“هنا نستعد معًا لتدشين حقبة جديدة في تاريخ التقدم البشري”، هكذا قال العنوان الترويجي لمشروع “نيوم” معقد الزوايا والأهداف الذي تدشنه السعودية بتكلفة 500 مليار دولار أمريكي وعلى مساحة 26 ألف كيلومتر مربع أقصى الشمال الغربي للسعودية في منطقة إستراتيجية معقدة، بامتداد 50 كيلومترًا على خليج العقبة، ويسمح بتداخل ثلاث دول هي: السعودية ومصر والأردن، إضافة للاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر مايسترو المشروع لكن هذه الدول لم تتحدث عن ذلك، وتشارك في المشروع 60 دولة باستثمارات ضخمة.
يعتمد المشروع على ثلاث تقنيات يبرز فيهن الاحتلال الإسرائيلي كفاعل مهم عالميًا، فالرجل الآلي كنموذج “صوفيا” المرأة الآلية، أول موظفة في المشروع تم منحها الجنسية السعودية، فهي عماد المشروع، كذلك التقنيات التكنولوجية والطائرات دون طيار “الدرونز” والسكك الحديدية العابرة للدول هي مفاتيح قوة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي ويعول عليها كشريك في المشروع.
تلاقى طرح بيريز قبل 25 عامًا مع طرح ابن سلمان اليوم
بالعودة إلى عام 1993 أصدر شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي في دولة الاحتلال كتابه “الشرق الأوسط الجديد” الذي تحدث فيه بكل وضوح عن أحلام “إسرائيل” في المنطقة أهمها مشروع “ريفييرا البحر الأحمر” الذي يعتمد بشكل أساسي على الاقتصاد كمدخل لتعزيز السلام والتعاون المشترك والتطبيع العربي الإسرائيلي، ويشترك هذا المشروع في كثير من ملامحه وأهدافه مع مشروع “نيوم”، والأمر هنا لا يقف عند حدود الملكية الفكرية، بل لما بعدها على المستوى السياسي.
الجدير ذكره أن ابن سلمان يزور هذه الأثناء الولايات المتحدة الأمريكية للقاء ترامب في البيت الأبيض، حيث يسعى لاجتذاب استثمارات أمريكية بقيمة 35 مليار دولار في خطته “رؤية 2030” للمملكة، بحجرها الأساس مشروع نيوم
كان يهدف مشروع بيريز عام 1993 بشكل أساسي لربط الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين والأردن في بنولكس سياسي اقتصادي على غرار هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، وخلق سوق اقتصادية مشتركة في المنطقة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، إضافة لإنشاء تحالف عسكري موحد يشبه إلى حد ما حلف الناتو.
وتبدو الفرصة أكثر ملاءمة من خلال حديث الإدارة الأمريكية عن تحالف عربي إسرائيلي استخباراتي وعسكري ضد إيران، فيما عرف بحلف ناتو الشرق الأوسط، وإنشاء سكك حديدية من الدار البيضاء إلى الإسكندرية ومنها إلى تركيا عبر تل أبيب واللاذقية، إضافة لإنشاء شركات كهرباء عابرة للحدود، وإنشاء منطقة حرة بين الأردن والسعودية ومصر والاحتلال الإسرائيلي.
ولعل انتقال جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية للسعودية وفق اتفاق بينهما كان ضروريًا لربط نيوم بسيناء المصرية؛ مما يعني ضمنيًا أن السعودية أصحبت جزءًا من اتفاقية كامب ديفيد، وهذا ما أشار إليه موشي يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق خلال مؤتمر صحفي مع صحفيين عسكريين وذكرته صحيفة هآرتس قائلًا: “المملكة العربية السعودية أعطت تأكيدات مكتوبة على حرية العبور في مضيق تيران، وقد تم تسليم وثيقة التزام المملكة العربية السعودية إلى “إسرائيل”، بما يتوافق مع ما تم الاتفاق عليه بين مصر و”إسرائيل” في اتفاقية السلام لعام 1979، ووفق الاتفاق يعتبر مضيقا تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية مفتوحة للإبحار والطيران الحر”.
لقاءات مكوكية بين سعوديين وإسرائيليين
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في الـ6 من سبتمبر 2017: “التعاون الآن مع الدول العربية أكبر من أي فترة مرت منذ قيام “إسرائيل””، لتحط في اليوم التالي الـ7 من سبتمبر طائرة سعودية في مطار بن غوريون داخل فلسطين المحتلة على متنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لعقد لقاء تداول فيه مستقبل السلام الاقتصادي في الشرق الأوسط، وهو ما أكده الصحفي أرييل كاهانا عن زيارة ابن سلمان وقتها.
الجدير ذكره أن ابن سلمان يزور هذه الأثناء الولايات المتحدة الأمريكية للقاء ترامب في البيت الأبيض، حيث يسعى لاجتذاب استثمارات أمريكية بقيمة 35 مليار دولار في خطته “رؤية 2030” للمملكة، بحجرها الأساس مشروع نيوم.
يبقى المشترك الإسرائيلي مع الدول العربية في البحر الأحمر البوابة الأكبر للإفلات من سخط الشعوب العربية، ومسؤولية الاحتلال الإسرائيلي في تفتيت الشرق الأوسط ودعم الأقليات
لقاءات مكوكية عقدها مسؤولون سعوديون مع مسؤولين إسرائيليين، وكذلك ولي العهد ابن سلمان مع ترامب وصهره المقرب كثيرًا من “إسرائيل” جاريد كوشنر مهندس عملية السلام في الشرق الأوسط.
يسعى ترامب لأن تلعب هذه العلاقة دورًا في الخطة الجديدة للشرق الأوسط، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقة والبنى التحتية والتقنية العالية التي يروج الاحتلال الإسرائيلي نفسه على أساسها للمنطقة كمدخل للتعامل.
ويبقى المشترك الإسرائيلي مع الدول العربية في البحر الأحمر البوابة الأكبر للإفلات من سخط الشعوب العربية، ومسؤولية الاحتلال الإسرائيلي في تفتيت الشرق الأوسط ودعم الأقليات، وتعزيز الاقتتال الداخلي في المناطق العربية المختلفة، إذ إنه لعب على هذا التناقض خلال سنوات احتلاله الماضية خصوصًا بعد كامب ديفيد وذلك لإبقائه حيويًا حتى تنزاح عقدة عدم الشرعية؛ حيث يعقد على مشروع نيوم أملاً كبيرًا في حلها، وتعزيز قوته في مجال السياحة خصوصًا في منطقة نيوم التي ستشارك باستثماراتها أكثر من 60 دولة.. فهل يعطي “نيوم” الأمل للاحتلال الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين؟