يقيم عامر أحمد حسين البالغ من العمر 45 عامًا، في قرية “مشابب” إحدى قرى منطقة “جحاف” التابعة لمحافظة الضالع، جنوبي اليمن، حيث يفصل بين قريته والقرى المجاورة لها عدد من الطرق الوعرة التى تنطوي على مخاطر كثيرة لمن يجتازها، في وقت تفتقر فيه القرية لوسائل العيش البسيط.
يعول “عامر” أسرة مكونة من عشرة أفراد، ورغم أنه يعمل في مهنة البناء إلا أنه يقضي أغلب أوقاته عاطلاً، بسبب قلة فرص العمل إن لم نقل انعدامها فى أحيانٍ كثيرة.
إلا أنه مؤخراً أدرجت قريته ضمن برنامج “مساعدة” ينفّذه الصندوق الاجتماعي للتنمية، وهي مؤسسة حكومية تعمل في مكافحة الفقر ودعم التنمية تحت شعار “النقد مقابل المال”، فبموجب هذا الإدراج تختار كل أسرة شخصًا منها للمشاركة في أي عمل تنموي بالمحافظة أو القرية التي يقطنها على أن يحصلوا مقابل ذلك على مبلغ مالي بقدر المشاركة.
يقول عامر أنه حصل هذا الأسبوع على 250 دولارًا، يرى أنه ما كان ليحصل عليها لولا هذا المشروع، مشيرًا إلى أنه اشترى مواد غذائية لأسرته التى تواجه صعوبات الحياة في بيئته القاسية.
أما في قرية “الريامة” الواقعة في أعالي سلسلة جحاف الجبلية المرتفعة عن مستوى سطح البحر بأكثر من 7500 قدم، بمحافظة الضالع أيضا، تبدو الأوضاع مشابهة حيث توجد أسر كثيرة تعاني الفقر وقسوة الحياة.
يقول عبدالله علي محمد -33 عامًا- والذى يعول أسرة من ستة أفراد: “طغى علىَّ الشعور باليأس والإحباط، حيث أجدني بلا مستقبل؛ لأن الأوضاع لدينا صعبة وأنا لا أملك وظيفة أو مصدر دخل، وعندما دخلت هذه البرامج قريتنا فرحت كثيرًا بها، لأنها توفّر لنا فرص عمل”، مضيفاً أنه حصل الشهر الماضي من الصندوق الاجتماعي على مائة وخمسين ألف ريال -700 دولار-، وعليه قام ببناء مطبخ داخل بيته، لأنهم كانوا بدون مطبخ، واستدرك قائلا: “هذا المبلغ يعتبر قليلاً بالنسبة لغيرنا ولكننا نراه كبيرًا”.
أما ناجي سعيد قاسم فيقول إن له أسرة كبيرة لكنه مجرد عامل بسيط يعمل بالأجر اليومي، وفي أحيانٍ كثيرة يضطر للسفر خارج منطقته، بحثًا عن عمل يؤمّن لأسرته لقمة العيش، مشيرًا إلى أن هذا هو حال غالبية سكان قريته “ثماد” والمنطقة عمومًا، ويرى أن وجود هذه البرامج في منطقتهم فرصة ذهبية، لأنهم من خلالها يحصلون على مبالغ تؤمّن لهم الحاجات الأساسية على الأقل، بحسب تعبيره.
وفي منطقة “الأرزاق”، التابعة لمحافظة الضالع، لا تبدو قراها أحسن حالاً من سابقتها “جحاف”، إن لم تكن أكثر وعورة وقسوة، كما يقول زيد أحمد حسين، شاب يعمل سائقًا لسيارة يملكها أحد أقربائه، تنقل الناس من القرى المجاورة إلى مدينة الضالع عاصمة المحافظة، وعلى الرغم أن غالبية المواطنين يرونه محظوظًا بالنظر لما يدره عليه عمله من مال، إلا أنه يرى أن مطالب الحياة بالنسبة لأسرته المكونة من ثلاثة عشر شخصًا، جميعهم أطفال، تتخطى أحيانا ما يعود عليه من عمله.
