اعتراضات شعبية وطعون قضائية: هل يمر أنبوب الغاز الإسرائيلي على جسد الأردن؟

1476318335

بدأت الحكاية عندما نشرت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، إعلانا تضمن استملاكا مطلقا وحيازة فورية لغايات مشروع بناء أنبوب الغاز الطبيعي سيتم استيراده من “إسرائيل”، من نقطة التزويد على الحدود الأردنية بالقرب من معبر الشيخ حسين، ولغاية نقطة الربط في منطقة الخناصري بالمفرق.

وبموجب الإعلان، الذي صدر دون ضجيج إعلامي في صحيفة الرأي الأردنية الرسمية بتاريخ 24/1/2018، فإنه سيصار إلى استملاك 344 دونما و166 متر، واستئجار 611 دونما و763 متر غالبيتها أراض زراعية، على أن يخترق أنبوب الغاز 18 قرية وبلدة أردنية يمتهن غالبية سكانها الزراعة.

واستندت الحكومة الأردنية في إعلانها استملاك الأراضي لصالح خط الغاز، إلى قانون الاستملاك الصادر عام 1980، الذي يجيز استملاك أراضي المواطنين للمصلحة العامة.

في الأثناء، بدأت “إسرائيل” عملياتها لإنشاء البنية التحتية لخط الغاز، وقد كان وقع الإعلان قويا وصعبا على أصحاب الأراضي في المنطقة، فمنهم من تفاجأ فاعترض ورفض وقرر اللجوء إلى المحاكم ضمن المدة القانونية وحسب أحكام قانون التمليك.

خارطة أنبوب الغاز الإسرائيلي الذي سيبدأ من قرى الشمال الأردني

في حين ندد معارضون لخط أنبوب الغاز بالقرار الحكومي، معتبرين أن هذا المشروع إضرار بثوابت الأمة، وتطبيع واضح مع الكيان الصهيوني، وتطاولا على مقدرات الأردنيين واستقلالهم وأمنهم الوطني.

تأتي عمليات الاستملاك ترجمة لاتفاقية ببنود سرية مع “إسرائيل”  لاستيراد الغاز وقعها الأردن عام 2016

وتأتي عمليات الاستملاك ترجمة لاتفاقية ببنود سرية مع “إسرائيل”، لاستيراد الغاز الطبيعي وقعها الأردن مع شركة “نوبل انيرجي” في عام 2016، وهي الشركة الحاصلة من “إسرائيل” على حق استخراج الغاز، من أحواض الغاز شرق البحر الأبيض المتوسط مقابل شواطئ حيفا.

وكانت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية قد أبرمت في 2016، صفقة مع شركة “نوبل إنرجي” الأميركية، مشغل حقل “لفيتان” للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية، ستستورد الشركة بموجبها الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة، اعتباراً من العام 2019 بكلفة إجمالية للصفقة تبلغ 10 مليار دولار.

وفي الشأن القانوني، قال الباحث القانوني المحامي مؤيد المجالي إنه “بحسب الدستور والقانون لا يجوز استملاك أي عقار إلا لمشروع يحقق نفعا عاما ومقابل تعويض عادل”. وأضاف المجالي لـ”أردن الإخبارية” أنه “يحق لمالك العقار ولجميع الأشخاص الذين يملكون أي حق أو منفعة فيه، المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق بهم جراء الاستملاك وبالمصاريف التي تكبدوها بسببه”.

سجلت نقابة الأطباء أول اعتراض رسمي على إعلان استملاك الأراضي

وأفاد المجالي بأنه “لا يجوز التخلي كليا أو جزئيا عن أي عقار تم أستملاكه، إذا كان المستملك قد وضع يده عليه وتصرف به، بشكل أثر في وضعه أو في وضع الجزء المتخلى عنه، وغير من معالمه بصورة جوهرية إلا إذا وافق المالك على استرداده بحالته تلك، بناء على الشروط التي يتفق عليها لذلك الغرض مع المستملك”.

