ترجمة وتحرير: نون بوست
تتصفّح إدويج دياز ومساعدوها في حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف يوميًا الصحف المحلية في منطقة جيروند بالقرب من بوردو بحثًا عن أي أخبار جديدة. يتلقى أصحاب المتاجر الجديدة أو نادي كرة قدم الذي يفوز بالكأس ما بين 30 إلى 50 رسالة إلكترونية من دياز ومساعديها أسبوعيًا، سواء كانت للتهنئة أو المواساة أو فقط لمجرّد إلقاء التحية.
غالبًا ما يؤتي هذا ثماره، إذ تقول دياز (36 سنة) – النجمة الصاعدة في حزب مارين لوبان، التي أعيد انتخابها لعضوية البرلمان في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية المبكرة يوم الأحد الماضي – إن أصحاب مطعم ريفي جاءوا إليها في إحدى محطات التوقف الأخيرة ليشكروها على كلماتها الداعمة بعد الأضرار التي لحقت بهم جراء الفيضانات الأخيرة. وأفادت دياز بأنهم أخبروها بالتالي: “لم نكن نعتقد أن حزب التجمع الوطني لديه أشخاص مثلك”، مضيفةً أن الزوجين اشتكيا من تجاهل السياسيين المحليين الآخرين لهما.
يمثّل العمل المنهجي الذي قامت به دياز في جيروند السياسة المحلية القديمة التي تبناها حزب التجمع الوطني في السنوات الأخيرة، التي وضعت الحزب اليميني المتطرف على مسافة قريبة من تولي السلطة في فرنسا.
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قلل من شأن قوة الحزب الذي تقوده منافسته لوبان منذ فترة طويلة عندما دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة الشهر الماضي. فقد فاز حزب التجمع الوطني وحلفاؤه بسهولة في الجولة الأولى بنسبة 33 بالمائة من الأصوات، يليه حزب الجبهة الوطنية اليساري وتحالف ماكرون الوسطي “معًا”.
وتشير استطلاعات الرأي قبل الجولة الثانية في 7 تموز/يوليو إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو برلمان معلّق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التحركات التكتيكية التي قام بها تحالف الجبهة الوطنية اليساري وحزب التجمع لسحب معظم مرشحيهم الذين احتلوا المركز الثالث من جولة الإعادة. ولكن لا يزال من المتوقع أن يكون حزب لوبان المناهض للهجرة والمشكك في أوروبا هو القوة الأكبر في الجمعية الوطنية بأكبر عدد من المقاعد.
لطالما كان حزب التجمع الوطني معارضًا هامشيًا ليس له وجود محلي يذكر، إلا أنه استطاع تدريجيًا أن يشكّل شبكة وطنية، وساعده على ذلك في البداية عشرات البلديات في المدن والبلدات الصغيرة مثل هينان بومون وبيربينيان وفريجوس.
يقول لويس أليوت، وهو عضو بارز في حزب التجمع الوطني انتُخب رئيسًا لبلدية بربينيان سنة 2020، إنه أمضى سنوات في بناء الدعم المحلي في المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد: “انتقلت إلى هنا وافتتحت مكتبًا للمحاماة والتقيت بكل من استطعت طمأنته، لقد انصهرت في نسيج المدينة حتى رأى الناس أخيرًا أنني لست فاشيًا، بل شابًا محترمًا يمكنهم الوثوق به”.
تم تعزيز هذا الجهد في سنة 2022 من خلال انتخاب غير مسبوق لـ 89 نائبًا من هذا الحزب في البرلمان، ومع هؤلاء النواب جاءت الأموال من نظام تمويل الدولة للأحزاب السياسية، وهو ما شكّل تغييرًا بالنسبة للحزب الذي عادة ما يعاني من ضائقة مالية، مما سمح لهم بتوظيف المزيد من الموظفين. ثم طلبت لوبان من نوابها أن ينتشروا في نهاية كل أسبوع في دوائرهم لحضور الفعاليات المحلية ليكونوا، على حد تعبيرها، “المدافعين عن المواطنين” الذين غالبًا ما يشعرون بالإهمال وسط التراجع الملحوظ في الخدمات العامة، مثل مكاتب البريد أو المستشفيات.
