بعد معارك دامت قرابة شهرين، سقط فيها الآلاف من عناصر قوات وحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلي الجيش الحر، ها هي القوات التركية تعلن إتمام عملية “غصن الزيتون” أهدافها بنجاح، وسيطرتها الكاملة رسميًا على مدينة عفرين (شمال سوريا).
العملية التي انطلقت في الـ20 من يناير/كانون الثاني الماضي، وانتهت برفع العلم التركي بجانب علم “الجيش الحر” فوق المدينة التي طالما شكلت تهديدًا للأمن القومي التركي، أثارت الكثير من التساؤلات مع بداية نهايتها، خاصة فيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية للمعارك المتواصلة حتى اليوم، وهل بالإعلان رسميًا السيطرة على المدينة تنتهي عملية “غصن الزيتون” بشكل كامل.
العملية لم تنته بعد
نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة، بكر بوزداغ، قال إن قوات عملية “غصن الزيتون” دحرت الإرهابيين من مدينة عفرين، لكن المهمة لم تنته بعد، وذلك في تغريدة كتبها على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وتابع “انتهى الظلم والتسلط الذي كان يمارسه الإرهابيون على سكان عفرين، وشعب المدينة اليوم حر وسيعيش بسلام واستقرار، لكن لا يزال أمامنا الكثير لكي نعمله”.
بوزداغ كشف أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ذاكرًا أنه سيتم تمشيط المدينة لتطهيرها من الألغام والمتفجرات، ومن ثم السيطرة على المناطق المتبقية التابعة لمنطقة عفرين، كما نوه أن أنقرة ستقدم على خطوات سريعة من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المحررة من الإرهابيين، وصيانة وتطوير البنى التحتية والفوقية، فضلاً عن اتخاذ التدابير لعدم حدوث مشاكل فيما يتعلق بتأمين المواد الغذائية والوصول للخدمات الصحية.
وعن دوافع العملية ابتداءً، أشار المتحدث باسم الحكومة التركية أن إحكام السيطرة على عفرين يعني “الهزيمة مجددًا لتنظيمات “بي كا كا/ي ب ك/ ب ي د وداعش” الإرهابية، وداعميها الذين يلهثون وراء مخططات جديدة في المنطقة عبر استخدام المنظمات الإرهابية، مضيفًا: “لقد تم إحباط مشروع تأسيس ممر إرهابي ودولة إرهابية”.
المراقبون للوضع عن كثب يرجحون سرعة سقوط الأجزاء المحاصرة في المناطق الداخلية لعفرين في يد قوات الجيش الحر المدعومة تركيًا خلال الساعات القليلة القادمة
الحكومة التركية: العملية لم تنته بعد
عفرين سورية
تعليقًا على ما أثير بشأن دوافع تركيا من وراء “غصن الزيتون” قال الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصريحات له أمس الأحد، إن قوات بلاده لم تتجه إلى عفرين بهدف الاحتلال، “وإنما للقضاء على المجموعات الإرهابية”، وهو ما أكده بعد ذلك رئيس الوزراء بن علي يلدريم الذي شدد على أن بلاده لا تطمع باقتطاع أجزاء من أراضي أي دولة، ، لافتًا أن الهدف من عملية غصن الزيتون تطهير المدينة، ليعود إليها أهلها في سلام.
واتساقًا مع تصريحات أردوغان ويلدريم فقد أصدر ما سمي بمؤتمر “إنقاذ عفرين” المشكل من مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية وحراك المجتمع المدني من أبناء المدينة، عددًا من المقررات التي من شأنها أن تعيد الاستقرار إلى المدينة.
المشاركون في المؤتمر الذي استضافته ولاية غازي عنتاب جنوب تركيا أكدوا أن عفرين جزء من سوريا وستبقى من أجل السلم والأمان والاستقرار وتحييد المنطقة عن أهوال الحرب والدمار ونشر روح التآخي والتعايش المشبك وحسن الجوار مع الدولة الجارة تركيا وأن تكون عفرين عامل استقرار في المنطقة والبحث عن حلول سلمية لملء الفراغ الإداري فيها.
المعضلة هنا تكمن في المناطق المقابلة الواقعة بين تلك التي تسيطر عليها القوات التركية من جانب والأخرى الواقعة تحت سيطرة النظام السوري من جانب آخر
البيان الختامي للمؤتمر دعا إلى احترام حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، وإلغاء المظاهر المسلحة داخل منطقة عفرين المأهولة بالسكان، وإطلاق سراح كل سجناء الرأي والأحزاب الأخرى من سجون عفرين والدعوة لمصالحة وطنية.
كما طالب بضرورة نشر الأمن وحماية السلم الأهلي في المدينة وريفها، وفتح ممرات آمنة للأهالي بالتنسيق مع الجهات المختصة ونزع الألغام للدخول والخروج بشكل آمن، مع احترام خصوصية المكونات كافة (عرقية – دينية – مذهبية) في المنطقة والاهتمام بالتعليم والصحة والقضاء ومناحي الحياة الكريمة كافة.
ماذا بعد السيطرة؟
رغم رفع علم الجيش الحر فوق تراب عفرين، لا يعني إتمام السيطرة الكاملة على المدينة، فعمليًا لا يمكن الحديث عن انتهاء عملية “غصن الزيتون” بشكل كامل دون معرفة مصير المناطق التي ما زالت تحت قبضة وسيطرة عناصر وحداث حماية الشعب الكردية.
