ليس هذا توفيق عكاشة الذي نعرفه ونريده، شعار فرض نفسه على أغلب محبي أسلوب وطريقة الإعلامي المصري الفكاهية، بعد عودته الجادة أمس عبر اليوتيوب والمختلفة تمامًا عن “إعلام المصاطب” كما كان يطلق عليه هو بنفسه دائمًا، الذي كان يقدمه قبل توقفه، مما أفقد المشهد الإعلامي المصري، روح الدعابة الاستثنائية، وجعله يستقر في واحة الجمود والتصلب الدائر فيها، بعد ابتعاده مؤخرًا عن تيمة المرح التي لازمت بعض أركانه بعد ثورة 25 يناير، وكان عكاشة على رأسها.
يمكن القول إن الظهور الأول لعكاشة، لم يف إطلاقًا بمعرفة مبررات عودته والسر الحقيقي لاختيار التوقيت، وهل سيلحق بإبراهيم عيسي ومحمود سعد في تقديم مواضيع لايت لا علاقة لها بالاشتباك المباشر مع الأحداث السياسية، أم الرجل الذي أطلق على نفسه “مفجر الثورة” قد يظل وقتًا يمهد لعودته، ثم يستغل اليوتيوب للإبحار في موضوعات تخدم مواقفه الشخصية والانتقام مما حدث معه، خلال السنوات الماضية؟
ما قبل الظهور وبعده
وكأنه بيان حرب، هكذا انتظر المصريون وربما العرب إعلان صفحة قناة الفراعين، ما يثبت رسميًا عودة الإعلامي توفيق عكاشة، فالرجل المولود في 24 من يناير 1967، بمدينة نبروه بمحافظة الدقهلية، ويعمل بالإعلام منذ عام 1991، وكان أحد نواب البرلمان عن دائرته في مجلس الشعب 2010، وهو أيضًا أحد مؤسسي حزب “مصر القومي” عقب ثورة مصر 2011، كما ترشح مستقلاً عام 2015، وفاز بمقعد عن الدائرة الرابعة، تربع على عرش الترفيه الإعلامي، وبنكهة خاصة لم يستطيع أحد ملء فراغها حتى الآن.
خلط الكثيرون بين قرار عودة الإعلامي المحبوب للبسطاء، وعودة بث قناة الفراعين المتوقفة منذ ما يقرب من عامين، بسبب الأزمات المادية بينها وبين مدينة الإنتاج الإعلامي والمنطقة الحرة الإعلامية، وهو ما أعلنه حساب القناة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مؤكدًا أنها في طريقها للحل.
بجلباب وسط الزراعات، اختار “مفجر الثورة” الظهور لجمهوره، وبلكنة تختلف تمامًا عن الشكل الذي أراد الخروج به، للتأكيد على انطلاقه من نفس أرضية شعبيته، تحدث عكاشة بشكل جاد ودون إسقاط فكاهي عن إشكاليات الاقتصاد المصري ونسب أزمته المستعصية إلى الشعب المصري نفسه؛ فالرجل يرى أن 103 ملايين مواطن مصري، ما زالوا ينتظرون إعانة الدولة، ويتركون الرئيس عبدالفتاح السيسي، يسبح وحده في جهاد ونضال، بحسب وصفه.
توفيق عكاشة في برنامج كلام جديد 2018 .. الحلقة الأولى كاملة
اكتفينا بالجلوس على مقاعد المتفرجين، حتى نرى الرئيس السيسي كيف يبني قواعد المجد وحده، يعيد عكاشة في برنامجه الذي أسماه “كلام جديد” تأكيد رسالته على أسماع جماهيره التي لا يعرف أحد كيف استقبلوا رسالته الجديدة، وهل الغالبية العظمي من جماهيرة الغفيرة التي تنتمي للطبقات الدنيا والفلاحين، استطاعوا متابعته على شبكة الإنترنت أم لا، المهم أنه تحول من الضرب في عزائم المصريين وتحميلهم مسؤولية أزمات الاقتصاد، إلى توجيه دفته لسيناء التي تمثل سدس مساحة مصر، ولا يوجد فيها سوى مدينة واحدة يمكن العيش فيها، وهي شرم الشيخ، بحسب وصفه، مما أجبر السيسي على إطلاق راية الحرب على الإرهاب في سيناء، وتصدى لها بكل قوة، لكي يطهرها من دنس الإرهاب.