عزّز هذا الحضور المحلي من مهمة لوبان التي استمرت عقدًا من الزمن لـ “تطهير” الحركة اليمينية المتطرفة التي شارك والدها جان ماري لوبان في تأسيسها سنة 1972 رفقة بيير بوسكيه، وهو صحفي وجندي سابق في الوحدة الفرنسية التابعة لقوات فافن-إس إس النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
يقول كيفين بيفير، أمين صندوق حزب التجمع الوطني الفرنسي – وهو أحد نواب منطقة شمال شرق موزيل – إن مجموعة المشرعين الجدد الذين انتخِبوا سنة 2022 يتمتعون بمكانة جديدة في دوائرهم. وقال “لقد أراد المسؤولون مثل المحافظ ونائب المحافظ ورئيس الشرطة ورئيس مكتب البطالة مقابلتنا”، بينما كان التجمع الوطني قبل ذلك منبوذًا إلى حد كبير من قبل كبار الشخصيات المحلية.
تطوّر دعم التجمع الوطني ببطء ليشمل شريحة أوسع من الناخبين، مما سمح لهم بحصد المزيد من الأصوات: النساء والعمال ذوي الياقات البيضاء وكبار السن. وقد تطوّر نمط التصويت لحزب التجمع الوطني من وسيلة للاحتجاج أو التعبير عن الغضب إلى تصويت نابع من الثقة في أجندة الحزب وزعيمته لوبان ومعاونها جوردان بارديلا، البالغ من العمر 28 سنة.
كتب خبير استطلاعات الرأي بريس تينتورييه الأسبوع الماضي: “التصويت المدفوع بعدم الرضا لا يزال موجودًا، لكنه أصبح محركًا ثانويًا مقارنةً بدعم الأفكار والقيادة”. جاءت نقطة التحول المبكرة في سعي لوبان لإضفاء الطابع الاحترافي على اليمين المتطرف قبل عقد من الزمن، وتحديدًا في سنة 2014، عندما فاز أحد أقطاب الحزب، ستيف بريوا، في انتخابات بلدية هينان بومونت في شمال فرنسا.
استفاد حزب التجمع الوطني من الدمار الاقتصادي الناجم عن إغلاق المصانع حول البلدة التي يبلغ عدد سكانها 26 ألف نسمة في منطقة تعدين سابقة في منطقة با دو كاليه. وقد مهّد فوز بريوا بمنصب عمدة البلدة الطريق أمام انتخاب لوبان نفسها نائبة عن الدائرة المحلية في سنة 2017، وهي ثالث محاولة لها لدخول المجلس البلدي.
وفي السنة التالية، بعد خسارتها في الانتخابات الرئاسية أمام ماكرون، أعادت تسمية حزب الجبهة الوطنية إلى حزب التجمع الوطني، بهدف جعل الناخبين ينسون التجاوزات العنصرية والمعادية للسامية التي ارتكبها والدها ومعاصروه.
أجرى بريوا أيضًا بعض التغييرات التجميلية في هينان بومونت، وتحدث السكان المحليون عن محاولاته لتجميل منطقة لا تزال تعاني من إغلاق المتاجر والبطالة. بين المنازل المبنية من الطوب الأحمر، بعضها متهدم أو مغطى بألواح خشبية، تم تزيين الشوارع بأواني الزهور، وأشاد السكان بتجديد حوض السباحة ومحطة القطار التي تربطهم بمدينة ليل.
كما تتذكر موريسيت، وهي عاملة نظافة متقاعدة كانت تعمل في صناعة النسيج المتدهورة في وقت من الأوقات، كيف استدعتها بلدية هينان بومونت “بسرعة كبيرة” لمساعدتها في العثور على سكن اجتماعي عندما توفي زوجها.
