ترجمة وتحرير: نون بوست
من المقرر أن يلتقي الأمير السعودي محمد بن سلمان يوم الثلاثاء بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، حيث ستتبوأ عدوتهم المشتركة إيران مكانة بارزة ضمن أجندة اللقاء. لكن الأمير السعودي، البالغ من العمر 32 سنة سيتطلع لتسليط الضوء على أهم التغييرات الشاملة التي اتخذها داخل المجتمع السعودي ونيته اعتماد سياسة خارجية حازمة تشمل الحرب في اليمن. وحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، سيقوم الأمير خلال هذا الأسبوع بجولة عبر الولايات المتحدة، حيث يعتزم تلميع صورة بلاده في صفوف رجال الأعمال والمشككين من عامة الشعب.
أُعلن محمد بن سلمان وريثا للعرش قبل تسعة أشهر من قبل والده، الملك سلمان البالغ من العمر 82 سنة، الذي عمد إلى منح ابنه صلاحيات جديدة وعلى نطاق واسع. وقد عرف بن سلمان بإصلاحاته الثورية بالمقارنة بالمعايير المعهودة في المملكة العربية السعودية. فقد ساهم في تحرير النساء السعوديات، واقحام الموسيقى والسينما في صلب الثقافة السعودية، كما قام بشن حملة ضد الفساد في بلد يحتضن نحو 15 ألف أمير، مع العلم أن تغيير الثقافة السعودية لن يكون بالأمر الهين. وفي أول مقابلة له مع شبكة تلفزيونية أمريكية، كان ولي العهد حريصا على مناقشة الوعود التي يرجى تحقيقها في بلاده وسمعتها التي تحوم حولها العديد من الشبهات في العالم. وفيما يلي مقتطفات من المقابلة التي أجراها مع قناة “سي بي أس” الإخبارية ضمن برنامج “60 دقيقة”.
الحرب في اليمن
وفقا لوكالة الأنباء بلومبيرغ نيوز، تخوض المملكة العربية السعودية السنية منذ ثلاث سنوات حربا ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين، وحسب زعم ولي العهد السعودي، يتلقون الدعم من قبل إيران الشيعية التي تسيطر على المنطقة. وقد قتل الآلاف نتيجة الغارات الجوية والحصار البحري، الذي أعاق دخول المساعدات الإنسانية. في هذا الشأن، أفاد بن سلمان أن المتمردين أطلقوا صواريخ باتجاه العاصمة الرياض، في حين أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع مثل هذه الهجمات التي قد تطال مدنها، في حال نفذت من قبل المكسيك على سبيل المثال.
عندما سئل ولي العهد عن تقديره لعدد القتلى في صفوف اليمنيين، وصف الوضع بأنه مؤلم في حين حمل مسؤولية ذلك للعدو. وأردف الأمير، قائلا: “آمل أن تتوقف هذه الميليشيات عن توظيف الوضع الإنساني لصالحها من أجل كسب تعاطف المجتمع الدولي. في الواقع، تعمل هذه الميليشيات على الحيلولة دون دخول المساعدات الإنسانية من أجل خلق حالة مجاعة وأزمة إنسانية داخل البلاد”.
دور المرأة
نفد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جملة من الإصلاحات في مجال حقوق المرأة، التي تمثلت تحديدا في تخفيف القيود المفروضة على اللباس ومزيد تشريك المرأة في سوق العمل ورفع الحظر المفروض على قيادتها للسيارة. ويتناقض هذا الأمر مع قوانين الوصاية التي لا تزال قائمة والتي تحتم على النساء الحصول على موافقة من ولي أمرهن حتى يتسنى لهن القيام بمجموعة من الأنشطة.
في سياق متصل، صرح بن سلمان، قائلا: “لدينا العديد من المتطرفين الذين يحرمون الاختلاط بين الجنسين ولا يستطيعون التفريق بين فكرة وجود رجل وامرأة بمفردهم وبين وجودهم بمفردهم في مكان عمل. وتتناقض هذه الأفكار مع أسلوب الحياة في زمن الرسول. نحن جميعنا بشر ولا يوجد بيننا اختلاف”. وحسب ما جاء في تقرير نيويورك تايمز، قام بن سلمان بالحد من صلاحيات “الشرطة الدينية”، التي كانت إلى وقت غير بعيد تتمتع بالقدرة على اعتقال النساء غير المحجبات. وقد شكك بن سلمان في المفهوم التقليدي لمقياس الحشمة فيما يتعلق بلباس المرأة المفروض في المملكة.
