مرة أخرى يعود الجدل إلى المغرب بخصوص مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وذلك بعد تصريحات أسماء المرابط، الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والإسلام، حول قضية الإرث واعتبارها “إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده”، والردّ الذي جاء من المؤسسة التي تترأسها.
تصريحات تعيد الجدل
لم تكن تصريحات رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، وحدها السبب في هذا الجدل بل ما أعقبها من استقالة لرئيس المركز أسماء المرابط من منصبها والهجمة الكبيرة التي تعرّضت لها.
وكانت أسماء المرابط صاحبة كتاب “الإسلام والمرأة” قد أعلنت ليلة الأحد الماضي 18 مارس/آذار، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي استقالتها من رئاسة مركز الدراسات والأبحاث النسائية في الإسلام التابعة للرابطة المحمدية للعلماء.
ولم تشر المرابط إلى الأسباب التي دفعتها إلى الاستقالة، حيث اكتفت بتوجيه الشكر إلى أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، واصفة إياه ب “الأخ”، كما شكرت الفريق الذي اشتغل معها داخل المركز.
رغم ذلك، فقد تحدّثت وسائل إعلام محلية عن وجود تهديدات أجبرت أسماء المرابط على الاستقالة من رئاسة مركز الدراسات والأبحاث النسائية في الإسلام، نتيجة لمواقفها بقضية المساواة في الميراث.
اعتبرت المرابط في تصريحاتها أن المغرب ما زال بعيدا عن المساواة بين الرجل والمرأة، داعية إلى ضرورة العمل على ذلك
سبق أن دعت أسماء المرابط، إلى العمل على تنزيل مبادئ المساواة التي نص عليها الدين الإسلامي بين الرجل والمرأة، مؤكدة أن المجتمعات الإسلامية لم تطبق هذه المبادئ، واعتمدت على تأويلات فقهاء تعد آراؤهم قابلة للنقاش والاجتهاد، معتبرة أن المجتمعات في المنطقة اعتمدت على آراء فقهاء ومفسرين أوّلوا ما ورد في القرآن والأحاديث النبوية دون استحضار المقاصد التي تهدف إلى إقامة العدل والمساواة بين الناس.
واعتبرت المرابط في تصريحاتها أن المغرب ما زال بعيدا عن المساواة بين الرجل والمرأة، داعية إلى ضرورة العمل على ذلك، وترجمة المبادئ الواردة في القرآن والوثيقة الدستورية على أرض الواقع، وتجاوز الرؤية التقليدية تجاه المرأة، على الرغم مما أسمتها “المقاومة الهوياتية باسم الدين”، والتي تبرر الوضع القائم.
أسماء المرابط
غالبا ما تؤكّد المرابط أن الإسلام جاء في وقت لم تكن فيه المرأة، حسب الأعراف والتقاليد، ترث، ونص على أن تتمتع بنصيبها من الإرث، مشددة على أن آيات قرآنية تدعو إلى المساواة بين الجنسين، كالآيتين السابعة والثامنة من سورة النساء: “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7) وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا” .(8).
وبخصوص الآية التي تنص على أن “للذكر مثل حظ الأنثيين”، فإن الباحثة المغربية ترى أنها جاءت في سياق خاص، كانت فيه القوامة للرجال، ولكن اليوم تغيرت هذه المسألة بشكل كبير، داعية إلى إعادة قراءة آيات الإرث من خلال استحضار المقاصد، كما استحضرت دعوات الفقيه ابن القيم الجوزية، الذي كان يقول إن كل ما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة هو من الإسلام.
الرابطة المحمدية ترفض
عقب استقالة أسماء المرابط من رئاستها، أصدرت الرابطة المحمدية للعلماء، كتابا حول علم المواريث، تترجم من خلالها موقفها الرافض لفكرة “المساواة في الميراث”، وأصدرت الرابطة كتابها الجديد تحت عنوان “بصائر العارفين في تبيان حظوظ الوارثات والوارثين”، لمؤلفه أحمد الصمدي، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة، في إطار ما وصفته بتقريب علم المواريث والفرائض كما هو مبين في الشرع الحنيف.
سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل سنتين، أن أصدر توصية بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء
ويضم الكتاب الجديد 20 درسًا تطبيقيًا لعلم المواريث، خصص منها سبعة دروس للتعريف بعلم الفرائض، والأسس التي ينبني عليها التمييز بين الذكر والأنثى في الإرث، وبيان أركانه، كما بين أنواع الحقوق المتعلقة بالتركة، والفروض المقدرة شرعا، وأنواع الورثة حسب استحقاقهم في الإرث، كما حرصت الرابطة في ذات الكتاب، على ذكر المسائل التأصيلية، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة المرتبطة بها.
“علاش المساواة فالإرث؟”
قبل ذلك، أطلق الاتحاد النسائي الحر حملة تواصلية عبر وسائط الاتصال الحديثة تهدف إلى إبراز أهمية وضرورة المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، وبادرت المنظمة إلى إطلاق “كبسولات” تحت عنوان “علاش المساواة فالإرث؟” (لماذا المساواة في الإرث)، تشمل عرض رأي العديد من المفكرين والمتخصصين في علوم الدين، وتهدف إلى تعزيز النقاش حول المساواة في الإرث في البلاد.
ومن بين ما شملته الحملة التواصلية الجديدة لشرح ضرورة مساواة الإرث مداخلة أحمد عصيد، الباحث الأمازيغي والحقوقي، الذي أكد على أن المساواة بين الجنسين في الإرث باتت ضرورة مجتمعية تضمن المردودية الاجتماعية والاقتصادية واستقرار البلاد”، مبرزا أن “التحجج بالدين لمنع هذه المساواة لم يعد ممكنا، لأن القوانين تتكيف مع الواقع الإنساني”.
وتتوافق الآراء التي جاءت في الحملة، مع ما دعا إليه مؤخرا عدد من الجمعيات المنضوية تحت لواء “فدرالية رابطة حقوق النساء”، التي طالبت بمراجعة نظام الميراث، من خلال فتح الباب أمام “الاجتهاد الخلاق”، بما ينسجم مع روح الدستور ومقتضياته، وخاصة حظر التمييز على أساس الجنس أو الدين في احترام تام لمبدأ المساواة بين النساء والرجال“.
يذكر أنه سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل سنتين، أن أصدر توصية بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء، وهو ما خلق جدلا قويا داخل المغرب، بين من صفقوا للتوصية واعتبروها مشروعا ينبغي الدفع به للنقاش العمومي داخل المجتمع، وبين من عارضوا التوصية بشدة، وانتقدوا رئيس المجلس ادريس اليزمي.
من تونس إلى المغرب
هذا الجدل الحاصل في المغرب، تزامن مع جدل مماثل له في تونس، حيث تجدّدت هناك مطالب المساواة في الميراث، ونظمت مئات التونسيات، الأسبوع الماضي، مسيرة إلى مقر البرلمان للمطالبة بالمساواة في الميراث، ورفعت المتظاهرات اللواتي كان بصحبتهن عدد من الرجال أيضا شعارات من بينها “تونس دولة مدنية واللي ليك ليا (ما هو لك هو لي أنا أيضا)” و” المساواة حق موش مزية (حق وليست فضلا)“.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أبرز في آب/أغسطس 2017 ضرورة بحث هذا الملف الحساس معتبرا أن تونس تتجه لا محالة باتجاه المساواة “في كافة المجالات“. وعهد بملف الميراث للجنة الحريات الفردية التي شكلتها الرئاسة التونسية لإصلاح القوانين والمراسيم والنصوص التي تهم مسألة الحريات.
مسيرة للمطالبة بالمساواة في الميراث في تونس
وتم تأجيل تقرير اللجنة الذي كان مقررا لشباط/فبراير إلى حزيران/يونيو، وقال عضو في اللجنة إنه يتوقع أن يوصي تقرير اللجنة بالمضي في هذا الاتجاه بسياسة الخطوات الصغيرة. ويمكن أن تقترح اللجنة للأسر الراغبة في ذلك أن تختار أن تقسم “بشكل متساو” الإرث بين الأبناء والبنات، دون فرض الأمر بالقانون. وقد تم عرض مقترح قانون بهذا الاتجاه في 2016، لكن لم تتم مناقشته في البرلمان.