يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، وذلك في مستهل حزمة من اللقاءت التي من المقرر أن يعقدها ترامب مع زعماء السعودية وقطر والإمارات خلال هذا الشهر والذي يليه.
اللقاء يأتي بعد 10 أشهر تقريبًا من آخر لقاء جمع بينهما في الرياض خلال الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي للمملكة التي حصل خلالها على ما يقرب من 500 مليار دولار قيمة صفقات تم إبرامها مع الجانب السعودي، لذا يعتبر البعض هذا اللقاء فرصة جيدة أمام الأمريكان لبحث إمكانية الاستفادة من التغييرات الكبيرة التي أحدثها الأمير الشاب في بلاده.
ولي العهد السعودي وقبيل عقد لقائه مع ترامب بساعات قليلة أرسل حزمة من الرسائل والإشارات بعضها للداخل السعودي والآخر للمحيط الإقليمي وأكثرها للإدارة الأمريكية، وذلك خلال مقابلة تليفزيونية أجراها مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة سي إن بي إس نيوز الأمريكية.
المقابلة وإن تم تسجيلها في قصر ابن سلمان بالرياض قبل سفره لواشنطن، إلا أن موعد إذاعتها يبدو أنه محدد سلفًا بما يتزامن مع اللقاء المرتقب مع ترامب الذي يسعى الأمير الشاب من خلاله إلى تقديم أوراق اعتماده رسميًا للإدارة الأمريكية، وذلك عبر تغيير بعض الصور النمطية القديمة عن المملكة وتصدير صور أخرى أكثر انفتاحًا ومرونة بما يطوي صفحة الاتهامات التي واجهت السعودية قديمًا.
السعودية بلد منفتحة
من خلف مكتبه واقفًا من داخل قصره بالرياض، ظهر ابن سلمان بشيء من العفوية، مرتديًا لباسًا عاديًا دون غطاء الرأس التقليدي (الشماغ)، وذلك في أثناء استقباله نورا أودانيال، مذيعة برنامج “60 دقيقة” المقدم على شبكة “سي إن بي إس نيوز” الأمريكية التي بدت هي الأخرى بشعرها وإن كانت ترتدي عباءة على عكس ما اعتادته.
تفاصيل الإعداد للمقابلة التليفزيونية تكشف حرص ولي العهد على تقديم صورة ما تعكس رؤية انفتاحية جديدة لبلاده من خلال كسر بعض التابوهات القديمة على رأسها تقييد حريات المرأة وفرض المزيد من الخناق على المواطنين وتحريم الكثير من المسائل التي يرى الغرب وأنصار الحريات في تحريمها جريمة لا تغتفر.
ابن سلمان: المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيًا
أودانيال ظهرت في المقابلة وفي نفس المكان (مكتب الأمير) وهي ترتدي بنطالاً وجاكيت، كاشفة رأسها مرة أخرى، في رسالة واضحة على حجم التغيير الذي لحق بالمملكة على يد ابن سلمان، خاصة أنه فند في حواره ما عزف عليه علماء السعودية قديمًا بشأن مواصفات زي المرأة، حيث قال: “النساء في المملكة لا يتعين عليهن ارتداء غطاء الرأس أو العباءة السوداء ما دامت ملابسهن محتشمة ومحترمة”، وتابع “قوانين الشريعة واضحة، وتنص على أنه يتعين على النساء، مثل الرجال، ارتداء ملابس محتشمة ومحترمة”.
حتى أي ساعة يظل يعمل ولي العهد في مكتبه؟
@CGCSaudi#ولي_العهد_على_قناة_CBS#60minutes pic.twitter.com/dTL7QeNgDd
— قناة السعودية (@saudiatv) March 19, 2018
وأضاف أن ذلك لا يعني بالتحديد ارتداء عباءة سوداء أو غطاء رأس أسود، مشيراً إلى أن القرار يرجع للمرأة في تحديد نوع الملابس المحتشمة والمحترمة التي تريد ارتداءها، ليكمل بذلك حملة التغييرات التي ألحقها على واقع المرأة منذ تصدره للمشهد الداخلي، فسمح للنساء بأمور كانت محظورة عليهن لعقود، أبرزها السماح بقيادة السيارات الذي من المقرر أن يبدأ العمل به في يونيو/حزيران المقبل، علاوة على حضور النساء مباريات كرة القدم في الملاعب السعودية.