وقال أليوت إنه سعى أيضًا بصفته عمدة بربينيان إلى تحسين حياة الناس اليومية. فقد وضع المزيد من شرطة المدينة في الشوارع، وقام بتنظيف وسط المدينة، وحاول تنشيط الأحياء الفقيرة “لجعل العيش فيها أكثر سهولة”. وأضاف “فقدت السياسة صلتها بالشعب لعقود من الزمن. فالعديد من المسؤولين المنتخبين يعتقدون أنهم فوق الجميع، لم يعد الناخبون يريدون ذلك بعد الآن، إنهم يريدون من السياسيين أن يتعاملوا مع المشاكل في حياتهم اليومية، عليك أن تهتم بالناس”
أظهرت الدراسات أن الناس يدعمون حزب التجمع الوطني لأسباب متعددة، بعضها أيديولوجي وعقلاني، وبعضها الآخر أكثر ذاتية مثل الشعور بأن “أسلوب الحياة” الفرنسي في خطر أو أن الناس لم يعودوا “يشعرون بأنهم في وطنهم” في فرنسا.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس مؤخرًا أن القوة الشرائية وتكلفة المعيشة كانتا أهم الأسباب التي دفعت الناخبين لاختيار حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية في حزيران/يونيو، تليها الهجرة والجريمة. ومقارنةً بالناخبين من الأحزاب الأخرى، كانوا أقل انجذابًا لقضايا مثل جودة الخدمات الصحية أو عدم المساواة الاجتماعية أو تغير المناخ
تقول دياز، النائب عن جيروند، إنها انجذبت إلى الحزب في البداية بسبب تعهده الرئيسي بإنشاء “تفضيل وطني” من شأنه أن يعطي الأفضلية للمواطنين الفرنسيين في وظائف الخدمة المدنية والإسكان الاجتماعي، وكذلك بسبب لوبان نفسها. ولكن قبل عقد من الزمان عندما بدأت حملتها الانتخابية لصالح حزب التجمع الوطني في محيط مسقط رأسها في جيروند، قوبلت بعداء صريح، قالت عنه “كنت أحتاج أن يكون جلدي سميكًا”.
لكن، لم يعد الأمر كذلك. الآن، يسأل بائع سمك في أحد الأسواق دياز: “أي منصب وزاري ستشغلين؟”. قالت دياز عن عمل الحزب على تحطيم ما أسمته “الصور الكاريكاتورية” حول مواقفهم: “لقد أزلنا تلك الحواجز الأخيرة، ذلك التحفظ. هناك ثلاثية في المشهد، إنها شخصيات مارين لوبان وجوردان بارديلا والجهود المحلية”.
إلى جانب التركيز على القضايا المحلية، اتسمت إدارة حزب التجمع الوطني للبلدات والمدن في الماضي بأيديولوجيته. فقد وصفت ورقة بحثية صدرت سنة 2020 للمؤرخ والعضو السابق في مجلس مدينة هينان بومونت، ديفيد نويل، كيف أصبحت البلدة مختبرًا لأفكار الحزب. وقد تباهى بريوا في سنة 2015 خلال أزمة اللاجئين السوريين برفضه استقبال أي منهم، وأقر المجلس المحلي ميثاقًا بعنوان “بلديتي بلا مهاجرين”.
لا يزال أمام الحزب أيضًا عمل يتعين عليه القيام به للقضاء على مشكلة الفساد العالقة التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما انتهى الأمر بالعديد من رؤساء البلديات التابعين للجبهة الوطنية إلى مواجهة اتهامات بالكسب غير المشروع. وقد ظهرت مزاعم في السنة الماضية ضد ديفيد راشلين، وهو حليف مقرب من كل من لوبان وبارديلا شغل منصب عمدة بلدة فريجوس منذ سنة 2014، وهي بلدة تقع على كوت دازور بالقرب من مدينة كان.
وقد استعرضت الصحفية الاستقصائية كامي فجون لو كوت في كتابها الصادر السنة الماضية كيفية توقيع راشلين على اتفاقيات منحازة مع مطوري العقارات، وإساءته لإدارة الإنفاق ليزيد من ديون المدينة الثقيلة بالفعل.
قالت في مقابلة أجريت معها: “في فريجوس، تجد نظامًا من المحسوبية يحيط براشلين”، مثل تخصيص وحدات جديدة من المساكن الاجتماعية لأشخاص من موظفيه أو مقربين منه. وقد فتحت النيابة العامة تحقيقًا أوليًا، بينما أنكر راشلين في الماضي ارتكاب أي مخالفات، ولكن لم يتسن الحصول على تعليق منه.
وثقت فجون لو كوت كيف أصبح المزاح العنصري شائعًا في دار البلدية، مثل عندما نشر أحد مساعدي راشلين رسالة على فيسبوك يدين (مع رموز تعبيرية عنصرية) إعلانًا تلفزيونيًا يظهر فيه زوجان مختلطان عرقيًا. قالت فجون لو كوت: “هناك تناقض بين الصورة الناعمة المصقولة التي تنقلها مارين لوبان والقيادة الوطنية لحزب التجمع الوطني والواقع في فريجوس”.
