انتهت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، بتصويت المواطنين في الخارج، على استكمال الرئيس عبد الفتاح السيسي، مدته الثانية والأخيرة بمقتضى الدستور المصري، في تجاهل تام للمرشح الأخر، موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، الذي دخل الانتخابات قبل ساعات من غلق باب الترشح، وصنف الكثيريين موقفه، وخصوصا من التيارات المعارضة للسيسي، على أنه ليس أكثر من «ديكور» لتزين العملية الانتخابية، وإعطائها مكملات ديمقراطية، تضيف مزيدا من المصداقية للتجربة أمام العالم.
كالعادة، كانت الانتخابات ساحة للطعن في المواقف، والمزايدة على الوطنية، من جميع الاتجاهات؛ كان الاستقطاب سيد الموقف، وعادت الأغاني التي تطالب المصريين بالنزول، وتنوعت بين مطالبة الرئيس باستكمال خطته العمرانية، وبين حث المواطنين على المشاركة، عبر استنهاض عزيمتهم الوطنية، واعتبار الأمر لحظة فارقة في عمر الوطن، ونسى الجميع في غمار ذلك، استحضار عظمة ثورة يناير في قلوبهم وعقولهم، فلولاها ما كان للمصريين بالخارج، أي تأثير سياسي، أو انتخابي.
التوحد على الجحود لـ”ثورة يناير”
من أقصى المعسكر الليبرالي، إلى دهاليز الصفوف الإخوانية، لم يتذكر أحد صاحب الفضل في هذا المارثون؛ انشغلت الأضداد بالمعارك والتشويه والتخوين، ونسف الحقائق، دون أن يتذكروا الثورة العظيمة، والبوابة الأم لاستعادة حق المصريين بالخارج، في التعبير عن حقوقهم السياسية والدستورية؛ ولم يتذكر «يناير» وما حققته، سوى المرشح الرئاسي السابق، خالد علي، وبعض المحسوبين على معسكر الثورة
وجه “علي”، الشكر للمحامي الراحل العظيم أحمد سيف الإسلام حمد، والمحامي أحمد راغب، والمحامي حسام حداد، والمحامي أحمد حسام، ومركز هشام مبارك للقانون، الذين خاضوا معركة قانونية شرسة، في أكتوبر 2011، وبعد أشهر قليلة، من اندلاع ثورة 25 يناير،لاستعادة الحق الغائب، الذي طالما نادت به القوى الوطنية كثيرا، وكان نظام مبارك يرفضه بشكل قاطع، في ظل الخوف من عدم التحكم في اتجاهاته، والتدخل في الوقت المناسب إذا ما لزم الأمر، مثلما كان الحال في الداخل وقتها.
فيما اعاد الناشط الحقوقي، جمال عيد، سلسلة تغريدات له، مؤيدة ومنحازة لـ”يناير” بعضهم يردد الشعار القديم: “اكتبوا عن ثورة يناير، ولا تسمحوا لأعدائها بمحوها من الذاكرة أو تشويهها، اكتبوا عن فترة النور الوحيدة في تاريخ مظلم قبله وأشد ظلاماً بعده”.
رغم الخطوة شديدة التأثير، على الحياة السياسية، وانعكاساتها على أرض الواقع، ومدّ تأثير المواطن، إلى خارج حدود بلاده، إلا أن العديد من العقبات، واجهت الرغبة في إدماج المغتربين بالعملية السياسية، والفعاليات الانتخابية
يمكن القول، إن الحالة العامة للبلاد، والتدفق الثوري، انعكس على النتائج، وقضت محكمة القضاء الإداري، بإلزام اللجنة العليا للانتخابات بتمكين المصريين المقيمين في الخارج من الاقتراع في أول انتخابات تشريعية بعد الثورة، وألزمت الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، بإنشاء لجان انتخابية فى القنصليات فى الخارج؛ كان نصرًا مبينا لثورة، أعادت الوعي، ونشرت التسامح والتعددية، وجعلت للنضال السياسي على الأرض قيمة، من كل إنسان يحمل الهوية المصرية.
عقبات ما بعد إقرار التصويت بالخارج
رغم الخطوة شديدة التأثير، على الحياة السياسية، وانعكاساتها على أرض الواقع، ومدّ تأثير المواطن، إلى خارج حدود بلاده، إلا أن العديد من العقبات، واجهت الرغبة في إدماج المغتربين بالعملية السياسية، والفعاليات الانتخابية، ورصدت عدة تقارير حقوقية، أن حوالي نصف المسجلين في الخارج، فقط هم الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الماضية التى تنافس فيها السيسي والمرشح الرئاسي الأسبق “حمدين صباحي”.
كان هذا العدد، الأعلى قاطبة، منذ أن بدأت الاستحقاقات الانتخابية عقب ثورة 25 يناير، ووقتها طالب بعض القوى الوطنية، الدولة، بأن تشرع في اتخاذ التدابير اللازمة، لتعزيز هذه الغريزة الانتخابية والسياسية، لاستقطاب كل مصري بالخارج، الأمر الذي من شأنه ربط المغتربين بوطنهم، بما يصب في صالح تعظيم الإستفادة منهم، على المستويات كافة، وليس الاقتصادي فحسب؛ فدورهم يجب أن يكون حاضرًا، في الدفاع عن المصلحة الوطنية، والتعبير عن الإرادة الشعبية.
