تعتبر الأوبرا واحدة من أرقى أنواع الغناء المسرحي، ولها معجبون ومريدون من كل أنحاء العالم، مما ساهم في انتشارها وتطورها منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن.
الأوبرا بشكل عام عمل درامي موسيقي يتخلله حوار غنائي، وفي هذا المقال نستعرض أحداث بعض أضخم عروض الأوبرا العالمية انتشارًا وشهرة بين جمهورها.
عُطيل
تدور أحداث الأوبرا بين مدينتي قبرص والبندقية وتروي قصة عطيل القائد المغربي الذي أحب ديدمونة ابنة أحد أعيان البندقية “برابانتيو” وتزوجها.
ياجو حامل الراية منافق وحقود يدبر المكائد من أجل إفساد علاقة الزوجين وتحطيم بيت عطيل بيد عطيل نفسه والإيقاع بمساعد عطيل الملازم كاسيو، يضع يا جو خطة ملخصها أن يقنع عطيل بخيانة ديدمونة له مع مساعده كاسيو، ويطلب من زوجته إحضار منديل ديدمونة ويلقيه بغرفة المساعد لتكون الخيانة متلبسة الاثنين بلا ريب.
أحد أبيات الأوبرا يقول فيها ياجو لعطيل:
“إنني كنت بائتًا منذ ليال مع كاسيو
تبينت أن كاسيو يرى حلمًا
سمعته يقول وهو مستغرق في رؤياه: “حبيبتي ديدمونة لنكن حذرين ولنخف حبنا”
وحينئذ يا سيدي أمسك بيدي يشدها ويصيح “يالك من حسناء شهية” ثم طفق يلثمني بقوة
ثم ألقى بساقه على فخذي وتنهد وعانقني وصاح: “لعن الله الحظ الذي وهبك للمغربي”
تحدث بعد ذلك بعض الوقائع لينتهي الأمر بأن يخنق عطيل زوجته ديدمونة البريئة، لتأتي بعد ذلك زوجة ياجو وتكشف الأمر كله وتعترف أن زوجها من حرضها على سرقة المنديل، وأنها كانت تجهل نيته الشريرة تجاه الزوجين، ليقوم بعد ذلك عطيل بطعن نفسه ليموت وهو يقول:
“رجل لم يعقل في حبه، بل أسرف فيه
رجل رمى بيده (كهندي غبي جاهل) لؤلؤة
أثمن من عشيرته كلها
رجل إذا انفعل درت عينه
وإن لم يكن الذرف من دأبها
دموعًا غزيرة كما تدر أشجار العرب صمغها الشافي”
كتب الأوبرا جوزيبي فيردي الموسيقار الإيطالي، وترجم كلماتها نصيًا من مسرحية لويليام شكسبير وانتهى منها عام 1886، وأدهشت الناس والنقاد وقتها، وما زالت حتى الآن تعرض وتحوز إعجاب الكثيرين.
يمكنكم مشاهدتها من هنا:
عايدة
تحكي الأوبرا قصة “عايدة” الأميرة الحبشية التي تقع في أسر الفراعنة وتصبح من جواري الأميرة أمنريس ابنة الملك المصري منفيس، وتتسابق الاثنتان على قلب القائد العسكري رداميس الذي أحب عايدة الحبشية.
تقع الحرب بين الأحباش والمصريين بعد ذلك؛ لتقع عايدة في صراع نفسي بين ولائها لقلبها وولائها لشعبها، خصوصًا عندما يقع والدها في الأسر ويطلب منها استخراج معلومات من القائد رادميس، فتتجسد التضحية التي ستقوم بها حين تخون حبيبها لصالح وطنها.
بعد أن تنكشف خيانة رادميس يحكم عليه الكهنة بالموت في قبر بأحد المعابد، يدخل رادميس وما إن يغلق الباب حتى يجد عايدة وقد سبقته للداخل، لتموت معه ويرددان معًا أغنية في وداع الأرض ومن عليها، وفي نفس الوقت تكون أمنريس تبكي فوق القبر دون أن تعلم وفاة الحبيبين معًا في نفس المكان.
