الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة للجزائر، سأله بعض الصحفيين: هل تعتبر أن الأتراك احتلوا الجزائر؟ قال أردوغان: لو أن ما تقوله صحيحًا؛ لكان سؤالك لي باللغة التركية وليس بالفرنسية!
الرد المتقن على الأسئلة المحرجة فن، ويمكن لك أن تتدرب عليه؛ فهو أحد النقاط المعززة للثقة بالنفس
يحرص البعض على إحراج الناس، ربما من باب الاستعراض أو الاختبار. الشخصيات العامة تتعرض لأسئلة محرجة كثيرة، وتتنوع ردود أفعالهم بحسب الثقافة وسرعة البديهة. أن يمتلك المرء قوة في الرد تعادل قوة السؤال؛ فهذا يقلل من الأسئلة المحرجة له بدرجة كبيرة، أما لو كان الجواب أقوى من السؤال، فعندها يصعب توجيه سؤال محرج لهذا الشخص، وهذا ما نعرفه اليوم “قصف جبهة”.
في رد أردوغان على الصحفي إفحام واضح، قطع أردوغان على الصحفي توجيه الأسئلة المفخخة. الرد المتقن على الأسئلة المحرجة فن، ويمكن لك أن تتدرب عليه؛ فهو أحد النقاط المعززة للثقة بالنفس. سرعة البديهة تلعب دورًا مؤثرًا في الجواب المفحم، وترفع الشخص مرتبة فوق أقرانه، وقد سئل أعرابي: أين ربّك؟ فأجاب من فوره: بالمرصاد. جواب الأعرابي غاية في الإتقان وحضور الذهن، مع الإيجاز البليغ.
ربما يحتاج المرء للإسهاب في الرد على سؤال: أين ربك؟ أما الأعرابي فأوجز وأفحم سائله، وهذا ما يبحث عنه الكثيرون في تعاملاتهم اليومية. قد تتعرض لسؤالٍ ما ويعتصر الضيق قلبك، تحاول جاهدًا أن ترد على السؤال دون طائل، ثم تعود لبيتك فتنهال الإجابات عليك من كل حدب وصوب! عندها تقول في نفسك ساخرًا: ما الفائدة من هذه الردود الآن! “بعد العيد ما يتفتلش كحك”.
الناس تثق في الذين يتحدثون بثقة، ومن بواعث الثقة الرد على الأسئلة المحرجة وغير المتوقعة. تعزيز مهارة “قصف الجبهة” يساعدك في الظهور بمظهر الواثق من نفسه
لكن المدهش في الأمر هو أن باستطاعتك توظيف هذا الموقف لتعزيز قوة الجواب. اقرأ كثيرًا عن الردود المفحمة والأجوبة الذكية، ثم تمرّن عليها دون ملل، واجتهد في توظيف هذه الردود في حياتك اليومية، وبهذا تتحسن قدراتك على إتقان الردود. ليس المقصود من امتلاك فن الردود الذكية أن تستعرض قدراتك، بل المراد أن ترفع من ثقتك بنفسك وأن تصبح محاورًا لبقًا ومتحدثًا يثق الناس فيه.
الناس تثق في الذين يتحدثون بثقة، ومن بواعث الثقة الرد على الأسئلة المحرجة وغير المتوقعة. تعزيز مهارة “قصف الجبهة” يساعدك في الظهور بمظهر الواثق من نفسه، وعندها ينجذب الناس إليك ويقبلون عليك. قصف الجبهة مهارة تحتاج لبذل الكثير من المجهود، ويتعين عليك الاستماع الجيد لما يقال، وألا تغضب من السؤال؛ فأحضر الناس جوابًا من لم يغضب، ثم تجيب بثقة وهدوء. يظن البعض أن قصف الجبهة يكون في المواقف العدائية؛ فيصاحب تلك المواقف التشاحن والتحفز لإبطال حجة الخصم، ولكن النظرة الثاقبة ترشدنا لأهمية فن الرد مع الأهل والأصدقاء والزملاء.
هناك من يتوهم أن الحديث الطويل دلالة على الثقافة، في حين أن الإيجاز أنسب لروح العصر، وأسهل في تذكر المعلومة
كان معاوية بن أبي سفيان يحب عقيل بن أبي طالب، فدخل عقيل وقد كف بصره على معاوية، فأجلسه على سريره ثم قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم! فقال عقيل: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم. هذا الرد الخاطف تطرب له الأنفس؛ لأنه امتلك مقومات الرد البليغ المتقن والمفحم في ذات الوقت.
اليوم ترى على الشاشات من يتحدثون لساعات دون فائدة، وربما يجيب أحدهم بإسهاب عن سؤالٍ ما دون أن يقدم إجابة لها علاقة بالسؤال من الأساس! هناك من يتوهم أن الحديث الطويل دلالة على الثقافة، في حين أن الإيجاز أنسب لروح العصر، وأسهل في تذكر المعلومة؛ فالاختصار يساعدك على التركيز، وعندها يكون جوابك قد أصاب المفصل. يُحكى أن رجلًا جلس أمام حلّاق، وكان الحلّاق ثرثارًا؛ فسأل الرجل: كيف تريد أن أحلق شعرك؟ فأجابه الرجل: في صمت.