هذا بخلاف القفزة السريعة في مرتكزات المملكة الأساسية التي قام بها ولي العهد خلال العامين الماضيين، خاصة بعد تقليم أظافر رجال الدين وتحجيم نفوذهم من جانب، وفتح الباب على مصراعيه أمام الموسيقى والغناء والفنون بشتى أنواعها، فمن يصدق أن السعودية صاحبة الفكر الوهابي والنفوذ الأكبر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيبنى فيها دور أوبرالية سينمائية ومنتجعات تظهر فيها النساء بـ”البكيني”؟.
أبرز ماجاء في لقاء سمو ولي العهد على قناة CBS.#ولي_العهد_علي_قناه_CBS pic.twitter.com/H8QKFFVFXi
— قناة السعودية (@saudiatv) March 19, 2018
الهجوم على “الصحوة” والإخوان
الرسالة الثانية التي حرص ولي العهد السعودي على توصيلها تعلقت بجماعة الإخوان المسلمين وتيار “الصحوة” الذي هيمن على المملكة قرابة 30 عامًا، حيث شن هجومًا عنيفًا ضدهما، متعهدًا بالقضاء على ما تبقى من أفكارهما.
ابن سلمان خلال المقابلة التليفزيونية قال: “المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيًا”، مضيفًا أنه لا توجد دولة في العالم تقبل تعرض نظامها التعليمي لـ”غزو من أي جماعة متطرفة”، وتابع قائلاً: “لن يُوقفني شيء إلا الموت”.
يبدو في الوقت ذاته أن الأمير الشاب فهم مداخل ترامب “رجل الأعمال” بشكل كبير، وهو ما تكشف بصورة واضحة خلال المقابلة التي حرص خلالها على تأكيد قدرته على العطاء والدفع
كما وجه أصابع الاتهام وبشدة إلى تيار “الصحوة”، لافتًا إلى أن السعوديين قبل العام 1979، كانوا يعيشون حياة “رائعة وطبيعية”، مثل بقية دول الخليج، ضاربًا أمثلة، بأن النساء كن يقدن السيارات، وكانت هناك دور للسينما، لكن بعد عام 1979، كان هناك إسلام متشدد وغير متسامح في المملكة، معتبرًا أنه وأبناء جيله كانوا “ضحايا” لذلك الفكر، متعهدًا بنشر السلطات في أسرع وقت ممكن معلومات عن المعتقلين ليدرك العالم ما تقوم به حكومة السعودية لمحاربة التطرف، على حد قوله.
Norah O'Donnell: Can anything stop you?
Mohammed bin Salman: Only death. pic.twitter.com/dejRcVCS0e
— فايز (@Fayezs9) March 19, 2018
إيران.. هتلر العصر
عزف الأمير السعودي خلال حديثه على وتر الهجوم على طهران، وتصديرها كنموذج للشر، مخاطبًا في ذلك ودّ مضيفه الأمريكي، حيث بات الرئيس ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائمين على أساس فكرة “شيطنة إيران”، الأمر الذي يعتبره مراقبون جزءًا من خطة لخلق عدوٍ بديلاً للعرب عن “إسرائيل”.
ابن سلمان شدد أكثر من مرة على الأخطار التي تحدق بالمنطقة والعالم جراء سياسات المرشد الإيراني، حيث أشار إلى أن “خامنئي هو هتلر الجديد لأنه يريد التوسع وينفذ مشروعه الخاص في الشرق الأوسط كما هتلر في زمنه”، وذهب البعض في محاولة تفسير تشبيه ولي العهد للمرشد الإيراني بـ”هتلر” بأن هذا يخدم نظرية “الشيطنة” كبديل لـ”إسرائيل”، فهتلر لا يذكّر فقط بالمشروع، ولكن اسمه متصلٌ عضويًا وبنيويًا بالمحرقة المعروفة بـ”الهولوكوست” التي تسهّل تكريس الإسرائيليين كضحايا والإيرانيين كجلاد.
كما اتهم إيران بأنها “تحمي عناصر القاعدة وترفض تسليمهم للعدالة وتأوي الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة وهو نجل أسامة بن لادن”، مشيرًا إلى أن أسامة بن لادن سعى لإحداث شرخ بين الشرق الأوسط والغرب، وبخاصة السعودية والولايات المتحدة، وهو بذلك يعزف على ذات الوتر الأمريكي، حيث يسعى ترامب إلى تضييق الخناق على طهران بشتى السبل آخرها فسخ الاتفاق النووي الموقع في 2015، ولولا الضعوط الممارسة عليه من الجهات السيادية في الداخل والدول الموقعة على الاتفاقية لنفذ تهديداته بالفسخ.
