ترجمة وتحرير: نون بوست
في الأسبوع الماضي، قال الوزير الإسرائيلي السابق والجنرال المتقاعد، بيني غانتس، إن إسرائيل تستطيع تدمير القدرة العسكرية لحزب الله في غضون أيام، لكن لو كان ذلك ممكنًا لكانت إسرائيل قد فعلت ذلك بالفعل. ووعد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بدوره بـ”النصر الكامل” على حماس بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وتعبر هذه التصريحات عن تبجح خطير، فهي لا تنذر في نهاية المطاف بالدمار في لبنان كما في غزة فحسب؛ بل إن الأهداف العسكرية التي تقترحها متطرفة وغير قابلة للتحقيق إلى حد كبير. وتميل إسرائيل إلى التقليل من شأن الميليشيات التي تحاربها وإلى استخدام المطرقة في حل مشكلة لم تصلحها المطرقة قط.
لقد أصبحت الحرب حقيقة من حقائق الحياة بالنسبة للمدنيين على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما أطلق حزب الله أول صواريخه على شمال إسرائيل دعمًا لحركة حماس بعد 17 سنة من الهدوء النسبي هناك.
وقد أدى القصف الإسرائيلي المتواصل والمنهجي لمنطقة بعمق خمسة كيلومترات على طول الحدود داخل لبنان إلى خلق منطقة ميتة غير صالحة للسكن بحكم الأمر الواقع. فقد نزح نحو 90,000 لبناني عن ديارهم، ودُمرت البنية التحتية المدنية والماشية والأراضي الزراعية. وقد استهدفت إسرائيل مقاتلي حزب الله وحققت بعض النجاح؛ فقتلت 349 منهم، لكن ما لا يقل عن 50 مدنيًا لبنانيًا قُتلوا أيضًا.
لقد كان قصف حزب الله لإسرائيل أقل كثافة وضررًا، لكنه ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية، وتم إجلاء نحو 60,000 إسرائيلي من منازلهم في الشمال، وقُتل 25 إسرائيليًا، بينهم مدنيون وجنود. وظل الصراع في حالة غليان مستقر، لكنه يهدد الآن بالتصعيد مع قيام الطرفين بتخزين الأسلحة وحشد إسرائيل قواتها على الحدود، وقد حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من أن الحرب الشاملة ستكون “كارثية”.
إن ملامح الصفقة التي من شأنها أن توقف القتال معروفة بالفعل، فإسرائيل تريد من حزب الله إنهاء الهجمات عبر الحدود وسحب كبار مقاتليه وأسلحته الثقيلة من المنطقة الحدودية، وأن ينتشر الجيش اللبناني بأعداد أكبر قرب الحدود. ويريد حزب الله أن تتوقف إسرائيل عن قصف لبنان والانسحاب من النقاط الحدودية المتنازع عليها ووقف التحليق فوق لبنان.
ومع ذلك؛ فقد توقفت الجهود الدبلوماسية – ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن حزب الله ربط مصير لبنان باحتمالات وقف إطلاق النار في غزة – في حين أن بقاء نتنياهو السياسي مرتبط باستمرار هذا الصراع.
إن بدائل الدبلوماسية قاتمة، وكما كتبتُ من قبل في هذه المساحة، لا إيران راعية حزب الله، ولا إسرائيل على وجه الخصوص يريدان حربًا شاملة في لبنان، لكن هذا لا يعني أنها لن تحدث.
فالسيناريو الأكثر تدميرًا قد ينطوي على حملة قصف إسرائيلية واسعة النطاق في لبنان إلى جانب توغل بري. وسيقوم حزب الله بعد ذلك بإطلاق وابل من الصواريخ على شمال إسرائيل – بما يكفي لإرباك القبة الحديدية والتسبب بأضرار كبيرة وخسائر في الأرواح. وقد تعيد الحرب طويلة الأمد مصداقية حزب الله كحركة مقاومة ضد إسرائيل، وهي الهالة التي فقدها عندما أصبح لاعبًا رئيسيًا في النظام السياسي الفاسد في لبنان وقاتل في الحرب الأهلية السورية لدعم حكم الديكتاتور بشار الأسد.
