ترجمة وتحرير: نون بوست
سمحت الفيفا، يوم السبت الفارط، بمواصلة المباريات الدولية في ثلاث مدن عراقية. ويعتبر هذا القرار بالنسبة لنائب رئيس جامعة كرة القدم العراقية، شرار حيدر، بمثابة “النصر”، خاصة بعد مضي سنوات من الحرب الأهلية في البلاد. ويطمح اللاعب الدولي السابق إلى النأي بكرة القدم عن الفساد والطائفية في البلاد.
في هذا الصدد، يفتح حيدر الباب لبعض الوقت من أجل تبادل أحد الوثائق ثم يغلقه بعنف؛ حيث لا يكاد يجد الوقت من أجل مواصلة الحوار بسبب طرق باب مكتبه المتواصل. وبعد وقت وجيز، يعيد الكرة مرة ثانية من أجل استلام وثيقة أخرى مستعجلة، ويعيد إغلاق الباب. ويعتبر هذا الأمر، بمثابة أحد الطقوس التي تتكرر كل يوم في مكتبه. ويتذكر حيدر شرار من خلال هذا القرع المتواصل على الباب، الأيام التي قضاها في سجن “الرضوانية”، في العاصمة بغداد.
عموما، خلال تولي عدي حسين، نجل الرئيس صدام حسين، رئاسة الجامعة واللجنة الأولمبية بين سنة 1984 وسنة 2003، تعرض العديد من اللاعبين العراقيين للإهانة، والتعذيب بسبب خسارة مباريات أو تراجع المردود. ويصرح شرار حيدر، اللاعب السابق، ونائب رئيس الجامعة العراقية لكرة القدم اليوم، أنه “تم اعتقاله ثلاث مرات”. ويقف شرار حيدر أمام النافذة يحمل في يده المسبحة، وفي عينيه نظرة استشراف، وهو يراقب العاصفة الرملية والمشهد الفوضوي الذي يحيط بمقر الجامعة. ويحيط بالمكان جدار من الخرسانة، يحرسه مجموعة من عناصر الجيش، محملين بأسلحة كلاشنكوف أو مباني منهارة وأخرى لم يكتمل بناؤها بعد.
مياه راكدة
على غرار العديد من لاعبي كرة القدم السابقين، ليس لدى شرار حيدر سوى الذكريات الكروية ليشاركها. لكنه من القلائل اللذين قبلوا الحديث عن المحن التي مر بها بين سنتي 1993 و1997. وخلال نهاية الثمانينات، أصبح شرار حيدر أحد اللاعبين الدوليين، خاصة مع المباريات الجيدة التي قدمها بين صفوف نادي “الرشيد الرياضي” في خطة مدافع. ويعتبر الرشيد فريق عائلة “صدام حسين”.
واجه حيدر صعوبة في إيقاف مسيرته الكروية. ولم يقبل أي مسؤول في اللجنة الأولمبية هذا القرار بالاعتزال، وطلب منه العودة بسرعة للتدريبات خوفا من أن يسلط عليه نجل صدام حسين غضبه مرة أخرى
في ذلك الوقت، كان شرار يمثل أيقونة الكرة المحلية. لكن جاء الوقت الذي أصبح مردوده مخيبا للآمال بالنسبة لعدي صدام حسين؛ مما أدى إلى حبسه مرتين في سجن الرضوانية. وسجن في المرة الأولى لمدة أسبوعين، ثم سجن لمدة عشرين يوم. وخلال مروره بالسجن، تم جره على ظهره وهو عار، ثم ألقي في الرمل والماء الراكد. كما تعرض شرار للضرب بعصا من خشب على مستوى الساقين والظهر.