يتابع عكاشة في إطلالته الأولى: “لعلني الأيام الماضية كنت متابعًا لما يحدث في سيناء، فوجدتها حربًا لا تقل عن حرب أكتوبر المجيدة، فالهدف تحويل سيناء لقلعة استثمارية كبرى، وقاطرة للاقتصاد القومي، لتوفير ما لا يقل عن 6 ملايين فرصة عمل”.
ويضيف: وجدت ضرورة في الخروج مجددًا، بعد أن استفزني تقرير المندوب السامي للأمم المتحدة عن مصر، وتشويهه للانتخابات الرئاسية، فهم يريدونها دولة رخوة وفاشلة وغير قادرة على تطبيق القرار أو الالتزام بالنظم واللوائح، فالدخول إلى بوابة مصر بحجة الديمقراطية، خلفه سبب خفي، لكي تتحول بلادنا إلى العراق أو ليبيا أو سوريا أو اليمن.
ويعيد عكاشة الكرة إلى ملعب المصريين: “الكرة أصبحت في ملعبكم وليست في ملعب الرئيس السيسي، إن أردتم مصر دولة مثل سوريا أو العراق أو ليبيا فلا تذهبوا للانتخابات، ولكن لو أردناها دولة حديثة، فعلينا الخروج في الانتخابات”.
واختتم الإعلامي المثير للجدل دائمًا، ظهوره الأول معلنًا تأييده الكامل، لكل القرارات الاقتصادية للرئيس، معتبرًا أن نظام كفالة الدولة ووصايتها انتهت إلى غير رجعة.
ردود فعل تناسب الحدث وصاحبه
الضربة القوية التي تعرض لها عكاشة قبل عامين، لم تخف من البهجة الممزوجة بالسخرية، من إعلان عودة عكاشة وظهوره بهذا الشكل، وتباينت آراء النشطاء بين البحث عن نسب المشاهدة التي حققها مقارنة بماضيه، أو الإسقاط على شغف المثقفين والصحفيين والنشطاء بعودة إعلام الفراعيين، فيما رأى البعض أن ظهوره غير مناسب، خاصة فى ظل المرحلة الحساسة التى تمر بها البلاد على مختلف الأصعدة.
سيل منشورات على فيسبوك، وتغريدات على تويتر، انتظرت بشغف الإعلامي المثير للجدل الذي فقد أمواله بأكملها، لدرجة أن أبسط الأمور الفنية المصاحبة لظهوره على شاشة اليوتيوب، خرجت بشكل متواضع للغاية، وصوت ردئ، وإمكانات شبه معدومة، بسبب إشراف نجله إبراهيم الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الإعلام، على تولي مهمة تصوير وإخراج الحلقات الجديدة وتجهيزها للعرض، وهو ما يمنعه من توجيه السباب له، مثلما كان يفعل دائمًا عند كل خطأ يظهر على الشاشة، من طاقم برنامجه على قناة الفراعين.
توفيق عكاشه يرفد موظف على الهواء بسبب مشبك نسائي
القناة ستكون بالطبع مختلفة عن ظهوره الأول، هكذا ينتظر عشاق عكاشة ما وراء التصريحات الصحفية لفريق عمله، الذي أكد في تصريحات طوال أمس، أنهم في طريقهم للظهور وعودة بث قناة الفراعين، بعد تسوية مشكلاتهم مع مدينة الإنتاج الإعلامى، بجانب شفاء عكاشة تمامًا من الأزمة الصحية الطويلة التي صاحبته منذ أشهر طويلة، وكانت السبب في ظهوره بوجه شاحب ووزن هزيل، بحسب تصريح محمد توفيق عكاشة نجل الإعلامي.
على الجانب الآخر، صدم أسامة هيكل رئيس مجلس إدارة شركة مدينة الإنتاج الإعلامي، الجمهور المتلهف لعودة
“أصل الضحك الإعلامي في مصر”، وأكد أنه لا صحة لما تم تداوله عن عودة بث قناة الفراعين، وقال نصًا: “توفيق عكاشة عليه فلوس لازم يدفعها”، وذلك قبل حصول القناة على حق البث، من المدينة مرة أخرى، لافتًا إلى أنه حتى الآن، لم يتلق طلبًا بشأن عودة القناة من مالكها.
