الحروب الأهلية في السنوات الأخيرة دفعت العديد من الأجانب إلى الهجرة أو اللجوء إلى مصر، وتتنوع جنسيّاتهم بين: عراقيين، وإريتريين، وجنوب سودانيين، ويمنيين، لكن الأغلبية يشكلها السودانيون ثم السوريون.
ورغم أن مصر لم تكن تعاني في أي مرحلة تاريخية تقريبًا من فوبيا الأجانب، فإن العديد من العوامل التي تكونت خلال السنوات الماضيّة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وإنماء الشعور اليميني القومي من الحكومة الحالية، والدعوة في عدد من المرات إلى طردهم من خلال اللجان الإلكترونية المشبوهة، تسببت في استهداف الأجانب بمصر، خاصة السوريين.
يد عاملة رخيصة ومنتفع من اقتصاد الدولة
تتعدد أسباب كراهية الأجانب خاصة في الدول التي يعاني اقتصادها مثل مصر حاليًا، ورغم أنه لا يُمكن الجزم بأن المجتمع بأكمله كاره لوجود الأجانب، هناك فئة بالتأكيد غير فئة اللجان الإلكترونية واليمين القومي، ترفض وجود الأجانب في مصر، وإن أدعيّنا عكس ذلك فإننا نكذب.
ونظرًا إلى أن مصر دولة ريعية، فقد فسر الاقتصادي حازم الببلاوي من قبل مفهوم الدولة الريعية أنها التي تشتري رضا مواطنيها من المهد إلى اللحد بدعم المياه والطاقة والإسكان والتوظيف في القطاع العام، وهذا السياق يضفي على الجنسية قيمة اقتصادية حقيقية، فالنظام القائم على توزيع العائدات يخلق حافزًا مالتوسيًا – نسبة إلى نظرية روبرت مالتوس عن الموارد والسكان – مضاعفًا للحد من عدد المواطنين.
يصدر الحافز الأول من جانب المواطنين الذين يربطون إدماج القادمين الجدد في النظام السياسي بانخفاض حقيقي أو مفترض في مزاياهم الاقتصادية والاجتماعية، كما تلاحظ الباحثة في شؤون الكويت آن نغا لونغفا أن هذا الربط لا يخص الدولة الريعية أو دول الخليج فحسب، بل إنه رد فعل قومي مشترك حتى في الدول المُنتجة الأقل سخاءً – في هذه الحالة مصر – حيث يُلقى باللوم على المهاجرين في سرقة الوظائف والاستفادة من موارد الدولة على حساب المواطنين، خصوصًا في أوقات الركود الاقتصادي.
دائمًا ما يتهم السكان الأصليون الوافدين باستغلال نظام الرعاية الاجتماعية، وبأنهم مستخدمون غير مستحقين لأنهم لم يساهموا في بنائه، ويطالبون المهاجرين بالتخلي عن عاداتهم وأساليب حياتهم السابقة التي يُنظر إليها عادةً على أنها متخلفة، والخضوع لمعايير المجتمع المحلي كدليل على حسن نيّتهم وولائهم.
إن وصول اللاجئين دائمًا ما يؤدي إلى تحريك النزعات العرقية، حيث يتم التأكيد بشكل منهجي على الاختلافات بين السكان المضيفين والوافدين الجدد. في الماضي كان الانتقال من قُطر إلى آخر أسهل لما فيه من تبادل يقوم بتزويد مجتمع الحضر، لذلك نجد مدى فاعلية طائفة الشوام في مصر في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وما أحدثته من نقلة نوعية في الطباعة والحركة الثقافية في مصر، وإنشاء الجرائد والمسارح، دون أن يشكك أحد في هويتهم.
بل إن زعيم الحركة القومية المصرية أحمد لطفي السيد، في ثلاثينيات القرن العشرين، دعا إلى إعطائهم الجنسية المصرية وليس طردهم، وهذا مثال نجد انعكاسه أيضًا في هجرات المصريين إلى الدول المجاورة ومساهمتهم في عملية الحضرنة أو الانخراط في تلك المجتمعات بحثًا عن ملاذ آمن وظيفي أو سياسي.
