تقف جموع الشباب الحائر على ما يشبه صراطًا من القلق والحيرة يحتشدان في ظل الرؤى الضبابية التي أفرزتها عوامل القهر والصراع، ما عسى للشباب أن يعمل؟ أيعبر؟ وكيف؟ والإشكالات تثني من أقدام المضي وتشذب من سواعد العزيمة وتطوق مواطن الوعي وتخطف منابر الإدراك، لتظهر الحقيقة بمظهر الرهينة الغائبة، يتخبطها الجهل خبط عشوائي لا يسلم منه إلا من فاق وندر.
جسد الشرق الجريح، ألم تدميه انقساماتنا وتشظياتنا بقدر ما أثكنت فيه رماح الغرب الغاشمة؟ ألم يحن الوقت لجلسات النهوض؟
إن الإنسان الشرقي ليقف موقف الحزن العجب مما دام عليه الحال منذ قرنٍ من الزمان وما تؤول إليه في كل حينٍ فواجع الظروف؟!
وما ظواهر اليأس المستشرية وأعراض النكوص القاهرة، إلا انعكاسات لأزمات العقل الفكرية التي فُرّغت مساحات اعتدالها وحُشيت وعاء مفاهيمها بما لا تقوم عليه ركائز الشراكة ولا يستوي عليه قوام التوعية ولا تصلح أرضه لاستزراع بذور النهضة!
نحن بأمسّ الحاجة إلى انتفاضةٍ ثقافية جامعة، وحراك فكري نابع، وفزع معرفي متقد، وتشخيص لمواطن التخلف، وتمحيص عن سبل التقدم، يقوم على استيعابٍ عميق لطبيعة الاختلاف وضرورة قصوى للتعاون والتضامن بين مختلف الشرائح الفكرية، تجمعها الهموم المشتركة والطموحات الظامئة إلى تحقيق نهضة الشرق وإحياء أمته.
ألم يحن الوقت لكلمةٍ سواءٍ جامعة للأحزاب المتناحرة في داخل التيار الإسلامي، والثلل الأخرى من قوميين وعلمانيين وغيرهم
إن رحلة العودة التقدّمية شائكة المآلات، تحفها من الجانبين سهام المتربصة، ويقصر عنها أفهام بعض أهلها، في وقتٍ يظنون فيه أنهم أوسع علمًا وأعمق إدراكًا، وكان حريًّا دائمًا وأبدًا أن تنطلق أبصار المدارس الإسلامية والأحزاب الفكرية المتنوعة في كل حينٍ إلى عسِّ مفازات التجديد المجدبة، والعبور إليها عبور الحارثين والمقام فيها مقام العمرانيين، والاجتماع على تشييد رواسخ الإصلاح فيها بأيادٍ إن اختلفت مشاربها ما منعها ذلك من التعاضد الخالص لوجه الشعوب ومن أجل مصيرها.
إن الصراع المذهبي والتحزب الفقهي والسطو الجدلي والعداء الفكري، لأمضّ ما لاقته الأمة من ويلات، وأضنى ما شهدته من حسرات، ألقت بعقابيل خسرانها على واقعها، وأتاحت لأعداء حقوقها أن يشكّلوا ملامح مستقبلها متى شاءوا وكيفما أرادوا!
ألم يحن الوقت لكلمةٍ سواءٍ جامعة للأحزاب المتناحرة في داخل التيار الإسلامي، والثلل الأخرى من قوميين وعلمانيين وغيرهم، على طاولة الإنقاذ العاجل يحفظون فيه ما تبقى من آمال الشرق ويردعون مآلات سقوطه؟
يحلل الأستاذ مهنا الحبيل في كتابه النفيس جذور أزمات التخلف وعللها وامتدادتها وآثارها المأساوية، ويستعرض أيضًا مسيرة الإصلاح التي استأنفت جهودها لحظة استشعارها حصار الشرق المعتدى عليه – المتمثّلة في (حركة الإحياء الإسلامي) – قبل أن تهوي صروح الدولة العثمانية وبعد أن بدأت خيوط الغرب الغاشمة التفافها وانتشارها في أراضي الأمة وتقسيمها لها وانقسامها الكارثي إلى حاضر اليوم.
ينقد فيه تجارب الجماعات الإسلامية وينصفها، ويؤكد ضرورة فهم الفكر المدني في فقه الشريعة، كما ويقرّب الرؤى المشتركة ويستدعي بواعث التسامح، ويستحضر صوت العقل لا أزيز العاطفة، فيشدد على أهمية هذا الحضور العقلي في أذهان العلماء والمثقفين والنخب الجامعة لفرز مواطن الاتفاق ومواضع الاختلاف، وإنشاء ميثاق واسع يكفل مصالح الأمة، ويضمن سعيهم السلمي في ظله ونحوه ومن أجله.