سر اختفاء عكاشة عن الإعلام المصري
في ديسمبر من عام 2015، أصدرت هيئة الاستثمار والمناطق الحرة، قرارًا بإيقاف برنامج مصر اليوم الذي يقدمه الإعلامي توفيق عكاشة، عبر قناته الفضائية “الفراعين”؛ وحتى يتم السيطرة على محاولات عكاشة، بالالتفاف على القرار والظهور على شاشات قنوات أخرى، كما حدث من قبل، تضمن نفس القرار منع توفيق من الظهور في أي برنامج آخر سواء على قناة الفراعين أو أي قناة أخرى لمدة 6 أشهر.
القرار صاحبه ضجة كبرى؛ كان عكاشة سيد الأحداث ومفجرها بامتياز، لذا لجأت قناته لاستغلال هذه الثغرة، لحفظ ماء وجهها، والانسحاب من المشهد تمامًا، بعد نحو ثلاثة أشهر من منع صاحبها من الظهور إعلاميًا، كتبت القناة بيان وداع قائلة: “تتقدم قناة الفراعين بالشكر إلى الشعب المصري العظيم ومشاهديها في كل مكان في الأمة العربية، وتعلن إيقاف بث برامجها بصفة نهائية، حيث قرر مجلس الإدارة، تصفية أعمال الفراعين وتجميد أنشطتها، وعرضها للبيع وتتقدم بخالص الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي”.
كانت الضربة قوية، لم يتحملها رجل تخيل أنه شريك في الحكم، خصوصًا أنه كان صاحب دور كبير في التمهيد لأحداث 30 من يونيو عام 2013؛ ومن وقتها اعتبر نفسه “مفجر ثورة” لا سلطان عليه، حتى لو كان رئيس البرلمان نفسه، الذي كان عضوًا فيه قبل إسقاط عضويته في مارس عام 2016، أو حتى وزير الداخلية الذي يلاحق عكاشة، لخلاف جهوي وعائلي، بسبب صراعات قديمة بين العائلات الكبيرة في مركز تلا بمحافطة المنوفية التي تنتسب لها والدة عكاشة ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار، الذي لا يزال في مقعدة حتى الآن.
العاشرة مساء.. توفيق عكاشة: أنا في البرلمان رغم أنف وزير الداخلية
تخيل عكاشة أنه يملك قواعد شعبية أسطورية، تمكنه من بسط نفوذ دولة موازية خاصة به، يستطيع من خلالها التحضير جيدًا لطموحاته السياسية، حتى لو كان ذلك على طريقته الكوميدية، فبعد لقائه السفير الإسرائيلي، ومحاصرته إعلاميًا وقضائيًا وإسقاط عضويته في البرلمان، اجتمع الإعلامي الساخر مع أهل بلدته جالسًا على الأرض، وكأنه في مجلس حرب، ومن خلاله يعلمهم ويحشدهم خلفه، لما يجهزه لأعدائه.
توفيق عكاشة بعد فصله من البرلمان يجمع أهل القرية لتقديم بلاغ ضد السيسي ووزير الدفاع
لم يستطع عكاشة الثبات كثيرًا؛ من ضربه بالحزاء في البرلمان، بسبب استضافة السفير الإسرائيلي حاييم كوريين، إلى تطويق عنقه بعشرات القضايا، مما أجهز عليه وأطاح به أرضًا، ليقرر الاعتذار للجميع للابتعاد عن شبح السجن، لدرجة أنه قدم اعتذارًا من على سرير المرض للإعلامي خالد صلاح، بسبب صراع نشب بينهما آنذاك، على خلفيه تجريسه في المؤسسات التابعة لصحيفة اليوم السابع المصرية، على خلفية جهر رئيس الفراعين بالتطبيع، وأنصف القضاء صلاح على حساب عكاشة، لينتهي الأمر بشكل قاسٍ وحزين حتى لمن اختلفوا معه ورفضوا سلوكياته، ولو كانت تروح عن قلوبهم وتمنحهم طاقة من الضحك المتواصل.
توفيق عكاشة يعتذر لأبو هشيمة وخالد صلاح