وفي الواقع شكلت حركة الانتقال السلس تلك فائدة لسوق العمل، فبينما كانت مصر تنوء بعدد سكانها، كانت دول نفطية كالعراق وليبيا والأردن – وما زالت – في حاجة إلى أيادي أكبر من العمالة الرخيصة، شكلها المصريون في تلك الحالات، ولم يكن أحد في تلك الأيام يشعر كثيرًا بالقلق بشأن ما إذا كانت عقلية أو ثقافة المهاجر أو الوافد أو اللاجئ ستمنعهم من تنفيذ التحويل الحضري بنجاح.
لكن في الأيام الحالية، لا يصبح اللاجئ حتى من منطلق نفعي، يدًا عاملةً رخيصةً، بل يكون مستخدمًا فعليًا للمنافع الاجتماعية الواسعة التي تقدمها الدولة لمواطنيها، وفي حالة مصر، يُعد ذلك كله متوهم في الخطابات الإعلامية وهو أصل المشكلة ذاتها، أن اللاجئ لا يسلب المصري شيئًا بالفعل يدعو إلى الخوف منه، فالمصري نفسه قد جُرد من مظلات الحماية الاجتماعية في السنوات العشرة الأخيرة بعد تفكيك منظومة الدعم شيئًا فشيئًا، ورغم ذلك تُجذر الخطابات ذلك الخوف من الأجنبي.
وبالإضافة إلى ذلك، يبلغ هذا الخطاب مدى آخر أسوأ بكثير حينما يتعلق الأمر باللاجئين السودانيين، فهو يتخطى حد الرفض لوجود الأجانب الذين ينافسون اقتصاد وثقافة ابن البلد كما هو الحال مع السوريين، ليصل إلى خطاب كراهية وتشويه وعنصرية غاية في السوء والوحشيّة والحقد تجاه أصحاب البشرة السوداء، فكيف يمكننا أن نقرأ تلك الحالة وذلك السعار من اللجان الإلكترونية ضد السود؟
النمط القديم
العنصرية ضد داكني البشر في مصر ليست عنصرية ذات نسق ثقافي عرقي راسخ مثل ذلك النوع من العنصرية التي سادت أمريكا والدول الأوروبية في فترة ما من التاريخ، ففي النهاية يُعد المصريون “سُمر” البشرة، وسمار البشرة هذا إحدى السمات المميزة للملامح المصرية، والذي يتكرر في العديد من الأغاني الوطنية كوسيلة للتفاخر والتميّز.
لكن المجتمع المصري، وتحت وطأة العديد من السياقات التاريخية والثقافية والاقتصادية لديه موقف من السود، فلقد كانت مصر من الممالك التي عرفت ثقافة امتلاك العبيد السود والخدم السود إلى وقت قريب في مطلع أربعينيات القرن العشرين، كما أن دولة مثل السودان، كانت خاضعة للتاج المصري اسميًا، ما خلق حالة من الاستعلاء عند المصريين تجاه السود.
وتعد النوبة أيضًا جزءًا من الدولة المصرية، وهو الإقليم الذي يُعتبر أغلب سكانه من السود، ورغم كونهم مصريين منذ عهد طويل، فإن الحكومة لطالما جعلتهم هامشيين وخارج نطاق اهتمامها، وحالة الهامشية تلك دفعت بهم للذهاب إلى القاهرة في المركز بحثًا عن الوظائف، التي كانت وضيعة في كثير من الأحيان ولا يقوم بها أبناء المدن من الأفندية.
ويمكن قراءة ذلك الحس النوبي بالهامشية والاحتقار من السلطة في رواية “دنقلا” للروائي النوبي إدريس علي، لذلك ظلت هناك دائمًا بذور للعنصرية، رغم عدم وجود قوانين رسمية تُنظم العبودية أو أنظمة الفصل العنصري، لكنها كانت جزءًا من تراتبية المجتمع المصري في القرن التاسع عشر والعشرين وجاءت السينما لترسخها في مرحلتيّن حفرا في الوعي الجمعي صورة للأسود كانت من المفترض أن تكون آخذة في التراجع بحكم التقدم.
