بعض الأفلام تبدأ بتلك العبارة “مقتبس من قصة حقيقية”، أو ربما يفضل المخرج أن ينهي العمل بتلك العبارة، لتظل تفكر بعدها بعدة ساعات وربما أيام في كل مشهد رأيته على الشاشة، ومدى روعة أو بشاعة حدوث ذلك بالواقع، حسب نوع الفيلم الذي كنت تشاهده.اليوم نتحدث عن خمسة أفلام أؤكد لك أنك ستملك تقديرًا أكبر لهم حين تعلم أنهم بنيوا على أحداث حقيقية.
1- العجز الكبير (The big short)
قد يبدو للوهلة الأولى أن عدم فهمك للسوق العقاري الأمريكي عائقًا كبيرًا أمام مشاهدتك للفيلم؛ لكن لا تقلق، حتى وإن لم تتمكن من فهم بعض الأشياء أو المصطلحات هذا لن يؤثر على استمتاعك بالفيلم.
من شاهده بالفعل ربما لم يعرف أن الفيلم يتحدث عن الأزمة الحقيقية التي حدثت في السوق العقاري الأمريكي التي بدأت عام 2007.
أنتج الفيلم الأمريكي عام 2015، مستندًا في معالجته الاقتصادية إلى نظرية مايكل لويس الذي بدوره ألف كتابًا عن حقيقة ما حدث للسوق العقاري في هذه الفترة.
يعرض الفيلم الآثار المدمرة التي خلفها المجازفون الاقتصاديون في أمريكا، وكذلك التلاعب بالمنظومة الاقتصادية والتحايل عليها من أجل الحصول على ثراء سهل.
حاز الفيلم جائزة أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس، ورغم عدم اهتمام الجمهور بالقضايا الاقتصادية وصعوبة المصطلحات الاقتصادية المستخدمة، فإنه هذا الفيلم تمكن من تقديمها بشكل يثير اهتمام المشاهد، خالطًا هذا بالطابع الممزوج بين الكوميدي والتراجيدي الذي انتهجه أبطاله: كريستيان بيل وستيف كارل ورايان جوسلينج وبراد بيت.
أوضح الفيلم بصورة واقعية كيف تجلت تلك الأزمة الاقتصادية وتسببت في تقليل فرص العمل وإفلاس العديد من الأشخاص، وتأثير كل هذا على حياة المواطنين، كذلك ركز الفيلم بشكل كبير على جشع الرأسمالية.
2- يمكن أن يحدث لك (This could happen to you)
أحد أفضل أفلام نيكولاس كيدج، ويحكي قصة ضابط شرطة يعيش حياة عادية مع زوجته، لكن كل شيء يتغير حين يلتقي بنادلة ولا يتمكن من إعطائها إكرامية، فيخبرها أنه سوف يعطيها نصف تذكرة اليانصيب الخاصة به وبزوجته إذا فازا.
وبالفعل يفوز الزوجان، ويقرر الزوج إعطاء النادلة نصف ما فاز به؛ مما يؤدي إلى انفصال زوجته عنه، وتبدأ سلسلة كبيرة من القضايا بينهما تنتهي باستيلاء الزوجة على المبلغ بالكامل، ويخرج الزوج بقصة حب رائعة بينه وبين النادلة.
صدر الفيلم عام 1994، ورغم قصة الفيلم العجيبة، فإن هذه القصة ليست بأكملها محض خيال، ففي عام 1984 تقاسم روبرت كانينجهام مبلغ وقدره 6 ملايين دولار مع النادلة فيليس بينزو؛ مما يجعلها النادلة الأكثر حظًا على وجه الأرض.
3- الاختبار القاسي (Silenced)
أحد أشهر وأفضل الأفلام الكورية الجنوبية التراجيدية الذي يدور حول معلم رسم شاب يدعى كانج إن هو يعين للعمل في مدرسة للصم والبكم بعيدًا عن العاصمة، بعدما فقد زوجته، ويضطر لترك ابنته الوحيدة مريضة في رعاية والدته، من أجل العمل في أحد الأماكن البعيدة.
يحاول هذا المعلم المكافحة في هذا المكان القبيح والبشع، وتخطي حالته السيئة، لكن كل شيء يتغير حين يكتشف أن عددًا من أطفال المدرسة يغتصبون أمام الجميع ولا أحد يفعل شيئًا.
أثار الفيلم فور صدوره في 2011 جدلًا واسعًا وضجة كبيرة في كوريا، فقد صور الفيلم العديد من الأشياء البشعة التي تحدث للأطفال، وكيف تعامل القانون الكوري معها واستخفافه بما حدث، وفقدان هذا المعلم وظيفته لمجرد أنه حاول كشف الحقيقة.
ويعد السبب الرئيسي وراء حدوث تلك الضجة لا أحداث الفيلم ذاته، بل كون تلك الأحداث مقتبسة من أحداث واقعية حدثت بالفعل في مدرسة للصم والبكم في غوانغجو.
تأسست مدرسة إنهوا عام 1961 في مقاطعة غوانغجو بكوريا الجنوبية، وصنفت كأفضل مدرسة للمعاقين جسديًا في المنطقة منذ عام 2000، في عام 2005 خضعت المدرسة للتحقيق بشأن حوادث اعتداء جنسي وصلت إلى حد الاغتصاب، أبلغ عنها أحد المعلمين مما كلفه وظيفته.
وقد أثبتت التحقيقات أن ستة من المدرسين، بالإضافة إلى مدير المدرسة قد أساؤا للطلاب جنسيًّا، عن طريق التحرش والاغتصاب وتعذيب وترهيب عدد كبير من طلاب المدرسة أيضًا.
