ترجمة وتحرير: نون بوست
تعد تغذية حس الإبداع لدى الطفل أمرا ضروريا لتطوير الوصلات العصبية للدماغ، وتشجيعه على تحقيق رفاهه الفردي والاجتماعي، فضلا عن تحفيزه على إيجاد حلول لمختلف المشاكل التي قد تواجهه مستقبلا. وما إن يولد الطفل ويفتح عينيه، يبدأ حوالي مائة عصبون في العمل، التي تشرع على الفور في إرسال واستقبال النبضات الكهربائية. وفي غضون ثلاث سنوات، سيكون لدى الطفل حوالي ألف تريليون من الوصلات العصبية التي سيستخدمها لبقية حياته للتفكير والتعلم والاكتشاف والابتكار.
مما لاشك فيه، يملك كل طفل عالما خاصا يحاول دائما اكتشافه، ثم ينمو ويكبر ويبدأ في الخلق والتخيل واستكشاف الكون. ويمكن لثراء خياله أن يجعله كائنا مبدعا للغاية. وفي هذا الإطار، يعتبر الآباء مسؤولين عن تشجيع الطفل أو تقويض إبداعاته.
تحفيز الإبداع أو تقويضه؟
يعتبر الإبداع العملية العقلية التي يتم من خلالها استنباط مفاهيم جديدة وإيجاد حلول مجدية للمشاكل، فضلا عن تحويل الأشياء البسيطة إلى أشياء استثنائية وغير عادية، ليصبح الأطفال بذلك علماء بالفطرة. فجميعنا نتمتع بالقدرة على الإبداع، لكن من المؤكد أن مرحلة الطفولة تعد أفضل فترة للقيام بذلك. وبناء على ذلك، سلط الأخصائيون تركيزهم على المحفزات التي يمكن تقديمها للطفل خلال هذه المرحلة الأولية من حياته.
في الوقت الحاضر، أصبحنا نعيش في عالم قلّت فيه الإمكانات، حتى بالنسبة للأطفال، على الرغم من حرصهم وانفتاحهم على العالم وإصرارهم على خوض تجارب جديدة. وللأسف، أهدر العديد من الآباء تلك السنوات الأولى من حياة أطفالهم ولم يستغلوها لفائدتهم، لأن تلك الفترة تعد فترة مثالية لتنمية مهارات جديدة للطفل.
كيف يجب القيام بذلك؟
في البداية، من المهم أن نشير إلى أن اكتساح الأجهزة التكنولوجية لحياتنا والعبء الزائد من المحفزات الرقمية، لم يترك مجالا أمام الطفل للتمتع بالبساطة التي ستحثه على استنباط شيء جديد ومبتكر. وعلى هذا النحو، أدت هذه الوسائل إلى تقليص مساحة الإبداع لدى العديد من الأطفال. لماذا تعتبر رعاية الإبداع لدى أطفالنا أمرا مهما جدا؟
يعزز تقدير الذات
من شأن تطوير الإبداع لدى الطفل أن يساهم في تعزيز تقدير الطفل لذاته ومن ثقته بنفسه، كما يساعد ذلك أيضا على تنمية قدراته الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، إن تغذية إبداع الطفل تجعله قادرا على العثور على حلول جديدة والتكيف بسهولة أكبر مع التغيرات التي قد تطرأ على حياته.
تطوير ذكاء الطفل ووعيه
يساهم اللعب مع الطفل ومجاراة مخيلته في تحفيز ذكائه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعده ذلك الطفل على التفكير بشكل خلاق في حل المشاكل التي قد يواجهها، مما يساهم في تهيئته لمواجهة مختلف الوضعيات المستقبلية بسهولة. ومن خلال تطوير حس الإبداع لدى الطفل، فإن ذلك يجعله يتعلم كيف يكون أكثر حزما ويصبح أكثر وعيا بحدوده وإمكاناته. كما يساهم ذلك في تشجيع قيمة النزاهة لديه.
تعزيز التواصل والتنشئة الاجتماعية
يعزز حس الإبداع التفاعل الاجتماعي لدى الطفل، لأنه يحسن قدرته على التعبير عما يشعر به ويفكر فيه، فضلا عن كونه يعزز حس تعاطف الطفل تجاه الآخرين. ويتعلم الطفل كيفية التصرف مع الآخرين عندما يجد نفسه أمام مواقف سلبية أثناء اللعب مع أقرانه، وهو ما يعزز لديه القدرة على التحكم في انفعالاته.