ولا يمكن لأي ضربة حاسمة أن تقضي على قدرة حزب الله العسكرية خلال فترة زمنية قصيرة. فالحرب الشاملة ستورط إسرائيل ولبنان لأشهر، بل لسنوات. فحزب الله اليوم ليس ذلك التنظيم المسلح الذي قاتلتها إسرائيل حتى وصلت إلى طريق مسدود في سنتي 1996 و2006. فلديه الآن 150 ألف صاروخ تحت تصرفه، بما في ذلك صواريخ دقيقة التوجيه، ومئات من الرجال المتمرسين في القتال الذين قاتلوا في سوريا وأماكن أخرى. وقد يستقطب الصراع في لبنان ميليشيات من العراق وسوريا. وفي السيناريو الكابوسي النهائي، يمكن لمثل هذه الحرب أن تجذب إيران والولايات المتحدة.
وربما يمكن للطرفين إدارة تصعيد أكثر محدودية يركز على مناطق وأهداف عسكرية محددة، بقواعد اشتباك غير معلنة ولكن واضحة. وفي هذا السيناريو؛ ستزيد إسرائيل من وتيرة ضرباتها ضد أهداف حزب الله وإيران في سوريا، بالإضافة إلى ضربات ضد أهداف حزب الله في جنوب لبنان والبقاع، دون استهداف البنية التحتية اللبنانية، مثل المطار أو محطات توليد الكهرباء أو الجسور، التي غالبًا ما كانت تضربها في الماضي. ومن المرجح أن يرد حزب الله بالمزيد من الهجمات المتواصلة على إسرائيل، معظمها في المناطق التي أخلاها المدنيون، ومن خلال استهداف المواقع العسكرية وشن هجمات إلكترونية. لكن الحياة الحقيقية ليست مناورة حربية، وسيكون الإبقاء على مثل هذا التصعيد ضمن الحدود أمرًا صعبًا وخطيرًا.
ويمكن أن تستمر الاشتباكات الحدودية على شدتها الحالية، وهي حرب استنزاف لا تلوح لها نهاية واضحة في الأفق، ولكن في أي سيناريو من الصعب أن تكسب إسرائيل من المواجهة العسكرية مع حزب الله أكثر مما ستكسبه من خلال الدبلوماسية. وعلى القادة الإسرائيليين أن يعرفوا ذلك من التاريخ: إن قتال حزب الله، حتى قبل أن يصل إلى ما هو عليه اليوم من قوة، لم يحقق أبدًا الهزيمة المدوية التي وعد بها غانتس وآخرون، كما لم يحقق شن حرب مباشرة في لبنان.
نشأ حزب الله بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 – وهو اجتياح كان يهدف في البداية إلى إبعاد المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون هناك بعيدًا عن الحدود مع إسرائيل، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تتوقف عند هذا الحد. وفي كتابه “منحدرات لبنان”، كتب الصحفي الإسرائيلي وناشط السلام، عاموس عوز، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن تصور أن بإمكانه “تنظيف الفوضى في الشرق الأوسط بشكل نهائي”. فأرسلت إسرائيل قواتها إلى بيروت ساعيةً إلى تنصيب رئيس مسيحي صديق في لبنان، وقصف الجيش السوري المتمركز هناك لإخضاعه، والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وفرضت إسرائيل حصارًا على بيروت لمدة شهرين، وأسفر القتال عن مقتل 17,000 شخص في لبنان.