الوحدات الكردية رغم فرارها من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها في المدينة، ما زالت تحكم قبضتها على بعض الأجزاء، منها المحاصر في ريف عفرين، وآخر في الطرف المقابل في المناطق المتبقية بين مركز عفرين ومناطق سيطرة النظام في نبل والزهراء.
المراقبون للوضع عن كثب يرجحون سرعة سقوط الأجزاء المحاصرة في المناطق الداخلية لعفرين في يد قوات الجيش الحر المدعومة تركيًا خلال الساعات القليلة القادمة، خاصة بعد التفوق العسكري الواضح لصالح الجيش الحر مقارنة بحالة الإحباط وتراجع الروح المعنوية التي منيت بها عناصر وحدات حماية الشعب الكردي مع انعدام إمكانية الحصول على دعم عسكري من الخارج.
تخوفات ساورت آخرين بشأن مصير عفرين بعد تحريرها من القوات الكردية وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث ذهب البعض إلى لجوء تركيا لتسليمها إلى النظام السوري بعد الانتهاء من “غصن الزيتون” وهو ما استبعده محللون بصورة كاملة
المعضلة هنا تكمن في المناطق المقابلة الواقعة بين تلك التي تسيطر عليها القوات التركية من جانب والأخرى الواقعة تحت سيطرة النظام السوري من جانب آخر، وبحسب الخبراء فإنه من المستبعد تصاعد الأمور بين القوتين بما ينشب عنه صدام عسكري، إذ تشير التوقعات إلى تقدم الجيش الحر إلى عمق معين سيتم الاتفاق عليه مع روسيا لمنع حدوث أي اشتباك مع قوات الأسد.
البعض ذهب إلى أن تحديد خط يفصل بين القوات سينتشر فيه الجيش التركي من جانب، باعتباره امتدادًا لنقاط المراقبة التي يقيمها الجيش التركي بموجب اتفاق مناطق عدم الاشتباك الذي جرى في أستانة، وقوات النظام السوري من جانب آخر، قد تطرق إليه وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في اجتماع أستانة الأخير.
أما ما يتعلق بالمناطق ذات الأغلبية العربية مثل “منغ” و”تل رفعت” ومصيرها المتأرجح بين الجيش التركي الذي يسعى إلى توسيع دائرة المساحات المسيطر عليها والنظام السوري الذي ربما يطمع في السيطرة على المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الوحدات الكردية، فإن الوضع حيالها سيظل مبهمًا في انتظار التفاهمات القادمة بين أنقرة وموسكو.
تفاهمات روسية تركية تحدد مستقبل عفرين
عفرين.. إلى أين؟
تخوفات ساورت آخرين بشأن مصير عفرين بعد تحريرها من القوات الكردية وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث ذهب البعض إلى لجوء تركيا لتسليمها إلى النظام السوري بعد الانتهاء من “غصن الزيتون” وهو ما استبعده محللون بصورة كاملة على الأقل في الوقت الراهن لحين الحديث عن حل شامل ونهائي للأزمة السورية يقتضي انسحاب جميع القوات الأجنبية ووضع خطة سياسية شاملة لمستقبل السوريين.
المشهد يقود إلى تركيز الجيش التركي أولاً على إتمام السيطرة الكاملة على باقي المناطق المشار إليها سابقًا، ووضع حدود فاصلة بين تلك التي ستكون واقعة تحت سيطرته والأخرى الخاضعة لقوات النظام، لتبدأ بعد ذلك تطهير المدينة من التفجيرات والعبوات الناسفة المزروعة عبر أنفاقها الممتدة لعشرات الكيلومترات، هذا بخلاف عمل بعض الهيئات المدنية التركية الأخرى على إزالة آثار المعارك والدمار التي خلفتها الحرب الممتدة قرابة شهرين في محاولة لعودة الحياة الطبيعية للمدينة.
ربما تلجأ تركيا إلى تشكيل قوات شرطية وأمنية لتعزيز الأمن في المدينة، كذلك ترجح بعض المصادر إعادة هيكلة للأجهزة المحلية بعفرين، وتدشين كيانات أخرى لإدارة المدينة
الخدمات الإنسانية والأساسية لأهالي المدينة خاصة المتعلقة بالتعليم والصحة ستكون على رأس أولويات أنقرة كما فعلت في مناطق “درع الفرات” هذا بجانب السماح مباشرة بعودة جميع سكان المدينة الذين اضطروا للخروج منها بفعل المعارك هناك، وبالتوازي مع ذلك ستسهل تركيا عودة اللاجئين الذين تعود أصولهم للمدينة والبالغ عددهم 300 ألف لاجئ بحسب تصريحات بن علي يلدريم.
ربما تلجأ تركيا إلى تشكيل قوات شرطية وأمنية لتعزيز الأمن في المدينة، كذلك ترجح بعض المصادر إعادة هيكلة للأجهزة المحلية بعفرين، وتدشين كيانات أخرى لإدارة المدينة في المرحلة المقبلة، قد يكون فيها أكراد معارضين لقوات وحدات حماية الشعب الكردية، غير أن الأيام القادمة ربما تشهد حزمة من التفاهمات بين أنقرة من جانب وموسكو وطهران من جانب آخر تساهم بشكل كبير في تغيير ملامح الخريطة السياسية السورية.