على حين غرة تكتشف الولايات المتحدة أن النظام الإيراني يتدخل بالشأن العراقي ويحاول التأثير على نتائج الانتخابات النيابية العراقية المقبلة، وكأن الأمريكان لم يكونوا يعلمون بما تفعل إيران بالعراق طيلة الـ15 عامًا الماضية، ويتصرفون وكأنهم غير مسؤولين عن تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب كما قالها وزير الخارجية السعودية السابق تركي الفيصل.
هذا ما فُهم من كلام وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يوم الخميس الماضي 15 من مارس 2018 في أثناء عودته من جولته التي شملت البحرين وعمان وأفغانستان حينما قال: “لدينا أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير على الانتخابات العراقية باستخدام المال، هذه الأموال تستخدم للتأثير على المرشحين والأصوات”.
لكن السبب الذي دفع الوزير الأمريكي ليقول ما قال، تمَّ توضيحه بتقرير أمريكي نشر في عدة صحف أمريكية، ونشره موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأمريكي أيضًا، جاء فيه “ولي العهد السعودي الذاهب بقوة واندفاع يسابق الزمن إلى بغداد ويراهن على حلفائه الأقوياء في العراق لكسب نتيجة الانتخابات العراقية وتشكيل حكومة جديدة، مهمتها طرد إيران وعملائها من العراق”، ويضيف التقرير “المملكة العربية السعودية رصدت أكثر من 100 مليار دولار لإحداث تغيير في العراق ولبنان من خلال الانتخابات النيابية في كلا البلدين، يجعل من عملاء إيران في هذين البلدين أقلية سياسية، مراهنًا على تحالفات مهمة في العراق مع قوى شيعية وأخرى كردية وسنية مضمونة الولاء للمملكة وستطيح بعملاء إيران”.
“كلما أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إحداث نقلة نوعية لصالح المملكة في مناطق النفوذ الإيراني يتلقى ركلة موجعة من إيران أو من حلفائها تطيح به أرضًا”
مراهنًا على تحالفات مهمة في العراق مع قوى شيعية وأخرى كردية وسنية مضمونة الولاء للمملكة وستطيح بعملاء إيران”، لكن التقرير يبدي تشككه من قدرة السعودية على فعل ذلك فيقول: “كلما أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إحداث نقلة نوعية لصالح المملكة في مناطق النفوذ الإيراني يتلقى ركلة موجعة من إيران أو من حلفائها تطيح به أرضًا”.
ومما هو واضح أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقتا على إحداث تغيير جوهري في العراق يهدف إزاحة النفوذ الإيراني المتوغل فيه، من خلال دعم أطراف تبدو بعيدة عن الطاعة لإيران، مثل مقتدى الصدر بالإضافة إلى كتل سنية وكردية ليشكلوا منهم بعد الانتخابات، تحالفًا كبيرًا يدعم حيدر العبادي ليشكل حكومة جديدة بعيدة عن النفوذ الإيراني وقريبة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية.
لكن النظام الإيراني ينظر متربصًا بالخطوات والجهود الأمريكية والسعودية الرامية لإبعادها عن العراق، ذلك لأن العراق يمثل بالنسبة لإيران، أهم ركيزة من ركائز نفوذها بالشرق الأوسط، وبالتالي فإنها ستستخدم كلَّ أوراقها لكيلا تنجح تلك الخطط، وإذا فشلت في ذلك فإنها لن تتوانى عن إحراق البلد في حرب طائفية أخرى أكبر وأشد من تلك التي افتعلتها عام 2006 لكيلا تكون هناك قائمة لهذا البلد وتضمن عدم تشكيله لتحدي عسكري أو اقتصادي لها.
هل هناك من العراقيين الوطنيين من يستطيع استثمار الصراع الإيراني الأمريكي السعودي ليجلب الخلاص للشعب العراقي؟
من هذا نرى أن التصعيد الأمريكي والسعودي الأخير في لغة الخطاب مع النظام الإيراني فيما يخص العراق، سببه استشعار الإدارة الأمريكية والمملكة السعودية صعوبة المهمة التي يريدان تنفيذها في العراق، وأن النظام الإيراني قد أعد العدة على ألا تسفر الانتخابات القادمة عن حكومة غير موالية لها، مهما تطلب الأمر من جهود واتخاذ خطوات في غاية الخطورة، ربما تصل إلى التصادم المباشر مع القوات الأمريكية من خلال ميليشياتها في العراق.
إلا أن هناك مراقبين دوليين وأمريكيين يصفون الوضع في الخليج عمومًا ووضع القيادة في المملكة العربية السعودية خصوصًا، بالعصيب والمعقد والمخيب للآمال؛ الأمر الذي يعني أن حظوظ تلك الخطط بالنجاح ليست كبيرة، وإذا كان ذلك صحيحًا فهذا يعني أن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ما هي إلا مقدمات لتنفيذ الخطة ب التي ربما تكون إقدام الولايات المتحدة على الطعن في شرعية الانتخابات القادمة إذا ما جاءت نتائج الانتخابات النيابية العراقية على غير ما تتمنى (وهو المتوقع بالتأكيد).
ومن المرجح أن يكون هذا السيناريو حاضرًا على الطاولة أمام القادة الأمريكان، لكن يبقى السؤال المهم الذي يجب على النخبة السياسية العراقية المعارضة لهذه العملية السياسية أن تجيب عنه، هل هناك من العراقيين الوطنيين من يستطيع استثمار الصراع الإيراني الأمريكي السعودي ليجلب الخلاص للشعب العراقي، الخلاص من الهيمنة الإيرانية لكن دون الوقوع بالهيمنة الأمريكية أو السعودية؟ هذه التساؤلات لا بد من الإجابة عنها مبكرًا قبل فوات الأوان وضياع الفرص.