كيف يتم تغذية الإبداع لدى الطفل؟
تكمن الإستراتيجية الأساسية لتحفيز ملكة إبداع لدى الطفل في اللعب. وإلى جانب اقتراح الألعاب عليه، فإنه إذا قمت بمشاركة طفلك في اللعب فلن تساهم فقط في تحفيز إمكاناته الإبداعية، بل ستساهم أيضا في تعزيز الروابط العاطفية التي تجمعك به.
قراءة القصص وابتكار قصص أخرى
إن قراءة القصص لأطفالنا تجعلهم يتخيلون الحقائق والشخصيات، كما تلعب دورا مهما في تهذيب أذواقهم في القراءة. وبهذه الطريقة، سيكون الأطفال قادرين في وقت لاحق على إنشاء قصصهم الخاصة، حيث سيقترح الطفل البداية وأنت تكمل النهاية.
اللعب عن طريق التنكر
لا داعي لانتظار أي مهرجان حتى تتمكن من التنكر، لأنه بإمكانك كل يوم إعادة ابتكار أي وضعية مع أي شخصية خيالية، ولا تتطلب العملية أيضا أي زي تنكري خاص، لأن مجرد منشفة أو قميص قديم للأب أو للأم يمكن أن يقدم لك آلاف الاحتمالات الممكنة.
أي شيء يمكن أن يكون صالحا للعب
في الحقيقة، إن مجرد وعاء يمكن أن يكون بمثابة طبل بالنسبة للطفل، أما الطاولة فقد تكون منزلا للدمى. وتجدر الإشارة إلى أن السماح للأطفال باللعب بما هو متاح في المنزل يوفر لهم المزيد من خيارات التخيل والاختراع. إلى جانب ذلك، إن الفوضى التي يقوم الطفل بإنشائها ستعمل فيما بعد على تعليمه عادة حفظ ألعابه وإعادة الأشياء إلى أماكنها.
دعه يلعب دائما بالألوان المائية
يعتبر الرسم من أفضل طرق التعبير بالنسبة. لذلك، من المهم أن نوفر الألوان والدهانات والورق من جميع الأحجام الممكنة في المنزل بصفة دائمة. علاوة على ذلك، يمكنك رسم القصص التي تقوم بإنشائها رفقة طفلك، أو العكس، أي ابتكار قصص من خلال رسوماته.
اسأل طفلك عن المواقف والحقائق
أثناء اللعب وفي حال حدوث شيء ما، اسأل طفلك عما حدث معه. فذلك سيسمح له حتما بوصف ما حدث وتحليل الموقف والبحث عن إجابة. ولابد أيضا من منحه بعض الوقت للتفكير بحرية حتى يستطيع التعبير عما يشعر به، وعندما يسألك الطفل عن أمر ما، أجبه واسأله مرة أخرى “ما رأيك في ذلك؟”.
قم بإثارة فضوله
غالبا ما تكون الأسئلة التي يطرحها عليك أطفالك طريقة لاكتشاف أشياء جديدة. وللحصول على أفكار أصلية، فأنت لا تحتاج إلى ذكاء أو خيال استثنائي، فقط امنحهم فرصة للبحث والاكتشاف والاختراع.
تحفيز جميع حواس الطفل
لا بأس بالسماح لطفلك باستخدام الطلاء على جسمه، فقط يجب توخي الحذر من أنه لا يحتوي على مواد سامة. ولا بأس أن تسمح لطفلك بالرقص على جميع أنواع الموسيقى، نظرا لدورها في تحفيز الدماغ والحفاظ على تناسق الجسم. لكن، تجنب أنواع الموسيقى التي تحمل رسائل غير مناسبة لسنهم. ويستحسن أيضا دعوة الطفل لمساعدتك في طهي الطعام حتى تتسنى له فرصة اختبار الروائح والأذواق.
لكن، ماذا بالنسبة للوالدين؟
– من الضروري أن يتحمل الوالدان الفوضى التي ينشئها أطفالهم، التي من شأنها أن تفضي إلى إنشاء نماذج جيدة من الألعاب الإبداعية.
– الحد من فترة مشاهدتهم للتلفزيون واستخدام الكمبيوتر اللوحي والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
– الاستفادة من اللعب لغرس القيم، مثل الاحترام والتسامح.
– استخدام ما هو متاح في المنزل وترشيد الاستهلاك.
– الاستمتاع بالخيال الذي تقدمه مخيلة طفلك لك.
– إنشاء ألعاب صالحة لتغذية إبداع طفلك وتحفيز إبداعه.
المصدر: مجلة “ميخور كون سالود” الإسبانية