في الأثناء، يجبر لاعبون آخرون على تسديد كرة خرسانية، وقضاء الليل في تابوت شديد الحرارة، ومليء بنتوءات حادة أو محاكاة قيادة درجات هوائية مرسومة على الجدار. ويروي المسؤول الرياضي العراقي الحالي أنه “خلال سنة 1993 وأثناء التحضيرات لكأس العالم الذي دارت فعالياته خلال سنة 1994، في الولايات المتحدة الأمريكية، بيت العدو الأكبر، وضع عدي ضغطا كبيرا علينا من أجل الترشح. لكنه لم يخض مباريات منذ ذلك الوقت”.
بشكل عام، واجه حيدر صعوبة في إيقاف مسيرته الكروية. ولم يقبل أي مسؤول في اللجنة الأولمبية هذا القرار بالاعتزال، وطلب منه العودة بسرعة للتدريبات خوفا من أن يسلط عليه نجل صدام حسين غضبه مرة أخرى. ويتذكر شرار حيدر لحظة قدوم الجنود إلى بيته، واعتقاله. واسترجع تلك اللحظات قائلا: “قد رفضت الإجابة مرتين، ثم جاؤوا ليبحثوا عني”. بعد ذلك، تم اقتياده إلى مقر اللجنة الأولمبية، حيث اعتقد شرار حيدر بأنه سيتم سجنه في الغرفة الحمراء التي تجعل من اللاعبين الذين يتم معاقبتهم مجانين.
على العكس ذلك، مده الجنود بهاتف يعمل بالأقمار الصناعية، وتواصل مع عدي على الخط على حدود الساعة الثالثة صباحا. وطلب نجل الرئيس صدام حسين من اللاعب الشاب، في ذلك الوقت، العودة إلى تدريبات من جديد مع منتخب “العراق الكبير”. لكنه رفض الأمر بتعلة الآلام في البطن. وأجابه بأنه “لن يلعب إلا إذا وفر له طبيبا لمعالجته”. بعد ذلك، انتهت المكالمة بينهما، ليتم إرساله إلى سجن الرضوانية. وفي هذه المرة تواصلت مدة اعتقاله بين الخمسة والستة أشهر. كما تم إلغاء جواز سفره وحضره من ممارسة نشاط كرة القدم، بالإضافة إلى اتهامه “بالخيانة”، وتم نفيه سنة 1997.
عند عودته من جديد سنة 2003، تاريخ تركيز الولايات المتحدة حكومة مؤقتة في العراق؛ تم اختيار شرار حيدر رئيسا لنادي الرشيد الرياضي خلفا لعدي صدام حسين. وشارك في إعادة تنظيم النشاط الكروي في العراق، من خلال إعادة هيكلة اللجنة الأولمبية، والجامعة العراقية لكرة القدم.
كان انتصار العراق في نهائي كأس آسيا سنة 2007 بمثابة مكافأة لجهود شرار حيدر، المعروف بأنه شخص عنيد
في هذا الصدد، قام الأمريكي دون إبرلي، وهو عضو في التحالف المسؤول عن الشباب والرياضة، بعقد اجتماع لهذا الغرض، لكي يتسنى له اختيار الممثلين من بين السنة، والشيعة، والأكراد، وفتح النقاش. من جهته، أكد شرار حيدر أن “المسؤولين صدموا لأنه تم اختيارهم وفقا لانتمائنا العرقية أو الدينية”. وأضاف” “لم يفهموا بعد ثقافتنا. كما أنه لم يتم في السابق اختيار الفرق العراقية بهذه الطريقة”. وقد أكد بأنه الوحيد الذي عارض هذا التمشي الذي يحيل على أن الرياضة العراقية لن تتعافى إلا عبر التفريق بين الأديان أو بين المناطق. وأضاف: “لقد كنت على حق في أقوالي. وخير الدليل على ذلك، الوضع الفوضوي الذي كان نتيجة لهذا التقسيم”.