وأوضح المجالي أنه “يستوفى من المالك الأصلي في حالة إعادة العقار إليه بناء على طلبه، مبلغ التعويض الذي دفع له مقابل الاستملاك، بالإضافة إلى فائدة سنوية حسب سعر الفائدة على أذونات الخزينة”.

أول المعترضين كان نقابة الأطباء الأردنيين، التي سجلت اعتراضا رسميا على إعلان الاستملاك، ضمن المدة القانونية وحسب أحكام قانون التمليك. وقالت النقابة في بيان صدر عنها إنه “ورد من ضمن الأسماء المستهدفة من هذا الإعلان، أراضي مسجلة باسم نقابة الأطباء التي تقع ضمن أراضي قرية الحصن، وأن المساحة المستملكة من النقابة تبلغ 180 متر والمستأجرة 379 متر”.

ورأت النقابة أن “المشروع يعد تطبيعا واضحا مع الكيان الصهيوني”، في الوقت الذي طالبت فيه “بإلغاء القرار لأنه سيلحق ضررا ماديا ونقصانا بقيمة قطع الأراضي الواردة بالإعلان، والأراضي المجاورة لها غير المذكورة بالإعلان، وسيؤثر على مصداقية النقابة، فضلا عن أن فيه مخالفة صريحة لقرارات الهيئة العامة ولثوابت الأمة في مجابهة التطبيع مع العدو الصهيوني”.

الأراضي الزراعية التي سيمر بها أنبوب الغاز في قرية صمّا شمال الأردن

أما بالنسبة للأردنيين، فقد قال ليث النمرات: “تلقيت باستهجان كبير صدور قرار استملاك مساحة كبيرة من أراضينا لأغراض مد أنبوب لنقل الغاز الإسرائيلي”، مشددا على أنه “لو يعود الأمر لي لما وافقت على الاستملاك”.

وقال النمرات الذي يقطن منطقة صمّا في محافظة إربد (شمال الأردن)، وقد استملكت الحكومة دونما من أرضه لـ”أردن الإخبارية” إن “الأنبوب سيمر من وسط أرضنا المزروعة بالحبوب، الأمر الذي سيقلل من المساحة المزروعة بالتالي سيعمل على خفض كمية المحصول السنوي”.

دعت حملة “الأردن تقاطع” إلى رفض بيع الأراضي معتبرة أن هذه الاتفاقية تطبيع مع العدو الصهيوني وتطاولا على مقدرات الأردنيين

أما جميل الشمايلة فقد أوضح أن “الحكومة استملكت مساحة من أرضنا المرزوعة بالحمضيات لأغراض أنبوب الغاز الإسرائيلي”، لافتا إلى أن “بناء هذا الأنبوب سيتسبب بإفساد الأرض والمحصول الزراعي بأكمله”، لافتا إلى أنه “إذا لم نستطع وقف مد الأنبوب، فإننا سنطالب عبر القضاء بتعويضنا عن جميع الخسائر”.

وكان من المنددين أيضا بقرار استملاك الأراضي، حملة “الأردن تقاطع”، حيث دعت إلى “رفض بيع الأراضي للحكومة، معتبرة في بيان صدر عنها أن “هذه الاتفاقية تعد تطبيعا مع العدو الصهيوني وتطاولا على مقدرات الأردنيين واستقلالهم وأمنهم الوطني”.

وقالت الحملة في البيان إننا “نثمن موقف أصحاب الأراضي الذين عبروا عن رفضهم للمشروع، واغتصاب أراضيهم لأجله”، مطالبة الحكومة “بالاستجابة لموقف الشارع ومطلبه بإلغاء اتفاقية العار وكل اتفاقيات الاستسلام لعدونا الاستراتيجي الأول ومشروعه الاستعماري”.

ورأت الحملة أن “الصفقة انتقلت من رهن ملف الطاقة بيد العدو، إلى تدمير الأرض الزراعية في الأردن”، مؤكدة على أن “أسعار الأراضي ستتراجع بشكل كبير نتيجة للمشروع”.