تم اكتشاف مخطوطات أوبرا عايدة من عالم أثار فرنسي، في وادي النيل، والمخطوطة عبارة عن قصة من 4 صفحات، ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي الشهير، وكتب نصها الغنائي (الليبرتو) جيسلا نزوني وبعد ترجمتها سلمت إلى الموسيقار الإيطالي فيردي.
في عام 1870 من أجل تأليف أوبرا عايدة بطلب من الخديوي إسماعيل، وضع فيردي الموسيقى لأوبرا عايدة مقابل 150 ألف فرنك من الذهب، وقد تم تصميم ديكور وملابس العمل في باريس وكلفت 250 ألف فرنك، وأمر الخديوي إسماعيل ببناء دار الأوبرا لتكون جاهزة خلال ستة أشهر في عام 1869، للاحتفال بافتتاح قناة السويس.
صممها مهندسان إيطاليان، وأنشئت الأوبرا بين حي الأزبكية وحي الإسماعيلية، واُستخدم العديد من الرسامين والمصورين لتجميل الدار برسوم وصور لكبار الفنانيين من الموسيقين والشعراء، وبسبب تأخر وصول ملابس وديكور أوبرا عايدة من باريس لم تعرض في الاحتفالية وقدمت فرقة عالمية إيطالية أوبرا “ريجوليتو” على مسرح دار الأوبرا الخديوية وهو الاسم الذي اشتهرت به آنذاك.
كارمن
تعتبر أوبرا كارمن من أكثر الأعمال المثيرة للجدل، فقد كانت أول أوبرا تركز على الطبقات العمالية في فرنسا في ظل انعدام القوانين التي تحدد حقوقهم.
تحكي أوبرا كارمن قصة فتاةٍ غجريةٍ حسناء، متعجرفةٍ، متقلّبة المزاج تدعى كارمن تحاول إغواء الرجال ومنهم دون جوزي “Don José”، الشرطي الإسباني الذي وقع في شراكها، وتدفعه إلى نسيان حبيبة طفولته والتخلّي عن واجباته العسكرية، ويصبح مشغولًا بها في محاولة كسب حبها دون جدوى، وانتهى به المطاف إلى قتلها بسبب غيرته من مصارع الثيران إسكاميلو الذي أخذ قلب الغجرية الحسناء.
صمم موسيقى أوبرا كارمن جورج بيزيه، وكتب كلماتها هنري مايلهاك ولودوفيك هاليفي عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب بروسبر مريميه.
حين عرضت للمرة الأولى عام 1875 لم تلق النجاح المتوقع وسببت إحباطًا كبيرًا لبيزيه، لكن بعد ذلك حققت نجاحًا كبيرًا عالميًا إلى الآن.
لمشاهدة عرض كارمن من هنا:
توسكا
تدور أحداث العرض في روما عام 1800 خلال الغزو الفرنسي لإيطاليا وتحكي قصة الفتاة “توسكا” وحبيبها “كافارادوسي” الذي يخفي صديقه السجين الهارب “أنجيلوتي” من جهة، ورئيس الشرطة “سكاربيا” الذي يصدر أمرًا بالقبض على كافارادوسي وإعدامه.
يأتي ذلك بعد اكتشاف مساعدته للسجين الهارب وتتدخل توسكا لإقناع رئيس الشرطة بالعفو عن حبيبها وتخبره بمكان اختباء أنجيلوتي فيوقع أمرًا بالعفو عن كافارادوسي بعدها تقتله توسكا.
تذهب بعد ذلك لإنقاذ حبيبها وتطلب منه أن يتظاهر بالموت لحظة إعدامه لكنها تكتشف مصرعه بالفعل فتلقي بنفسها من أعلى الحصن.
كتب بوتشيني أوبرا توسكا عام 1899 وعرضت لأول مرة على مسرح كوستازي بروما عام 1900.
من هنا يمكنكم مشاهدة عرض توسكا:
أو فورتيونا
تقرر تجديد أحد الأديرة العتيقة في مدينة قرب ميونيخ الألمانية فوُجدت مخطوطة في هذا الدير الذي يرجع للعصور الوسطى يعتقد أنها كُتبت في العام 1280، تحوي المخطوطة كانتانا أطلق عليها اسم كارمينا بورنا، تحوي تلك التآليف الموسيقية للعديد من المواضيع كالدين والحِكم وأغاني السكارى وأغاني الحب العاطفية والماجنة وتعتبر أفضل حركة معروفة هي القطعة الأولى أو فورتونا أو “آلهة القدر”.