من خلف مكتبه واقفًا من داخل قصره بالرياض، ظهر ابن سلمان بشيء من العفوية، مرتديًا لباسًا عاديًا دون غطاء الرأس التقليدي (الشماغ)، وذلك في أثناء استقباله نورا أودانيال، مذيعة برنامج “60 دقيقة” المقدم على شبكة “سي إن بي إس نيوز” الأمريكية التي بدت هي الأخرى بشعرها
مغازلة واشنطن وتل أبيب
مغازلة ولي العهد للولايات المتحدة ودولة الاحتلال لا تقتصر فقط على الهجوم على إيران وجماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل حرص الأمير الشاب على عدم توجيه أي انتقاد لقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مؤكدًا في سؤال المحاورة على عمق العلاقات مع أمريكا كون المملكة أقدم حليف لها قبل أي دولة أخرى.
ابن سلمان في رده على سؤال مباشر من أودانيال عن موقف الرياض من قرار ترامب، أجاب بدبلوماسية كاشفة بما لا يحمل بين ثناياه أي اعتراض على هذه الخطوة التي أثارت حفيظة معظم العواصم العربية والإسلامية فضلاً عن حالة الغليان التي أنتابت الشارع العربي، فهو لم يعترض على نقل السفارة وإن علق بكونه “إيجابيًا” يهدف إلى التركيز على ما يعزز عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منتقدًا الوقوف على ما وصفه “الموضوعات التي تزيد التوتر بين الجانبين” وهو ما حرص ترامب أكثر من مرة على تأكيده.
https://twitter.com/hureyaksa/status/975628038464507904
يبدو في الوقت ذاته أن الأمير الشاب فهم مداخل ترامب “رجل الأعمال” بشكل كبير، وهو ما تكشف بصورة واضحة خلال المقابلة التي حرص خلالها على تأكيد قدرته على العطاء والدفع، قائلاً: “أنا ابن عائلة ثرية، ولست مانديلا ولا غاندي”، في إجابته عن سؤال واضح بشأن نفقاته العالية، وشرائه يختًا وقصرًا في باريس.
التعبيرات المستخدمة في رده على هذا السؤال تبعث برسالة للغرب على أنه لا يزال “قادرًا على دفع المزيد”، الأمر الذي يمهد بطبيعة الحال لزيارته لواشنطن من جهة، ويزيد الانطباع بأنه مناسب لمرحلة يقودها زعماء يمتازون بذات الطريقة في التفكير مثل ترامب الذي يواجه أزمات مادية داخلية من ناحية أخرى.
الأمير الطامع في كرسي والده، حرص معظم أوقات اللقاء على تصدير صورة المثقف المكافح للفساد الساعي إلى تطهير بلاده من الشوائب كافة، ففي سؤال عن معتقلي “الريتز كارلتون” نفى ما تردد أن يكون جني الأموال هو الهدف الرئيسي من وراء حملة الاعتقالات الأخيرة، مشددًا أن السلطات السعودية ستعلن قريبًا أسماء الأشخاص الذين ما زالوا قيّد الاعتقال، دون أن يتطرق إلى الدوافع الحقيقية لاعتقالهم غير أنه أكد أن “احتجازهم نجم عنه أكثر من 100 مليار دولار أمريكي”.
ولي العهد الأمير #محمد_بن_سلمان: أنا رجل ثري وفرد من الأسرة الحاكمة .. فأنا لست غاندي أو مانديلا!
#ولي_العهد_على_قناه_CBS pic.twitter.com/EzC23SPlfr
— هاشتاق العرب (@TheArabHash) March 19, 2018
وهكذا تأتي رسائل ابن سلمان المباشرة قبيل لقائه بالرئيس الأمريكي لتسهل بشكل كبير من مهمته الأساسية وهي تعميق العلاقات الدافئة مع الولايات المتحدة وتقديم أوراق اعتماده رسميًا عبر عدة أوتار حرص على العزف عليها إيمانًا منه بقدرتها على أن تطرب آذان الإدارة الأمريكية الجديدة، أما ما سوى ذلك من ملفات سيتم إدراجها على جدول الأعمال فلن تكون أكثر من تحصيل حاصل، فولي العهد يريد الكرسي مهما كان المقابل والرئيس الأمريكي يريد المال أيًا كان مصدره.