استنكر الاتحاد العام التونسي للشغل تعرضه لما وصفها بـ”حملة شيطنة وتشويه واسعة” تقوم بها جهات معينة ردًا على اتهامات بـ”إعاقة التقدم في تونس وإعادتها إلى الوراء”.
وكان جدل كبير قد أثير في الفترة الأخيرة بشأن نية الحكومة التفويت في عدد من المؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص بسبب الخسائر الكبيرة التي تتكبدها وأصبحت الحكومة عاجزة عن تغطيتها في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها تونس، وفي المقابل، يوجه عديد من خبراء الاقتصاد لومًا واتهامًا للنقابيين، بسبب ما يعتبرونها “عرقلة للحكومة التي عجزت عن اتخاذ عديد من الإصلاحات الضرورية بسبب رفض المركزية النقابية”.
خصخصة المؤسسات العمومية
أكد المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل في بيان نشره يوم أمس الجمعة، أنه يتعرض لحملة شيطنة وتشويه “ارتفعت وتيرتها خاصة بعد إعلان الاتحاد موقفه الرافض لخصخصة المؤسسات العمومية، ودعا إلى إنقاذ هذه المؤسسات ودعمها لتلعب دورها الاقتصادي والاجتماعي في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد”.
وأضاف أن ما اعتبرها “حملة تشويه” “بلغت ذروتها عندما انتقد الاتحاد أداء الحكومة، ودعا إلى ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة والعمل على إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تردت فيها.
واعتبر أن جهات معلومة تعمد إلى محاولة زعزعة الثقة في الاتحاد عبر تشويه صورة قياداته والزج بهم في قضايا لا صلة لهم بها وهو ما يتعرض إليه الأمين العام المساعد منذ مدة.
وقبل يومين، وجه قاضي التحقيق بالقطب القضائي الدعوة إلى الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل بوعلي المباركي للاستماع إليه فيما يعرف بقضية التجسس المشتبه في ارتباطها برجل الأعمال الفرنسي جون جاك ديمري المقيم بتونس.
وتم كشف ارتباط عدد من الشخصيات السياسية والنقابية ومسؤولين في الدولة ورجال أعمال ووزراء برجل الأعمال الفرنسي، في قضية اعتبرها سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس “قضية رشوة وفساد مالي”، بينما أكدت أطراف قانونية أنها “قضية تجسس”.
حسين الدماسي
إعاقة التقدم في تونس
وكانت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية (the economist) اتهمت اتحاد الشغل بأنه “يعيق التقدم في تونس ويعيدها إلى الوراء”، في تقرير نشرته يوم الإثنين الماضي، وأوضحت أن الاتحاد الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2015، كان دائمًا لاعبًا أساسيًا في الحياة السياسية، لا سيما من خلال دوره الوطني في عدة مسائل كمشاركته في النضال من أجل الاستقلال، ودوره في إسقاط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فضلًا عن أهمية الوساطات التي مكنت البلاد من تجنب العديد من الأزمات.
وحسب تقرير “الإكونوميست” فإن الاتحاد مسؤول رئيسي عن المشاكل الاقتصادية في تونس، كما أن المركزية النقابية مثلت واحدة من أكبر العقبات أمام نمو البلاد، وأرجعت ذلك إلى مسألة البيروقراطية التي تدعمها.
وأشار التقرير إلى ارتفاع نسق الانتدابات في الوظيفة العمومية مباشرة بعد الثورة، وهو ما تسبب في ارتفاع كتلة الأجور التي قاربت الـ14% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعد من أعلى النسب في العالم.
شددت المجلة على أن خبراء الاقتصاد يعتبرون أن سياسية اتحاد الشغل “سيئة”، حيث تسببت في خسائر مادية كبيرة للدولة خلال العقد الماضي، حيث تراجع إنتاج النفط بنحو 29%، وذلك رغم رفع عدد العاملين بشركة النفط بنسبة 14%
وأضافت المجلة أن اتحاد الشغل حارب دائمًا محاولات الحكومة في الحد من نفقاتها، وعارض كثيرًا مسألة خصخصة المؤسسات العمومية، معتبرًا أنها خط أحمر، واعتبرت أن تتالي الإضرابات والاحتجاجات سيضر بالبلاد كثيرًا في وقت تحتاج فيه إلى وحدة وطنية، وتكاتف جميع الجهود من أجل النهوض باقتصادها.
وأشار التقرير إلى الدعوات المتكررة إلى الإضرابات، ومنها على سبيل المثال، الدعوات إلى تنفيذ تحركات واسعة النطاق لمناهضة الحكومة عام 2013، وإغلاق الخدمة البريدية في 2016 لعدة أيام للاحتجاج على الطريقة التي عومل بها مسؤول، فضلًا عن التهديدات في ديسمبر الماضي التي أجبرت الحكومة على التخلي عن تجميد الأجور في القطاع العام في2017.