المقطوعة تبدأ بالمناجاة التي تقصد فرتونا إحدى آلهة الرومان، وهي هنا المتحكمة بالمصائر والأقدار، إلهة الحياة بما فيها من متع وويلات، وتتناول القصائد متع الحياة الدنيا في أشكالها الأربعة: الحكم والشباب والخمر والحب والنساء.
وحيث إن عجلة الفورتونا دائرة أبدًا، فلا شيء من المتع والملذات له الأزلية والدوام، ولا يبقى إلا ربة الأقدار تدير عجلتها كيفما تشاء في دورة أزلية في حياة ومصائر البشر، لتختتم هذه المتتالية بذات المقدمة التي بدأت بها.
مدام باترفلاي
في اليابان وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، عاشت فتاة من فتيات “الجيشا” قصة حب مع أحد العسكريين الأمريكيين، أحبته الفتاة بكل ما أوتيت من قوة، ورغم أن هذا ليس من حق فتاة الجيشا، فإنها خالفات القواعد مع هذا الرجل.
طلبت منه الفتاة الزواج، على الرغم من تعاملها مع الأمر بكل جوارحها، الرجل تعامل مع الأمر على أنه مجرد تسلية لحين عودته لموطنه، وبالفعل بعد مدة ليست بالطويلة يعود الزوج لأمريكا تاركًا زوجة محبة وحامل في طفل هو ابنه.
رغم ما تمر به الفتاة من ظروف وإغراءات من حولها، تظل وفية لزوجها رافضة لخيانته ومنتظرة لعودته، وبالفعل يعود بعد ثلاث سنوات، لكنها وجدته عاد مع زوجة أمريكية شقراء، لتجد نفسها في صدمة عنيفة تدفعها لوداع ابنها ثم تطعن نفسها لتموت لحظة دخول الزوج لبيتها وبين يديه، ويكتشف فداحة خطئه، لكن بعد فوات الأوان.
يحوي العرض العديد من الشخصيات الأخرى كعم الفتاة الذي رفض هذه الزيجة والقنصل الذي أشفق على الفتاة المغدورة، لتكتمل أركان تلك القطعة العاطفية بالكثير من المشاعر والانطباعات.
ألف بوتشيني رائعته مدام بترفلاي عام 1904م، وهي مستقاه من مسرحية أمريكية بنفس الاسم، فشلت في بدايتها لكن بعد تعديلات بوتشيني عليها نجحت بشكل كبير ويصفها بوتشينى نفسه بأنها أكثر أوبراته المعبرة والنابعة من القلب.
ريجوليتو
الأوبرا الشهيرة التي تدور في بيت الدوق مانتو الذي يتباهى بمغامراته النسائية وقدرته على الوصول لأي امرأة يريدها، بعد اغتصابه لزوجة الدوق تشبرانو جعل الأمر أضحوكة يتندر بها مهرج القصر “ريجوليتو”، وبعد أن يغتصب الدوق ابنة الكونت مونتروني يتندر به المهرج الأحدب ريجوليتو، فيستمطر الكونت اللعنات على الدوق وعلى خادمه وعلى مضحك الدوق (ريجوليتو) ويدعو عليهم جميعا باللعنات والعار.
تأتي عقدة العرض الأوبرالي حين يظن الحاشية أن الفتاة جيلدا التي يقيم معها ريجوليتو محبوبته، لا أحد يعلم أنها فتاة تبناها ولا تعلم من أبويها، يتعقبها الدوق مانتو ويوقعها في حبه، ويأمر الحاشية باختطافها وبمشاركة ريجوليتو نفسه دون أن يعرف من هي.
إلا أن ريجوليتو يتمكن من تحريرها، ويقرر الانتقام من الدوق فيكلف السفاح سبارافوتشيل بقتل الدوق بعد أن يستدرجه لمقابلة شقيقته الغانية مادلينا، لتشهد جيلدا الرقيقة خيانة الدوق حبيبها الوحيد.