يسود نمط النظرة إلى الشخصيات السوداء في كلاسيكيات الثقافة المصرية من أدب وسينما على أنهم أشخاص من العبيد والخدم، هذا النمط يسود حتى في القصص الشعبية. وقد تناول أدباء مصريون تلك الحالة، مثل نجيب محفوظ الذي طرح في رواياته الاجتماعية ما يُشير إلى أن مصر تعاني من أزمة تمييز ضد تلك الفئة، فالشخصيات السوداء في رواياته تنتشر في الأدوار الهامشية، ويعرضهم فيها من خلال التركيز على التعامل مع تمييزهم الاجتماعي.
وفي السينما، للسود قصة أخرى، بدايةً من فيلم “الساعة 7 (1937)” من بطولة الفنان علي الكسار والذي قدم فيه شخصية عثمان ذي الملابس النوبية والسودانية واللكنة النوبية المميزة، وهو نموذج للسذاجة على هيئة بشرية، ويقوم الفيلم كله على السخرية من تصرفات عثمان وخيالاته، وهو ما ترسخ من ورائه نمط للشخصية النوبية أو السودانية فيما بعد.
في سينما الأربعينيات والخمسينيات، حضر “داكن البشرة” دائمًا في دور “الجرسون” كفيلم “رصاصة في القلب (1944)” أو “السُفرجي” أو “الخادم” أو “بواب العمارة” تلك الوظائف والأدوار التي ألحقت بصاحب البشرة الداكنة دائمًا صفات الدونية والخضوع، وربطت بهم أسماء مثل عثمان وإدريس ومرجان وبشير، وهي أسماء دائمًا ما يكون أصحابها بشوشين مطواعين لأسيادهم، ولا يُمكنك أن تجد بطلًا في عمل مصري يحمل تلك الأسماء النوبية إلا نادرًا، وانتهى الأمر باسم “عثمانة” بالتحديد ليكون لقبًا عُنصريًا يُطارد به ذووي البشرة السمراء في بعض الأحيان بشوارع القاهرة.
لنلق نظرة على “بروفايلات” اثنيّن من أشهر ممثلي مصر داكني البشرة في تلك الفترة، وهما محمد كامل وصلاح يحيى اللذان حينما يتصفح المرء سيرتهما في موقع السينما الأرشيفي التوثيقي للسينما المصرية والعربية، يجد أنه ورغم تخطيهما أكثر من مائتيّ دور في الأفلام، دائمًا ما يتكرر الدور المُسند لهما في شخصية “سفرجي – بواب – خادم – فراش – عامل الجراج – سائق”.
وإلى جوار ذلك، لم تلق شخصية النوبي داكن البشرة أي اهتمام أو تُقدم بعمق كافٍ، أو حتى يُلقى النظر على أي خصوصية ثقافية لتلك الفئة من المصريين، ففي كتابها “السينما العربية والهوية الثقافية” تقول فيولا شفيق: “على الرغم من تمثيل اللهجة الإسكندرانية والصعيدية والريفية والقاهرية بشكل واضح ومتنوع في الأفلام المصرية، إلا أن لغة من اللغتيّن النوبيتيّن لم تظهر أبدًا في الأفلام – حتى وقت نشر الكتاب (1998) – ودائمًا ما تُمثل الأقليّة النوبيّة بسذاجة “عثمان” المبتسم دائمًا، والخادم دائمًا، الذي يتحدث عربيّة مكسرة“.
حتى في الشخصيات السوداء التراثية الإسلامية والعربية التي يستتبع حضورها التاريخي دور البطولة، لم يلعب أدوارها أبطال من السود، ففي فيلم “بلال مؤذن الرسول (1953)” من لعب دور بلال كان الممثل يحيى شاهين، وكذلك شخصية عنترة التي قُدمت في خمسة أفلام في الفترة من 1945 حتى 1974 قام بأدوار البطولة فيها ممثلون غير سود مثل سراج منير وفريد شوقي ومحمود سعيد.
