة أرضية متحركة لمساعدة القوات في الهجمات أو تغيير مواقعها بسرعة. وقال الرئيس التنفيذي لروبونييرز، أنتون سكر يبنيك، إن هذا التطبيق أدى إلى زيادة الحاجة للتصويب الآلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وقد دفعت الشراكات المماثلة إلى تطورات أخرى. ففي أيار/ مايو، قامت شركة محلية أخرى، وهي سوورمر، بعقد مكالمة فيديو مع وحدة عسكرية لإطلاع الجنود على تحديثات برنامجها، الذي يمكّن الطائرات المسيرة من تنفيذ هجمات أسراب مسيرة.
تم بناء البرنامج من شركة سوورمر، الذي أُسس السنة الماضية من قبل مهندس سابق في شركة أمازون، وهو سيرهي كوبريينكو، على نموذج ذكاء اصطناعي تم مده بكمية كبيرة من البيانات عن مهمات الطائرات المسيرة على الخطوط الأمامية. ويتيح لفني واحد تشغيل ما يصل إلى سبعة طائرات مسيرة في مهام القصف والاستطلاع.
ومؤخرًا، أضافت سوورمر قدرات جديدة يمكنها توجيه طائرات مسيرة انتحارية للقيام بهجمات حتى 35 ميلاً. والأمل معقود على أن يقلل البرنامج، الذي كان يخضع للاختبارات منذ كانون الثاني/ يناير، من عدد الأشخاص المطلوبين لتشغيل القوات الجوية المصغرة التي تهيمن على الخطوط الأمامية.
اختبار طائرات سوارمر المسيرة خارج كييف الشهر الماضي.
وخلال أحد العروض التوضيحية، كان مهندس من سوورمر يشاهد على جهاز الكمبيوتر خريطة بينما كانت ستة طائرات مسيرة ذاتية القيادة تحلق في السماء. حلقت طائرات مسيرة كبيرة لتقذف القنابل واحدة تلو الأخرى فوق هدف محتمل وألقت زجاجات ماء بدلاً من القنابل.
وقال كوبريينكو إن بعض طياري الطائرات المسيرة يخشون أن يتم استبدالهم بالكامل بهذه التكنولوجيا.
وأضاف كوبريينكو: “يقولون: “أوه، إنها تطير دوننا. سيأخذون منا وحدة التحكم عن بُعد ويضعون سلاحًا في أيدينا”، مشيرًا إلى الاعتقاد بأن التحليق بطائرة مسيرة أكثر أمانًا من التواجد في خندق على الجبهة.
وقال: “لكنني أقول، لا، ستكون قادرًا الآن على الطيران بخمسة أو عشرة طائرات مسيرة في نفس الوقت. إن البرنامج سيساعدهم على القتال بشكل أفضل.”
صعود الـ”سلوتر بوتس”
في سنة 2017، نشر راسل، الباحث في الذكاء الاصطناعي في جامعة بيركلي، فيلمًا على الإنترنت بعنوان “سلوتر بوتس”، محذرًا من مخاطر الأسلحة ذاتية التحكم. ففي الفيلم، تقوم مجموعات متجولة من طائرات الذكاء الاصطناعي المسيرة والمسلحة ذات التكلفة المنخفضة باستخدام تقنية التعرف على الوجوه لتعقب وقتل الأهداف.
وقال راسل إن ما يحدث في أوكرانيا يدفعنا نحو هذا المستقبل البائس، وأضاف أنه يشعر بأنه مطارد بالفعل بمقاطع فيديو أوكرانية للجنود الذين تلاحقهم طائرات مسيرة مسلحة يقودها بشر. وغالبًا ما تكون هناك نقطة يتوقف عندها الجنود عن محاولة الهرب أو الاختباء لأنهم يدركون أنهم لا يستطيعون الهروب من الطائرة المسيرة.
وقال راسل: “لا يوجد مكان يمكنهم الذهاب إليه؛ لذا ينتظرون فقط الموت”.
ليس وحده يخشى أن تكون أوكرانيا نقطة تحول. ففي فيينا، قال أعضاء لجنة من خبراء الأمم المتحدة إنهم قلقون أيضًا بشأن تداعيات التقنيات الجديدة التي يتم تطويرها في أوكرانيا.
لقد أمضى المسؤولون أكثر من عقد في مناقشة القواعد المتعلقة باستخدام الأسلحة ذاتية التشغيل، لكن القليل يتوقع أن يضع أي اتفاق دولي قوانين جديدة، لا سيما مع دخول الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وروسيا ودول أخرى سباق تطوير أسلحة أكثر تطورًا. ففي أحد البرامج الأمريكية التي تم الإعلان عنها في آب/ أغسطس، والمعروف بمبادرة “ريبليكاتور”، قالت وزارة الدفاع إنها تخطط لإنتاج آلاف من الطائرات المسيرة ذاتية التشغيل على نطاق واسع.
وقال ألكسندر كمنت، كبير مفاوضي النمسا بشأن الأسلحة ذاتية التشغيل في الأمم المتحدة: “إن الجغرافيا السياسية تجعل من المستحيل استخدام هذه الأسلحة؛ حيث سيتم استخدامها في الترسانة العسكرية تقريبًا للجميع.”
وقال إنه لا يتوقع أحد أن تقبل الدول حظرًا شاملاً لهذه الأسلحة، لكن يجب تنظيمها بطريقة تمنعنا من الوصول إلى كابوس مطلق.
ولقد ضغطت مجموعات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل وضع قواعد ملزمة قانونًا تحظر أنواع معينة من الأسلحة ذاتية التشغيل، وتقيد استخدام أنواع أخرى وتفرض مستوى من التحكم البشري على قرارات استخدام القوة.
وبالنسبة للعديدين في أوكرانيا، فإن الجدل نظري؛ حيث إنهم غير متكافئين في القوة وخارج الحسابات.
وقال فيدوروف، وزير التحول الرقمي: “نحن بحاجة للفوز أولاً،. وللقيام بذلك، سنفعل كل ما في وسعنا لتقديم الأتمتة إلى أقصى حد لإنقاذ حياة جنودنا.”
الكاتبان: بول موزور وآدم ساتاريانو
المصدر: نيويورك تايمز