تعود مجددًا من رحلتها إلى مدينة فيرونا بعدما تحطم قلبها فتستمع مصادفة إلى الغانية مادلينا وهي تستحلف شقيقها ألا يقتل الدوق ويقتل بدلاً منه أول من يدخل الحانة، وكعادة المحبين الرومانسيين تقرر أن تضحي بحياتها من أجل حبيبها الدوق رغم خيانته لها، وبالفعل تدخل الحانة فيقتلها السفاح في نهاية مأساوية مفجعة، ليفاجأ ريجوليتو أن ضحية المؤامرة التي حاكها هي ابنته بالتبني جيلدا التي تفارق الحياة بين ذراعيه، وهنا تتحقق لعنة الكونت مونتروني الذي اغتصب الدوق ابنته وسخر منه ريجوليتو، فكما تدين تدان.
ألف موسيقاها الإيطالي جوزي فيردي وصاغها شعرًا فرانشيسكو ماريا بياف وهي مأخوذة عن مسرحية للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو بعنوان الملك يمرح، وعرضت لأول مرة في 11 من مارس 1851.
فيجارو
زواج فيجارو هي أوبرا مستوحاة من رواية لبومارشيه وعُرضت للمرة الأولى في الأول من مايو عام 1786 على مسرح البلاط الإمبراطوري في فيينا وتعتبر أول أوبرا هزلية من نوعها.
تدور الأحداث في قلعة إسبانية تو، والمميز أن الشخصيتين الرئيسيتين ليستا الكونت والكونتيسة وإنما خادمه فيغارو وخادمتها سوزانا اللذين على وشك الزواج، اهتمام الكونت غير الطبيعي بسوزانا يثير انزعاج فيجارو، أيضًا تصرفاته التي تهدف إلى منع هذا الزواج معتمدًا على مكانته كإقطاعي بشكل لا يليق بأسلوب الحياة العصرية.
يتحد الخادم والخادمة بما بينهما من حب حقيقي، مع جهود الكونتيسة المهجورة من زوجها لإفشال مخططاته وفضحه أمام الجميع بطريقة مهينة، وتحقق الخطة نجاحًا كاملاً عبر إذلاله بعد تضاؤل نسب إصلاح سلوكه.
تتضمن الأوبرا حبكة ثانوية بطلتها مديرة شؤون البيت مارسلينا التي تريد الزواج من فيغارو، يساندها في ذلك الكونت وبارتولو الذي تعمل في بيته، يفاجأ الجميع حين يتبين أن فيغارو هو في الحقيقة ابنها مما يساعد في الوصول إلى النهاية السعيدة.
جزء من أوبرا فيغارو بصوت الأوبرالي الراحل لوشيانو بافاروتي:
لا ترافياتا
تعد إحدى المعالجات الفنية للمسرحية الشهيرة (غادة الكاميليا) التي كتبها المؤلف الفرنسي ألكسندر دوما، لاترافياتا كتب نصها الأوبرالي فرانشيسكو ماريا بيافي.
تدور أحداثها في باريس أواخر عام 1840 عن السيدة الجميلة فيوليتا فاليري التي تصاب بالملل من الحياة بسبب مرضها الدائم وشعورها بعبثية الحياة ولذلك تعيش حياة ماجنة حتى تلتقي بالشاب ألفريدو العاشق المتيم الذي أحبها قبل أن تعرفه، ومنحها اهتمامًا لم تره من قبل إلى أن يتدخل القدر في صورة رغبة جيورجيو جيرمونت والد ألفريدو في إنهاء تلك العلاقة التي تسيء لاسم عائلته.
تضحي فيوليتا من أجل حبيبها الذي يظن أنها تركته من أجل رجل آخر، ويرتفع إيقاع الأحداث عندما يلقي أمواله في وجهها ثأرًا لكرامته.
يشتد عليها المرض ويلفظها كل رفاقها باستثناء خادمتها أنينا، ويبقى حبها عزاءها الوحيد، ثم يعود إليها حبيبها بعدما يكتشف حيلة أبيه، وفي أثناء احتضارها تعتقد فيوليتا أنها عادت للحياة منتشية بأنشودة حبها لألفريدو لكنها تفارق الحياة بين يديه.