في واقع الأمر، كافحت كرة القدم الوطنية العراقية من أجل أن لا تدفن بين فترة الحرب الأهلية، وظهور تنظيم القاعدة في العراق، ثم تنظيم الدولة. وبحسب شرار حيدر “عمل العراقيون مع بعضنا البعض بهدف تنظيم مباريات، وتظاهرات كروية. لقد كان الأمر خطيرا جدا”، ويعتقد “أنهم نجحوا. كما تعد فكرة كرة القدم أسلوبا نادرا لمكافحة الحرب، ولم شمل العراقيين. وإلى غاية هذا اليوم، لا زلوا يمنعون أي شخص من الحديث عن الاختلافات الدينية في الرياضة، فهذا خط أحمر”.
من جهة أخرى، كان انتصار العراق في نهائي كأس آسيا سنة 2007 بمثابة مكافأة لجهود شرار حيدر، المعروف بأنه شخص عنيد. ويؤسس شرار حاليا الأرضية الملائمة للكرة العراقية، في شكل “مشروع مارشال رياضي”. في المقابل، ترك تنظيم الدولة المرافق الرياضية الكبرى أطلالا في كل من الموصل، والرمادي، أو أيضا في محافظة ديالى، وصلاح الدين. ولإعادة إعمار هذه الفضاءات التي دمرتها الحرب، ولإعادة فتح آفاق جديدة للشباب، اقترح حيدر على وزارة الرياضة والاتحاد الآسيوي لكرة القدم دمج فرقهم ضمن دوري الدرجة الأولى العراقي. وفي هذا السياق، أفاد شرار حيدر أنه “قبل موفى السنة المقبلة، سيتعين على هذه الأندية تقديم بنية تحتية تتماشى مع ما يتطلبه الاتحاد الآسيوي، وهو يحظى في ذلك بدعم من رئيس الوزراء”.
بعد أن جمع أنفاسه، أضاف شرار: “من الصعب جدا أن تفرض نفسك في هذا البلد. لأنه قد تستيقظ صباح أحد الأيام، وتكتشف أن أربع مدن وقعت تحت قبضة الإرهابيين. أما حاليا، فإن أندية مدينة أربيل، هي التي تشكل عائقا، خصوصا مع استفتاء برزاني، الذي لم تعترف به بغداد، والذي نظمه رئيس إقليم كردستان العراق خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي. وتتمثل المشكلة في المكان الذي سيخوض فيه نادي إربيل الكردي مباريات، الذي سيختار بين مدينة الصدر أو البصرة”. وأضاف أن “العمل في العراق، يتطلب التكيف مع الوضع، لأنه لا يوجد مخطط على امتداد الخمس أو العشر سنوات القادمة”.
تبدو مضخة الأموال التي تهدف إلى تمويل مشاريع في البنية التحتية أو التنمية، بمثابة مغناطيس لجذب أعمال مثل إنقاص مبالغ منها أو تسجيل مدفوعات خفية.
على الرغم من كل ذلك، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يوم السبت رفع الحظر عن تنظيم مباريات رسمية دولية في ثلاثة مدن، ألا وهي أربيل، والبصرة، وكربلاء. علاوة على ذلك، نظمت يوم الثلاثاء دورة بمشاركة منتخبات وطنية من سوريا، وقطر، والعراق درات في البصرة. وعلق شرار حيدر أن “هذه التطورات تعد انتصارا بالنسبة لهم، ونجاحا للمرحلة الأولى قبل إمكانية تنظيم مباريات في بغداد. وفي الوقت الحاضر، يطالب العراقيون بتأكيد كفاءتهم ومدى استعدادهم”. ولا يمحو شرار حيدر عن باله خيبة سنة 2012، عندما ظهر عطل كهربائي في أربيل، شوش على المباراة ضد الأردن، وتسبب في إقناع الفيفا بالعدول عن رأيها فيما يتعلق بالسماح بتنظيم البلاد لمباريات على أراضيها.