حسين استغل معرفته الواسعة للقرى التي تشملها مبادرة الصندوق الاجتماعي في التعاون مع القائمين عليها في نقل ما يحتاجونه إلى الجهات التى يقصدونها، حيث أن العمل بشكل مستمر يرهقه كثيرًا لكنه مضطر لتأمين مطالب أسرته، ويرى أن العمل مع هذه المنظمات يوفّر له يوميًا ما بين 150 و200 دولار، وهى مبالغ يمكنه إدخارها لتلبية الزائد من احتياجات أسرته.
وحول طبيعة عمل هذا البرنامج، قال فارس محمد سعيد، الاستشاري في برنامج الصندوق الاجتماعي للتنمية، إن الصندوق أطلق مبادرة “النقد مقابل العمل”، من أجل تعزيز دور الصندوق في دعم الأسر الفقيرة والإسهام في سد فجوة الاستهلاك لديها، وفق مجموعة من البرامج ترتكز على قاعدة دفع الأجر للعامل مقابل ما يؤديه من عمل.
وأضاف سعيد أن هذه البرامج تهدف إلى تخفيف معاناة الأسر المتأثرة بالأزمة الغذائية عبر إيجاد فرص عمل مؤقتة، واستثمار فرص العمل التي يوفّرها البرنامج في تنفيذ مشاريع مفيدة لخدمة المجتمعات المستهدفة، مشيرًا إلى أن المدة الزمنية للبرنامج 6 أشهر، بينما يبلغ عدد المستفيدين منه في محافظة الضالع قرابة 3500 أسرة.
وتشمل مجالات عمل البرنامج حماية قنوات الري والأراضي الزراعية، فضلاً عن استصلاح الأراضي، وإزالة الأشجار الضارة وإنشاء الحدائق المنزلية، وزراعة أشجار لحماية القرى والأراضي الزراعية والطرق من زحف الرمال، وتحسين وحماية الطرق الريفية القائمة، ورصف الأسواق الريفية العامة، بحسب سعيد.
وعن الجهات الداعمة للبرنامج، قال الاستشاري إن الجهات التي تموّل مشاريع البرنامج وبرامجه الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى جهات ومنظمات أخرى أجنبية وعربية عديدة.
وبحسب سعيد فإن البرنامج بدأ تنفيذه في العام 2008، وهو الآن يعمل في عدد من المحافظات اليمنية فضلا عن محافظة الضالع التي بدأ عمل البرنامج فيها أواخر العام الماضي، ويستهدف 126 قرية على مستوى المحافظة.
وتقدر إحصائيات الحكومة عدد الفقراء في الضالع بـ 224 ألفًا من إجمالي عدد سكان المحافظة البالغ نصف مليون نسمة، حسب إحصائيات صدرت العام الماضي عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط اليمينية، اي بنسبة تقترب من الـ50 %.
وتتراوح معدلات الفقر في اليمن بشكل عام بين 34 بالمائة وفقًا لتصريحات صحفية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء اليمني في أكتوبر/تشرين أول الماضي، و43 بالمائة حسب إحصائيات أصدرها مكتب برنامج الأغذية العالمي بالأمم المتحدة أواخر العام 2013.
أما البنك الدولي فيرى أن النسبة تتراوح بين 52 و53 بالمائة، وفقا لحديث أدلى به وائل زقوت، مدير مكتب البنك باليمن، لوسائل الإعلام فى صنعاء في ديسمبر الماضي.
وفيما يتعلق بنسب البطالة، كشف البنك الدولي، في تقرير أصدره الشهر الماضي أن معدل البطالة في اليمن هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرًا إلى أنه وصل في صفوف الشباب إلى 60 بالمائة، بينما آخر تقديرات حكومية أوضحت أن المعدل وصل في العام 2010 إلى 17 بالمائة، لكن تقديرات منظمة العمل الدولية تفيد أن معدل البطالة في الفئة العمرية (15-24) وصل إلى 53 بالمائة، وفي الفئة العمرية (25-29) يصل إلى 44 بالمائة.
وكشف تقرير صادر عن صندوق النقد العربي في بداية العام الجاري أن اليمن جاءت في المرتبة الأولى عربيًا فى ارتفاع معدل البطالة بنسبة 30 بالمائة، مقارنة بالمعدل العالمي للبطالة الذي يبلغ وفقا للتقرير ذاته 5.9 في المائة.
فلم وثائقي يتحدث عن مبادرة “النقد مقابل العمل”