أدَّت الحكومة المصرية الجديدة بقيادة مصطفى مدبولي، اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء 3 يوليو/تمًوز 2024، وسط الكثير من التساؤلات حول ما شهدته من مفاجآت في الأسماء الراحلة والأخرى القادمة في التشكيلة الجديدة التي تضمنت الإطاحة بحقائب كانت خارج التوقعات، على رأسها وزيري الدفاع والخارجية.
وشهد التعديل الوزاري الجديد، المثار بهالة من الجدل، تغيير 20 وزيرًا واستمرار 8 وزراء، بجانب نقل وزيرين لحقائب أخرى، ودمج عدد من الحقائب، فيما شهدت الوزارات السيادية مجزرة غير تقليدية منذ تدشين دولة الثالث من يوليو/تمًوز 2013، هذا بخلاف استبعاد بعض الأسماء التي ارتبط اسمها بالسيسي منذ توليه السلطة مثل وزراء الأوقاف والكهرباء والخارجية.
وبالتوازي مع هذا التعديل الوزاري شهدت حركة المحافظين هي الأخرى تغيرات جذرية، حيث هيمنت الخلفية العسكرية والشرطية على خارطة المحافظين الجدد ( 16 محافظ لواء وفريق+ 10 مدنيين) هذا بخلاف الأسئلة المثارة حول معايير الاختيار سواء للوزراء أو المحافظين ونوابهم، إذ تعرضت تلك الاختيارات لسخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين تساءلوا عن تلك المعايير وما إذا كانت بالكفاءة أو بالعلاقات الشخصية.
يتزامن هذا التعديل الوزاري وحركة المحافظين مع الذكرى الحادية عشر لانقلاب الثالث من يوليو/تمًوز، والتي تأتي وسط احتقان شعبي متصاعد وغضب جماهيري مكتوم بسبب جحيم الأسعار وانقطاع الكهرباء وإثقال كاهل المواطن بالمزيد من الأعباء في ظل ظروفه المعيشية الصعبة، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول دوافع تلك الخطوة في هذا التوقيت.
الإطاحة بشركاء العسكر
أبرز التغيرات التي شهدها هذا التعديل وأثارت ضجة كبيرة كانت الإطاحة بأخر شركاء السيسي في انقلاب الثالث من يوليو/تمًوز، وزير الدفاع محمد زكي، الذي كان يشغل منصب رئيس الحرس الجمهوري إبان حكم الرئيس محمد مرسي، وكان له دورًا محوريًا في القبض عليه واعتقاله، كذلك رئيس الأركان أسامة عسكر الذي كان عضوًا في المجلس العسكري في 2013.
بإطاحة بزكي وعسكر من منصبيهما داخل المؤسسة العسكرية، يكون السيسي قد تخلص تماما ونهائيًا من كافة شركاءه في الانقلاب، ممن ساعدوه في تنفيذ مخطط الإطاحة بمرسي ونظامه، وهي الخطوة التي فرضت الكثير من علامات الاستفهام حول دوافعها الحقيقية في هذا التوقيت.
كما أن الاستعانة بأحد قادة الجيش السابقين، ومن خارج المجلس العسكري الحالي، لقيادة وزارة الدفاع، وهو اللواء عبدالمجيد صقر، الذي ترك الخدمة في المؤسسة العسكرية منذ أكثر من 6 أعوام، وكان يشغل منصب محافظ السويس عام 2018، مسألة هي الأخرى مثيرة للجدل، حيث جرى العرف على ترقية أحد قادة الجيش الحاليين لتولي الوزارة، في حين لم يُعرف في دولة ما بعد يوليو/تمًوز 1952 أن تولى وزارة الدفاع أحد خارج الخدمة في المؤسسة العسكرية.
وتتباين التفسيرات المختلفة حول قراءة هذا القرار، البعض يرى أن السيسي يحاول البحث عن ولاء شخصي مطلق من وزير الدفاع القادم من خارج المؤسسة العسكرية، وبالتالي لن يكون له نفوذ داخل الجيش بما يمثل تهديدًا له مستقبلا، وهناك من يرى أن نفوذ زكي وعسكر المتزايد داخل المؤسسة العسكرية ربما كان السبب وراء استبعادهما من منصبهما، حيث تميل الأنظمة السلطوية إلى أن قادة الجيش ذوي النفوذ الكبير يمثلون تهديدا للحاكم.