“تهديدات بالموت”
في بغداد، يبدو الرجل الذي تحدى عدي صدام حسين لازال يواجه الفاسدين. فعلى غرار كل الأقسام المكونة للمجتمع، فإن كرة القدم العراقية طالتها الرشاوى والحسابات القبلية وتهديدات الجماعات المسلحة الغير نزيهة. وبحسب منظمو الشفافية الدولية الغير حكومية فإن “قرابة 65 بالمائة من العراقيين يدفعون بقشيش لموظفين على الأقل خلال تنظيم كل مناسبة على امتداد سنة 2016”. من جهته، أكد شرار حيدر أن الفساد يعد العدو الجديد للكرة العراقية. وأشار إلى أن “ميزانية اللجنة الأولمبية تبلغ حوالي 55 مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 45 مليون يورو. لكن، من المؤكد أن تجذب هذه الأرقام الأشخاص الفاسدين”.
عموما، تبدو مضخة الأموال التي تهدف إلى تمويل مشاريع في البنية التحتية أو التنمية، بمثابة مغناطيس لجذب أعمال مثل إنقاص مبالغ منها أو تسجيل مدفوعات خفية. كما يتلقى رؤساء الأندية إما تهديدات أو رشاوى لاستئجار لاعب يكون أحيانا غير موجود. وقد أكد شرار حيدر أنه يستقبل كل شهر في مكتبه “أشخاصا فاسدين، أو ممثلين عن بعض الميليشيات، أو شيوخ عشائر”، لدفعه إما على انتداب أحد الأشخاص بين صفوف اللاعبين أو المدربين. ونوه حيدر بأنه “في حال الرفض، يتعرض لتهديدات بالموت”، إما في شكل إرساليات قصيرة، أو مكالمات مجهولة تعتمد على التخويف في الشوارع أو داخل سيارة مشتعلة.
تلقى شرار حيدر خلال الصائفة الماضية اتصالا من شخص مؤثر ينتمي إلى ميليشيا مهمة، يبدو أنها “ميليشيا عصائب أهل الحق”، وقد ذكر شرار حيدر أنهم “طلبوا رأيه بلباقة حول فكرة تأسيس فريق يمثل الميليشيا”. وقد كان صريحا معهم جدا وأخبرتهم بأنها “ستكون فكرة سيئة”
في هذا المعنى، أشار شرار حيدر إلى أنه “أضحى من الخطير العمل في مجال كرة القدم العراقية. لكنه لا يريد أن يعزز حمايته بحراس شخصيين، فهذا نوع من الجنون”. وواصل: “عندما تكون شريفا وتعمل داخل مجتمع فاسد، فمن المؤكد إلى أن تصنع الكثير من الأعداء حولك. وسيستعين هؤلاء الأشخاص إما بالأحزاب السياسية، أو بالميليشيات لتدميرك. وستجد نفسك في النهاية محاصرا. لذلك، لا يملك بعض الإخوة الشجاعة من أجل المغامرة”.
في هذا السياق، أورد نائب مدير الجامعة العراقية لكرة القدم أن دوري الدرجة أولى العراقي يتكون من حوالي 20 بالمائة من اللاعبين غير الموجودين (الأشباح)، ولاعبين متورطين في الفساد، أو معرضين لتهديدات. وأكد أنه “على الرغم من أنهم لا يشاركون في المباريات أو التدريبات، إلا أنهم يتلقون أجورا من الأندية”.
من جانب آخر، تلقى شرار حيدر خلال الصائفة الماضية اتصالا من شخص مؤثر ينتمي إلى ميليشيا مهمة، يبدو أنها “ميليشيا عصائب أهل الحق”، وهي مجموعة مسلحة بقيادة، قيس الخزعلي. وقد ذكر شرار حيدر أنهم “طلبوا رأيه بلباقة حول فكرة تأسيس فريق يمثل الميليشيا”. وقد كان صريحا معهم جدا وأخبرتهم بأنها “ستكون فكرة سيئة”. وفي حال “أسسوا فريقا بالفعل، فسيدمرون بذلك كرة القدم العراقية”.
المصدر: ليبراسيون