لقد غادرت منظمة التحرير الفلسطينية بيروت بالفعل، لكن الحرب كانت كارثة إستراتيجية لإسرائيل من جميع النواحي الأخرى. فقد تم اغتيال الرئيس المسيحي، وألغى لبنان اتفاقية السلام التي وقعها مع إسرائيل في غضون سنة، وأصبحت سوريا أكثر قوة، واكتسبت إيران موطئ قدم في لبنان، وانتهى الأمر باحتلال إسرائيل لجنوب لبنان لعقدين من الزمن.
ومع ذلك، لم تكن هذه المرة الأخيرة التي تخوض فيها إسرائيل حربًا هناك. ففي سنة 2006، اختطف حزب الله عدة جنود إسرائيليين وقتلهم على الحدود، وردت إسرائيل بحملة عسكرية مدمرة ضد حزب الله ولبنان. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أن هدف إسرائيل لم يكن فقط إعادة الجنود الأسرى إلى الوطن بل تدمير حزب الله.
لقد عدلت إسرائيل أهدافها في وقت لاحق، قائلة إنها كانت تنوي فقط تقليص قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل. وفي غضون شهر، كانت إسرائيل قد أرسلت قواتها إلى لبنان وتعثرت في غضون شهر، وطلبت من الولايات المتحدة الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وكان لبنان قد خسر 1200 شخص وقدرًا كبيرًا من البنية التحتية، لكن حزب الله كان لا يزال قادرًا على إطلاق الصواريخ كما كان يفعل دائمًا.
وعلى الرغم من أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قد أعرب في وقت لاحق عن أسفه على الدمار الذي جلبته العملية الأولى للحزب على لبنان، إلا أن الميليشيا أعلنت النصر، وارتفعت شعبيتها في جميع أنحاء العالم العربي. وتم إرساء الردع المتبادل، واستمر الهدوء على الحدود لمدة عقدين تقريبًا. وفي تلك الفترة، بنى حزب الله ترسانة أسلحته، وكوّن قوة سياسية في لبنان، وأصبح قوة إقليمية شبه عسكرية، له نفوذ ومقاتلون في العراق وسوريا واليمن. ولديه الكثير ليخسره إذا اندلعت الحرب، وهذا هو السبب في أنه أظهر ضبطًا ملحوظًا للنفس – على الرغم من أن أولئك الذين يعيشون في شمال إسرائيل قد لا يرون الأمر على هذا النحو. ولكن مثل حماس وغيرها من جماعات حرب العصابات، يعرفون أن حزب الله يستطيع أن يلعب اللعبة الطويلة أفضل بكثير من أي جيش تقليدي، حتى لو كان جيشًا قويًا مثل الجيش الإسرائيلي.
كان غزو لبنان، سنة 1982، المرة الأولى التي تحارب فيها إسرائيل قوة حرب عصابات بدلاً من جيش تقليدي، كما فعلت من قبل بنجاح ضد مصر والأردن وسوريا. وكانت أيضًا المرة الأولى التي تغزو فيها إسرائيل عاصمة عربية وتقصفها. ولم تنتصر في تلك الحرب ولم تنتصر في أي حرب منذ ذلك الحين. ففي سنة 1982، كتب عوز أنه “لا يمكن أن يكون هناك تكفير عما فعلناه في بيروت”.
ومع ذلك، أصبحت تلك الحملة نموذجًا يحتذى به. واليوم، أصبحت غزة في حالة خراب وآلاف القتلى، لكن معظم الرهائن لا يزالون في أسر حماس، ولا تزال الحركة صامدة. لقد كانت الحرب كارثة استراتيجية لإسرائيل. وقد يعتبرها نتنياهو نوعًا من الانتصار، فقط لأنه لا يزال في السلطة، ولكن بينما يتطلع إلى الشمال؛ حيث ينتظره خصم أكثر شراسة بكثير، وعليه أن يتذكر الدروس المستفادة من حقبة بيغن، عندما كان نائبًا للسفير في الولايات المتحدة: لا يوجد نصر عسكري يمكن تحقيقه في حرب واسعة النطاق ضد لبنان.
المصدر: ذا أتلانتيك