فيما هناك رأي ثالث يرى أن الحالة الصحية لوزير الدفاع المقال ربما تكون السبب وراء استبعاده، لكن هذا الرأي ربما يصطدم بحالة عسكر التي لم يثبت عنه تردي في حالته الصحية.
وفي المقابل هناك من يستبعد كل تلك القراءات لافتا إلى أن المرحلة الحالية تتطلب دماء جديدة لا أكثر، مستدلين على ذلك بقرارات السيسي الشرفية التي منح بها الفريق محمد زكي منصب مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع وأسامة عسكر مستشارًا للشؤون العسكرية، وهي المناصب التي يعلم المصريون جميعا دوافعها الحقيقة فهي بوابة الخروج مع حفظ ماء الوجه كما حدث مع عشرات القيادات قبل ذلك.
وزراء غير مؤهلين
الأسماء التي تضمنها التشكيل الوزاري الجديد والسير الذاتية الخاصة بهم، كذلك حركة التنقلات الوزارية بين الحقائب، أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شهدت عددًا من الشواهد والمؤشرات التي حولت هذا التعديل من خطوة منتظرة يترقبها الشارع المصري إلى مادة للسخرية والتندر.
كامل الوزير.. سوبر مان الحكومة: فوجئ المصريون في التشكيل الجديد بضم حقيبة الصناعة لوزير النقل كامل الوزير، الذي يحظى بثقة السيسي بشكل كبير، وأحد أبرز المقربين له سواء حين كان داخل المؤسسة العسكرية أو في السلطة السياسية، هذا بخلاف تعيينه نائبًا لرئيس الوزراء.
المثير للسخرية أن كامل الوزير وتعليقا على ضم حقيبة الصناعة له، قال إنه سيقسم وقته بين الوزارتين، من الساعة 8 صباحا وحتى الـ 3 عصرًا للصناعة ومن الـ 3 عصرًا وحتى الـ 10 مساء لوزارة النقل، وهو التعليق الذي أثار موجة سخرية عالية على منصات التواصل الاجتماعي.
وتساءل الكثير من المصريين عن دوافع اختيار الوزير لحقيبة الصناعة، وعن خبراته الصفرية في هذا المجال، فالرجل كان رئيسًا للهيئة الهندسية في القوات المسلحة قبل تعيينه وزيرًا للنقل، أي أن كل خبراته محصورة في بناء الطرق والكباري، وهو ما يتناسب مع وزارته الحالية، ومن ثم ليس هناك مبرر لاختياره للصناعة ذات الأهمية القصوى في الاقتصاد الوطني في هذا الوقت الحرج، سوى علاقته الشخصية بالسيسي كونه رجل ثقة بالنسبة له في المقام الأول، هكذا يقول المصريون.
ثم كيف لرجل لا يعترف بالحوار والمفاوضات بحكم تربيته العسكرية البحتة أن يدخل في نقاشات ومفاوضات الصناعة ورجال الأعمال والاستثمارات، ثم كيف له أن يلتزم بسياسات تخارج القوات المسلحة من الاقتصاد ومنح القطاع الخاص الفرصة الكاملة كما تضمنت خطة الإصلاح الذي قدمتها الحكومة لصندوق النقد الدولي للحصول على القروض اللازمة.. علامات استفهام عدة بدأت تطل برأسها باحثة عن إجابة.
وزير التعليم.. سيرة ذاتية هشًة وتشكيك في الدكتوراه: كان اختيار محمد عبداللطيف وزيرًا للتعليم هو الأخر نقطة جدل كبيرة، فالرجل لا يمتلك أي مؤهلات تقوده إلى هذا المنصب الحيوي والحساس كما قال خبراء متابعون وخبراء ومحللون، فكل ما يمتلكه في سيرته أنه حفيد المشير أحمد إسماعيل، وزير الدفاع المصري الأسبق، ويدير مدارس خاصة مملوكة لوالدته.
