هي ليست دولة حقيقية بالمفهوم السياسي إنما هي فلسفة إدراكية أمتلأت بها بعض العقول المستبدة وشربتها قلوبهم من ذات النبع المريض ، وهما حسبوا أن الجدران تبني دولة أو تصنع قوة أو تُكسب منعة او تمنع غضبة .. فأشادوا جدران السجون كأنهم ينحتون في الجبال أيات حكمهم وحصنوا بيوتهم بألف سور كأنهم يستمدون قوتهم من بأس الجدار المنعكس من بأسهم الساري بينهم وبنوا الأسوار العجاب بين الميادين ظنا انها تمنع الثوار من دخولها وأقاموا علي الجامعات الخراسانات والأسلاك ظنا انها تخيف الطلاب أو تكسر عزمهم .
دولة قامت على الظن بأنهم مانعتهم حصونهم من الله لا يقاتلون الثوار إلا من وراء جدر تحسبهم جميعا وقلوبهم -لو دققت- شتى يتناسون أنهم أينما يكونوا يدركهم الموت ولو كانوا في أبراج مشيدة والثورة للمستبد كالموت للنفس تدركه ولو تحصن بألف سور ولو تمترس بألف دبابة ولو غيب ألف ألف ثائر خلف جدران خوفه لصار لهم من خلف الاسوار ثورة فالثائر يبحث عن الجدار كي يهدمه فما بالك إذا غيبته خلفه .. حقيقة سينفجر.
ظن العالم أن بعد هدم جدار برلين ان هذه العقلية المريضة التي تحسب بالجدران تُقسم الشعوب وتُفصل النفوس قد إندثرت إلا أن عقيدة الإستبداد واحدة ودولة الجدران واحدة بكل غباءها وعنجهيتها وحقيقتها انها زائلة فالدولة التي تبني علي جدر غير ذي جذر لا قرار لها مجرد جدر على شفار جرف هار لايلبث إلا أن ينهار به في نار جهنم وجهنم المستبد هي الثورة .
وحقيقة ما دفعني للكتابة عن دولة الجدران هو لحظات قليلة تأملت فيها هدم جدار الأزهر الذي بني لمحاصرة الطلاب بجامعتهم العريقة بمباركة شيوخ ظنوا أنفسهم أجلاء إلا أنهم ورثوا على شيب عقولهم عقول بني إسرائيل فكأنما هم ورثة حمرها التي تحمل الأسفار وإن المتأمل معي لهذا المشهد سيدرك جيدا انه سيتكرر قريبا بذات التفاصيل وربما بذات الشباب البديع مع جدار أخر علي أعتاب ميدان قديم يدعي التحرير .. ومرة ثالثة في جدران اسمها حدود زائفة ومرة (رابعة) في جدار عازل بني على أرض محتلة .. إنها مسألة وقت ووعي .. الوعي ينمو والوقت يقترب وسياسة الجدران إلى زوال وأينما تكون أنظمة الجدران تدركها الثورة ..
ولو كانت أبراجها .. -وهما- مشيدة .