استدعى روبرت مولر المحقق الخاص التابع لوزارة العدل الأمريكية الرئيس دونالد ترامب لطلب وثائق تتعلق بأعماله التجارية في روسيا ومعرفة مزيد من المعلومات عن استقالة المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” ومستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، متجاوزًا خطًا أحمر رسمه ترامب في وقت سابق بقوله إنّ أي تحقيق بشأن شؤونه وشؤون عائلته المالية غير مرتبط بروسيا يعني “انتهاكًا يتجاوز فيه مولر الخط الأحمر”.
نقلت سي إن إن في وقت سابق أن رجل الأعمال الأمريكي جورج نادر – المرتبط بلقاءات سرية بين دولة الإمارات وأشخاص مرتبطين بترامب – يتعاون مع مولر، وأن مولر سأل شهودًا عن أنشطة ترامب التجارية في روسيا قبل ترشحه للرئاسة بما في ذلك محاولته بناء “برج ترامب” في موسكو، كما نقلت عن سام نانبرغ المساعد السابق لترامب أنه يعتقد أن المحققين مهتمون بمعرفة المزيد عن مسابقة ملكة جمال العالم في موسكو في 2013 التي كان يملكها ترامب.
محامو ترامب يحثّونه على عدم الاستجابة ويبدو أن ترامب يستجيب لنصيحتهم حتى الآن، كما يمكنه اللجوء إلى المحكمة العليا لتأجيل إجابته للتحقيق
ما زال التحقيق الفيدرالي الذي تولى مولر الإشراف عليه في مايو 2017 مستمرًا منذ الشهر الأخير لولاية أوباما أكتوبر 2016، وفي شهادة أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بفبراير 2018، أكد قادة ستة أجهزة استخباراتية أمريكية بالإجماع التدخل الروسي للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، فيما أكّدت ثلاثة مصادر مطلعة على تفكير الرئيس ترامب لقناة سي إن إن أنّ ترامب ما زال غير مقتنع بالتدخل الروسي لأن من شأن ذلك إثبات عدم فوزه بالانتخابات بجدارة.
أدان مولر حتى فبراير 2018 خمسة أشخاص بتقديم اعترافات كاذبة في التحقيق: المساعد في حملة ترامب الانتخابية جورج بابادولوس ومايكل فلين والمواطن الأمريكي ريتشارد بينيدو والمحامي الهولندي أليكس فان در زوان ونائب رئيس حملة ترامب ريك غيتس، وفي أكتوبر 2017 سلّم رئيس حملة ترامب بول مانافورت نفسه لفريق مولر معترفًا بتقديمه إفادات كاذبة.
يمكن لمولر طلب الحديث إلى الرئيس من خلال استدعاء رسمي، ومن الحوادث القريبة تاريخيًا في هذا الصدد استدعاء الرئيس نيكسون في عام 1974 للتحقيق الذي أجبره على تسليم تسجيلات صوتية للتجسس على الحزب الديمقراطي فيما عُرِف بقضية “ووترغيت”، والرئيس كلينتون في عام 1998 بشأن قضية علاقته غير الشرعية بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي.
محامو ترامب يحثّونه على عدم الاستجابة ويبدو أن ترامب يستجيب لنصيحتهم حتى الآن، كما يمكنه اللجوء إلى المحكمة العليا لتأجيل إجابته للتحقيق، وقد كشف تقرير لنيويورك تايمز يوم الخميس الماضي استدعاء مولر لشركة ترامب العملاقة “منظمة ترامب” (Trump Organization) لتسليم وثائق متعلقة بروسيا، وذكر أن محاميي ترامب يفاوضون مكتب مولر حاليًّا بشأن كيفية إدارة اللقاء المحتمل بين ترامب ومولر.
يستطيع ترامب محاولة نقض الاستدعاء في المحاكم الفدرالية، ورغم أن ذلك قد يطيل مهمة مولر إلى شهور، فإن نقض الرئيس للاستدعاء لم يسبق في التاريخ الأمريكي
ظهرت مشكلة استدعاء قاضٍ لرئيس أمريكي على رأس عمله في وقت مبكر من عمر الولايات المتحدة، وقد رأى الرئيس توماس جيفرسون أن القرار الأخير للامتثال للاستدعاء يجب أن يعود للرئيس، وإلا “فإنّ المحاكم ستتقاذف الرئيس فيما بينه، مما يمنعه من أداء واجباته الدستورية”.