حتى شهادة الدكتوراه، التي قال إنه حصل عليها من جامعة تسمى “كارديف سيتي” في الولايات المتحدة، كانت محل شك، حيث قالت مصادر متخصصة في التحقق من المحتوى الإلكتروني أنها جامعة وهمية وعبارة عن صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي وليس لها مقر أو هيئة تدريس، وأنها فقط تبيع الشهادات العلمية المزورة، من بينها درجة الدبلومة بقيمة 5000 دولار، ودرجة البكالوريوس بقيمة 8000 دولار، ودرجة الماجستير بقيمة 8000 دولار، ودرجة الدكتوراه بقيمة 10000 دولار.
وزير الخارجية.. شكوك في النزاهة واتهامات بالجملة: أحدث اختيار سفير مصر في الاتحاد الأوروبي، بدر عبد العاطي، وزيرًا للخارجية صدمة بالنسبة لمن يعرف الرجل عن قرب، فالرجل يواجه اتهامات بالاختلاس والتجسس على المصريين المعارضين بالخارج.
وكانت بعض المواقع الصحفية قد نشرت عن عبد العاطي، الذي بدأ مسيرته الدبلوماسية سكرتير ثالث في السفارة المصرية في تل أبيب وشغل منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في 2013 ثم سفير مصر في ألمانيا عام 2015، بأنه متهم باختلاس بعض مقتنيات السفارة المصرية في برلين في 2017، من بينها سجادة تراثية ولوحة زيتية، تصل قيمتهما إلى ربع مليون يورو، كما اشترى سيارة ماركة “مرسيدس” على نفقة السفارة ثم سجلها باسمه الشخصي.
ويتهم الرجل، كما نقلت صحيفة “الموندو” الإسبانية، بالتجسس على الباحثين والمعارضين المصريين في ألمانيا، وكتابة تقارير سرية عنهم للسلطة في مصر، واستشهدت الصحيفة بحالة الباحث المصري إسماعيل الإسكندراني الذي تم القبض عليه بعد عودته لمصر، حيث كان في زيارة بحثية أكاديمية لبرلين، وهذا بخلاف ما أثير حول تجنيده لأحد الموظفين في مكتب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل للتجسس لصالح المخابرات المصرية، وهي القضية التي كشفت عنها المخابرات الألمانية في يوليو/تموز 2020.
وزراء تضارب المصالح: بعض الوزراء المختارين في التشكيلة الحكومية الجديدة يجمعون بجانب عملهم الوزاري في شركات أو هيئات أخرى في القطاع الخاص، وهو الجمع الذي قد يُحدث تضاربًا في المصالح، لاسيما وإن كانت الشركة أو الكيان الذي يعمل به الوزير يتقاطع في نشاطه مع الوزارة التي يرأسها
ومن أبرز وزراء تضارب المصالح في الحكومة، وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، والتي ضُم إليها وزارة التخطيط كذلك، حيث عُينت العام الماضي في مجلس إدارة بنك أبو ظبي، كذلك وزير المالية الجديد، أحمد كجوك الذي يعمل عضو مجلس إدارة غير تنفيذي في مجموعة طلعت مصطفى القابضة كممثل لشركة مصر للتأمين منذ فبراير 2023، ووزير البترول، كريم بدوي، الذي يشغل منصب الرئيس الإقليمي لشركة شلمبرجير العالمية، وكذلك وزير التعليم محمد عبد اللطيف، المدير التنفيذي لمجموعة مدارس نيرمين إسماعيل الخاصة.
ووفق الأعراف ليس هناك من سبيل أمام هؤلاء سوى تقديم استقالتهم من المناصب الأخرى التي يشغلونها، طالما قبلوا بالحقائب الوزارية، حتى لا يحدث تضارب في المصالح وإجهاض لمعايير التنافسية بين الشركات والمؤسسات وإثارة للشكوك في نزاهة القرارات والإجراءات المتخذة.
جمهورية الضباط
في الوقت الذي شهدت فيه التشكيلة الحكومية الجديدة تقليصا نسبيًا للوزراء ذوي الخلفية العسكرية، جاءت حركة المحافظين لتعوض هذا التقليص، وإن كان بمستويات أكثر تطرفًا، حيث شملت 16 محافظ من لواءات الجيش والشرطة، من إجمالي 26 محافظًا، بما نسبته 61.5% من إجمالي المحافظين.