داكن البشرة مصدرًا للكوميديا في السينما المصرية
لم تكن السينما المصرية الاستثناء الوحيد في تمثيل الأقليات خلال هذه الحقبة التاريخية، لكن الأزمة الحقيقية أنها لم تتخط ذلك التمثيل، ولم تعترف بخطأه في مرحلة ما، أو تعتبره عنصرية وتهميش، مثلما حدث في سينما هوليوود مثلًا، فبينما كان يجب أن تتأثر الموجة الجديدة من السينما بعدد من العوامل التي شكلت الصورة الهامشية للأسود في السابق، مثل: انتهاء زمن الباشوية وعلاقة السيد بالخدم الذين كان يأتي أغلبهم من السودان والنوبة، وانتهاء تبعية السودان عن التاج المصري وتكوين دولتها المستقلة، وانتشار الوعيّ القومي العروبي الوحدوي وتوجه مصر الإفريقي في الحقبة الناصرية، نجد رغم ذلك أن التعامل مع داكن البشرة في السينما المصرية يدخل إلى مرحلة جديدة هي أسوأ من سابقتها. فلقد أضحى داكن البشرة مثارًا للسخرية والاستهزاء في السينما المصرية الكوميدية بالتحديد.
في فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية (1998)” وهو صاحب الإيرادات الأعلى في السينما المصرية من بطولة محمد هنيدي نجد أحد المشاهد التي تجمع هنيدي بممثلة سوداء اللون والتي تقوم بإطفاء الأنوار فيُعلق هنيدي قائلًا: “بتطفي النور ليه ما أنتي مضلمة خلقة؟“، وفي وصلة كوميدية على خلفية الأضواء المطفئة يلقي هنيدي بإلقاء سيلًا جارفًا من التعليقات التي تسخر من البشرة السوداء والتي حققت رواجًا كبيرًا إلى يومنا هذا في ذهنية المُتلقي.
كذلك في فيلم “اللي بالي بالك (2003)” وهو أحد الأفلام الشهيرة للممثل محمد سعد وذات الإيرادات القياسية، وتجتمع فيه صورتيّ أسمر البشرة، القديمة من حيث كونه “خادمًا” والجديدة من حيث كونه مصدرًا للسخرية والهزل، حين يتغزل سعد في زوجته قائلًا “إيه القمر ده!” وحينما يلتفت وراءه يجد الخادم، يقول “إيه الليل اللي هجم فجأة ده؟”، وفي مشهد آخر، حين يختلط عليه الأمر ويعتقد إن ابنة الخادمة هي ابنته وتخبره زوجته أنها ليست ابنتهم فيُعلق قائلًا: “ما أنا برضو قلت، أنا ابيض وأنتي بيضة، إزاي هنخلف صباع العجوة دا؟”.
وغير هذه من الصور، في فيلم “عيال حبيبة (2005)” وشخصية عم نصر النوبي الذي يلقبونه بـ”عم جلبرتو” لاعب أنجولي الجنسية كان يلعب في النادي الأهلي الذي يتحدث العربية المكسرة طبعًا، حينما التقاه بطل الفيلم حمادة هلال للمرة الأولى، وعلق على رائحته الجميلة يرد عليه الأستاذ نصر قائلًا: “هو يبقى سواد وريحة وحشة كمان!”.
وفي مشهد آخر يعلق أستاذ نصر صور عائلته داكنة البشرة على الجدران وحينما تراها إحدى الشخصيات التي يؤديها الممثل رامز جلال يُعلق قائلًا: “هي الشقة دي اتحرقت قبل كده ولا إيه؟” وفي Punch line آخر بلغة الكوميديا السينمائية يختم رامز جلال المشهد قائلًا: “خلاص يا عم نصر.. ميبقاش قلبك زي وشك”، أي أنه صاحب قلب أسود يملأه الحقد والغضب.
ومن الأفلام التي تتعامل مع داكن البشرة الإفريقي وليس النوبي، نجد فيلم “حاحا وتفاحة (2006)” الذي يسخر مباشرة من الصوماليين واللغة الصومالية والحرب الأهلية في الصومال آنذاك في العديد من المشاهد على مدار الفيلم، فأخت “حاحا” متزوجة من شخص صومالي، وكذلك فيلم “أفريكانو (2001)” الذي تدور أحداثه في دولة “جنوب إفريقيا” ويمتلئ بالإفيهات الساخرة من لون البشرة واللغة.