أدى نجاح الفيلم الكبير إلى احتجاج الرأي العام على الطريقة التي حقق فيها بالقضية، ثم أعيدت المحاكمة من جديد
ورغم أن التقارير أقرت بوجود عدد كبير من المتضررين جنسيًا أكثر مما هو مذكور في التحقيقات، فإن العقوبات جاءت متساهلة جدًا، فأربعة من المحكوم عليهم عادوا للعمل بالمدرسة من جديد، كما دفع المدير مبلغًا من المال على سبيل الغرامة، ومنهم من أفرج عنه بعد سنة.
اقتبست الكاتبة جونغ جي يونغ من هذه القصة عملها الرائع “البوتقة” الذي نشر في 2009، وحققت نجاحًا باهرًا، مما جعل المخرج هوانغ دونغ هيوك يقدمها في أحد أروع الأفلام على الإطلاق وهو “صامت” أو ما يعرف بالعربية “الاختبار القاسي” عام 2011، الذي نجح نجاحًا كبيرًا.
أدى نجاح الفيلم الكبير إلى احتجاج الرأي العام على الطريقة التي حقق فيها بالقضية، ثم أعيدت المحاكمة من جديد، وكانت المفاجأة الكبيرة هي اكتشاف تاريخ المدرسة الشنيع من ظلم وتعذيب؛ فقد شهدت إحدى المعلمات بأنها تعرضت للتعذيب عام 1964، من المدير ونائبه، بعدما اكتشفت أن اثنين من التلاميذ ضربا وجوعا حتى الموت، ثم أحرقت جثتيهما.
وقد شهد شخص آخر بأن أحد المعلمين أجبر طفلتين على التعري، ورسم لهما صورًا مخلة، وتحرش بآخرين، وتحت ضغط الرأي العام، نال مدير المدرسة حكمًا بالسجن لمدة 12 سنة، وحصل الآخرون على عقوبات مشددة أيضًا، كما ألغي قانون التقادم فيما يعرف بحوادث الاغتصاب لمن دون الـ13 سنة، وضد النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأغلقت المدرسة في العام التالي من صدور الفيلم نهائيًا.
4- الغرباء (The Strangers)
الغرباء فيلم من تأليف وإخراج براين بيرتينو، وهو يدور حول زوجين شابين يروعهما ثلاثة مهاجمين ملثمين في أحد المنازل الصيفية. يبدأ الفيلم بـ”جيمس” وصديقته “كريستين” يصلان إلى منزل طفولة جيمس الصيفي، متعبين بعد أمسية طويلة قضياها في حفل زفاف أحد الأصدقاء، في الرابعة صباحًا يطرق باب المنزل مما يبدو مفاجئًا؛ فهذا المنزل بعيد جدًا ومنعزل.
تقف أمام المنزل امرأة شقراء حجب وجهها بسبب الإضاءة، ويبدو أنها أخطأت في المنزل، ثم بعد ذلك تبدأ سلسلة من الأحداث المثيرة للرعب، من تخريب كل وسائل طلب المساعدة والنجاة الخاصة بالشابين، وبعد ذلك يبدأ الهلع الحقيقي.
اقتبس الفيلم من واقعتين حقيقيتين أولهما سلسلة الجرائم التي ارتكبتها “عائلة مانسن” الشهيرة، وعدد كبير من الاقتحامات التي حدثت في حي المخرج براين عندما كان طفلًا.
5- الريح تعلو (The wind rises)
Le vent se lève, il faut tenter de vivre
الريح تعلو، وأنت يجب أن تعيش
– “بول فاليري”
بهذا البيت الشعري الفرنسي يبدأ هاياو ميازاكي المخرج الياباني الشهير فيلمه الأخير الذي يتحدث فيه عن قصة حياة فتى صغير وهو “جيرو هوريكوشي”، طفل دائم الحلم بالسماء، بالتحليق والطيران، بطائرات جميلة، لكنها دائمًا ما تتلوث بشيء ما في أحلامه، دائمًا ما يتكرر هذا الكابوس، حيث تخيم الطائرات والمقاتلات والقنابل والقاذفات على أحلامه الصغيرة الجميلة.
يعرف جيرو جيدًا أنه لن يستطيع الطيران بسبب ضعف بصره، لكن يأتيه مصمم الطائرات الإيطالي الشهير كابروني في أحد أحلامه، ويخبره أنه لم يَقد طائرة واحدة من الطائرات التي صممها، وهناك الكثير من الطيارين، لكن لا يوجد هناك الكثير من مصممي الطائرات.
هكذا يكبر جيرو ولديه حلم كبير بتصميم الطائرات، يركز ميازاكي في الفيلم على شخصية هوريكوشي وحلمه، ورغم النقد العنيف الذي توجه إلى ميازاكي داخل وخارج اليابان بسبب نقده العنيف الخفي للحكومة اليابانية في أثناء الفيلم، فإن الفيلم نال نجاحًا باهرًا في أنحاء العالم. كما أن خبر اعتزاله غطى على ذلك الجدل الكبير والنقد العنيف، رشح الفيلم لنيل جائزة أوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة، كما رشِّح أيضًا لنيل جائزة Golden Globe.
اقتبست قصة الفيلم من مانجا تحمل العنوان نفسه، وبدورها اقتبست من قصة قصيرة للكاتب الياباني هوري تاتسو، الفيلم عبارة عن سيرة ذاتية لـ”جيرو هوريكوشي”، وهو مهندس ياباني ولد في فوجيوكا، وتوفي في طوكيو، وهو مصمم المقاتلة اليابانية “ميتسوبيشي زيرو” التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية.
يمكنك الآن بعد أن قرأت هذا المقال، أن تستمتع بالبحث عن الأشخاص الحقيقيين الذين بنيت عليهم تلك القصص.