جنوب المملكة المغربية، في قلب سلسلة جبال الأطلس الصغير، تقع مدينة “تافراوت” الأمازيغية، ذات المناظر الطبيعية الخلابة والمآثر العمرانية الرائعة والعادات والتقاليد الجميلة، مشكلة لوحة فنية تجذب السياح الراغبين في اكتشاف جمال هذه المنطقة من شتى الأنحاء.
سحر الطبيعة
تتميز المدينة بطبيعتها الساحرة البالغة الجمال التي تدخر ما لا يدخر غيرها من ألحان عذبة تردد صدى المرتفعات قوافيها، وتؤثث الطيور أفق سمائها، وتكشف الشمس لمعان سهوبها ووديانها ورواسيها المنحوتة ببصمات أهاليها على مر الدهور.
أول ما يشد نظرك ستكون دون شك تلك المآثر العمرانية فائقة الجمال
فالجبال ذات اللون الرمادي التي تحيط بها من جميع الجهات، زادتها روعة، جبال تكونت بفعل عوامل التعرية، لذلك ظلت أشكالها غريبة وعجيبة، وتمتاز هذه الجبال بأطرافها المنحوتة الحادة.
وتعتبر الصخور العملاقة لمنطقة أومركت بالمدينة من الوجهات السياحية التي تستقطب آلاف السياح سنويًا، وكانت هذه الصخور المكان المفضل للفنان والرسام البلجيكي جون فيرام الذي فضل عام 1984 أن يصبغ تلك الصخور العملاقة بألوان زادت المنطقة جمالية، وبادر إلى تلوين هذه الصخور هدية لشريكة حياته.
الجبال والصخور المحيطة بالمدينة
حتى الطريق المؤدي إلى المدينة ممتع وإن كان كثير المنعرجات، فعلى طول هذا الطريق تتراءى لك أشجار اللوز مترامية خضراء، وجداول مياه عذبة، وأطلال وأبراج منتصبة كبقايا قصبات وقصور معلقة تروي قصة المدينة وتنسيك تعب بُعد المسافة ومشقة المسير، فضلاً عن شجر اللوز، تمتاز المدينة بشجر الأركان، وهي شجرة صنفتها منظمة اليونيسكو سنة 1999 تراثًا طبيعيًا عالميًا، وحسب الخبراء فشجرة الأركان لا توجد إلا في المغرب وبالأخص في مناطقه الجنوبية.
مآثر عمرانية
عند وصولك للمدينة، وبداية جولتك فيها، أول ما يشد نظرك ستكون دون شك تلك المآثر العمرانية فائقة الجمال التي تظهر للعيان في شكل واحد متناسق يعكس هوية المدينة الصغيرة الأمازيغية، وتُظهر العمارة هنا التنوع والتكامل في الألوان المستمدة من بيئة المدينة الغنية بألوانها كألوان التربة والصخور والأشجار.
منازل المدينة في تناسق كبير
عادات وتقاليد أمازيغية
إذا كنت من محبي استكشاف العادات الأمازيغية وكيفية عيش المدن الأمازيغية، ففي تافراوت تجد ضالتك ومبتغاك، فهذه المدينة الصغيرة ترجع بك إلى الماضي الجميل، فكل السكان هناك يتحدثون بلغة أبائهم وأجدادهم، اللغة الأمازيغية.
وتعني “تافراوت” في الاعتقاد الأمازيغي، شعبة المياه التي تمرر الماء إلى الضفاف الأخرى أو المنخفض الجامع فيه المياه، وتطلق على الميزاب الذي يصرف مياه الأمطار عن السطوح، وعلى خشبة يحفر وسطها طولاً مع ترك حاجزين في رأسها، لغرس بعض الزهور المنزلية الجميلة.
يعتبر عدم ارتداء لباس “الفوقية” أو “تادراعت” بالنسبة للرجل نوعًا من التكبر
اللباس أيضًا، يحكي لك ماضي الأمازيغ، فالنساء هناك يلبسن لباسًا يكاد يكون موحدًا، وتلزمهن في ذلك التقاليد والأعراف، ويسمى هذا اللباس “تاملحافت” وهو لباس من قطعة واحدة طولها قرابة خمسة أمتار بلون أسود أو أزرق داكن بينما الأبيض ترتديه العروس أو بنات فرق رقصة الأحواش.
تغطي نسوة المدينة بهذا اللباس سائر أجسادهن، ويتيح للمرأة إخراج رأسها ويديها من خلال فتحات، وتزينه المرأة بحلي من الفضة تسمى “تخلالت” و”اللوبان”، ويكون على المرأة دائمًا أن تخفي وجهها أمام الغرباء عبر وضعية ما يسمى بأغنبور.
ولكي يميز الرجل الأمازيغي بين المتزوجة والعزباء جرت العادة أن تضع النساء المتزوجات قطعة ثوب أسود وأحمر على رؤوسهن تدعى “تماساست” أو”تاشدادت” علامة على أنهن في عصمة رجل، بينما العزباء ترتدي “تاملحافت” من دون وضع تاشدادت، وتلبس المرأة والفتاة في رجليها حذاءً ذا لون أحمر يسمى “تانشبالت”، بينما العروس فتلبس الـ”تاريحيت”، فيما يلبس الجميع “تاكنيديفت” في المناسبات والأعياد.
لباس “تاملحافت”
أما رجال المدينة، فيرتدون بدورهم لباسًا موحدًا في الغالب، يطلق عليه “الفوقية” أو “تادراعت” موجود بمختلف الألوان، ويعتبر عدم ارتداء هذا اللباس بالنسبة للرجل نوعًا من التكبر، وغالبًا ينظر إلى من لا يرتدي “الفوقية” نظرة دونية، وينتعل الرجال أحذية تسمى “الرقاب” أو “أدوكو” وغالبًا ما يكون باللون الأصفر.
ولك أن تتعرف على العادات الأمازيغية أيضًا خلال “المواسم” (احتفالات) التي تنظم على مدار السنة، فلا يمر يوم من دون أن ينظم ما يسمى بـ”المعروف” أو “الموكار” أو”السلوكت” وكلها أشكال من الاحتفالات تذبح فيها الذبائح ويتم إطعام فقراء المنطقة والزوار وعابري سبيل.