ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: يويل غوزانسكي وإميلي لانداو
خلال مقابلة أجراها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مباشرة قبل زيارته للولايات المتحدة، أوضح أنه على الرغم من أن بلاده لا تريد امتلاك أسلحة نووية، إلا أنها ستنسج على منوال إيران إذا سعت طهران إلى تطوير قنبلة نووية. من خلال هذه التصريحات الجريئة والعلنية، من الواضح أن حاكم المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع كان يهدف إلى تسليط الضوء على طموحاته النووية.
في حين أن هذه التصريحات لا تحيل إلى أي مستجدات بشأن موقف الرياض بالنسبة لشخص يتابع الشأن السعودي في السنوات الأخيرة، إلا أن اهتمام السعودية بطموحات إيران النووية يعد أمرا مهما لسببين وجيهين. ويتمثل السبب الأول في أن الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، الذي لطالما اعتقدت السعودية أنه تشوبه العديد من العيوب، فضلا عن أنه لن يحول دون أن تصبح طهران دولة نووية، يتيح لإيران تطوير برنامج نووي صناعي يشمل تخصيب اليورانيوم.
أما السبب الثاني، فيكمن في أن تصريحات بن سلمان تعزز الفكرة القائلة بأن مطالب السعودية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم على اعتبارها جزءا من صفقة نووية مدنية مع الولايات المتحدة لا تنفصل عن رغبة المملكة في تنويع خياراتها في المجال العسكري. في كلتا الحالتين، يتمثل العامل الذي يدفع السعودية للإفصاح عن مثل هذه التصريحات بشأن الخطط النووية في الآثار المترتبة عن برنامج إيران النووي، والاتفاق الذي أُبرم مع طهران خلال سنة 2015.
أشار البعض إلى أن خطاب ولي العهد يُحيل إلى ضرورة المحافظة على خطة العمل الشاملة المشتركة على اعتبارها ضمانا كفيلا بأن لا تحوز إيران على أسلحة نووية، إلا أن جوهر تصريحات ولي العهد تعني العكس تماما. ففي الواقع، تعتقد المملكة السعودية أن الاتفاق النووي في صيغته الحالية قد ساهم في تنامي عدوانية إيران، فضلا عن أنه لن يضمن عدم امتلاك طهران للأسلحة نووية.
يبدو موقف الرياض واضحا، حيث أنه في حال لم يتم تعديل خطة العمل الشاملة المشتركة وتمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي فستسير الرياض على خطاها
خلال مؤتمر ميونخ للأمن الذي عُقد خلال شهر شباط/ فبراير، لم يكن بوسع وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير أن يكون أكثر وضوحًا بشأن موقف بلاده إزاء خطة العمل الشاملة المشتركة، وممارسات إيران على المستوى الإقليمي عندما قال: “نحن نسعى إلى إعلام الأوروبيين بأن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران يحتوي على الكثير من الثغرات، حيث يجب تعديل الآجال المحددة لهذا الاتفاق، وتوسيع عمليات التفتيش لتشمل المواقع غير المعلنة عنها والعسكرية أيضا. ونعتقد أن الاتفاق النووي نفسه لا يحل مسألة السلوكيات الإيرانية المتطرفة، نظرا لأن طهران تقوم بتصدير صواريخ باليستية تُستخدم لاستهداف المدنيين”.
انتقد عادل الجبير دعم إيران للإرهاب، والحرس الثوري الذي يعمل على إحداث أضرار داخل المنطقة والعالم بأسره. يعد هذا الخطاب موجها لإدارة ترامب على خلفية جهودها الحالية للحصول على الدعم الأوروبي لتعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة. من جانب آخر، تُبين تصريحات الوزير السعودي تقييم المملكة العربية السعودية للصفقة وسلوك إيران الإقليمي، ومساعيه لنقل هذا الموقف للأوروبيين، الذين لم يبدوا أي حماس إزاء تحسين خطة العمل الشاملة المشتركة.
في الواقع، يبدو موقف الرياض واضحا، حيث أنه في حال لم يتم تعديل خطة العمل الشاملة المشتركة وتمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي فستسير الرياض على خطاها. وقد جدت كل هذه التطورات في أعقاب إعلان السعودية عن خططها لإرساء برنامج نووي مدني، بما في ذلك السعي للعمل في مجال تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم. نتيجة لذلك، تواترت النقاشات حول رغبة السعودية في إبرام صفقات في إطار برنامجها النووي المدني في الأسابيع الأخيرة، في حين استأنفت المفاوضات مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع من جديد.
خلال فترة إدارة أوباما، أصرّ الرئيس الأمريكي على التزام المملكة العربية السعودية “بالمعيار الذهبي” الذي وضعته للتعاون النووي المدني، أي أن الدولة المعنية يجب أن تتخلى عن حق العمل على دورة الوقود النووي، بسبب مخاطر انتشار الأسلحة النووية المحتملة. وقع تحديد الشروط المتعلقة بحق أي دولة في العمل على دورة الوقود النووي، وفقا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ووفقاً لأحد التفسيرات للمادة الرابعة، تنص معاهدة عدم الانتشار على منح الدول الحق في التعاون على تطوير برنامج نووي مدني، ويتوسع هذا الحق ليشمل الإنتاج المستقل للوقود لتشغيل مفاعلاتها (بدلاً من شراء الوقود من الأسواق المفتوحة).