يرسخ هذا الأمر عسكرة الدولة وفكرة تحويل الدولة إلى جمهورية الضباط كما يلقبها البعض، في ظل هيمنة الجنرالات على إدارة محافظات الجمهورية، كذلك الإدارات المحلية للمدن، هذا بخلاف تعيين مستشار عسكري لكل محافظة منذ يوليو/تموز 2020.
كما شهدت تعيينات نواب المحافظين والوزراء تساؤلات عدة هي الأخرى، فمن الوهلة الأولى يتضح أن هناك ميلا لتمكين الشباب، إذ أن معظم النواب وبعض المحافظين من صغار السن ( محافظة البحيرة جاكلين عازر لا يتجاوز عمرها 37 عامًا)، غير أن هذا الأمر يحمل الكثير من التضليل بحسب البعض، حيث يتم اختيار هؤلاء الشباب بعناية فائقة، معظمهم من خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل القادة الذي دشنه السيسي لإعداد أجيال من الشباب المضمون ولاءه للنظام لتولي المسؤولية خلال المرحلة المقبلة، وهو نوع أخر من العسكرة وإن كان بثياب مدني.
مغازلة الشارع
بعيدًا عن الزلزال الذي أحدثته تلك التغيرات على مستوى المؤسسة العسكرية فإن معظم المغادرين للحكومة كان أدائهم محط سخط واستياء من قبل الشارع المصري، في مقدمتهم وزير التموين الذي شهد عهده أكبر نسبة تقليص للدعم في السلع التموينية وعلى رأسها الخبز، كذلك وزير الكهرباء الذي اكتوى المصريين بنيران الحر بسبب انقطاع التيار لساعات طويلة على مدار اليوم، علاوة على القفزات الجنونية التي شهدتها الأسعار في عهده.
بخلاف وزير الأوقاف الذي طالما استفز المصريين بإجراءاته التي أخرجت المساجد عن دورها، مكتفيًا بدور المرشد الأمني ضد كل المنتمين أو المتعاطفين مع الإخوان وغيرهم، وفي الأخير وزير الخارجية الذي لم يستأسد في مسيرته سوى على ميكروفون قناة “الجزيرة” بسبب سد النهضة الذي أنهت أديس أبابا بناءه وأنهت كذلك الملء الرابع وعلى أبواب الملء الخامس الذي يحجب قرابة 64 مليار م3 من حصة مصر من مياه النيل، علاوة على الفشل في معظم الملفات الدبلوماسية التي قزّمت دور مصر الإقليمي والدولي.
لكن رغم هذا الفشل المستمر منذ سنوات، والأداء السيئ الذي زاد من تدني وضعية المصريين، ومطالبات الشارع بتغيير تلك الأسماء بعينها، إلا أن السيسي لم يستجب لأي من تلك المناشدات، وأصر على استمرارهم في الحكومة، خاصة وأن معظمهم جاءوا مع قدومه للسلطة.
ومع تغيير تلك الأسماء اليوم في ظل حالة الاحتقان المتصاعدة التي يشهدها الشارع المصري، بسبب الفشل الواضح على كافة المستويات، تأتي تلك التحركات في إطار مغازلة المصريين ومحاولة تخفيف حدة التوتر وتسكين أوجاعهم مؤقتا، على أمل أن تشهد الساحة تغيرات إيجابية مع تلك الدماء الجديدة.
وفي الأخير يعرف المصريون تمامًا أن الأزمة ليست في الأشخاص ولا في الحقائب الوزارية، لكنها في السياسات وفي المناهج المتبعة، كما يعلم الجميع أن الرئيس هو صانع القرار الوحيد والنهائي، وأن أي وزير مهما بلغت كفاءته ودرجة استقلاليته لا يجرؤ على اتخاذ أي قرار دون العودة للرئيس، وكما قال أحد الدبلوماسيين المصريين السابقين فإن الوزراء بلا استثناء هم سكرتارية في مكتب رئيس الجمهورية.