ترجمة وتحرير: نون بوست
لم تحقق زيارة ولي العهد السعودي إلى لندن، التي انتظرها بشغف، الآمال التي كان يحملها. في الواقع، كان من المفترض أن تضفي هذه الزيارة مصداقية على المكانة التي يحظى بها ولي العهد على الصعيد الدولي، وهو الذي يطمح في أن يتصدّر زعامة أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم ذات يوم.
بدلا من ذلك، تحولت هذه الزيارة إلى هجوم عنيف ضد سياسة المملكة العربية السعودية الوحشية وغير الاحترافية في منطقة الخليج. وقد كانت زيارة محمد بن سلمان، التي استمرت لثلاثة أيام في المملكة المتحدة، وبدأت في السادس من آذار/ مارس الجاري، تهدف إلى تعزيز صورة بن سلمان كقائد للمملكة، فضلا عن تقوية الشراكة الإستراتيجية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية.
شركاء إستراتيجيون
تعتبر المملكة العربية السعودية المملكة المتحدة بمثابة حليف قديم لها، نظرا لأنها تمثل إحدى الشركاء الإستراتيجيين الرئيسيين للمملكة الوهابية، حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، ومتقدمة بذلك على فرنسا. مع ذلك، سرعان ما خرجت زيارة حاكم السعودية عن مسارها، حيث تعرض لهجوم عنيف بسبب الدور الذي اضطلع به في التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ شهر آذار/مارس سنة 2015، والذي أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين.
بالنسبة للرياض، فقد تحولت هذه الحرب إلى مستنقع مالي كذلك. ففي كل شهر، تبدد المملكة مئات الملايين من الدولارات، أو حتى المليارات، وفقا لبعض التقديرات الأكثر مدعاة للقلق
فبعد ثلاث سنوات من إطلاق عملية عاصفة الحزم، أصبح الوضع في اليمن كارثيا. ولم يقتصر الأمر على فشل الجيش السعودي في إخضاع المتمردين الحوثيين الذين اعتبرهم السعوديون امتدادا مسلحا لنفوذ إيران في شبه الجزيرة العربية، بل قام الثوار كذلك بشن هجمات غير متوقعة على الرياض. وفي عدة مناسبات، نجح هؤلاء في شن هجمات صاروخية على مشارف الرياض، ولا زالوا يلحقون خسائر فادحة بالجيش السعودي، الذي فقد مصداقيته وانهارت معنوياته.
أما بالنسبة للرياض، فقد تحولت هذه الحرب إلى مستنقع مالي كذلك. ففي كل شهر، تبدد المملكة مئات الملايين من الدولارات، أو حتى المليارات، وفقا لبعض التقديرات الأكثر مدعاة للقلق، في حين يواجه الإنفاق المحلي للبلاد عجزا كبيرا. فضلا عن ذلك، تعاني البلاد من ارتفاع نسب البطالة، التي أدت بدورها إلى تواتر الاضطرابات الاجتماعية.
تستخدم القوات الجوية السعودية طائرة نفاثة مصنوعة من قبل شركة “بي أي إي سيستمز” البريطانية
أسفرت هذه الحرب عن وقوع خسائر بشرية هائلة، حيث قُتل أكثر من عشرة آلاف شخص، فضلا عن إصابة الملايين الآخرين بجروح وتعرضهم للتشريد. علاوة على ذلك، تسبب تراجع الإمدادات الغذائية الكارثي في اليمن والخدمات العامة في انتشار الكثير من الأوبئة، على غرار الكوليرا. كما أثار تفشي الأمراض الخطيرة، والمجاعة، والنقص في المياه قلق منظمات حقوق الإنسان، وهو ما دفع بمنظمة الأمم المتحدة إلى وصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها “الأسوأ في العالم”.
زيارة “مجرم حرب”
تندرج المشكلات التي واجهها محمد بن سلمان في لندن في صلب الفشل الذي مُني به التدخل العسكري السعودي في اليمن. وحيال هذا الشأن، دعت منظمات حقوق الإنسان العديدة إلى تنظيم مسيرات احتجاجية ومنتديات وغيرها من التجمعات للتنديد بزيارة “مجرم الحرب”. ولهذا السبب، احتشد الكثير من النشطاء بالقرب من وستمنستر، أين يقع مقر البرلمان البريطاني.
فضلا عن ذلك، نشر 17 نائباً بريطانيا مقالة افتتاحية انتقدوا من خلالها المملكة العربية السعودية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، ويُطالبون فيها بوقف مبيعات الأسلحة البريطانية للنظام الملكي للدولة الخليجية. من جانبه، استنكر زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين، بشدة دعم تيريزا ماي المضلل لسياسات ولي العهد السعودي. ومن وجهة نظر زعيم المعارضة، لا ينبغي التضحية بقيم الأمة لمجرد أن رئيسة الوزراء ترغب في التغطية على التداعيات المتنامية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من خلال تطوير علاقة مميزة مع القوة النفطية السعودية.
يتمثل كل ما نعرفه في أن الحكومة البريطانية كانت تأمل في إقناع الأمير السعودي باختيار لندن عوضاً عن نيويورك، وهي المدينة التي سيقوم بزيارتها قريباً ضمن جولة موسعة للولايات المتحدة الأمريكية
في الحقيقة، يمثل ذلك أحد الأسباب غير المعلن عنها لزيارة ولي العهد السعودي للمملكة المتحدة، إذ تأمل بريطانيا في الحصول على حصة من الاستثمارات السخية الذي تستعد السلطات السعودية للمضي قدما فيها. في المقابل، مثلت المناقشات السرية حول طرح شركة النفط الحكومية والعملاقة “أرامكو” للاكتتاب العام، الجزء الأهم من هذه الزيارة، التي كانت متعلقة أيضاً ببيع الأسلحة.
رؤية 2030
رحّب الائتلاف الأوروبي المصنّع للطائرات النفاثة المقاتلة، وشريك مجموعة “بي أي إي سيستمز” البريطانية، بمذكرة النوايا الموقعة مع الرياض لشراء 48 طائرة مقاتلة. وجاء هذا الإعلان، الذي من المتوقع أن تنجر عنه صفقة تفوق قيمتها 10 مليارات دولار، في ختام زيارة الأمير السعودي للمملكة المتحدة.
في الأثناء، يسعى محمد بن سلمان ومستشاروه إلى استقطاب الإستثمارات الأجنبية باعتبارها واحدة من محاور رؤية 2030، التي تعد خطة طموحة لتحويل اقتصاد المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد ليبرالي عبر خصخصة الشركات الحكومية. ومن المقرر أن يتم طرح أسهم شركة النفط العملاقة السعودية “أرامكو” للاكتتاب العام في وقت لاحق من هذه السنة أو أوائل سنة 2019، الذي من المتوقع أن يجعل قيمتها تبلغ 2000 مليار دولار، بالإضافة إلى تعويم 5 بالمائة من أسهم الشركة التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار. ولا تزال البورصة التي سيتم طرح أرامكو فيها، من بين التفاصيل التي لم يقع توضيحها بعد.
في الواقع، يتمثل كل ما نعرفه في أن الحكومة البريطانية كانت تأمل في إقناع الأمير السعودي باختيار لندن عوضاً عن نيويورك، وهي المدينة التي سيقوم بزيارتها قريباً ضمن جولة موسعة للولايات المتحدة الأمريكية. ونظراً لعدم تلقيه الترحاب الذي كان ينتظره في المملكة المتحدة، فمن غير المحتمل أن يحظى ولي العهد السعودي بذكريات جيدة عن الطقس السيء في لندن.
المصدر: ميدل إيست آي