في هذا الشأن، أورد بن سلمان، أن “القوانين واضحة ومنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، حيث يجب على النساء ارتداء ملابس لائقة ومحترمة على غرار الرجال. لكن ذلك لا يعني أن الأمر يقتصر على عباءة وغطاء رأس أسود. ففي الواقع، يرجع القرار بالكامل للنساء لاختيار أي نوع من الملابس اللائقة والمحترمة لارتدائها”. عموما، تعتبر رؤية بن سلمان نافذة، في الوقت الذي يلتزم فيه رجال الدين في المملكة الصمت، معلنين الولاء التام لولي العهد الشاب.
جذور التطرف في المملكة
اعترف بن سلمان أن المجتمع السعودي كانت تهيمن عليه قيود مذهب إسلامي متشدد، تعود جذوره إلى سنة 1979، إبان اندلاع الثورة الإسلامية في إيران والاستيلاء على الحرم المكي من قبل متطرفين. وفي هذا الإطار، أقر بن سلمان، قائلا: “لقد كنا ضحايا، وخاصة جيلي الذي عانى كثيرا من هذا الأمر. هذا الأمر لا يعكس الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية. وسأطلب من المشاهدين الأمريكيين البحث عبر هواتفهم عن السعودية في السبعينات والثمانينات، وقتها سيتمكنون من التعرف على الصورة الحقيقية للبلاد”.
وأردف بن سلمان، أن “حياتنا كانت طبيعية جدًا مثل بقية دول الخليج، حيث كانت النساء تقود السيارات، كما كان هناك دور سينما. عدا عن ذلك، كانت النساء تعمل في مختلف المجالات. فقد كنا مجرد أشخاص عاديين يسيرون نحو التطور مثل أي بلد آخر في العالم، إلى أن جدت أحداث 1979”.
حملة تطهير الفساد
دافع ولي العهد وبشكل مطول عن سياسته المتعلقة بحملة تطهير الفساد، التي اقتضت حجز العديد من أمراء المملكة والأثرياء لأسابيع في فندق ريتز كارلتون الرياض الذي يتسم بالفخامة، الأمر الذي اعتبره العديد من الأشخاص محاولة منه لإحكام قبضته على السلطة. في هذا الصدد، صرح بن سلمان، أن “الإجراءات التي اتخذناها في المملكة العربية السعودية كانت ضرورية للغاية وقانونية أيضاً”.
وأضاف بن سلمان أنه تم استرجاع ما يتجاوز 100 مليار دولار من الأموال المشبوهة التي تعود الى المحتجزين، قائلا: “لم يكن الهدف من وراء هذه الحملة جني المال، بل معاقبة المتهمين بالفساد، وتوجيه رسالة واضحة، مضمونها أن كل شخص سيتورط في صفقات يشوبها الفساد سيلقى عقابه وفقاً للقانون”.
ثروة ولي العهد الشخصية
اتهم بن سلمان في العديد من المناسبات بأنه يكيل بمكيالين، نظراً إلى أسلوب حياته المترف في الوقت الذي تطلب فيه الحكومة المزيد من التقشف من مواطنيها، بالإضافة إلى فرضها لضرائب جديدة. وقد وقع الكشف مؤخراً عن امتلاكه لقصر في فرنسا، الذي يعد من بين أغلى المنازل في العالم، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز. وقد أصر بن سلمان أن قضية ثروته تعد مسألة شخصية، قائلاً: “فيما يتعلق بنفقاتي الخاصة، أنا رجل ثري ولست فقيراً. كما أنني لست اندي أو مانديلا. ولكنني وعلى اعتباري شخص عادي، أخصص نصف مداخيلي للأعمال الخيرية. أنا أنفق 51 بالمائة لأجل الآخرين في حين أنفق 49 بالمائة في إطار احتياجاتي الخاصة”.
اعتلاء العرش
نظرا لكونه الوريث الشرعي للعرش بعد وفاة والده الملك سلمان، من المنتظر أن يحكم الأمير الشاب المملكة على امتداد نصف قرن أو أكثر القادم. وعند سؤاله عما يمكن أن يشكل عقبة في طريقه، أجاب ولي العهد قائلاً: “الموت فحسب”.
المصدر: ميدل إيست آي