كانت هناك بعض اللحظات غير المحسوبة أيضًا في الآونة الأخيرة، بالأخص مع تسليط الأضواء على مئات المرشحين من حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات المبكرة. فقد اضطرت مرشحة لعضوية البرلمان لأول مرة في نورماندي إلى سحب ترشيحها هذا الأسبوع عندما ظهرت صورة قديمة لها وهي ترتدي قبعة القوات الجوية النازية. كما أن العديد من المرشحين غير معروفين ولا يتمتعون بخبرة كبيرة، في إشارة إلى أن حزب التجمع الوطني لا يزال يفتقر إلى قاعدة عميقة من الكوادر. وقد أثار روجيه شودو، وهو نائب في البرلمان يترشح لإعادة انتخابه، رد فعل عنيف الأسبوع الماضي عندما سُئل عن اقتراح الحملة الانتخابية الذي طرحه حزب التجمع الوطني بحصر بعض المناصب الحكومية “الحساسة” على المواطنين الفرنسيين.
انتقد شودو وزيرة التعليم السابقة نجاة فالو بلقاسم، وهي فرنسية مغربية، مستشهدًا بـ”مشكلة الولاءات المزدوجة”، باعتبارها شخصًا لم يكن ينبغي تعيينه أبدًا، وقال: “يجب أن يتولى المناصب الوزارية أشخاص فرنسيو الأصل، انتهى”.
تبرأت لوبان من هذه التعليقات، إلا أن العديد من ناخبي حزب التجمع الوطني يوافقون على موقف الحزب: “الشعب الفرنسي أولاً”، ووعوده بخفض عدد الأجانب الوافدين إلى البلاد. ويقول حزب التجمع الوطني إنه سيقلص مزايا الرعاية الاجتماعية والتأمين الطبي للمهاجرين، وهي رسالة يرحّب بها بعض الناخبين الذين يشعرون بضائقة مالية في ظل التضخم.
ذكر جيمي: “الجميع يصفنا دائمًا باليمين المتطرف، لكن والدي مغربي، وليس من العنصرية أن ندعمهم”، وجيمي متعهد دفن الموتى يبلغ من العمر 32 سنة ويعمل في دار للجنائز في شمال فرنسا، وكان في حفل لوبان الانتخابي يوم الأحد في هينان بومون. وهو يشعر بالقلق إزاء التحديات اليومية مثل معاش جدته البالغ 900 يورو شهريًا ومعاناته للحصول على زيادة في الراتب، ويقول: “نحن بحاجة إلى مساعدة الفرنسيين قبل مساعدة الدول الأخرى”، في إشارة إلى المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
في البداية، تحدث ماكرون، الذي فاز بالرئاسة كدخيل في سنة 2017، عن تقريب السياسة من الشعب، وتعهد بالحكم بشكل مختلف من خلال زيادة مشاركة المواطنين في الاستفتاءات واللجان الاستشارية حول قضايا مثل تغير المناخ. ولكن سرعان ما تلاشت هذه الوعود. وقد أدى تشكيك ماكرون في الأحزاب ورغبته في تركيز السلطة في قصر الإليزيه إلى إهمال حزبه الوسطي الجديد، الذي كان يُسمى آنذاك “الجمهورية إلى الأمام”، وفقًا لأعضاء سابقين في الحزب.
اعترف أحد نواب حزب “الجمهورية إلى الأمام” السابقين الذين انتخبوا في سنة 2017 بأن عدم وجود هيكل حزبي يعني أنهم لم يفوزوا بالعديد من مناصب العمد أو الانتخابات المحلية لاختيار رؤساء المناطق والمقاطعات، التي تتمتع بسلطة محلية كبيرة. وأضاف: “لم يكن ماكرون مهتمًا بالحزب أبدًا، ولم يكن الحزب قوة لا في النقاشات والسياسات، ولا في عمل المجموعة البرلمانية للرئيس”.
مع ذلك، يجادل فلوران بودييه، أحد نواب ماكرون الذين لا يزالون في دائرة أخرى في جيروند، بأن تفاخر التجمع الوطني بتفوقه في اللعبة على الأرض كان مبالغًا فيه. وأضاف بودييه، وهو نائب اشتراكي سابق قبل انضمامه إلى حزب “الجمهورية إلى الأمام” في سنة 2017، إنه تمكن من الاعتماد على علاقاته البلدية وقاعدة السلطة التي بناها جزئيًا في دوره السابق، وأنه من بين أولوياته إبقاء المستشفيات المحلية مفتوحة وتجهيز المراكز الطبية بأجهزة مسح ضوئي متطورة.