تؤكد اتجاهات التصويت، أن المتنافسين في الداخل، ينظرون بشغف إلى نتائج تصويت المصريين في الخارج، التي تمثل لهم، تعبيرًا أميناً ودقيقاً
نداءات القوى الوطنية، لم تكن وليدة أحداث 30 يونيو، بل شكلت ملامح مطالب العديد من الأحزاب وقوى المجتمع المدني، بعد ثورة يناير، وهو الأمر الذي استجاب له، كافة الإدارات التي تعاقبت على حكم البلاد، بما فيها «الإخوان»، وقدموا تسهيلات مبتكرة، أدت إلى تزايد عدد من أقبلوا على صناديق الانتخاب بالخارج، على رأسها، السماح لغير المسجلين بالتصويت طالما يحملون بطاقات الرقم القومي أو جوازات السفر المميكنة، مما دمج المقيمين بطرق غير شرعية في بلدان عدة، لا سيما في أوروبا، والذين انتهت صلاحيات جوازات سفرهم، في المشاركة بالاستحقاقات الانتخابية.
أثر الانتخابات في الخارج على الواقع المصري
بعيًدا عن كل الأطراف المتصارعة، سواء تلك التي تذكر الحقائق وفقا لما رصدته الكاميرات في العالم أجمع، أو التي تميل إلى التهويل من الحدث، والمبالغة فيه حد الاستخفاف بالعقول، أو تلك المتقوقعة، التي تكذب كل شيء حتى نفسها، وتعيش حالة دائمة من إنكار الواقع، يمكن رصد عدد من رسائل الانتخابات المصرية في الخارج، والتي تم تكوين صورة ذهنية عنها، من خلال الفعاليات السابقة، والتي تمحورت في العديد من المزايا، لا يمكن التغاضي عنها في قراءة التجربة.
أول الرسائل، تؤكد أن التفاعل مع الحدث، وحجم الإقبال عليه، ينعكس على الداخل؛ فأغلب القوى الوطنية -على رأسهم الدكتور عمار علي حسن، أستاذ السياسة والمعارض للحكم الحالي في مصر- أكدوا أن تجربة الانتخابات والاستفتاءات السابقة، أظهرت وجود علاقة تلازمية، إلى حد كبير، بين نسبة الإقبال على التصويت في الخارج ونظيرتها في الداخل، أو علاقة طردية بين الاثنتين، فكلما زاد الإقبال في الخارج زاد في الداخل، والعكس، وهذه المسألة قابلة للتكرار في الانتخابات الحالية.
كما تؤكد اتجاهات التصويت، أن المتنافسين في الداخل، ينظرون بشغف إلى نتائج تصويت المصريين في الخارج، التي تمثل لهم، تعبيرًا أميناً ودقيقاً، عن ميول الناخبين وحظوظ المرشحين، بشكل عام؛ فهي بالنسبة لهم أشبه باستطلاع رأي، يصاحبه مصداقية وواقعية، أكبر بكثير من أي استطلاعات، لها صلة بالحكومة، وتجري في الداخل على عينات محدودة، لذا يستغل المرشحون، أو المتنافسون في الساحة السياسية، نتائج الخارج بشغف للتسويق السياسي، أو الدعاية لأنفسهم بقوة في الداخل، وهو ما يحدث الآن بشكل حرفي.
رغم استمرار جماعة «الإخوان»، وبعض التيارات الدينية، وحتى السياسية الموالية لها، وعبر العديد من الأذرع والكيانات غير المنظمة، في تنظيم مظاهرات أمام السفارات والقنصليات المصرية بالخارج؛ إلا أن الفعاليات أصبحت قليلة وربما نادرة
وكما هو معروف، فالنتائج الحقيقية، للتصويت في الخارج، لا تعلن إلا مع النتائج الرسمية، والانتهاء من فرز أصوات الناخبين في الداخل، إلا أن النتائج غير الرسمية، التي يعلنها بعض السفراء في وسائل الإعلام، أو التي تتمكن أجهزة الإعلام من الوصول إليها، ونشرها وبثها، يحقق الأهداف، التي يسعى إليها المرشح الأقوى، في الوقت الذي يستمر المرشح الخاسر بالخارج، أو جماعات الضغط الرافضة للعملية برمتها، في التقليل من أهمية تصويت الخارج، وتشويه العملية سواء كان ذلك بطرق احترافية، أو تشويه مفتعل على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبار من خرجوا “قلة” لا وزن لها، وهو ما يقابل برد فعل عكسي غالبا، تستغله وسائل الإعلام للتأكيد على وقوع البلاد في دوامة من التآمر الخارجي، لترسية مصالح فئات أو جماعات بعينها.
رغم استمرار جماعة “الإخوان”، وبعض التيارات الدينية، وحتى السياسية الموالية لها، وعبر العديد من الأذرع والكيانات غير المنظمة، أو الموحدة في أهدافها وآلياتها، في تنظيم مظاهرات أمام السفارات والقنصليات المصرية بالخارج؛ إلا أن الفعاليات أصبحت قليلة وربما نادرة ــ مهما حاولت بعض وسائل الإعلام الإخوانية التضخيم منها ــ قياسا بالمظاهرات الحاشدة، التي كانت تنظم قبيل عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
تضاءلت الفعاليات الاحتجاجية، وانعاكساتها على المجتمع الدولي، بسبب الانشقاقات الداخلية، والفجوة الكبيرة بين الرغبة والقدرة لدى الجماعة، في تنفيذ أهدافها، والاستمرار فيها بناء على النتائج، التي لا تقول أبدا إن الإخوان في طريقها لإحداث معادلة على أرض الواقع، مع النظام المصري بأي شكل، حتى لو كان ذلك حشدا سلميا، لا ينقصه أي من عوامل والنجاح، والبيئة السياسية الصالحة خارج البلاد!