إن تغيير مقاعد وعربات القطار لن يجعله يذهب لمحطة ثانية طالما طريقه مرسوم ضمن سكة حديدية تحدد سير عربات القطار في مكانها المحدد مسبقًا، كذلك الحال في واقع العراق منذ 15 عامًا، فهو يغير مع كل انتخابات أسماء الأحزاب وشعاراتها ورغم ذلك نصل لنفس النتيجة بعد كل انتخابات، وهي عودة الوجوه القديمة بمسميات جديدة وشعارات مختلفة الشكل متطابقة بالمضمون السابق.
يعقد العراقيون الآمال على الانتخابات القادمة لعلها تقود البلاد لمحطة جديدة بعيدة عن دوامات الصراع والفساد التي غرقنا بها بسبب الطبقة السياسية الحاكمة اليوم، لكن ذلك التغير تقف أمامه معوقات تجعل من عملية التغيير شبيهة بتغير عربات القطار دون تغير السكة التي تقود لواقع جديد، فماذا يمنع التغير الحقيقي في العراق؟
قانون سانت ليكو المعدل 1.7
“السمك الكبير يبتلع السمك الصغير”، هذا ملخص شرح قانون سانت ليكو المعدل، حيث تعمد واضع القانون ابتلاع أصوات الكتل والأحزاب الصغيرة من الكتل والأحزاب الكبيرة؛ مما يضطر المرشح الجيد الذي يمتلك حضورًا شعبيًا إلى الدخول ضمن قوائم كبيرة لكتل سياسية ليتمكن من الفوز والوصول للبرلمان، الأمر الذي يفقده هامش الحرية ويكون مدينًا ومرتبطًا بشكل أو بآخر بتلك الكتل والأحزاب؛ مما يقوض صوته ويجعله جزءًا من تلك المنظومة مرغمًا.
طريقة قسمة الأصوات وفرز المرشحين وفق نظام سانت ليكو المعدل
نص قانون الانتخابات البرلمانية العراقية أن يتم توزيع المقاعد على القوائم المتنافسة وفقًا لنظام سانت ليكو المعدل وكما يلي: أولاً تقسم الأصوات الصحيحة للقوائم المتنافسة على الأعداد التسلسلية (1.7 – 3 – 5 – 7 – 9، إلخ) وبعدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية.
استثناء قانون الشهادة الجامعية
كان التعديل على قانون الانتخابات سيحرم 70 نائبًا من المشاركة في الانتخابات القادمة وذلك بسبب وضع شرط الحصول على شهادة البكالوريوس للمرشحين حتى يتمكنوا من التقدم لعضوية مجلس النواب، لكن هذا التعديل القانوني تم الالتفاف عليه بوضع بند داخل التعديل الثاني لقانون الانتخابات حيث نص البند:
للقوائم الانتخابية تخصيص نسبة لا تزيد على 20% من عدد المرشحين لشرائح المجتمع من حملة الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها
هذه الإضافة حرمت العراقيين من تغير 70 برلمانيًا من أصل 329، بقوة القانون؛ الأمر الذي تم الالتفاف عليه ليجعل فرصة عودة النواب السابقين الذين لا يمتلكون شهادة البكالوريوس لتشريع قوانين للشعب.
الدعم الخارجي
تدخل الانتخابات السياسية العراقية ضمن صراع المنطقة الإقليمي وصراعات النفوذ الدولي، هذه الصراعات صنعت لها أذرع خلال السنوات الماضية داخل العراق، وهي تقدم لها الدعم المادي والإعلامي والثقل السياسي، مما يجعل عملية إدخال لاعبين جدد للساحة تتطلب صراعًا ضد نفوذ تلك القوى.
مما لا شك فيه فإن التأثير الإيراني الأمريكي في المقام الأول على العملية السياسية العراقية، واضح جدًا وغير قابل للنقاش؛ مما يجعل التغير أمام خيارين: إما المواجهة مع تلك الإرادات التي تمتلك أغلب أوراق اللعب أو الانصياع والدخول تحت مظلة واحدة من تلك القوى، وبالمحصلة سنصل إلى نتيجة عدم التغير للواقع الحاليّ أو الحد منه بدرجة كبيرة.
السياسيون في العراق من المتربعين على عرش السلطة تمكنوا من بناء شبكات إعلام واقتصاد وسلاح وعلاقات اجتماعية باستخدام السلطة والمال الذي بين أيديهم؛ مما جعل المنافسة معهم تدخل في حالة من اختلال ميزان القوى لما تمتلكه هذه الوجوه السياسية
وهذا ما يفسر الزيارات المكوكية للسياسين العراقيين إلى طهران وواشنطن وبعض دول الجوار مثل تركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن التي تشكل جزءًا من المتداخلات في السياسة العراقية وأراق اللعب فيها.
المال السياسي والإعلام
تمتلك إضافة لإيران وأمريكا، كل من تركيا والسعودية وقطر والإمارات تأثيرًا على عدد من الشخصيات السياسية العراقية، وتدعم جزءًا منها بالمال والإعلام والقرار السياسي والتفاوض مع الفرقاء، هذا إضافة لعوامل المال الحكومي العراقي الذي يدخل ضمن حسابات الانتخابات القادمة.
أبرز الوجوه السياسية في العراق ما بعد 2003
فالسياسيون في العراق من المتربعين على عرش السلطة تمكنوا من بناء شبكات إعلام واقتصاد وسلاح وعلاقات اجتماعية باستخدام السلطة والمال التي بين أيديهم؛ مما جعل عملية المنافسة معهم تدخل في حالة من اختلال ميزان القوى لما تمتلكه هذه الوجوه السياسية من أذرع يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في مهاجمة وإقصاء أي تيار أو وجوه منافسة بشكل حقيقي، كذلك يمكن استخدام التهم الكيدية والتصفية الجسدية أو المعنوية من خلال الإعلام لأي معارض يمكن أن يكون شوكة في خاصرة تربعهم المريح على عرش السياسة العراقي.
الإحباط العام والمقاطعة
وسط هذا الوضع العام والتجارب السابقة، هناك حالة إحباط عام لدى الشعب العراقي من التغير؛ مما يعزز بقاء الطبقة الحاكمة ويدفع باتجاه مقاطعة الانتخابات؛ الأمر الذي سيجعل فرصة التغيير وحدوثه ولو بشكل نسبي أكثر ضعفًا.
وسط هذه الموانع قد نصل لنتيجة أننا أمام باب مسدود ونفق بلا نهاية، لكن الحقيقة تقول إن فرصة التغير المتاحة في العراق اليوم هي الانتخابات حتى وإن كانت هذه الفرصة لا ترتقي للطموح وقد لا تصل بالتغير لنسبة 10%، لكنها تبقى فرصة موجودة ومتاحة واستغلالها لتغيير ما يمكن تغييره أفضل من تركها لنعود من نقطة الصفر بعد 4 سنوات قادمة.