آثار جديدة
كل هذه المشاهد في التيار السينمائي الحديث، ليست سوى غيّض من فيّض، والتي أثرت في الثقافة الجماهيرية بطبيعة الحال في العديد من المجالات خارج السينما وداخل الحياة الواقعية، ففي كرة القدم مثلًا، لعب في الكرة المصرية لاعبون من السودان من أمثال عمر النور لنادي الزمالك، وكابتن شطة وسليمان فارس للنادي الأهلي، ولاعبون سود البشرة مصريون من أمثال إسماعيل يوسف وأخيه إبراهيم يوسف في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ولم يتعرضوا لهتافات عنصرية أو يسبهم بسبب لون بشرتهم.
هذا معكوس تمامًا في الكرة المصرية المعاصرة، ففي نادي الزمالك، عانى قائد النادي شيكابالا كثيرًا من عنصرية جماهير النادي الأهلي المنافس، ليست تلك العنصرية بسبب منظومة تؤمن بتسيّد الأبيض، فالنادي الأهلي نفسه لعب له الكثير من داكني البشرة وهم من أساطير النادي، لكن لأن شيكابالا لاعب للنادي المنافس، تم استخدام الكثير من الأساليب لتحطيم نجوميّته، وساعد لون بشرته الداكن في ذلك، حيث لُقب بـ”القرد”، وزاد هذا الأمر في وقاحته حتى إن جماهير النادي الأهلي قد ألبست أحد الكلاب السوداء من قبل تيشيرت شيكابالا، وأخذت بالهتاف “شيكا، شيكا، شيكا”.
واحدة من الأسس التي يقوم عليها خطاب الكراهية الجديد ضد داكني البشرة في مصر أيضًا، هو الخوف من حراك “الأفروسنتريك” ذلك الحراك الذي يُهم به داكني البشرة من المواطنين الغربيين بالولايات المتحدة في العالم الأول، ويدفع ثمنه لاجئون من قارة إفريقيا البائسة يشاركونهم نفس لون البشرة.
يدعي خطاب “الأفروسنتريك” أن الحضارة المصرية هي حضارة “السود الإفريقيين” وليست حضارة “آفروآسيوية” وبحر متوسطية وذلك الخليط الذي أثر في مصر عبر تاريخها، وأن الملوك المصريين كانوا سود البشرة، رغم أن الشواهد تؤكد عكس ذلك، وقد بلغ ذلك التزييف التاريخي ذروته في مسلسل نتفليكس (كليوباترا 2023) وهو الذي جوبه بشدة من تيار واسع من المصريين، وكان الغضب أوسع بكثير من نسبه إلى لجان إلكترونية وتيار يميني قومي.
إن مخطط الأفروسنتريك المولود أصلًا في الأكاديميا الغربية وسود العالم الأول، يؤثر مؤخرًا بشدة على موقف عموم المصريين من داكني البشرة، حيث تطورت صيغة الهاشتاغات وأصبحت تصفهم بـ”المحتلين” و”المستوطنين” و”المغتصبين” وليسوا مجرد أجانب، ويتم إلقاء التُهم على لاجئي إفريقيا الفقراء أنهم موجودون في مصر للتملك والاستيطان وغيره من تلك التهم الكارتونية.
في نهايات عام 2022 وصلت الاشتباكات بين المصريين والسودانيين إلى مشاجرات واعتداءات بالسلاح الأبيض في محافظة أسوان، الغريب في تلك الحادثة، أن المعركة كانت بين سكان من النوبة المصرية الذين دعوا إلى طرد السودانيين من مصر، رغم تشاركهم العرق والثقافة العابرة للحدود منذ زمن قديم، وكأن سكان النوبة أصبحوا يشعرون بتهديد يواجه هويتهم المصرية وأرادوا البرهنة على اختلافهم عن السودانيين بذلك الاستعلاء.
تكمن خطورة الحملة التي يتعرض لها “السود” في مصر أنها قد ينتج عنها في النهاية أفعال عنف مأساوية مثل تلك التي حدثت في أسوان، في ظل غياب قوانين تجريم خطابات الكراهية ضد اللاجئين، لذا على الدولة والإعلام اللذين رسخا تلك الصورة للسود ويواصلان الهجوم على اللاجئين، النهوض لتفادي البلاء قبل وقوعه.