موقع فوكس (Vox) تحدّث إلى عدد من المستشارين القانونيين بشأن الصلاحيات التي يملكها مولر لاستدعاء ترامب للإدلاء بشهادته، وما إذا كان الصراع بين البيت الأبيض وفريق مولر سينتهي أمام المحكمة العليا، وكيف ستنظر المحكمة في القضية، وتلخصت آراؤهم فيما يلي:
– هناك احتمال كبير أن يتم استدعاء الرئيس مثل أي شخص آخر من هيئة محلفين كبرى في قضية جرمية وتجب عليه إجابة الدعوة، فيما يشبه قضية الرئيس كلينتون التي اتّهم فيها بالتحرش الجنسي، على ألا يعيق ذلك – وفق كيث ويتينغتون أستاذ السياسات في جامعة برينستون – أداء الرئيس لمهامه.
قانونيًا يستطيع الرئيس كأي شاهد في قضية استدعاء التعديل الخامس للدستور لحماية نفسه من “التجريم الذاتي” self-incrimination، إلا أن لذلك مخاطر سياسية باعتباره الرئيس وليس شاهدًا عاديًا
– يستطيع ترامب محاولة نقض الاستدعاء في المحاكم الفدرالية، ورغم أن ذلك قد يطيل مهمة مولر إلى شهور، فإن نقض الرئيس للاستدعاء لم يسبق في التاريخ الأمريكي، وترى سوزان بلون أستاذة القانون في جامعة جورج تاون أنّه في حال حدوث ذلك فإن الخيار الوحيد المتبقي لمقاضاة الرئيس محاكمته أمام مجلس الشيوخ impeachment وهي عملية سياسية لا يمكن أن يضطلع بها سوى الكونغرس.
– يملك الرئيس اللجوء إلى المحكمة العليا لتأجيل حديثه إلى مولر، ولا تنص اللوائح المنظمة لعمل المحكمة العليا على استثناء أو حصانة للرئيس، وقد طالب كلينتون سابقًا بتعليق قضية لوينسكي حتى انتهاء فترته الرئاسية إلا أن المحكمة العليا رفضت ذلك ورأت أنّ الرئيس ليس محصنًا بالمطلق ضد الدعاوى المدنية على جرم ارتكبه قبل توليه منصبه، بل على العكس حصانة الرئيس تكون في حالات استثنائية فقط.
– تحقيق مولر جرمي وليست قضية مدنية مثل حالة كلينتون مما يجعل استدعاءه أدعى للإجابة من ترامب.
لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي أعلنت تأكّدها من عدم توصل تحقيقها إلى وجود علاقة بين حملة ترامب الرئاسية وروسيا إبان الانتخابات الرئاسية في 2016
– قانونيًا يستطيع الرئيس كأي شاهد في قضية استدعاء التعديل الخامس للدستور لحماية نفسه من “التجريم الذاتي” self-incrimination، إلا أن لذلك مخاطر سياسية باعتباره الرئيس وليس شاهدًا عاديًا.
– قد يثير استدعاء الرئيس حساسيات دستورية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولذلك فضّل رؤساء سابقون مثل بيل كلينتون وجورج دبليو بوش ورونالد ريغان التعاون طوعًا مع التحقيق لتفادي الإجبار القانوني، ولكن الرئيس ترامب استهان بتقليد فصل السلطات ولذلك ربما تتحول القضية إلى مواجهة دستورية.
كلينتون تحاشى ذلك بطلب تقديم شهادته طوعًا بشرط أن تكون من خلال مكالمة فيديو بدلًا من المثول أمام محكمة، وقد قبل المستشار في ذلك الحين كين ستار ذلك مقابل ألا يتحدى كلينتون طلب الاستدعاء دستوريًا.
وفيما تظل استجابة ترامب للاستدعاء من عدمها غير واضحة حتى الآن، لا يمكن الجزم بما قد يصل إليه التحقيق بالنظر إلى أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي أعلنت تأكّدها من عدم توصل تحقيقها إلى وجود علاقة بين حملة ترامب الرئاسية وروسيا إبان الانتخابات الرئاسية في 2016 رغم اعتراض أعضاء ديمقراطيين في اللجنة على هذه النتيجة، فإن تحقيق مولر منفصل عن تحقيق اللجنة ولا أحد يعرف ما يخبئه وما توصل إليه.