وذكرت المجلة البريطانية بالتأثير الكبير لاتحاد الشغل في ولاية قفصة، المنتج الرئيسي لمادة الفوسفات، وحملته مسؤولية رفع عدد الموظفين بشركة فوسفات قفصة الذي بلغ 2500 موظف جديد في 3 سنوات فقط، ومواصلة تنفيذ الإضرابات رغم الانتدابات؛ مما أدى إلى تراجع الإنتاج من 8 ملايين طن سنة 2010 إلى 3.3 مليون فقط سنة 2018.
وشددت المجلة على أن خبراء الاقتصاد يعتبرون أن سياسية اتحاد الشغل سيئة، حيث تسببت في خسائر مادية كبيرة للدولة خلال العقد الماضي، حيث تراجع إنتاج النفط بنحو 29%، وذلك رغم رفع عدد العاملين بشركة النفط بنسبة 14%.
اتحاد الشغل دعا إلى تغيير حكومي شامل
أزمة الخصخصة
تعتبر الخصخصة من أكبر المسائل الخلافية بين الحكومة واتحاد الشغل، حيث أكد نور الدين الطبوبي الأمين العام، أن المؤسسات العمومية خط أحمر، مؤكدًا أنه لن يتم التفويت في أي مؤسسة عمومية، مشيرًا إلى نية الحكومة التفويت في 10% من إحدى المؤسسات العمومية.
الرئيس الباجي قائد السبسي مع نور الدين الطبوبي
من ناحيته، أكد سامي الطاهري الأمين العام المساعد والمتحدث باسم اتحاد الشغل، أن عددًا من المؤسسات العمومية تعيش وضعًا صعبًا وتتكبد خسائر، إلا أن المحافظة عليها يعتبر واجبًا وطنيًا، مشيرًا إلى أن ذلك من “مسؤولية الدولة التي دعوناها إلى معالجة وضعية المؤسسات الخاسرة بالحوكمة وحسن التسيير”.
وكان اتحاد الشغل قد دعا إلى تغيير حكومي شامل، حيث اعتبر الأمين العام نور الدين الطبوبي أن الحكومة فشلت في تحقيق ما هو مطلوب منها من خلال وثيقة قرطاج الموقعة من طرف أحزاب ومنظمات وطنية من بينها اتحاد الشغل، وبالتالي عليها أن ترحل، بما في ذلك رئيسها يوسف الشاهد.
يوسف الشاهد مع نور الدين الطبوبي
دولة داخل الدولة
قالت الإعلامية نور الدريدي في موقع “الشارع المغاربي”: “بدأ الغشاء النقابي لأكبر منظمة شغيلة في تونس (اتحاد الشغل) يتحلل يومًا بعد يوم، ليكشف عن وجهٍ ثان للمنظمة التي ما فتئت تُطالب بمطالب سياسية لا علاقة لها بالعمل النقابي، لا من قريب أو من بعيد”، مضيفة أن اتحاد الشغل تحول إلى دولة داخل الدولة”.
وأضافت الدريدي أن دعوة اتحاد الشغل إلى تعديل وزاري “لا يصب في الصالح العام بقدر ما يصب في صالح ائتلاف حزبي لم تسعفه قلة قوائمه الانتخابية (119 قائمة) وعدد نوابه القليلين في مجلس النواب (15 نائبًا) في العثور على موطئ قدم في الساحة السياسية”، في إشارة إلى “الجبهة الشعبية” وهي ائتلاف لأحزاب قومية وشيوعية.
حصل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على جائزة نوبل للسلام سنة 2015
وأشارت إلى أن المنظمة الشغيلة التي كان من المفترض أن تلعب دور الوساطة بين العمال والحكومة، تلعب اليوم أدوارًا أخرى أكثر شمولية وتأثيرًا ولا علاقة لها بالعمل النقابي”.
وكان اتحاد الشغل قد دعا إلى تعديل وزاري شامل بسبب ما اعتبره “فشل الحكومة في تحقيق الأهداف التي وردت في وثيقة قرطاج”، وشدد نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل، على ضرورة التسريع باختيار فريق حكومي جديد قادر على تحقيق انتظارات الشعب التونسي.
وأكد الخبير الاقتصادي حسين الديماسي، في حوار لإذاعة “كاب إف إم”، في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2017، أن “الحكومة تخضع لشهوات ورغبات الاتحاد العام التونسي للشغل مهما كان الثمن”.
وحصل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على جائزة نوبل للسلام سنة 2015، بعد إشرافها على تنظيم “حوار وطني” طويل وصعب بين الإسلاميين ومعارضيهم وحملتهم على التوافق لتجاوز شلل المؤسسات.