كما كان لنقابة المهندسين الأردنيين نصيب من المعارضة، إذ قال نقيب المهندسين المهندس ماجد الطباع، إن “طلب استملاك أراض مملوكة للنقابة وللغير لغايات مشروع بناء أنبوب الغاز الطبيعي الذي سيتم استيراده من “إسرائيل” مرفوض”.

طالبت حملة “غاز العدو احتلال” المواطنين الأردنيين الذين ستُستملك أراضيهم بسبب مد خط الغاز إلى “الاحتجاج بكل السّبل وتقديم الاعتراضات ومقاضاة الحكومة

وأكد الطباع في بيان صدر عنه ونشر على موقع النقابة، على أن “المشروع هو تعاون واضح وصريح لتحقيق غايات وأهداف عدو الأمة الأول والأخير وهو العدو الصهيوني، ويعتبر فتحا لباب واسع للتطبيع مع العدو الغاشم”.

وأضاف نقيب المهندسين أن “هذا الاستملاك يلحق الضرر المادي الكبير بمشروع أراضي النقابة، والقطع المجاورة له العائدة ملكيتها للنقابة وللغير، خصوصا أن هناك قطعا مباعة لمهندسين مستفيدين من المشروع سيفقدون حقوقهم فيها، وتفقد النقابة حقها في مجال تطوير تلك الأراضي واستثمارها لصالح صندوق التقاعد”.

كما طالبت حملة “غاز العدو احتلال”، المواطنين الذين ستُستملك أراضيهم بسبب مد خط الغاز، إلى “الاحتجاج بكل السّبل وتقديم الاعتراضات ومقاضاة الحكومة، التي ستستحوذ على أملاكهم لا للمنفعة العامة بل لجلب الوبال على الناس وإهدار أمنهم ومستقبلهم”

وقالت الحملة في مؤتمر صحفي إن هذا “الإعلان يأتي ليؤكّد على أن أصحاب القرار رغم تُباكيهم الكلامي على القدس والأقصى، وانتهاك الوصاية الهاشميّة على المقدّسات، ما زالوا يسيرون فعليًّا في سياق التبعيّة والتّطبيع مع الصّهاينة”.

دشن مواطنون حملة توقيعات الكترونية، احتجاجا على الاستملاك لغايات تمديد أنابيب الغاز الصهيوني

وذكرت الحملة أنه “بحسب نصوص القانون، يمكن للحكومة أن تستملك أراضي المواطنين من أجل المنفعة العامة، أما أن تستملك الأراضي لجلب الوبال على الناس وإهدار أمنهم ومستقبلهم، عبر تمكين العدو الصهيوني من ابتزازنا والتحكّم بنا وتهديدنا بسلاح الطاقة، ووضع 40% من كهرباء الأردن تحت تصرفه، فهذه جريمة ومصيبة وليست منفعة عامة”.

من جانبهم، دشن مواطنون أردنيون حملة توقيعات الكترونية، احتجاجا على الاستملاك لغايات تمديد أنابيب الغاز الصهيوني، مؤكدين على أن “أبناء الأردن جميعا هم مُلّاك الأرض والبلاد وأبناء الشهداء وأحفادهم، ويرفضون أن تُلوّث البلاد بغاز العدو الصهيوني”.

بدوره، أعلن رئيس مجلس النقباء نقيب المحامين الأردنيين مازن رشيدات، عن أن “النقابات المهنية بدأت الإعداد لاتخاذ إجراءات قانونية، ضد استملاك الحكومة لأراضي المواطنين والنقابات الواقعة في خط سير أنبوب الغاز الإسرائيلي، والطعن بقرار الاستملاك ومنع مد الأنبوب قانونيا وسياسيا، كونه شكلا من أشكال التطبيع المرفوض شعبيا”.

المصدر: أردن الإخبارية