في حديثه في إحدى محطات حملته الانتخابية في سوق في ليبورن، قال إن زخم اليمين المتطرف قد ترسّخ في هذه المدينة الخلابة الواقعة على نهر دوردوني في ظل شعور الكثيرين بالإهمال، على عكس بوردو المزدهرة القريبة مضيفًا أن هذا يعكس ظاهرة وطنية. وأضاف بودييه: “بالإضافة إلى شكل من أشكال التجاهل، ينتابك شعور بأن الناس ليسوا على ما يرام بطريقة ما، سواء كان ذلك ثقافيًا أو اقتصاديًا أو في الأنشطة الترفيهية، إنهم يشعرون بأنهم منسيون من قبل الجمهورية”.
يواجه بودييه معركة شاقة للتغلب على مرشح التجمع الوطني، وسيحتاج إلى دعم جميع الناخبين اليساريين تقريبًا في الجولة الثانية. ولكن على المستوى الوطني، يبدو أن الاستراتيجية المنسقة التي اعتمدها ماكرون وحزب الجبهة الوطنية اليساري لإبعاد حزب التجمع الوطني عن السلطة من خلال سحب المئات من مرشحيهم من الجولة الثانية من الانتخابات المبكرة ستؤتي ثمارها.
فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام في 2 تموز/ يوليو أن ثلثي من تم سؤالهم لا يريدون أن يفوز التجمع الوطني بأغلبية مطلقة، وهو ما يوضّح كيف أن الحزب لديه قاعدة صلبة ولكن لديه أيضًا كتلة كبيرة من المعارضين. لكن حتى إذا لم يتمكن حزب التجمع الوطني من الفوز بـ 289 مقعدًا من أصل 577 مقعدًا اللازمين لإجبار ماكرون على تعيين رئيس وزراء من حزب التجمع الوطني على رأس حكومة يمينية متطرفة، فإن سياسيي الحزب سيواصلون وضع الأسس للانتخابات المقبلة.
في جيروند، تحاول النائب دياز زيارة كل ركن من أركان دائرتها الانتخابية في بلدة كافينياك الصغيرة. ويستقبل العديد من المارة في سوق الفاكهة والخضروات دياز بالقبلات، ويغدقون عليها بقصص أبناء إخوتهم وأحفادهم الذين شاهدوها هنا أو هناك. وفي قرية أخرى مجاورة حيث تستضيف دياز مؤيديها في تجمع صغير، يطلب أعضاء حملة التجمع الوطني من الناس أرقام هواتفهم حيث سيتم استخدام هذه الأرقام لبناء قاعدة بيانات مؤيدي الحزب ودعوتهم إلى الحفلات المحلية أو فعاليات الحملات الانتخابية.
ويهدفون أيضًا إلى متابعة الأشخاص الذين لديهم شكاوى أو طلبات ومساعدتهم على التعامل مع متاهة البيروقراطية الفرنسية من خلال دفع ملفاتهم إلى أعلى القائمة. وضرب المساعدون مثالاً على ذلك بدار جنائز كانت تكافح من أجل الحصول على تصاريح محلية لتركيب محرقة جثث جديدة إلى أن تدخلت دياز.
يعترف الخصوم السياسيون بأن دياز مجتهدة في عملها ومهذبة، لكن فيرونيك أميريه، النائب المهزومة عن تحالف ماكرون الوسطي في هذه الدائرة، تقول إن انتصار منافستها على المستوى المحلي يعود أيضًا إلى كراهية الشعب العميقة للرئيس الحالي وما تراه هي حماسة غير عقلانية حول وعود التجمع الوطني. وتقول أميريه: “من السهل جدًا أن تكون ديماغوجيًا”. وقد تمكنت دياز من اكتساب أتباع لها لدرجة أن أميريه تقول إن جارتها وضعت شمعتين بجانب صورتها مثل صورة مادونا.
كان فرانسيس بالوديتو، وهو جامع قمامة يبلغ من العمر 61 سنة، يترك ورقة اقتراعه فارغة قبل أن يصبح من مؤيدي دياز، وهو يقدّر جهودها لوقف الاقتطاعات في عمليات جمع القمامة من على عتبات منازل الناس، ويقول إن ماكرون “أدار ظهره للناس”. وذكر أن الناخبين الفرنسيين يجب أن يمنحوا حزب التجمع الوطني السلطة لأن “لديه أفكارًا يمكن أن تغير السياسة”.
المصدر: فاينانشال تايمز