قد يثير السعوديون هذه القضية للضغط على الأوروبيين، ودفع الدول الأوروبية البارزة إلى التعاون مع الأمريكيين للعمل على تلافي الثغرات الأكثر وضوحا ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة
أضحى من الواضح أن هذا التفسير الفضفاض لا يمكن اعتماده لأن تخصيب اليورانيوم يعد تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام، حيث يمكن استخدامه لإنتاج الوقود للمفاعلات النووية. في الوقت ذاته، إذا تم تخصيب اليورانيوم في مستويات عالية جدا، يمكن أن تنتج أجهزة الطرد المركزي ذاتها المواد الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة نووية. وعلى هذا الأساس، تم وضع “المعيار الذهبي”. وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الأولى التي امتثلت لهذا المعيار سنة 2009.
هل تحتاج المملكة العربية السعودية إلى برنامج نووي متطور من أجل أغراض مدنية بحتة؟ تزعم المملكة أنها في حاجة إلى الطاقة النووية لتوفير احتياجاتها المتنامية من الطاقة، وتقليل اعتمادها على النفط. وفي الوقت ذاته، لم تخف الرياض اهتماماتها ومشاغلها الاستراتيجية تجاه إيران.
قبل عدة سنوات، وحتى لا تتخلف عن التقدم الذي حققته إيران، أعلنت المملكة العربية السعودية عزمها على بناء 16 مفاعلا نوويا خلال العشرين سنة القادمة. إثر ذلك، تلقت الرياض عروضا من الولايات المتحدة، والصين وروسيا، وفرنسا، وكوريا الجنوبية لبناء أول مفاعلين. وعلى الرغم من إصرار المملكة على أن برنامجها النووي سيكون بالأساس ذا أغراض سلمية بحتة، إلا أن مساعي السعودية لاقتحام مجال تخصيب اليورانيوم يعد “مثيرا للقلق”.
عندما وافقت القوى العالمية التي تفاوضت على خطة العمل الشاملة المشتركة على إضفاء الشرعية على برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، فقد قوضت بذلك المعيار الذهبي للبرامج النووية المدنية بشكل خطير. وبعد سنوات من فرض عقوبات على أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وإدراك مخاطر هذه التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، أذعنت إدارة أوباما للمطالب الإيرانية من خلال معاملة طهران مثل أي عضو “طبيعي” في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ومنحها الحق في تخصيب اليورانيوم.
بصفتها عضوا في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لا يمكن للسعودية أن تباشر تطوير أسلحة نووية بكل بساطة
نتيجة لذلك، من الصعب تبرير عدم السماح للمملكة العربية السعودية بفعل الأمر ذاته، خاصة وأنه تم منح الشرعية في السابق لأحد منتهكي معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، في حين أن السعودية قد التزمت بشروط هذه المعاهدة. ومن المحتمل أن تكون المملكة العربية السعودية أكثر رضا بعدم خوضها للمسار النووي. ومن أجل دفع الرياض إلى الالتزام بالمعيار الذهبي للبرامج النووية، فضلا عن التراجع عن أي أفكار تتعلق بالتحول إلى دولة نووية، يجب ضمان عدم تمكن إيران من حيازة أسلحة نووية. بموجب ذلك، تتمثل أول خطوة يتوجب اتخاذها في تحسين الاتفاق النووي الإيراني. وقد يثير السعوديون هذه القضية للضغط على الأوروبيين، ودفع الدول الأوروبية البارزة إلى التعاون مع الأمريكيين للعمل على تلافي الثغرات الأكثر وضوحا ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة.
أثناء دراستها للطلب الذي تقدمت به السعودية، ستحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأخذ بعين الاعتبار بعض الجوانب الإضافية. ففي المقام الأول، في حال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق وارتأت المملكة العربية السعودية الالتجاء إلى التعاون مع موسكو أو الصين لتطبيق خططها النووية المدنية، يمكن لموسكو وبكين الموافقة على المزيد من المعايير المتساهلة فيما يتعلق بشروط منع الانتشار النووي، في حين ستفقد حكومة ترامب السيطرة على طريقة سير البرنامج.
بصفتها عضوا في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لا يمكن للسعودية أن تباشر تطوير أسلحة نووية بكل بساطة. وفي حال قيامها بذلك، ستكون الرياض عرضة للقيود والعقوبات المسلطة على أي دولة عضوة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تقرر أن تنتهك شروط المعاهدة، ولعل إيران خير مثال على ذلك. في المقابل، يجب على الولايات المتحدة التأكيد على بعض الضمانات الإضافية اللازمة لعقد صفقة نووية مدنية، على غرار امتثال المملكة للبروتوكول الإضافي ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل في هذا البرنامج، بما في ذلك حق النقض في كل خطوة، وذلك على أساس التعاطي مع كل حالة على حدة. كما يتوجب على السعودية إرسال الوقود المستنفذ من المفاعلات النووية إلى الخارج.
لحل هذه المعضلة والمضي قدما، لا ينبغي ربط برنامج السعودية المدني بالشروط المثيرة للجدل الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة وآجالها المحددة، بل يجب تعزيز أو إصلاح هذه الخطة نفسها. في السياق ذاته، يمكننا القول إن مواضع الخطأ الكامنة في خطة العمل الشاملة المشتركة وتعزيز الاتفاقية للعدوان الإقليمي الذي تنتهجه إيران، تمثل المحفز وراء سعي المملكة العربية السعودية لاتخاذ الخطوات ذاته. تكمن الطريقة الوحيدة لإعادة طمأنة الرياض في معالجة مخاوف المملكة فيما يتعلق بحقيقة أن الصفقة النووية قد عززت من طموحات إيران في الهيمنة ولم تنهي قدرتها على أن تصبح دولة نووية، بشكل مباشر.
المصدر: ناشيونال إنترست